29-01-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ثابت حسين صالح
مخاضات
أولى:
لفهم أوسع للخارطة العسكرية الحالية،
والتحولات التي حدثت في السنوات الماضية، واستشراف التطورات المستقبلية على الأرض،
لا بد من العودة إلى نقطة محورية، وهي إعادة الهيكلة للقوات المسلحة التي جرى
تبنيها في السنوات ما بين 2012 2013. وفقاً للجنة الهيكلة التي اعتمدها الرئيس
هادي في قرار جمهوري حمل رقم (104) لسنة 2013، فقد تم تقسيم الجمهورية اليمنية
إلى سبع مناطق عسكرية، على النحو الآتي:
1.
المنطقة العسكرية الأولى ومقرّها سيئون ونطاق سيطرتها بوادي حضرموت كاملاً (الوادي
والصحراء).
2.
المنطقة العسكرية الثانية: تتمركز في ساحل حضرموت والمهرة (المنطقة العسكرية
الأولى والثانية كانتا تشكّلان منطقة عسكرية واحدة قبل عملية الهيكلة، وكانت تسمى
"المنطقة العسكرية الشرقية").
3.
المنطقة العسكرية الثالثة: تتمركز في مأرب والجوف وشبوة.
4.
المنطقة العسكرية الرابعة: تتمركز في عدن ولحج والضالع وأبين وتعز وإب؛ إلى منتصف
محافظة إب تقريبا.
5.
المنطقة العسكرية الخامسة: الحديدة وحجة.
6.
المنطقة العسكرية السادسة: ونطاق سيطرتها صنعاء - صعدة.
7.
المنطقة العسكرية السابعة: مقرها ذمار وتمتد حتى البيضاء.
الجدير بالذكر أن النطاق العسكري لصنعاء،
وعلى وجه التحديد النطاق الشمالي-الغربي وصولا إلى الحديدة وصعدة، كان يُسمى قبل
الهيكلة بـ "المنطقة العسكرية الشمالية الغربية" بقيادة اللواء علي محسن
الأحمر. كما تم اعادة هيكلة القوات الخاصة والحرس الجمهوري وإلحاقهما بالمناطق
العسكرية، وجزء منها سمي بقوات الاحتياط، مع استحداث العمليات الخاصة وقوات
الصواريخ والحماية الرئاسية وفق
القرار الجمهوري (105) لسنة 2013. بالنسبة للقوات الجوية والقوات البحرية بقيت
عبارة عن قوات هامشية وغير ذي كفاية وتجهيزات وتقنيات عالية، وهذا ما أظهرته سنوات
الحرب الأخيرة منذ 2015.
الخارطة
العسكرية بعد 2015
بعد انقلاب الحوثيين واستيلائهم على
الشمال ووصولهم إلى معاشيق، المقر الذي اتخذه الرئيس هادي بعد هروبه من صنعاء إلى
مدينة عدن؛ تغيّر ميزان القوى العسكرية على الأرض تمامًا. فبينما احتفظت المنطقة
الرابعة بنطاق انتشارها في عدن ومناطق الجنوب الأخرى ظلت محاور تعز وإب خارج نطاق
سيطرتها عملياتيا. واحتفظت المنطقتان الأولى والثانية في حضرموت بنطاقهما الجغرافي
(الوادي والساحل). الجدير بالذكر أن المنطقة العسكرية الأولى لم تشارك في الحرب لا
من قريب لا من بعيد مع ظهور اتهامات لها بدعم قوات "الشرعية" خلال أحداث
أغسطس 2019 ضد المجلس الانتقالي الجنوبي في شبوة. أما المنطقة الثالثة فاحتفظت
بمواقعها في مأرب وشبوة. وزادت هيمنة مأرب على شبوة بعد استيلاء وحدات موالية لحزب
الإصلاح على شبوة، ولم يتغير هذا الوضع الا بعد تحرير شبوة من الحوثيين مؤخرا.
