التقارير الخاصة

بعد عام من التغيرات: كيف سيبدو 2022 في جنوب اليمن؟

06-01-2022 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | ريم الفضلي


شهد جنوب اليمن متغيرات وتحولات عديدة خلال العام المنصرم، يوشك بعضها على الإطلال بنتائجه مع حلول العام الجديد 2022،  الذي بدأت تتضح بعض مساراته امتداداً لهذه التحولات الفارقة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.


في هذا التقرير، يستطلع "سوث24" آراء سياسيين ومثقفين واقتصاديين ومسؤولين أمنيين حول هذه المتغيرات وانعكاساتها المتوقعة على المشهد في جنوب اليمن، خلال عام 2022.


تمكين 


تقول الباحثة والناشطة السياسية الدكتورة هدى العطاس لـ "سوث24" إنَّ عام 2021 "كان حافلاً بالأحداث المهمة في المشهد اليمني عامة والجنوبي على وجه الخصوص".


ومن أبرز هذه الأحداث على المستوى السياسي، "تمكين الجنوب سياسياً بقيادة المجلس الانتقالي بشكل أكبر؛ وصعوده إلى الواجهات والعناوين نداً وموازاةً مع بقية الأطراف السياسية في المشهد"، وفقا للعطاس.


وأشارت العطاس إلى أنَّ "تحركات المجلس الانتقالي ومفاوضاته السياسية في إطار مناقشات اتفاق الرياض، ولقاء قيادته مع أطراف دولية عديدة، تنبئ عن تمكينه في صناعة الخارطة السياسية شريكاً مع بقية الأطراف، وتمتين علاقته بالتحالف العربي".


 وأضافت، "هذا يدل على إتقان المجلس إدارة اللعبة السياسية؛ وكذلك يشير إلى اكتسابه مراس ونضج سياسي."

ولفتت العطاس إلى أنَّ المشهد الحياتي والاقتصادي والأمني "المروع" الذي شهده جنوب اليمن في العام الماضي "كان يسير بالتوازي مع مشهد سياسي عاصف، ختمته السنة بتقليم نفوذ حزب الاصلاح داخل الشرعية اليمنية كطرف لطالما هيمن على قرارها واختطفه لسنوات".


واعتبرت العطاس إقالة محافظ شبوة السابق، محمد بن عديو، "تتويجاً" للمشهد السياسي في 2021، مشيرة إلى ما تبعه من تعيين محافظ جديد وإرسال قوات العمالقة الجنوبية لتحرير ثلاث من مديريات شبوة التي استولى عليها الحوثيون المدعومون من إيران في سبتمبر من ذات العام.


وعن نقاط التفاؤل، أشارت العطاس إلى أنَّها "تتجلى في ما شهده نهاية العام من حراك حضرمي نوعي، وبمساندة وتضامن وشعار أكد على وحدة النضال والهدف الشعبي الجنوبي منذ بدء الحراك الجنوبي السلمي".


ولفتت العطاس إلى مطالب التصعيد الشعبي بمحافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، والمتمثلة في خروج القوات الشمالية بالمنطقة العسكرية الأولى "التي تتبع علي محسن الأحمر [نائب الرئيس اليمني]"، وانتشار النخبة الحضرمية بدلاً عنها.


لا مزيد من الاستقطاب


بالنسبة للباحث السياسي والصحفي، حسام ردمان، " يمكن القول بكثير من الثقة أنَّ عدن لم تعد نقطة الاستقطاب السياسي والأمني كما حدث في العام الماضي".


واعتبر ردمان، في حديث لـ "سوث24"، أنَّ العاصمة عدن اليوم "ساحة بناء التوافقات السياسية على مستويين: أولاً بين مكونات الشرعية نفسها، وثانياً بين طرفي التحالف العربي، وكل ذلك يأتي في اطار استكمال الشق السياسي من اتفاق الرياض."


وعن مؤشرات اعتقاده هذا، قال ردمان إنَّ منها "عودة الحكومة بشكل دائم إلى عدن، زيارة رئيس الوزراء إلى أبوظبي، زيارة رئيس المجلس الانتقالي إلى الرياض". مشيراً إلى أنَّ "الأهم من ذلك" هو عودة قيادة البنك المركزي أيضاً بعد تعيين إدارة جديدة.


وتابع: "في المحصلة تتضافر سلسلة من العوامل الأمنية والاقتصادية لتعزيز حالة الاستقرار النسبي في عدن خلال العام الحالي." مضيفاً "من المعروف أنَّه بمجرد أن تتقاطع جهود جميع الأطراف المحلية لمواجهة الحوثي، فإنَّ ذلك سينعكس إيجاباَ على وضع المناطق المحررة، والعكس صحيح."


