07-12-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ريم الفضلي
يُشكَّل العنف الأسري بحق النساء والفتيات اليمنيات واحداً من أكبر الانتهاكات التي يتعرَّضن لها؛ وعلى مر السنين شهدت اليمن عدداً من الجرائم انتهت بفقدان النساء حياتهن أو تسببت بعاهة دائمة لبعضهن، ولا يعتبر ما حصل للطفلة "العنود" (1) ومروى البيتي (2) وغيرهن الكثير إلا غيض من فيض، ومثال كاف على حجم هذه الانتهاكات التي لا زالت تواجه بقصور كبير من قبل الجهات والمؤسسات المعنية.
ومع استمرار الأوضاع الراهنة التي تمر بها البلاد، تفاقمت هذه الاعتداءات وأصبح من الصعب إحصاؤها ومناهضتها أو التحرك الجاد لمحاولة وضع قوانين وتشريعات تحظرها.
النظرة القاصرة للمرأة
"لقد توقفَ الشعور بالرغبة في الصراخ ورفْض كل هذا الظلم الذي أتعرض له على يد إخوتي الثلاثة، رغم أنَّني الفتاة الوحيدة في الأسرة ويتيمة الأب، إلّا أنَّهم لم يشعروا أبداً أنَّني بحاجة لهم كسند يعوّضني عن الفقد الكبير". تحكي الطفلة شيماء* (15 عاما)، من سكان محافظة عدن، قصتها المؤلمة لـ "سوث24".
وتضيف شيماء، وهي تبحث عن كلمات تختصر معاناتها: "باطل ودون وجه حق".
وتشرح الطفلة الشيماء لـ "سوث24": "أعمل كـالخادمة ليل نهار في بيتنا، اُلبّي لهم كل الطلبات وأطيع كل أوامرهم، ورغم ذلك لا أُقابل إلا بالإهانة والضرب".
"لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أنَّني قد حُرمت من الذهاب الى المدرسة منذ أن كنت في التاسعة بلا سبب".
وتقول شيماء أنَّها تعرضت للتعنيف من قبل إخوتها عندما تسألهم عن السبب، وتضيف "قالوا لي أنَّ البيت هو المكان المناسب حتَّى يأتي النصيب (الزوج)".
تعيش شيماء وكثير من الفتيات اليمنيات حالة قاسية من الاضطهاد الأسري، نتيجة ظروف كثيرة كونتها بعض التقاليد والأفكار المتطرفة وظروف الحرب التي تعيشها البلاد.
ومع تداعيات أزمة الحرب، التي تسببت بانتشار الفقر بشكل مأساوي بين غالبية السكان، تفاقمت نسبة زواج القاصرات إلى الضعف، خصوصا في مناطق شمال اليمن، حيث ذكرت إحصائية في تقرير لمنظمة اليونيسيف عام 2017، أنّ أكثر من ثلثي الفتيات في اليمن متزوجات قبل سن 18 عام، مقابل 50 في المئة قبل اندلاع الصراع. (3)
ويُوضع العنف الأسري جنباً إلى جنب مع معضلة زواج القاصرات، إذ أثبتت غالبية الحالات ارتباط التعنيف بشكل ملحوظ بالفتيات الصغيرات المتزوجات في سن مبكر، مع عدم وجود ضوابط رادعة، وهو ما جعل من السهل خلق أعذار وتبريرات لمثل هكذا جرائم. (4)
الفتاة "العنود" التي تعرَّضت للحرق بمادة "الأسيد" من قبل زوجها فبراير 2021 (GETTY IMAGES)
ولا يوجد في القانون اليمني نص صريح يجرّم مرتكبي التعنيف الأسري بحق المرأة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، ففي المادة رقم 42 من قانون العقوبات رقم 12 لسنة 1994، تنص المادة على أنَّ "دية المرأة القتيلة نصف دية الرجل القتيل“.
وتتعارض المادة السابقة تماماً مع المادة رقم 41 من "الدستور اليمني"، التي تنص على أنَّ "المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة".
حلول للتغيير وحكومات متخاذلة
وطوال السنوات الماضية، عمل بعض المحامين والنشطاء الحقوقيين على رفع سقف المطالبة بتغيير جذري وحقيقي في القوانين ومواد الدستور.
وحول ذلك، قالت المحامية والناشطة الحقوقية عفراء الحريري لـ "سوث24" أنّ لجنة وطنية وضعت قبل عام 2011، "تعديلات لنصوص تُكَّرس التمييز والعنف ضدَّ المرأة باعتبارها الجهة التي تصنع أو تضع السياسات العامة تجاه قضايا المرأة، ومثلها منظمات المجتمع المدني المعنية بالنساء أو حقوق الإنسان..".
وتابعت، "إلا أنَّ الحرب عطلَّت عمل اللجنة الوطنية التي بدأت تستعيد أنفاسها أواخر هذا العام من عدن."