بقية المناطق العسكرية؛ الخامسة والسادسة
والسابعة، أصبحت عملياً تحت سيطرة الحوثيين وإن بقيت مجرد مُسمّيات هيكليّة فقط مع
"الشرعية" أيضا مثلها مثل محافظي المحافظات "الشرعيين"
الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وبجانب القوات العسكرية الرسمية السابقة،
فقد ظهرت تشكيلات جديدة في معظم المناطق. تم تشكيل محور تعز، وهو محور يتبع حزب
التجمع اليمني للإصلاح، وتم في اطاره تشكيل وحدات جديدة معظمها من خريجي المعاهد
الدينية (تُعرف بالمعاهد العلمية) وجامعة الإيمان، وجميعها مراكز تُشرف عليها
القيادات الدينية المتشددة في حزب الإصلاح، ويتم فيها تأهيل أتباعهم.
بعد تصفية الحوثيين لحليفهم الرئيس السابق
علي عبد الله صالح، لجأ ابن أخيه، طارق صالح، وهو قائد سابق للقوات الخاصة والحرس
الخاص بالرئيس، إلى المناطق المحررة، وقام بتشكيل قوات جديدة عُرِفت بـ "حراس
الجمهورية"، ومعظمهم من بقايا الحرس الجمهوري الذي كان أسسه الرئيس السابق،
بالإضافة إلى المقاومة التهاميّة. وشاركت هذه القوات في المواجهات مع الحوثي في
الحديدة التي كانت قوتها الضاربة قوات العمالقة الجنوبية.
ميزان القوى الراهن
في الوقت الراهن، يخضع الجنوب عسكرياً،
تقريبا، لسيطرة القوّات الجنوبيّة المتمثلة في المنطقة العسكرية الرابعة والقوات
التي جرى تشكيلها بعد الحرب: الأحزمة الأمنية، والنخبتين الشبوانية والحضرمية
وقوات العمالقة الجنوبية والصاعقة ووحدات الأمن، باستثناء وادي حضرموت والمهرة إلى
حدّ ما. السّيطرة في وادي حضرموت ما زالت لقوات المنطقة العسكرية الأولى التي
يتوزّع ولاؤها بين حزب الاصلاح والحوثيين مع تواجد وتأثير ملموس أيضا للجماعات
"الإرهابية". وذات الشيء بالنسبة إلى محافظة المهرة، فوضعها غير واضح
حتّى الآن؛ ويحاول حزب الإصلاح أن ينشط فيها عن طريق تيار يقوده العميد السابق علي
سالم الحريزي، فضلاً عن بعض الألوية الموالية للرئيس هادي؛ بما فيها التي ما زالت
متعسكرة في شقرة بأبين، ولكنّها ضعيفة. بمعنى أننا نستطيع أن نقول أنّ قوات
الشرعيّة إجمالا بما في ذلك "الجيش الوطني" في مأرب وتعز وحجة موالية
لحزب الإصلاح أكثر بكثير مما هي موالية للرئيس هادي. بعد التطورات الأخيرة في
محافظة شبوة، حدثت بعض التغيّرات في انتشار القوات العسكرية، حيث عادت شبوة إلى
سيطرة القوات الجنوبيّة، وكذلك مديريّة حريب في محافظة مأرب.
الخيارات العسكرية المطروحة في المرحلة
القادمة
يبدو الحوثيون حاليّا في وضع مريح
بالنسبّة لتموضعهم في الشمال، فهم في موقف الدفاع، حيث تقوم استراتيجيتهم على
الأرض في اتجاهين: التمسك بالمناطق التي يسيطرون عليها، ثم تحصينها عن طريق إحكام
السيطرة الشاملة عليها. والتوسع، من خلال استكمال السيطرة على ما تبقى من مناطق
الشمال كمجمع مدينة مأرب والساحل الغربي ومحور تعز؛ إذا استبعدنا – وفقاً للمنظور
العسكري في إدارة المعارك – عدم وجود تنسيق وتعاون غير مُعلن بين الحوثيين وقيادة
حزب الإصلاح، كما سبق لقيادات عسكرية توجيه اتهامات صريحة بذلك.