واعتبر ردمان "استمرار معارك شبوة بوتيرة مرتفعة وتراجع الحوثيين هناك سيكون عنصر توحيد للجهود"، مستدركاً أنَّه "بطبيعة الحال تظل العلاقة معرضة للنكوص بأي وقت بحكم تضارب المصالح الحاد داخل بنية الشرعية اليمنية".


ولفت ردمان إلى وجود "ضمانة أخرى" للاستقرار النسبي وانتهاء الاستقطابات خلال العام الجاري وهي "عودة التفاهمات السعودية الإماراتية إلى مستواها الذي كانت عليه حتى 2018."


الوضع الاقتصادي


تصدرت الأزمة الاقتصادية في عام 2021 بجنوب اليمن المرتبة الأولى بين أسوأ الأحداث التي شهدها جنوب اليمن. ومع الآمال التي حملتها بعض التغيرات الأخيرة في نهاية العام، ومنها تغيير إدارة البنك المركزي والأنباء عن ودائع ومساعدات مالية، إلا أنَّ الوضع الاقتصادي في هذا العام لا يبدو مُبشراً كثيراً إذا لم تتحقق متغيرات عديدة أخرى، وفقاً لخبراء.


وفي هذا السياق، أكَّدت عضوة الفريق الاستشاري لمكتب المبعوث الأممي لليمن، د. نجاة جمعان، في حديثها لـ "سوث24" أنَّه "مع دخول العام الجديد؛ يجب على الحكومة والرئاسة اليمنية أن تجعل من أدواتها في إدارة الاقتصاد الالتزام بمبادئ الحكم الرشيد، والإدارة الصحيحة للموارد السيادية بما يخدم التنمية الاقتصادية".


ولفتت جمعان إلى وجوب "تحديد أهداف واضحة وعلنية من قبل المؤسسات الحكومية والعسكرية والاقتصادية، وربطها بموازنات واضحة وتوزيع فعال لتحقيق هذه الأهداف، مع إعادة هيكلة القيادة الحكومية وتوفير الكوادر المؤهلة من اليمنيين لتنفيذ هذه الخطة".


وشدَّدت جمعان على ضرورة "تكوين وتفعيل أجهزة التقييم المستمر للأداء والرقابة والمتابعة لضمان تحقيق الأهداف وضمان شفافية تحصيل الأدوات والنفقات مثلما تم رصدها في الموازنة."


واستبعدت جمعان تحسن الوضع الاقتصادي، مشيرة إلى أنَّه "قد تستمر دوامة الفقر والغلاء والاستيلاء على الثروات السيادية خارج إطار تحقيق المصالح الوطنية والتوزيع العادل للثروة  التي هي ملك جميع اليمنيين"، حدَّ تعبيرها.


أما الصحفي الاقتصادي وفيق صالح فقد رأى أنًّ "مسألة معالجة الأخطاء تتعلق بالحكومة اليمنية والبنك المركزي على حد سواء".


وقال صالح لـ "سوث24" أنَّه "يجب على الحكومة أن تقوم بدورها على أكمل وجه في تفعيل الصادرات اليمنية، إصلاح الاختلالات الحاصلة في المؤسسات الحكومية عبر مكافحة الفساد، تنمية وتحسين الموارد العامة للدولة، توحيد الإيرادات، تقليص مدفوعات النقد الأجنبي، ووقف صرف رواتب المسؤولين في الحكومة بالعملة الصعبة بل بالريال اليمني."


وتابع، "لا بد من تفعيل المالية العامة للدولة، وإعداد الموازنة المالية، من أجل تكريس الشفافية، والعمل على بناء على قاعدة واضحة وشفافة، تمنع تفشي الفساد، وتساعد على إعادة الاستقرار الاقتصادي."


وعن المعالجات النقدية، رأى الصحفي الاقتصادي أنَّه  "يُفترض أن يقوم البنك المركزي بالسيطرة على إدارة السوق المصرفية، وتفعيل أدوات السياسة النقدية للسيطرة على النشاط المصرفي، كبح عملية المضاربة بالعملة، الحفاظ على استقرار أسعار الصرف ووقف تغطية نفقات الحكومة من مصادر تضخمية".


وأكَّد وفيق صالح على ضرورة  "العمل على إيجاد مصادر حقيقية ومستدامة للبنك المركزي عبر حشد كافة أوجه الدعم الدولي، المنح الخارجية، تحصيل كافة موارد النقد الأجنبي والمحلي، وعدم السماح بإنفاقها بعشوائية دون وجود موازنة مالية؛ إضافة إلى إغلاق كافة الحسابات الحكومية لدى البنوك الأخرى في الداخل والخارج."


وبشأن ما يَرجح عن وديعة نقدية سعودية جديدة لليمن، قالت نجاة جمعان إنَّ هذه الوديعة "لن تكون أفضل من سابقاتها". وتعتقد، "ربما سيكون أداؤها اسوأ، إذ سيتم بها تمويل العمليات المشبوهة وتمويل أمراء الحرب والمتنفذين؛ وبالتالي الأثر الحقيقي على الاقتصاد الحقيقي لن يتحقق." 


