19-12-2021 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ترجمات
أصبح من الشائع أن نقرأ أو نسمع من المعلقين أنّ موقف أمريكا في الشرق الأوسط قد تدهور بشكل كبير. حتى إنّ البعض يرى أنّ نفوذ الولايات المتحدة هناك في طريقه للخروج تمامًا. لكن هل نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أقل الآن مما كان عليه في الماضي؟
إنّ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانهيار الحكومة التي كانت تدعمها هناك، وانتهاء العمليات القتالية الأمريكية في العراق، والبصمة الصغيرة المتبقية للولايات المتحدة في سوريا إلى جانب عدم قدرتها على إحداث تغيير سياسي ذي معنى هناك، وعلاقتها الصعبة مع تركيا؛ تُشير جميعها إلى نفوذ أمريكي أقل في المنطقة مما كان عليه في الماضي القريب.
لكن الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي تدخلت فيها الولايات المتحدة عسكريًا وشكّلت حكومتين جديدتين في أفغانستان والعراق، وأملت لاحقًا في دعم التغيير الإيجابي في ليبيا وسوريا، كانت فترة استثنائية مرت خلالها الولايات المتحدة - أو بدت وكأنّ لديها —نفوذ أكبر بكثير من الآن.
ومع ذلك، إذا قارنا نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الآن بما كان عليه قبل أربعين عامًا في ذروة الحرب الباردة في عام 1981، فإنّ ما نجده هو أنه مشابه بشكل ملحوظ الآن لما كان عليه في ذلك الوقت. في عام 2021، لدى أمريكا أساسًا نفس الحلفاء الذين كانوا لديها في عام 1981: إسرائيل ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية وجميع دول الخليج العربية الأخرى، والمغرب. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال متحالفة رسميًا مع تركيا، إلا أنّ علاقتها مع أنقرة صعبة للغاية اليوم - لكنها كانت كذلك عقب الغزو التركي لقبرص الشرقية في عام 1974 وعلاقتها العدائية مع حليف أمريكا، اليونان.
بطبيعة الحال، فإنّ مقارنة موقف أمريكا اليوم بما كان عليه في عام 1981 هو أمر تعسفي إلى حد ما. إذا قارنا اليوم بـعام 1976 بدلًا من 1981، لكانت إيران مدرجة في قائمة حلفاء الولايات المتحدة - وهو أمر ليس كذلك الآن بالتأكيد. لكن إذا قارنا اليوم بخمس سنوات سابقة من عام -1971- فلن تكون مصر في قائمة حلفاء واشنطن، بل في قائمة حلفاء موسكو. هذا الأمر يُظهر أنّ حقبة الحرب الباردة - مثل الحقبة الحالية - هي حقبة كان فيها كسب وخسارة الحلفاء أمرًا طبيعيًا.
ويشير كثير ممن ينتقدون فقدان النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط إلى تنامي النفوذ الروسي هناك. ولكن مقارنة بالماضي، فإن عودة روسيا ليست مثيرة للإعجاب. في عام 1981، كان الاتحاد السوفيتي القوة العظمى ذات النفوذ السائد في سوريا والعراق وجنوب اليمن وليبيا وأفغانستان. كما كان لديه علاقات أوثق مع الجزائر واليمن الشمالي مقارنة بالولايات المتحدة. أما الآن، على النقيض من ذلك، تشارك روسيا نفوذها مع إيران في سوريا ومع تركيا وآخرين في ليبيا. ولها تأثير محدود فقط في أفغانستان واليمن والعراق.
قد يرى البعض العلاقات المتنامية التي طوّرتها كل من موسكو وبكين مع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط على أنها شيء يجب أن تقلق واشنطن بشأنه. خلال الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي يحاول بنشاط إضعاف أو حتى الإطاحة بالحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة. الآن، تُريد كل من روسيا والصين العمل مع جميع حكومات الشرق الأوسط المتحالفة مع الولايات المتحدة، وليس إضعافها. في الواقع، لا يبدو أنّ روسيا ولا الصين تحاول إقناع حكومات الشرق الأوسط بإنهاء تحالفاتها مع الولايات المتحدة والتحالف مع أي منهما أو كليهما بدلًا من ذلك.
في الواقع، لا يبدو أن أيًا من القوى المتنافسة العظمى لأمريكا حريصٌ على استبدال الولايات المتحدة كضامن أمني لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط. قد يكون اضطرار واشنطن إلى التنافس مع موسكو وبكين على مبيعات الأسلحة وصفقات النفط والاستثمارات من حلفاء أمريكا، أمرًا مزعجًا، لكنّ هذه مشكلات أقل خطورة بكثير من الاضطرار إلى مواجهة الجهود السوفيتية السابقة لإضعافها أو الإطاحة بها.
ومع ذلك، فإن مسألة "ما إذا كانت تركيا لا تزال متحالفة مع الولايات المتحدة" نشأت، لأسباب ليس أقلها تعاونها المتزايد مع موسكو - لا سيما من خلال شرائها صواريخ الدفاع الجوي الروسية S-400 رغم اعتراضات واشنطن القوية. ولكن لمجرد أنّ تحالف تركيا مع الولايات المتحدة أصبح أضعف لا يعني أنها أصبحت حليفًا لروسيا. فبعد كل شيء، إنّ تركيا على خلاف مع روسيا في سوريا وليبيا ومسرح أرمينيا وأذربيجان وحتى أوكرانيا. ويبدو أن تركيا ليست مهتمة بأن تكون حليفة لأمريكا أو لروسيا بقدر اهتمامها بأن تكون قوة عظمى في حد ذاتها. هذا شيء يمثل تحديًا ليس فقط لواشنطن، ولكن أيضًا لموسكو ولكل من حلفائها الإقليميين.
إنّ رؤية الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، عقب الوهج الذي بدا أنها جسدته تدخلاتها الناجحة في أفغانستان ثم العراق، لم تدم طويلًا. لكن لا يزال لدى أمريكا في الأساس نفس الحلفاء في الشرق الأوسط الذين كانت لديهم قبل أربعين عامًا. وطالما فعلت ذلك، يُمكن لأمريكا أن تظل قوة عظمى في الشرق الأوسط طالما أنها تريد ذلك.
على الرغم من ذلك، يُشير العديد من حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط إلى سقوط حكومة كابول في أفغانستان وصعود النفوذ الإيراني في العراق على أنه يُلقي بِظلال من الشك على أمريكا للبقاء قوة عظمى في الشرق الأوسط. لكن قبل أربعين عامًا، أثار هؤلاء الحلفاء مخاوف مماثلة بشأن كيفية انسحاب أمريكا من الهند الصينية عام 1973 و"سماحها" بسقوط الشاه عام 1979، مما ألقى بظلال من الشك على التزام واشنطن تجاه حلفائها الآخرين. لكن أمريكا لم تغادر الشرق الأوسط في ذلك الوقت، ولن تتركه الآن أيضًا.
مارك ن. كاتز
أستاذ بجامعة جورج ميسون، في ولاية فرجينيا الأمريكية، وزميل أقدم غير مقيم في المجلس الأطلسي (انترناشنال انتريست)
- ترجمه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: رقيب في الجيش الأمريكي يقوم بمهمة الحراسة بالقرب من بئر نفط محترق في حقول نفط الرميلة في جنوب العراق، 2003 (البحرية الأمريكية)