يحاول الحوثي أيضاً الاستفادة من خياراته
الأخرى في سبيل تحقيق مكاسب على الأرض أو لتحقيق مكاسب تفاوضية وإعلامية تتمثل في
إطلاق الصواريخ الباليستيّة والطيران المسير على دول الخليج - التي تقود التحالف -
للضغط عليها في سبيل رفع الغطاء عن القوات على الأرض، وقد يترافق مع ذلك قيامه
بأعمال تخريبية، واستهدافات أمنية ضد معارضيه داخل المناطق المحررة وخاصة ضد
الجنوب.
بالنسبة لخيارات "الشرعية"
[الحكومة المعترف بها دوليا]، فيمكن الحديث عن خيارات التحالف، باعتباره الذي يقود
الحرب، وباعتبار "الشرعية" لا خيارات لها، لأنّ تجربة السبع سنوات، لم
تؤهل أن يكون لـ "الشرعية" خيارات مستقلة؛ بسبب أنه لا وجود حقيقي مؤثر
لها على الأرض، فلا هي حققت انتصارات ولا هي استطاعت الحفاظ على المناطق التي كانت
تحت سيطرة قواتها.
في الجهة المقابلة، ما زال لدى التحالف
و"الشرعية" خيارات مفتوحة، سواء أكان من خلال استمرار الضربات العسكرية
الجوية على مواقع وقواعد الحوثيين واستهداف قياداتهم الرفيعة أو عن طريق تحريك
الجبهات، ومن ضمنها: جبهة الحديدة حيث يُمكن توجيه قوات الساحل الغربي؛ بما فيها
قوات العمالقة الجنوبية، لإعادة فتح الجبهة والاستيلاء على الحديدة. هذا الخيار
الأول.
أحد الخيارات المهمة أيضا في مواجهة تصعيد
الحوثي هو تحريك الجبهات في مأرب وتعز والجوف وحجّة. لكن كل هذه الخيارات مرهونة
بموقف القوات الموالية "للشرعية" (الجيش الوطني)، ومدى اتساقها مع
استراتيجية التحالف ومع القوات الأخرى التي يمكن أن تساند تلك العمليات، مع أو ضد.
وهذا يعني أنّ تنفيذ اتفاق الرياض سيحتل أولوية قصوى من خلال إجبار كل القوات
العسكرية العودة الى مواقعها السابقة وكما كانت عليه في العام 2019. بمعنى آخر:
القوات المتواجدة في شقرة وفي وادي حضرموت وحتى في شبوة، سينبغي عليه التوجه إلى
الجبهات، على أقل تقدير إلى محافظتي مأرب والبيضاء القريبتين.
السيناريوهات المتوقعة لإنهاء الحرب
بعد التطورات الأخيرة في محافظة شبوة،
ودحر المليشيات الحوثية من كل مناطقها وفي زمن قياسي، وصولاً إلى تحرير مديرية
حريب في مأرب، هناك من يطرح ضرورة تحرك ألوية العمالقة الجنوبية لتحرير بقيّة
مأرب، على أقل تقدير الجزء الجنوبي منها: العبديّة والجوبة. لكن هذا يظل مرهونا
بخارطة القوى والمواقف هناك. فموقف قوات "الجيش الوطني" من المعارك، ما
زال غامضاً، ويشي بالكثير من الدلائل والتعقيدات وفقدان الثقة.
وفقا لتجارب الحرب مع الحوثيين، فإنّ
المواجهات العسكرية هي اللغة الوحيدة التي يفهمونها، والسيناريو العسكري يقتضي
إلحاق هزيمة كبيرة بالحوثيين أو على الأقل تقدير في بادئ الأمر السيطرة على
الحديدة ومأرب كاملة وتعز وإب. وفي حالة الوصول إلى هذا المستوى من السيطرة ربّما
قد يجنح الحوثيون إلى تسوية سياسيّة معقولة. بمعنى آخر: التحالف والقوى المناهضة
للحوثيين وخاصة في الجنوب لن يقدموا على أيّ تسوية سياسيّة إلا من موقف قوّة وليس من
موقف ضعف. سيبقى التحرك العسكري بالطبع مرتبطاً دائماً بالقرار السياسي، والحرب هي
وسيلة أخرى من وسائل السياسة، ولا بد للحرب أن تنتهي.
