27-12-2021 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
ارتفعت وتيرة الضربات الجوية المكثّفة على صنعاء منذ أكثر من شهر، حيث استأنفت طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية عملها العسكري تجاه صنعاء في 23 نوفمبر الفائت بعد توقف دام لأشهر، نتيجة الضغوطات الدولية الساعية لوقف إطلاق النار. وتركزت معظم الضربات على مطار صنعاء الدولي وعدة أهداف ومواقع عسكرية مشروعة حسب ما ذكر التحالف [1]، الذي طالب المدنيين بعدم التجمع أو الاقتراب من المواقع المستهدفة.
يُعزى تبرير استئناف الضربات الجوية على صنعاء إلى فيديو نشرته القنوات الفضائية السعودية كان التحالف العربي قد رفع السرية عنه قبيل الضربة بساعات. ويظهر فيه عناصر حوثية وهي تقوم بتدريبات وتختبر منظومة جوية صاروخية على طائرات أممية، باعتبارها هدفاً متحركاً في محاكاة لسيناريوهات الاعتراض والتدمير [2]. وقد نجحت ضربات التحالف في تحييد الحوثيين عن هجماتهم في العمق السعودي، رغم إعلان جماعة الحوثي عن عملية "السابع من ديسمبر" بعد أكثر من أسبوعين من كثافة العملية العسكرية، إلا أنها لم تكن مؤثرة بالقدر الذي توقعته.
عند تقييم ما يجري الآن في صنعاء، لا يتم التوصل إلا لنتيجة واحدة؛ سوى أن العمل الاستخباراتي بات موسّعاً وأكثر دقة هذه المرة من جانب التحالف العربي. وقد يعود ذلك حسب مراقبين؛ إلى مشاركة أمريكية لوجستية، هدفها الضغط على إيران بشأن البرنامج النووي الإيراني. فطهران مازالت تماطل في سبيل إحياء اتفاق 2015 لتخفيف حدة العقوبات عليها، وهو ما يعقد من وضعية المفاوضات الذي يبدو أنها قد تمهد لنشوب صراع أمريكي-إيراني، خاصة إذا دخلت إسرائيل على خط المواجهة.
بلا شك، أن التصعيد العسكري الأخير تجاه صنعاء كان مقدمة لإسقاط الحصانة القانونية عن مطارها، الذي ظل تحت الحماية بموجب القانون الدولي. وربما انتظر التحالف اللحظة المناسبة لإثبات صحة ادعاءاته بتحويل الحوثيين المطار والأعيان المدنية إلى ثكنات عسكرية ومنصات لإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. على سبيل المثال، منح التحالف العربي مهلة 6 ساعات للحوثيين لإخراج الأسلحة من ملعب الثورة في صنعاء، وإعادة العين المدني لحالته الطبيعية. وبالفعل تم تأكيد إخراج الحوثيين لأسلحة نوعية من الملعب ونقلها إلى معسكر التشريفات، ولم تمضي ساعات إلا وتم قصف المعسكر ومجموعة من الأهداف الأخرى الذي يؤكد التحالف أن الحوثيين يحتفظون فيها بأسلحة نوعية؛ منها مواقع لأعيان مدنية.
وقد عرض التحالف العربي بقيادة السعودية خلال مؤتمر صحفي "الأحد"، فيديو يكشف عن تورط قيادات في حزب الله باستهداف السفن في البحر الأحمر، واتهمهم بتدريب الحوثيين على تشغيل وتفخيخ الطائرات المسيرة. [3]
وفاة غامضة
في المقابل، من غير الواضح حتى الآن الكيفية التي توفي بها السفير الإيراني "حسن إيرلو"، في صنعاء، إن كان نتيجة لقصف جوي، أو إصابة بفيروس كورونا. لكن الرواية الإيرانية الرسمية تؤكد أنه فارق الحياة متأثراً بإصابته بكورونا، حسب ما جاء في بيان النعي الذي قدمه "علي خامنئي" المرشد الأعلى في إيران [4]. وما سبقه من تصريح لوزير خارجية إيران "أمير عبد اللهيان"، الذي هدد بتقديم احتجاج رسمي ضد السعودية بسبب تأخرها باتخاذ قرار السماح بنقل السفير إلى إيران لتلقي العلاج، بعد إصابته بفيروس كورونا ووفاته لاحقاً [5]. غير أن الرواية التي تم تداولها عبر محللين سياسيين ومدونين، تؤكد أن "إيرلو" قتل في غارة جوية مع مجموعة من خبراء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وحوثيين، في أحد المواقع العسكرية التي رصدها التحالف.