وفي يناير من العام 2021، اتهم تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي المعني باليمن، الحكومة اليمنية والبنك المركزي بـ "بتبييض أموال" بشأن الوديعة السعودية لعام 2018. [1]


بالنسبة  لوفيق صالح قد تساعد الوديعة المحتملة، "على إحداث نوع من الاستقرار المعيشي والتمويني عبر رفد البنك المركزي بكميات من النقد الأجنبي، تمكنه من القيام بدوره بتمويل استيراد السلع الأساسية، لكن من أجل وضع حلول طويلة المدى، لابد أن تصاحب هذه الإجراءات، عملية إصلاحات اقتصادية واسعة".


استقرار أمني


في 2021 شهد جنوب اليمن، بالذات العاصمة عدن، جملة من الهجمات الدامية والعنيفة التي أودت بحياة جنود ومدنيين على حد سواء. كما طالت عمليات اغتيال بعبوات ناسفة مسؤولين وضباطاً وشخصيات مدنية أيضاً. كذلك عاشت عدن أجواء حرب في أكتوبر جرَّاء اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة بين مسلحين وقوات الأمن بمدينة كريتر.


لكنَّ التمكن الأمني هذا العام بدا واضحاً بعد كشف القوات الأمنية خيوط وتفاصيل أكبر عمليتين "دمويتين" ضربتا المحافظة: محاولة اغتيال محافظ عدن، أحمد لملس، بتفجير سيارة مفخخة قتلت 7 وأصابت آخرين؛ وتفجير سيارة مفخخة أمام بوابة مطار عدن الدولي خلَّفت عشرات الشهداء والجرحى من المواطنين.


واستطاعت القوات الأمنية - في مؤشر ملحوظ على تطوّر الأداء الأمني والاستخباراتي - أن تكشف عن الجهات التي كانت وراء العمليات (جماعة الحوثي وقيادات عسكرية قريبة من حزب الإصلاح)، كما ألقت القبض على بعض المتهمين.


وحول الجهوزية الأمنية في العام الجاري في عدن وجنوب اليمن، قال الناطق الرسمي للقوات الأمنية والعسكرية الجنوبية، المقدم محمد النقيب، لـ "سوث24" إنَّ الأجهزة الأمنية "إضافة الى خبراتها التي اكتسبتها طوال الأعوام الماضية في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والنجاحات التي تحققت في هذا الصدد؛ تم هيكلتها وتنظيمها وتأهيلها وتطوير أدائها المهني خلال الفترة الماضية من خلال دورات وبرامج تأهيل على أعلى المستويات".


ولفت النقيب إلى أنَّ كل ذلك "انعكاس عملي إجرائي للأعمال والجهود التي بذلها الرئيس القائد عيدروس الزبيدي [رئيس المجلس الانتقالي] واللجان المختصة التي ضمت قادة وخبراء مخضرمين في المجال الأمني".


وتابع، "شكلت كل تلك الأعمال والخطط استراتيجية شاملة في الإعداد والتدريب والتأهيل لمنتسبي الأمن والارتقاء بمهاراتهم وقدراتهم وإمكانياتهم في أداء مهامهم، وإضافة الى ذلك فإنَّ الأجهزة الأمنية أصبحت تحت عمليات قيادة وسيطرة واحدة."


وأوضح النقيب أنَّه " طالما وأنَّ الأداء الأمني  المتطور هو عبارة عن تراكم خبرات وتأهيل وتدريب وتطوير وضبط وربط؛ فإنَّ ذلك هو ما ينطبق على أجهزتنا الأمنية في استعدادها العالي لأداء مهامها في العام الجديد ٢٠٢٢ في حفظ الأمن ومكافحة الجريمة؛ وعلى رأسها الجريمة الارهابية."


ولفت النقيب إلى أنَّ "النجاحات" الأخيرة التي حققتها الأجهزة الأمنية في العاصمة عدن، "كشفت بما لا يدع مجالا للشك أنَّ العام الجديد لن يكون امتداد لتلك النجاحات وحسب؛ بل منطلق لمرحلة جديدة أكثر قوة وجدارة في التصدي لأي جرائم ارهابية."


وقال النقيب إنَّهم في جنوب اليمن يواجهون "إرهاباً تديره وتموله مادياً وفكرياً قوى سياسية معادية للجنوب وشعبه وقواته المسلحة"، لافتاً إلى أنَهم رغم ذلك استطاعوا  التصدي لهذه القوى "في جبهة يتشارك فيها رجل الأمن والمواطن على حد سواء".


ريم الفضلي  

صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات 


-الصورة: رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن خلال لقاء بالرياض السعودية 22 نوفمبر 2021 (رسمي)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا