11-01-2022 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبدالله الشادلي
يعاني مرضى محافظة حضرموت، في جنوب اليمن، من استغلال القطاع الصحي الخاص، بعد تراجع القطاع الحكومي نتيجة توقف الدعم الذي تقدمه السلطة المحلية لهذا القطاع [1].
وكانت السلطة المحلية في المحافظة الغنية بالنفط، قد خصصت نسبة من ضرائب بيع نبتة "القات"، الشهيرة في اليمن، لصالح القطاع الحكومي، قبل أن يتوقف هذا المخصص في إبريل 2020 مع منع توريد القات إلى المحافظة.
وكان هذا المخصص يساهم في تعزيز قدرات المستشفيات واستقرار العمل الصحي وتقليل العبء على المواطنين محدودي الدّخل، وتوفير عناء ارتياد المستشفيات الخاصّة، وفقاً لمصادر صحية مسؤولة لـ سوث24.
وبالرغم من عودة توريد القات إلى حضرموت في يوليو من ذات العام، إلا أنَّ المخصص من ضرائب بيع هذه النبتة لم يعد حتَّى الآن، طبقاً لذات المصادر.
استقالات
وأدى توقّف المخصص المالي للقطاع الصحي الحكومي لموجة من الاستقالات الجماعية في عدة مرافق صحيّة في ساحل حضرموت.
وكانت أولى هذه الاستقالات هي استقالة مدير مكتب وزارة الصحة العامة والسكان، الدكتور عبدالله مبارك كعيتي، في الـ14 من أغسطس/آب 2020، من منصبه الذي عُين فيه خلفاً للمدير الراحل رياض الجريري، في الأول من يونيو/حزيران 2020.
وفي خطاب لمحافظ حضرموت، أرجع كعيتي أسباب الاستقالة إلى "تردي الوضع الصحي" في ساحل حضرموت، و"عدم وجود الإمكانيات" التي تسمح بتقديم خدمة إنسانية جيدة لأهالي المحافظة.
وعلى غرار استقالة مدير مكتب الصحة كعيتي، أعلن أطباء وطبيبات العموم في هيئة مستشفى ابن سينا العام في الأول من أكتوبر/تشرين الثاني 2020 استقالة جماعيّة؛ احتجاجا على هضم حقوقهم المالية وتردي الوضع في المستشفى.
وجاءت استقالة الأطباء البالغ عددهم 110 بعد تنفيذهم سلسلة وقفات احتجاجية وإضرابات كان آخرها في 22 سبتمبر/أيلول 2020.
قسم الطوارئ - مستشفى ابن سينا العام في مدينة المكلا 11 نوفمبر 2021 (سوث24، عبد الله الشادلي)
وقالت المصادر لـ«سوث24» إن "أسباب تقديم الاستقالة تعود لتوقيف الدعم عن المستشفى البالغ نحو 20 مليون ريال، الذي كان يتسلمه شهريّاً من السلطة المحلية بحضرموت".
ولفتت المصادر أنّ "الدّعم الذي كان يتحصّل عليه المستشفى سدَّ جزءاً من احتياجاته"، مشيرةً إلى أنّ العمل استمرّ بشكل جيد حتى تقرّر رفع الدعم كليّاً.
وبحسب البيان الصادر عن الأطباء العموم، فإن الاستقالة الجماعية جاءت بسبب عدم إيفاء السلطات في المحافظة وإدارة المستشفى بالوعود التي قطعت منذ ظهور فيروس كورونا المسبب لمرض (كوفيد - 19).
وامتدادا لموجة الاستقالات الجماعيّة، أعلن أطباء العزل والفرز بمركز الحميات بهيئة مستشفى ابن سينا استقالتهم والتوقف عن العمل اعتبارًا من 31 أغسطس/آب 2021.
وجاء في بيان الاستقالة الذي وقعه 18 طبيبًا ومقيمًا بالمركز، أنّ "عدم الاستعداد للموجات المتكررة للحميات وكورونا أجبر العاملين على الاستقالة".
وذكر البيان أن هناك نقصاً حاداً في السعة السريرية وعدم توفر كميات كافية من الأوكسجين، إضافة إلى المماطلة والتسويف بحقوق الأطباء والعاملين بالمركز.
ودخل متعاقدو المستشفيات الحكومية بساحل حضرموت في سلسلة اضرابات أخرى للمطالبة بحقوقهم، ما سبب شللا في المرافق الصحيّة لاسيّما بعد امتناعها عن استقبال الحالات المرضيّة في أوقات الإضراب، وفقاً لما قاله مواطنون لـ«سوث24».
كما نفذ متعاقدو المستشفيات الحكوميّة بساحل حضرموت، الذين يعملون بالأجر اليومي، سلسلة إضرابات للمطالبة بإنصافهم؛ حتى خلص الأمر باستقالات جماعية بعد صمت الجهات المعنيّة عن ذلك. [2]
استغلال
وفي ظلّ تردّي نشاط قطاع الصّحة الحكومي واستمرار الاضرابات، اتّجه كثير من المرضى إلى القطاع الخاص لتلقي العلاج.
وفي حديث لـ "سوث24"، اتهمت مصادر صحية القطاع "بتقديم نسبة للأخصائيين الذين يشيرون على المرضى بالذهاب إلى مستشفى معيّن"، معتبرةً أنّ ذلك يزيد الكلفة على المريض.
وفي معرض اتهاماتها للقطاع الخاص، تقول المصادر إنّ بعض العمليّات الجراحية التي يتطلب اجراؤها 20 ألف ريال في المستشفيات الحكومية، تجرى بمبلغ 100 ألف ريال غير شاملة لنسبة الأخصائي التي قد تصل إلى نحو 60 في المئة في المستشفيات الخاصة.
ويشعر مواطنون في حضرموت أنّ المستشفيات الخاصة تستغلّ مرتاديها.
ويقول سالم باسوّاد - وهو مواطن من وادي حضرموت - لـ«سوث24» إنّ "تكاليف العلاج باهظة في المستشفيات الخاصة ولا يستطيع المواطن البسيط تحمّل أعبائها"، زاعماً أنّ نتائج الأداء "لا تكون سارّة أحيانًا".
ويتّهم مواطنون محليون بعض المستشفيات الخاصّة "بالجشع" على حساب صحّة بعض المرضى الذين لا تتوفّر لديهم تكاليف العلاج ورفض استقبالهم بشكل نهائي.
لكنّ الدكتور أيسر البعداني، المدير العام لمستشفى الريّان التخصصي بالمكلا، أكد لـ«سوث24» أنّه "يتمّ اسعاف الحالات الحرجة مباشرةً من منطلق الإنسانيّة"، مشيراً إلى أنّ بعض الحالات من الصعب أخذ مقابل منها، لاسيّما ما وصفها بـ "المُعدمة".
ويقول البعض إنّ "قيمة الترقيد في بعض المستشفيات الخاصّة تتفاوت بين الـ20 ألف ريال إلى الـ30 ألفاً لليوم الواحد، غير شاملة لتكلفة العلاج، وعلاوة على ذلك يُجبَر المريض على دفع ضمانة تقدّر بنحو 100 ألف ريال".[3]
الصحفي في سوث24 مع مدير مسشفى الريان في مدينة المكلا 11 نوفمبر 2021 (سوث24، عبد الله الشادلي)
وحول هذا، زعم البعداني، إلى إن "متوسّط أسعار الغرف يتراوح بين 12 ألف ريال إلى 18 ألف ريال لليوم الواحد، فيما يصل ذلك إلى 28 ألف ريال بالنسبة للعناية المركّزة"، مبيّنا أن الأسعار تختلف من مستشفى لآخر وأنّها تتجاوز الـ120 ألف ريال في بعض المحافظات الأخرى.
ويضيف البعداني أنّ "بعض المستشفيات فقط تطلب مبلغاً مالياً مقدماً يتم الاحتفاظ به كضمانة وليس جميعها".
القطاع الحكومي والخاص
ومع ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصّة، يرتاد بعض المواطنين القطاع الحكومي الأقل كلفة.
وتقدّم المستشفيات الحكومية خدمات بأسعار في متناول المواطنين، في ظلّ امكانياتها المتاحة.
ويقول الدكتور عبدالله كعيتي، المدير السابق لمكتب وزارة الصحّة العامّة والسكّان بساحل حضرموت لـ«سوث24» إنّ "المستشفيات الحكوميّة لم تصل إلى مرحلة الانهيار الكُلي وأنها قابلة للتدارك، مضيفاً أن الموازنات لا تصل كاملة وأنّها تُغطي تسيير الشؤون الفنيّة غالباً.
وزعم كعيتي أنّ "الحكومة غير ملتزمة بدورها"، محمّلاً جزءاً من الإشكاليّات، مثل: صرف الحوافز والمكافآت.
وفي إطار تقديم الخدمات في القطاع الحكومي، أجرى الدكتور الروسي عبدالرحيم أكاراموف، اختصاصي المسالك البولية، بهيئة مستشفى ابن سينا، في الثاني من مايو/ أيار المنصرم، عملية استئصال حصوات من المثانة تزن قرابة النصف كيلوجرام لأحد المرضى برسوم اجمالية بلغت نحو 34 ألف ريال يمني.
وقال مواطنون إنّ "مثل تلك العمليات في المستشفيات الخاصة يتطلّب إجراؤها ما يقارب المليون ريال يمني".[4]
وبالنسبة للدكتور أيسر البعداني، المدير العام لمستشفى الريّان التخصصي بالمكلا، "لا يُعاب تقديم الخدمات الطبيّة بمقابل".
ورأى البعداني أن المراكز الصحيّة لا يجب أن "تؤطر" ضمن ما اسماه بـ"كبار المستهلكين"، مشيراً إلى أنّ كلفة إيجار المبنى وقيمة استهلاك الطاقة والمياه؛ عوامل تؤثر على ارتفاع الأسعار.
ويقول الدكتور كعيتي، لـ«سوث24» إنّ "ضعف النظام الصحّي الحكومي أدى إلى نمو القطاع الصحّي الخاص".
فيما اعتبرت مصادر أخرى أنّ "غياب دور الرّقابة أدى إلى تنامي نشاطها".
وحول ذلك، يقول الدكتور أيسر البعداني، "إن تدخلات الرّقابة في ظلّ هذا التدهور غير مجدية"، زاعماً أنّ "غياب الرقابة كفيل بأن ينظمه العمل التنافسي".
واتفقت المصادر الصحية الخاصة مع الدكتور البعداني، في أنّ نشاط هذه القطاعات "تجاريّ"، متطرقاً إلى ضعف دعم الموازنات في القطاع الحكومي والذي جعل من مستويات تقديم الخدمات الصحيّة فيها متدنية.
وأوضح الدكتور كعيتي "بأن القطاع الخاص يقدّم خدمة نوعيّة تغطّي ما نسبته 60 في المئة على مستوى النظام الصحي، بفضل أجهزته الطبيّة المتطورة والتي لا تتوفّر في المشافي الحكوميّة"، مشيرًا إلى أنّ هذا القطاع "غطّى جوانب مهمّة".
وتابع، "المستشفيات الخاصّة تتيح للمريض اختيار الاستشاري للإشراف على حالته الصحيّة"، لافتاً إلى أنّ ذلك من ضمن الخدمات التي لا تقدّمها المراكز الحكوميّة إلى جانب بعض المميزات الأخرى مثل: السعة الاستيعابيّة للغرف وتفرّغ الاستشاريين لمتابعة المرضى.
خطأ أم إهمال؟
وعلى الرغم من مستوى الخدمات الجيدة التي يقدّمها قطاع الصحّة في حضرموت مقارنة بغيره ببقية المحافظات، قالت مصادر إنَّ "الأخطاء الطبيّة ليست وحدها من يهدد حياة المرضى"، مبيّنة أنّ "التقاعس غير المبرر" عن أداء العمل الإنساني أصبح منتشراً بشكل كبير في مُعظم المستشفيات الحكومية والخاصة".