تحيي ردود الفعل مجتمعة أن الرواية الثانية هي الأقرب للحقيقة، خاصة وأن طريقة مراسم تشييع "إيرلو" تدل على أنه تشييع غير مرتبط بوباء خطير مثل كورونا، والذي جرت العادة أن يدفن المتوفيين به في أوضاع أكثر حرصاً وأقل تجمعاً تحاشياً للعدوى [6]. فضلاً عن نعي السفير بلقب "الشهيد"، ووصفه من قبل نشطاء إيرانيين بأنه "قاسم سليماني اليمن". وهو الوصف الذي نعته به ابنته "فاطمة إيرلو" بالمثل في تغريدة لها على تويتر [7] بأنه استشهد في اليمن، وسيؤدي استشهاده إلى بؤس ابن سلمان، وهي تعني بذلك الملك السعودي وولي عهده، كما أدى استشهاد "قاسم سليماني" إلى بؤس "ترمب"، حسب قولها.
بيد أن الملفت للأمر، هو ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 17 ديسمبر، بأن الحوثيون طلبوا من السعودية السماح للدبلوماسي الإيراني "إيرلو" بالعودة على الفور إلى إيران، وهو ما اعتبرته السعودية وعدد من المراقبين في بادئ الأمر؛ دلالة على خلافات وتوتر بين طهران وجماعة الحوثي، رغم نفي الأخيرة. غير أن ذلك بدا كمحاولة لإخلاء السفير من صنعاء بأي طريقة. وهو ما أكده الطلب الإيراني بعد يومين بشكل آخر؛ على أنه مصاب بكورونا ويتطلب نقله لإيران بسرعة نظراً لتدهور حالته الصحية. وبالفعل تم نقله بوساطة دبلوماسية عمانية-عراقية بعد أقل من 48 ساعة من الإبلاغ عن حالته الصحية، رغم اتهامات وزير الخارجية الإيراني للجانب السعودي بالتلكؤ في اتخاذ قرار نقله.
في مطلق الأحوال، لم يحصل "إيرلو" على تعاطف شعبي في صنعاء وغيرها من مناطق نفوذ سيطرة الحوثيين، نتيجة اتهامات ضلوعه في كثير من الأعمال العسكرية التي تسببت بقصف مواقع عديدة في صنعاء وقتلت مدنيين. بالإضافة لقيادته بشكل رئيسي في عمليات التدريب والتخطيط لإدارة معارك مأرب الأخيرة وغيرها من المناطق المحررة في جنوب اليمن، حسب اتهامات له من الحكومة اليمنية والتحالف العربي. فضلاً عن دوره الكبير في قيادة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة باتجاه السعودية. وقد أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية في كانون الأول/ديسمبر 2020، "إيرلو" على قائمتها السوداء، وقالت إنه مسؤول في فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيراني في الخارج. [8]
ومن المهم في هذه الجزئية، الإشارة إلى الشكوك التي أثيرت حول هوية "إيرلو" الحقيقية بعد مقتله، خاصة بعد أن نشرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا"، على تويتر معلومة بأنه هو ذاته "عبدالرضا شهلائي"، قبل أن تحذفها لاحقاً. وشهلائي هو الشخصية العسكرية التي فشلت المخابرات الأمريكية في قتلها أثناء شنها غارة جوية على صنعاء في 3 يناير 2020، بالتزامن مع الضربة التي استهدفت "قاسم سليماني" في العراق. ويعتقد كثير من المحللين أن الضابط في الحرس الثوري الإيراني "شهلائي"، هو الاسم الوهمي لإيرلو. ويمكن استدلال ذلك من طريقة التغطية الإخبارية الكبيرة التي تناولتها المواقع الإيرانية بشكل كثيف عن وفاته، فضلاً عن حضور شخصيات رفيعة المستوى وضباط من الحرس الثوري أثناء تشييع جثمانه، مما يعزز من أهمية الدور الذي لعبه الرجل في اليمن ومناطق أخرى قبل ذلك، وهو اهتمام لن تحظى به شخصية دبلوماسية عادية في ظروف مواتية.
انسداد أم تسريع سياسي
طغى الموقف العسكري في النصف الثاني من السنة، مقابل تراجع النشاط الدبلوماسي والسياسي الكثيف الذي كان يتصدر النصف الأول منها. فالحوثيون حشدوا طاقاتهم العسكرية وسيطروا على مواقع مختلفة في مأرب والبيضاء كما تم تسليمهم ثلاث مديريات في شبوة جنوب اليمن من قبل حزب الإصلاح الذي كان مسيطراً على السلطة المحلية في المحافظة، حسب اتهامات من قيادات في الجيش اليمني، قبل أن يتم تغيير محافظ جديد متوافق عليه مؤخراً. بيد أن العمليات العسكرية غير المتوقعة في صنعاء ومناطق نفوذ سيطرة الحوثيين منذ نوفمبر الفائت حتى الآن؛ بدت أكثر حدة وتركيز، وهو ما يشير إلى أن هناك بنك أهداف مدروس من خلال دقة الضربات التي بينت فعلاً وجود مخازن أسلحة أثبتته الانفجارات المتتالية بعد الضربات.
