التقارير الخاصة

منتخب الناشئين في اليمن: بين الاستغلال والاستثمار

23-12-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24| عبدالله الشادلي


كغيره من القطاعات، يعاني القطاع الرياضي في اليمن من تحديات كبيرة، في ظل الحرب التي تدخل عامها السابع في البلاد. ورغم علاقة الاقتتال والعداء التي تجمع الأطراف في شمال وجنوب اليمن، إلا أنَّ هذا القطاع استطاع إلى درجة كبيرة أن ينأى بنفسه عن الصراع والتجاذبات، وحالة الانقسام.


وتقوم بتمثيل البلاد منتخبات رسمية هي آخر ما يجمع الفرقاء الآن، ومن ضمنها منتخب الناشئين لكرة القدم تحت سن 17 عاماً، الذي حقَّق نصراً رياضياً تاريخياً، 13 ديسمبر الجاري، بانتزاعه كأس النسخة الثامنة من بطولة اتحاد غرب آسيا للناشئين التي أقيمت بالسعودية، بعد تغلبه على صاحب الأرض بركلات الترجيح.


فاز هذا المنتخب الذي ينتمي معظم لاعبيه إلى أندية عدن، جنوب اليمن، بما اعتبره اليمنيون البطولة التي لم تنالها بلدهم منذ قيامها، وهو ما جعل الاحتفال والابتهاج يعمّان صفوف الشعبين، وخرج المئات إلى الشوارع في عدن وصنعاء ومدن أخرى، وحتّى اليمنيون في الشتات.


ولكنَّ هذا الابتهاج لم يدم طويلاً، مع الاتهامات الموجهة ضدَّ وزير الرياضة والشباب اليمني بالحكومة المعترف بها دولياً، نائف البكري، ورئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم، رجل الأعمال المُقرب من الرئاسة اليمنية، أحمد العيسي، بتوظيف واستغلال انتصار الناشئين ومنتخبهم سياسياً.


التفاتة سياسية


وتتهم أطراف رياضية وسياسية الجهات الرياضية الرسمية بتجاهل المنتخب قبل حصوله على البطولة، وعدم مد يد الدعم له.


قالت مصادر خاصة مُقربة من منتخب الناشئين لـ "سوث24" إنَّ المنتخب عانى قبل تحقيق البطولة من إهمال وتجاهل كبيرين من قِبل الجهات الرسمية بالحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم، قبل أن يتغيّر الوضع تماماً بعد فوزه، بما وصفته هذه المصادر بـ "الالتفاتة السياسية".


وأشارت المصادر – التي رفضت نشر هويتها – إلى أنَّ المنتخب لم يتلق دعماً حقيقياً أثناء تدريبه في معسكره بعدن، وكانت التغذية في هذا المعسكر "سيئة"، ولم يُنقل حتَّى بطائرة إلى مدينة الدمام السعودية، حيث أقيمت البطولة، بل اضطر للسفر عبر البر في رحلة شاقة لمئات الكيلومترات استمرت ليومين.


وقالت المصادر إنَّ المنتخب "اضطر للسفر براً ثم العودة مراراً بين سيئون في حضرموت وعدن بعد تأجيل بطولة غرب آسيا لثلاث مرات، ليسافر بعدها من سيئون للدمام السعودية بشاحنة نقل.


ونفى عضو مجلس إدارة اتحاد كرة القدم اليمني، الدكتور حسن عبدربّه، في حديثه لـ "سوث24" صحة هذه الادعاءات، زاعماً أنَّ المنتخب "توجه من عدن إلى الدمام مباشرة عبر شركة نقل سعودية محترمة". مضيفاً "هذه البطولة وحّدت اليمنيين بمختلف شرائحهم وحققت ما لم يحققه السياسيون".


وبدوره، قال نائب رئيس دائرة الشباب والرياضة في المجلس الانتقالي الجنوبي، الكريحي طاهر كنعان، لـ «سوث24» إنَّ "عدن استقبلت منتخب الناشئين ومعسكرهم بعد توفير التسهيلات كافة من قبلنا". متهماً اتحاد كرة القدم الذي يقوده أحمد العيسي بمحاولة منع إقامة معسكر المنتخب في عدن، لإثبات أنَّها "غير آمنة".


