29-01-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عزت مصطفى
الحكومة أم السلطة؟
درج استخدام تسمية "الحكومة الشرعية" في اليمن للتمييز بين "الانقلاب" الحوثي والسلطة المنقلب عليها، وإن كانت هذه التسمية لأغراض الاستخدام الإعلامي أكثر منها للتمييز السياسي، إلا أن وضع السلطة الشرعية اليمنية وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات ضمن هيكلها ما يزال ملتبساً نتيجة غياب المؤسساتية بصورة جلية خلال وجود معظم قياداتها في بلاد شتى، ما سَهَّل انحصار الصلاحيات بيد شخصيات محددة بعيداً عن الشرعية كهيكل دولة ودون أن تؤول المسؤولية إلى تلك الشخصيات بما تعنيه من مراقبة أداء ومحاسبة عليه.
ورغم أزمة غياب البرلمان كسلطة تشريعية عن المشهد السياسي إلا أنّ حضوره بحد ذاته كان يمكن أن يشكل أزمة أعمق من تغيبه لأسباب تتعلق بقدم مجلس النواب الذي اُنتخب آخر مرة قبل 19 عاماً، وأدت المتغيرات على الأرض إلى صعود قوى جديدة غير ممثلة فيه، وتباين مواقف الأعضاء ممن يدعم الحوثية ومن يؤيد "الشرعية" إضافة إلى التباين الحاصل بين الأعضاء أنفسهم من رافضي الانقلاب.
رافق ذلك ضعفًا واضحًا في السلطة القضائية المحكومة بالسلطة التنفيذية التي تملك الحق في التعيين في سلك القضاء حتى على مستوى أعلى الهرم القضائي. إلا أنّ الأزمة الأكبر داخل "الشرعية" تبرز في عدم وجود مرجعية دستورية واضحة لمسالكها. فالدستور القائم غير منسجم مع مقتضيات حالة الحرب وكثيرًا ما يتم اختراق نصوصه أو تجاوزها بداعي الحالة الطارئة ومقتضيات الظروف مع عدم وجود نصًا بديلًا موائمًا يضبط دورة حياة السلطة أو السلطات؛ ما سمح باستحواذ الأفراد على الصلاحيات التي توفرها السلطة على حساب المؤسسة التي يفترض أن يجسدها النص الدستوري؛ وهو ما أدى إلى نشوء حالة من الفرجة من قبل السلطة التنفيذية في محافظات الشمال غير المحررة على مستويات الرئاسة والحكومة والسلطات المحلية.
السلطات المحلية
في حين غطت السلطات المحلية في محافظات الجنوب المحررة جزءًا من الفجوة التي نشأت عن ضعف السلطات المركزية أو غيابها، ظلت بعض هذه المحافظات في حالة صراع داخلي نتيجة الخلل في النظام الدستوري بينها وبين المركزيات. خاصة مع زيادة التسارع من قبل قوى مُنَظَّمَة وشخصيات نافذة في الاستحواذ على الوظائف التي توفر صلاحيات تتيح لها نوعاً من السيطرة الاستباقية.
وإذا ما اعتبرنا التأثير السياسي "للشرعية" في محافظات الشمال يتمثل بالسيطرة على الأرض أو بتسيير الشؤون في نطاق التقسيم الإداري، فهذا التأثير ينعدم في المحافظات غير المحررة رغم كثافة التعيينات في كثير من مناصب مدراء العموم وتضخم الطاقم الوظيفي في درجات وكلاء المحافظات. ورغم التأثير الوحيد تقريبًا الذي تستطيع السلطات المحلية الشرعية في المحافظات غير المحررة إحداثه ويتمثل في وضع ضوابط لإمدادات الغاز المنزلي الذي يصل إلى السلطات الحوثية من حقول صافر بمأرب، إلا أنها لم تستغل هذه الميزة التي كانت تستطيع على أقل تقدير إلزام الحوثيين بشرائها بالعملة القديمة بدلًا من بيعها لهم بالعملة الجديدة التي تتفاوت قيمتهما الشرائية، لتترك الشرعية بذلك فرصة للحوثيين الحصول على إيرادات كبيرة من خلال بيع الغاز للمستهلكين بأضعاف أسعار شرائه. إضافة إلى فوارق الصرف الكبيرة بين طبعتي العملة. وبحسب شركة صافر النفطية ، تقدر قيمة مبيعات الغاز إلى مناطق الحوثيين خلال عام 2020م، بما يزيد عن 191 مليار ريال استلمتها بالفئات الجديدة من الريال اليمني منخفض القوة الشرائية مقارنة بالطبعة القديمة.
أما الثلاث المحافظات المحررة جزئياً، فقد انفرد حزب الإصلاح إدارة الأجزاء المحررة من تعز ومأرب، ولعبت السلطة المحلية في الحديدة دورًا هامشيًا في تسيير الشؤون في المديريات المحررة في الساحل الغربي دون أن تحدث هذه السلطات أي تأثير في نطاق اختصاصها في مناطق سيطرة الحوثيين، بما في ذلك في مدينة تعز التي تفصلها عنها عشرات الأمتار.
لذا فالمتوقع، أن حالة عدم تأثير "الشرعية" على محافظات الشمال التي استمرت 7 سنوات سيطول أمدها مالم تتم مراجعة الإخفاقات السابقة، وتعلن حكومة المناصفة عن برنامج عملها وتنشر ميزانياتها السنوية، وتحدد الأدوار للسلطات المحلية سواء في المناطق المحررة أو غير المحررة.
التأثير العسكري
كان للجيش الوطني تأثيرًا كبيرًا في محافظات الشمال خلال العام 2016؛ حين كان يتقدم باطّراد نحو المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون خاصة باتجاه العاصمة صنعاء، إلا أن هذا التأثير بدأ يتراجع منذ ذلك الحين نتيجة توقف التقدم في مناطق نهم قبل أن تحدث انتكاسة كبيرة مطلع 2020 بالانسحاب المفاجئ منها ومن مناطق واسعة في محافظة الجوف لصالح الحوثيين الذي توغلوا حتى مشارف مدينة مأرب. وباستثناء المناطق التي لم يجتاحها الحوثيون، فإن ما يعتبر قد حُررَ في تعز تتزايد الإشارات بتبعيتها للإخوان المسلمين مباشرة وليس لقيادة وزارة الدفاع. كما أن المناطق المحررة من الحديدة تسيطر عليها قوات غير محسوبة رسميًا على "الشرعية".
وباتت مدينة مأرب هي الحيّز الوحيد في الشمال الذي يمثل تواجدًا رسميًا لـ "الشرعية" ولو بشكل رمزي. ويبرز انعدام التأثير العسكري لها في الشمال باعتبار مدينة مأرب منطقة لم تُحرَّر عسكريًا من الحوثيين، الذين لم يتمكنوا من غزوها قبل تدخل التحالف العربي، بسبب مقاومة القبائل هناك لمحاولات اجتياحها. كما أن معظم المناطق المحررة في مأرب خلال 2015م و2016 عادت لتسقط خلال 2020 و2021.
ورغم أن السلطة الشرعية قد تستفيد سياسيًا من انتصارات ألوية العمالقة الجنوبية في مديريات جنوب مأرب، لكن الأرجح أن التحالف العربي قد لا يدفع إلى أن تعيد قوات الجيش الوطني السيطرة الميدانية على المناطق الشمالية التي تحررها ألوية العمالقة الجنوبية، خاصة مع تزايد المطالبات بتصحيح الأوضاع داخل الجيش الوطني الذي مُنِيَ في السنتين الأخيرتين بتراجعات عسكرية خطيرة شكلت تهديدًا على مستقبل مأرب. والأرجح، أن يتم تشكيل قوات جديدة لتأمين المناطق المحررة شمالًا من سكانها على غرار ما حدث بعد تحرير محافظات الجنوب، مع بقاء احتمالية تسليم المناطق التي تحررها العمالقة للجيش الوطني واردة، باعتبار العمالقة قوات هجومية وتترك تأمين المناطق التي تحررها لقوات غيرها.
والواضح من خارطة سير المعارك جنوب مأرب أن التحالف العربي استبدل خططه في مواجهة الحوثيين من إمكانية إحداث تغيير في مناطق الشمال بقوات الجيش الوطني، ليحل محل ذلك إمكانية إحداث هذا التغيير عن طريق قوات العمالقة الجنوبية التي تحظى بموثوقية أكبر.
ويمكن أن يستعيد الجيش الوطني دورًا تدريجيًا في التأثير شمالًا إذا ما استطاع التحول من حالة الدفاع إلى الهجوم، والاتجاه نحو صنعاء من مديريات مدغل ونهم لإكمال تكتيك الكماشة حول صنعاء من شمالها الشرقي، إذا ما افترضنا أن ألوية العمالقة الجنوبية ربما ستصل إليها مستقبلًا من جنوبها الشرقي إذا استمرت عملياتها في محافظات الشمال. وهذا الاحتمال بافتراض سير خط لألوية العمالقة: حريب؛ الجوبة؛ صرواح؛ ومنها باتجاه صنعاء.
في كل الأحوال، سيبقى التأثير العسكري للجيش الوطني شمالًا مرتبطًاَ بمدى تأثير التحالف العربي على نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن الأحمر. فالأخير يظل الرجل الأول داخل الجيش متجاوزًا رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ منذ أن عُيِّن الأحمر في فبراير 2016 نائبًا للقائد الأعلى قبل تعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية بشهرين.
ورغم أن منصب نائب القائد الأعلى منصبًا مستحدثًا تجاوز الدستور المعمول به، إلا أنه بدا كضرورة ليحل الرجل محل رئيس الجمهورية على رأس هرم الجيش؛ إذ جاء تعيينه نائبًا للقائد الأعلى مقدمة لتعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية أيضًا. ومعلوم عدم وجود صلاحيات دستورية لنائب الرئيس على القوات المسلحة، فكان استحداث منصب عسكري مخالفًا للدستور لتجاوز العقبة الدستورية.
وتبرز قوة سيطرة الفريق علي محسن الأحمر على الجيش من خلال اختياره لقادة المناطق العسكرية وقادة الألوية، مع أن ذلك من صلاحيات رئيس الجمهورية وحده. وتتبين هذه الإرادة في اختيار القادة العسكريين في أن معظم القادة يتولون مهامهم القيادية دون صدور قرارات تعيين جمهورية منشورة في وكالة الأنباء اليمنية سبأ، وهو ما يفهم أنهم يستلمون مزاولة عملهم العسكري بناءً على قرارات تكليف وليس تعيين. والتكليف مناط بنائب القائد الأعلى. ويتبين هذا مثلًا في عدم صدور قرار تعيين لقائد محور تعز منذ نوفمبر 2019 وحتى الآن، كما أن المنطقة العسكرية السادسة قد تعاقب عليها أكثر من قائد منذ فبراير 2020 دون قرارات تعيين.
توصيات
• إصدار "إعلان دستوري" مؤقت بظروف الحرب، يقوم بتحديد نطاق صلاحيات السلطة التنفيذية (الرئاسة والحكومة) بتوافق طرفي "اتفاق الرياض" وفقاً لما تقتضيه ضرورة حالة الحرب ضد الحوثيين.
• تشكيل مجلس نيابي من 51 عضوا بالتوافق بين القوى المؤثرة على الأرض وخاصة القوى الجديدة، يحل محل مجلس النواب وفقاً للإعلان الدستوري (المحتمل).
• إلغاء منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وحصر التراتبية العسكرية برئيس الجمهورية يليه وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان.
• تعيين نائبين لرئيس الجمهورية لتعزيز وحدة الصف في الحرب ضد الحوثيين يمثلان مع رئيس الجمهورية مؤسسة الرئاسة، إلى حين انتهاء الحرب وانقضاء فترة سريان الإعلان الدستوري.
• إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وهيئة مكافحة الفساد، بما يضمن تفعيل دور السلطة القضائية كواحدة من السلطات الثلاث، ويعزز من الشفافية ويقوي دور الحكومة كسلطة تنفيذية.
• إجراء محاسبة سريعة ودقيقة داخل الجيش الوطني، وإحداث تغيير كبير في قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان وقادة المناطق العسكرية.
• ضرورة عودة مجلس الوزراء بكافة أعضائه إلى العاصمة عدن، وانتظام اجتماعه الدوري الأسبوعي.
عزت مصطفى
باحث وخبير في الشأن السياسي اليمني والإقليمي. محلل سياسي
- هذه المادة جزء من ملف تحليلي شامل للمركز حول "قراءة في التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للتطورات الأخيرة في شبوة"
- الصورة: علي محسن الأحمر، نائب الرئيس اليمني (ABDULLAH AL-QADRY / Stringer)