وأشارت الحريري في كلامها إلى أنَّه "من غير الممكن أن يتم صنع فارق في تغيير هذه التشريعات بالوقت الحالي"، وعزت ذلك إلى "الانقسام الحاصل بين مجلس النواب، الذي يمثَّل السلطة التشريعية، بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وكلاهما عاطلان عن العمل".
وفي العام 2014 تمَّ تحضير مشروع قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات من قبل شبكة النساء المستقلات (فوز)، لكنه لم يقدم للجهات التشريعية ذات الصلة، وفقا للحريري.
وقالت المحامية الحريري بأنه "تم مناقشة المشروع في إحدى الفعاليات النسوية لمجموعة التسع، العام الماضي أثناء فعاليات 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، ولم يتم أي تقدَّم بشأنه."
وقفة احتجاجية لناشطات حقوقيات في محافظة حضرموت للمطالبة بـ "القصاص" من زوج مروى البيتي الذي أحرقها باستخدام البنزين ديسمبر 2020 (صحيفة الأيام)
وتعتقد حريري أنّ مسودة المشروع "تحتاج إلى إعادة صياغة، وتسميتها تحتاج إلى تغيير أيضًا بحيث تستوعب الكثير من القضايا والوقائع والمتغيرات، وتشمل أوضاع العنف ضدَّ المرأة في فترة الحرب والسلام."
وعن عمل منظمات المجتمع المدني انتقدت الحريري "الجهود المُبعثرة التي لا يمكن أن تُثمر أو يعرفها الناس والسلطة لإحداث تغيير فعلي لمناهضة العنف ضدَّ النساء في الوضع الحالي".
إحصائيات مُفجعة ونساء خائفات
وكان تقرير في العام 2017، نشره صندوق الأمم المتحدة للسكان، قال أنَّ العنف ضد المرأة ارتفع بنسبة 63 في المئة منذ بداية الصراع في اليمن، وأنَّ 2.6 مليون امرأة مُعرضة لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأنَّ جائحة كورونا أدَّت إلى تفاقم المشكلة وارتفاع عدد حالات العنف بشكل كبير. (5)
وإلى الشرق من عدن، تعاني جوهرة*، 35 عاماً، من محافظة أبين في جنوب اليمن، أم لأربعة أطفال. تلقّت جوهرة تعنيفاً مبرحاً من زوجها "العاطل" عن العمل منذ عام 2018، كما شرحت ذلك عبر الهاتف لـ "سوث24".
تقول جوهرة "لجأتُ إلى أهلي عدة مرات، وفي كل مرة يحثونني على الصبر والتحمّل واحتواء المشكلة، ورغم الكدمات الكثيرة التي أذهب بها إليهم طالبة منهم أن ينصفوني، يقابلوني بنفس النصح الذي ينزل على قلبي كالسعير."
وتتابع: "حاولت أن أقنع نفسي كثيراً بأنَّ زوجي يفعل ذلك بسبب الظروف التي يمر فيها، لكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق."
فقد عرضت جوهرة عليه المساعدة، وأبدت استعدادها للعمل، كونها تحمل شهادة جامعية، "لكن عرضي هذا تحول إلى مشكلة وقعت فوق رأسي أنا وحدي، فتلقيت جملة من الشتائم والضرب المبرح، واتهمني بأنَّني أريد ان أجلب له العار..".
وخلال حديثها، أكَّدت جوهرة أنَّه وبالرغم من الحاح صديقاتها عليها باللجوء إلى إحدى المنظمات المعنية بحماية النساء المُعنَّفات، إلا أنَّ "من الأهون عليها أن تبقى بين يدي زوجها المُعنِّف من أن تُسلَّم نفسها إلى جهات لا تعلم عنها شيء"، حدَّ تعبيرها.
ورداً على شكوك جوهرة، تواصلنا مع مديرة فرع منظمة اتحاد نساء اليمن في محافظة أبين، عديلة الخضر، وأشارت إلى "أنَّ المنظمة تعمل جاهدة على توعية النساء في المحافظة للتغلب على كل الأفكار المغلوطة عن المنظمات، وكذلك لتعريف النساء بحقوقهن، وإيصال مساعداتنا إلى أكبر عدد ممكن".
وعلى الرغم من أنّ المنظمة لا تتلقى دعما من السلطات الرسمية، كما تقول الخضر إلا أنّ المنظمة، تمارس نشاطها، بصورة تطوعية من قبل عدد من الشباب.
لم تنتهِ الحكاية وحسب عند الطفلة شيماء أو الأم جوهرة، لا تزال هناك مئات النساء اللاتي لم يجرؤن بعد على سرد قصصهن والدفاع عن حقوقهن الإنسانية، وسط تساؤلات لديهن "عن اللحظة التي سيتم بها إنصافهن من تلك المعاناة."
صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: الفتاة "العنود" التي تعرَّضت للحرق بمادة "الأسيد" من قبل زوجها فبراير 2021 (GETTY IMAGES)
* (تنبيه: أسماء الضحيتين اللاتي تحدثن لـ "سوث24" مُستعارة، حرصا على سلامتهنّ)