والسؤال العريض الذي يطرح نفسه دائماً:
إلى متى ستستمر المواجهات؟ ما هي الخيارات اللاحقة؟ وما هي السيناريوهات
المُتوقعّة لإنهاء الحرب ولإنهاء الأزمة؟
يبدو أنّ المؤشرات، فضلاً عن التجارب من
السبع سنوات الماضية في المجال السياسي والعسكري تفيد بأنه إذا بقي التحالف معتمدا
على نفس السياسات والآليّات والأدوات السّابقة كما هي؛ فإنّ الحرب ستظل مفتوحة،
بمعنى أنها ستكون حرب استنزاف طويلة الأمد، وحرب إرهاق وإضعاف وإفقار ومآسي
للجميع.
تبقى السناريوهات السياسيّة الدولية مهمة
بالتأثير على سير القرارات العسكرية، وهي مرتبطة بالموقف الأمريكي بدرجة أساسية،
وبشكل عام، تعلو وتهبط معه. وقد مر الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية بتحولات
وتبدلات كثيرة خلال السنوات الماضية[1]. ففي عهد إدارة الرئيس
السابق ترامب تركزت المساعدة الأمريكية للتحالف في الجوانب الاستخبارية والإعلامية
والدبلوماسية وعدم الضغط غير المبرر على التحالف. لكن في عهد الرئيس الأمريكي
الحالي بايدن فقد تغير الموقف كلياً في البداية، حيث مارس ضغوطاً كبيرة على
التحالف لوقف عملياته، فاستغلها الحوثيون بالتصعيد العسكري، حتى فُهِم على أنه
تشجيع أو ضوء أمريكي أخضر للحوثيين في استمرار الحرب. بعد سلسلة محاولات إقناع
الحوثي بمبادرات السلام، ودون أي نتيجة، يبدو أنّ التحالف حصل على الضوء الأخضر،
فعاد طيران التحالف إلى استهداف مواقع الحوثيين في كل مكان.
على كلٍ، عاد الملف اليمني إلى موقع أدنى
في قائمة الولايات المتّحدة بعد خفوت حماس الإدارة الجديدة، مع تعقيداته الكبيرة،
وانشغالها الكبير بقضايا تبدو لها أكثر أهمّية، مثل: الملف النووي الإيراني، أزمة
كوريا، وأزمة أوكرانيا. ناهيك عن مشاكل أخرى تجعل الملف اليمني دائماً
ثانويا بالنسبة لها. ويبقى الأمر في نهاية المطاف مرتبط باتخاذ الولايات المتّحدة
موقفا سياسيّا حازماً للضغط على إيران وضمنيا على الحوثيين في سبيل وقف الحرب
وإيجاد حل سياسي في اليمن، خصوصاً إذا جاء ضمن تسويات سياسّة شاملة للمنطقة.
ومن وجهة نظرنا، تبقى فرص التّسوية السياسّية في هذه الحالة قائمة، ولكن لن تكون جذرية وشاملة للمشكلة إذا لم يتم وضع في الاعتبار أس الصراع والقضية الأساسية، وهي المشكلة بين الجنوب والشمال حول موضوع الوحدة. وتبقى قضيّة الخلاف بين إيران والسعودية، والحوثيين والسعودية، والحوثيين والاصلاح، والحوثيين والشرعيّة؛ جميعها قضايا ثانوية جانبيّة، وقابلة للحل، مقارنة مع القضيّة الرئيسية: الصراع المزمن بين الجنوب والشمال، الذي يجري التحايل على أي مبادرات أو جهود لتسليط الضوء عليه.
محلل عسكري استراتيجي، عضو مجلس المستشارين في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- هذه المادة جزء من ملف تحليلي شامل للمركز حول "قراءة في التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للتطورات الأخيرة في شبوة"
- الصورة: مقاتلون حوثيون (رويترز)
مرجع:
[1] بايدن وحرب اليمن:
السياق الطويل لتحولات الموقف الأمريكي
- Carnegie Endowment for International Peace