يمكن القول، أنه على الرغم من توتر الوضع العسكري في صنعاء، إلا أن التصريحات المتبادلة بين الحوثيين والتحالف العربي ليست بالقوة المتوقعة التي تدل على ما يمكن تقييمه بانسداد الأفق السياسي بين أطراف الصراع. إذ يمكن وصف ما يجري بعملية عسكرية استباقاً لعمل سياسي وتحديد نقطة شروع واضحة قبل استئناف العملية السياسية التي بطئت وتراجعت. وعلى الأرجح؛ أن العمل العسكري جاء لتحريك المياه السياسية الراكدة والتسريع من عمليتها.
أمر آخر أكثر أهمية، فالمبعوث الأممي "غروندبيرغ" لم يزر الحوثيين حتى الآن في صنعاء، وهو يبدو مؤشر على أنه غير استراتيجيته مع الحوثيين على عكس سابقيه من المبعوثين. وينتظر من كل الأطراف الانخراط في العملية السياسية "دون شروط مسبقة" كما يصرح دائماً [9]. وهو ما يدل على أن الرجل لن يستجيب لشروط الحوثيين في فتح مطار صنعاء بسبب موقفه أولاً، وبسبب الضربات الجوية على المطار ورفع الحصانة القانونية عنه ثانياً.
ويمكن أن تدفع هذه التحولات الحوثيين للتعاطي مع المبعوث الأممي، وتقليل خسائرهم فيما يتعلق بالسلاح النوعي، لأن استمرار القصف الجوي سيؤدي إلى فقدانهم كثير من مخزون السلاح، لا سيما بعد تشديد الرقابة على منافذ التهريب. على سبيل المثال، تمكنت "قوات العمالقة المشتركة" التي أعلنت إعادة التموضع في محافظة شبوة مؤخراً؛ من ضبط شحنة طائرات مسيرة في إحدى النقاط الأمنية بمديرية "رضوم" كانت في طريقها للحوثيين [10]. ومساء الأحد أعلنت قوات ألوية الدعم والإسناد التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، في نقطة معسكر جبل العر بيافع، من ضبط حاوية محملة بأنواع مختلفة من الطائرات المسيرة كانت في طريقها إلى مناطق سيطرة الحوثيين [11]. ويوم 20 ديسمبر الجاري، صادرت سفن الأسطول الخامس الأمريكي ما يقرب من 1400 بندقية هجومية من طراز AK-47 و 226600 طلقة ذخيرة، من سفينة صيد عديمة الجنسية نشأت في إيران حسب البيان الأمريكي، ويقودها خمسة يمنيون، وعبرت المياه الدولية التي تستخدم لتهريب الأسلحة بشكل غير قانوني إلى الحوثيين. [12]
بناءً على ما سبق يمكن القول، أن هناك مؤشر حقيقي يضيق الخناق على الحوثيين في تهريب السلاح، فضلاً عن الاستهداف المركز على ورش تجميعه في صنعاء. الأمر الذي قد يعرض السلاح الذي يعتمد عليه الحوثيون في السنوات الأخيرة كسلاح استراتيجي، إلى تأثير أقل. ومن المرجح أن الحوثيين سيلجأون لخيار إرغامي من خلال التجاوب مع المبعوث الأممي والدخول في عملية سياسية، لتلاشي الخسائر والمحافظة على ما لديهم من مكاسب على الأرض.
باحثة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: مشيعيون يحملون تحمل نعش السفير الإيراني لدى جماعة الحوثي حسن إيرلو أثناء جنازته في طهران، 21 كانون الأول/ديسمبر 2021 (إعلام إيراني)
المراجع:
[1] . تويتر واس العام على تويتر: "#عاجل التحالف: بدء تنفيذ ضربات جوية لأهداف عسكرية مشروعة في صنعاء. #واس_عام" (twitter.com)
[2]. فيديو حصري.. الحوثيون يحولون مطار صنعاء إلى ثكنة عسكرية - YouTube
[3]. التحالف يعرض أدلة على تورط حزب الله الإرهابي في #اليمن - YouTube
[4]. بيان من خامنئي بشأن وفاة سفير إيران لدى صنعاء - RT Arabic
[5]. وزير خارجية إيران يتوعد السعودية بعد وفاة سفير طهران لدى الحوثيين - CNN Arabic
[6]. youtube
[7]. twitter.com/F_Irlu
[8]. التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن يعلن أنه ساهم بإجلاء السفير الإيراني من صنعاء رافضا اتهامات طهران (france24.com)
[9]. المبعوث الأممي إلى اليمن يطالب أطراف الصراع بالدخول في مفاوضات دون شروط (uae71.com)
[10]. ضبط شحنة طائرات مسيرة قبل وصولها للحوثيين | صحيفة مكة (makkahnewspaper.com)
[11]. نقطة أمنية بيافع تحبط محاولة تهريب طائرة مسيرة للحوثي - يافع نيوز (yafa-news.net)
[12]. DVIDS - News - U.S. Navy Seizes 1,400 Assault Rifles During Illicit Weapons Interdiction (dvidshub.net)
قبل 3 أشهر