وزعم كنعان أنَّ الإنجاز الأخير للناشئين "أنصف الأندية العدنية التي لطالما أجحفها اتحاد العيسي بقراراته"، مؤكَّداً أنَّ "أغلب لاعبي الناشئين من أندية العاصمة الجنوبية عدن التي تعرضت للظلم والخذلان من وزارة الشباب والرياضة واتحاد العيسي، اللذان استخدما وبددا أموال الشباب وصندوق النشء بأعمال سياسية لا تمت للرياضة بصلة".


"استغلال الناشئين"


وانتقد المحلل السياسي، سعيد بكران، ما اعتبره "تسييساً" للبطولة الرياضية، من قبل حزب الإصلاح الإسلامي الذي ينتمي له وزير الشباب والرياضة اليمني.


 وقال بكران لـ "سوث24" أنَّ حزب الإصلاح قام بـ "استغلال منتخب الناشئين لأغراض سياسية وتسويق شخصيات معينة تخدمه". 


واعتبر بكران أنَّ الإصلاح، فرع الإخوان المسلمين باليمن، "يعاني من أزمة كبيرة في الحضور والفعل، وهو ما دفعه إلى استثمار تلك اللحظة التلقائية التي تفاعل معها الجمهور بشكل إنساني".



وأشار بكران إلى أنَّ تشكيلة الفريق المُكوّنة من لاعبين من الشمال ومن الجنوب "تُعبّر عن طرفين فقط لا عن شمال وجنوب". مُتهما الإصلاح والإخوان بـ "إفساد كل المجالات التي يدخلونها". 


وقال:  "شاهدنا استثمار الوزير نائف البكري وأحمد صالح العيسي، في مشهد بدى كأنه عملية تنظيف لصورتهم السيئة وغير المقبولة لدى قطاع واسع من الشعب الذي يحملهم مسائل كثيرة وأخطاء كبيرة في الفساد واختطاف الدولة والخطاب الديني".


والعيسي هو من كبار التجار اليمنيين، ويملك شركات قابضة تسيطر على قطاعات كبيرة بينها النفط والنقل البحري. وتلاحقه تهم بالفساد، رغمه نفيه لذلك. كما أنه سعى في مايو 2018 لتشكيل ائتلاف سياسي رديف للمجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن، إلا أنّ الائتلاف أخفق في كسب ثقة الجنوبيين.



ووصف بكران ما حدث بـ "الاختطاف السياسي لحدث رياضي"، مؤكداً أنَّ "تحويل حدث رياضي إلى استفتاء سياسي معين أمر مثير للشفقة، ولا يخدم الوحدة اليمنية أو أي مسار لحل المشكلات".


واتفق الصحفي والمحلل السياسي، صلاح السقلدي، مع سعيد بكران في أنَّ الحدث الرياضي "تم تسييسه".


وقال السقلدي لـ "سوث24"، "هذه ليست المرة الأولى التي يتم توظيف الرياضة بخدمة السياسة اليمنية ضدَّ القضية الجنوبية"، مشيراً إلى أنَّ سلطات النظام اليمني السابق في عام 2010 "استغلت كأس الخليج الذي أُقيم في عدن لمواجهة الثورة الجنوبية (الحراك الجنوبي) حينها".


واليوم، يقول السقلدي "اعتبرت القوى الشمالية على تبايناتها وخلافاتها العميقة أنَّ مجرد تفاعل الجنوبيين في أجواء مباراة اليمن والسعودية يعني أنّ الجنوبيين قد تخلوا عن قضيتهم السياسية ومشروعهم السياسي".


وأكَد السقلدي أنَّ الفعاليات الجماهيرية والثقافية والرياضية "تلطّف اجواء السياسة وتخفف من الاحتقانات؛ إلا أنَّ هذا تخفيف آني، ولا تعالج مباراة في 90 دقيقة أزمات كبيرة عمرها عقود من الزمن".


واعتبر السقلدي أنَّ تشجيع الجنوبيين للمنتخب كان من مُنطلق أنَّ الفريق "تضمن لاعبين جنوبيين في صفوفه، ولا علاقة لذلك ذلك بالسياسة ولا الوحدة اليمنية".