مريض في إحدى غرف الترقيد بهيئة مستشفى ابن سينا العام في مدينة المكلا (سوث24، عبد الله الشادلي)
وقال مقرّبون من أسرة شاب في المكلا لـ«سوث24» إنَّهم "أسعفوا ابنهم سامي عبدالله المشهور، الذي كان يعاني من “تسمم” إلى مستشفى خاص في الثاني من فبراير/شباط المنصرم". وأضافوا أن "قسم الطوارئ الذي استقبلهم وصف الحالة "بالمستقرّة" وأنه لا ضير من بقاء الشاب في الترقيد حتى قدوم الطبيب في الصباح"، لافتين إلى أنّ الشاب توفي وهم ينتظرون قدوم الطبيب.
وبشأن هذا، قال الكعيتي إنَّ "الإهمال الطبّي يعاقِب عليه القانون، والخطأ الطبّي وارد"، مشيراً إلى أنّ العقوبات إذا أثبتت يصل مداها إلى سحب ترخيص مزاولة العمل عن المقصّر.
ويعزي كعيتي استمرار الإهمال الطبّي إلى أنّ "المواطنين جاهلون بحقوقهم"، مشيراً إلى أنّ الناس لا تطالب بها ويسلّمون بأن الإهمال الطبّي "قدراً إلهيّا".
وأكّد كعيتي أن المواطنين في حال طالبوا بحقوقهم سيصلون لتسوية، مشيراً إلى أنّ ذلك سيدفع الطواقم الطبيّة لمزيد من الحذر حفاظاً على سلامة المريض.
بدوره، يقول الدكتور البعداني، لـ«سوث24» إنّ "الحالات التي تصل إلى العناية المركّزة أحيانًا يستعصي علاجها"، مشيراً إلى أنّ الناس يعون ويتفهّمون ذلك.
العلاج في الخارج
وعلى الرغم من انتشار المستشفيات الخاصّة في حضرموت، يضطر بعض المواطنين للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج إذا تعذّر محلياً.
وزعم ناشطون إنّ "الأخطاء الطبيّة في حضرموت مهوّل، والحالات التي تصل إلى الخارج، بعضها يصاب بالتسمم نتيجةً للصرف الخاطئ للأدوية".[5]
ورفض الدكتور أيسر البعداني، "هذه المزاعم"، معتبراً أنّ "تعميم الناس لهذه السياسة التجاريّة البحتة ظالم".
واستبعد البعداني "أن تقبل أخلاق أي طبيب بصرف أدوية إذا كان المريض ليس بحاجة إليها".
ويعاني بعض المرضى من مضاعفات صحيّة؛ نتيجة لأخطاء في التشخيص وقراءة التحاليل الطبيّة من قبل الأطباء المحليين، وأكد بعض المرضى لـ«سوث24» أنّ الأطباء في الخارج استنكروا التشخيص الخاطئ لبعض الأمراض.
جدير بالذكر أنّ كثير من المرضى في اليمن يتوجّهون إلى الخارج لتلقي العلاج، فيما يتوجّه كثير من أبناء محافظات حضرموت كغيرهم من محافظات جنوب اليمن لجمهوريّة مصر العربيّة باعتبارها الأقل كلفة.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ حضرموت كانت تستقبل حالات مرضيّة من محافظات مجاورة أبرزها: شبوة، المهرة وسقطرى؛ بفضل الإمكانيّات المتوفرة في مشافي المحافظة والكوادر الطبيّة الأجنبية العاملة في المرافق الحكومية، قبل تردي القطاع الصحي الحكومي.
وأكدت مصادر مسؤولة في الصحة لـ "سوث24" أنَّ استمرار توقف الدعم الحكومي سوف يتسبب بانهيار كامل في القطاع الصحي الحكومي، وزيادة ثراء واستغلال وازدهار القطاع الخاص.
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: إحدى غرف الترقيد بهيئة مستشفى ابن سينا العام في مدينة المكلا (سوث24، عبد الله الشادلي)
قبل 3 أشهر