وفي معرض رده على كل هذه الاتهامات، قال شكري حسين، مدير إعلام وزارة الشباب والرياضة لـ«سوث24» إنَّ معظم من وصفهم بـ "الكتاب والمفسبكين" يكتبون "دون دراية"، مضيفاً " في ظلّ هذا الفضاء الإعلامي، لا تستطيع أن ترد على الجميع وتقول له أخطأت".


واكتفى شكري بالقول "العمل مستمر والكل يؤدي دوره كما ينبغي".


ولفت عضو إدارة اتحاد كرة القدم اليمني، حسين عبد ربه، إلى أنَّ "العلاقة مع وزارة الشباب والرياضة جيّدة جداً، ومن خلالها تم اعتماد مبلغ 500 مليون ريال للمنتخبات الوطنية لكرة القدم بحسب قرار مجلس الوزراء"، مشيراً إلى أنّ "هذا المبلغ" لم يتم صرفه بالكامل وفق ما تم اعتماده سنوياً


استثمار المنتخب صاعد


وحول استثمار هذا المنتخب، أشار المسؤول الرياضي بالانتقالي، الكريحي كنعان، إنَّ المجلس سيواصل دعمه للمنتخب ودعم أندية عدن العريقة "التي خرج منها لاعبوه ونجومه".


مضيفاً، "أداء منتخب الناشئين كان متميزاً للغاية، وهذه هي المرة الأولى التي تُتاح فيها الفرصة للاعبين من مناطق الجنوب للمشاركة بعد أن كانت حكراً على جهات معينة".


ووجّه كنعان رسالة عبر «سوث24» قال فيها "نتمنى من الجهات التي استغلت فوز المنتخب عدم خلط الرياضة بالسياسة وعدم استغلال الناشئين لتمرير مخططاتها. دعوا الشعبين في الجنوب وفي الشمال يفرحان بهذا الإنجاز".


وقال المسؤول بوزارة الشباب والرياضة، شكري حسين، إنَّ "الوزارة واتحاد كرة القدم يطمحان إلى تحقيق إنجازات أفضل من خلال الاعتناء بالمنتخب لتحقق إنجازات أكبر".


ويضيف شكري "لعلّ أول هذه الخطوات، أن وزير الشباب والرياضة، نائف البكري، قد وقّع مع الجانب القطري اتفاقية لاستضافة منتخب الناشئين في معسكر إعدادي؛ استعداداً للاستحقاقات الآسيوية القادمة، وأيضاً من خلال التدريب والتأهيل في أكاديمية (أسباير)".


ويشير شكري إلى أنَّ اتحاد كرة القدم "كرّم المنتخب وحفّزه بشكل أكبر"؛ مؤكداً أنَّ أطراف الرياضة "يعملون جاهدين لتطوير المنتخب والارتقاء به في المسابقات القادمة".


لكنّ رئيس فرع اتحاد الإعلام الرياضي بساحل حضرموت، صلاح العمّاري أشار لـ "سوث24"، أنَّه "سبق وأن كان هناك منتخب لم يتم الاهتمام به وتأهل إلى نهايات كأس العالم للناشئين". 


وعلّق العمّاري على تقاسم مسؤولين وشخصيات حكومية انتصار المنتخب، "التهاني والتبريكات والاقتراب من المباريات النهائية وأخذ الصور التذكارية ليست حلولاً أو خطوات عملية للاهتمام بالمنتخب".


وتابع، "يجب الاهتمام بالمنتخب ورعايته من خلال المعسكرات والمباريات التجريبية الدائمة، والكشف عن لاعبين آخرين في كل المحافظات".


ولفت العمّاري إلى أنّه "يمكن استثمار فوز المنتخب بزيادة الاهتمام بقطاعات الناشئين واكتشاف مواهب جديدة لدعم المنتخبات بمختلفة فئاتها العمرية".


وعلى الرغم من التوظيف السياسي لهذه البطولة، إلا أنّ لاعبي المنتخب كان هدفهم مختلفا تماما عما تسعى له النخب والأطراف السياسية.

يقول لاعب منتخب الناشئين سعيد العولقي لـ سوث24: "لقد كان هدفنا البطولة فقط، ولم نكن نفكر في غيرها أبداً".


عبدالله الشادلي 

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


- الصورة: منتخب الناشئين (الرؤية الرياضية)




شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا