بترودولار مقابل بترويوان: الحرب الاقتصادية المستمرة

بترودولار مقابل بترويوان: الحرب الاقتصادية المستمرة

التحليلات

الأربعاء, 16-03-2022 الساعة 09:47 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| أحمد سالم باحكيم 

كان  النظام المالي العالمي القائم على البترودولار أحد الدعائم الأساسية خلال الأربعين عامًا الماضية، وبمثابة مرساة لوضع احتياطي الدولار. كان هذا هو المستقبل الذي يبيع فيه منتجو النفط منتجاتهم إلى الولايات المتحدة (وبقية العالم) مقابل الدولار، ثم يعيدون تدوير الإيرادات من الأصول المقومة بالدولار ويدعمون الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية العالمية من خلال الاستثمار في الأسواق التي تهيمن عليها هذه العملة. كل هذا من شأنه أن يعزز مكانة الولايات المتحدة كقوة مالية عظمى لا يمكن إنكارها في العالم؛ لكنَّ تلك الأوقات تتلاشى.

تُجري المملكة العربية السعودية محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان، وهي خطوة قد تشل ليس فقط هيمنة البترودولار على سوق البترول العالمية، بل ربما ستمثل تحولًا آخر من قبل أكبر مصدر للنفط الخام في العالم نحو آسيا. ولكنَّها أيضًا خطوة تهدف بشكل مباشر إلى قلب النظام المالي الأمريكي، وقد وحدثت بعد يوم واحد من مطالبة المملكة المتحدة من المملكة العربية السعودية بمزيد من النفط؛ حتَّى عندما دعا محمد بن سلمان شي جين بينغ إلى الرياض.

كانت المفاوضات مع الصين بشأن عقود النفط المُسعرة باليوان متقطعة خلال السنوات الست الماضية، لكنها اكتسبت زخمًا هذا العام حيث أصبح السعوديون أكثر استياءًا من الوعود الأمنية الأمريكية منذ عقود لحماية البلاد. السعوديون غاضبون من عدم دعم الولايات المتحدة لمشاركتهم في [الحرب الأهلية] في اليمن، وكذلك محاولة إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.

تشتري الصين أكثر من ربع صادرات النفط السعودية، وإذا تم تسعير هذه المشتريات باليوان، فإنَّها ستعزز مكانة العملة الصينية وتضعها على طريق أن تصبح عملة احتياطي بترويوان عالمي. قد يكون التحول إلى نظام بترويوان تحولًا عميقًا بالنسبة للسعودية لتسعير حتى بعض صادراتها من النفط الخام التي تبلغ حوالي 6.2 مليون برميل يوميًا بأي شيء آخر غير الدولار، لأنَّ الغالبية العظمى من مبيعات النفط العالمية التي تبلغ حوالي 80٪ تتم بالدولار. لقد تداول السعوديون النفط بالدولار حصريًا منذ عام 1974، عندما أبرموا صفقة مع إدارة نيكسون تضمنت ضمانات أمنية للمملكة. يبدو أنَّهم اليوم فقدوا الاهتمام بالضمانات الأمنية الأمريكية وحوَّلوا ولائهم للصين.

كخلاصة، أطلقت الصين عقود النفط المسعرة باليوان في مارس 2018 كجزء من جهودها لجعل عملتها قابلة للتسويق على مستوى العالم، لكنها لم تحدث فرقًا في هيمنة الدولار على سوق النفط، بسبب استمرار تفوق الدولار، العملة المفضلة لمصدري النفط. ومع ذلك، نتيجة للعقوبات الأمريكية على إيران بسبب برنامجها النووي، وروسيا لغزوها لأوكرانيا، أصبح استخدام الصين للدولار خطرًا.

التحول التاريخي اليوم لم يكن مستبعداً، لقد كانت الصين تتودد إلى المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، وتساعد المملكة في تطوير صواريخها الباليستية الخاصة، والتشاور معها بشأن برنامج نووي، والاستثمار في مشاريع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مثل نيوم، المدينة الجديدة المستقبلية. في غضون ذلك، تدهورت العلاقات الأمريكية السعودية في عهد الرئيس بايدن، الذي أعلن المملكة بلداً "منبوذاً" في حملته لعام 2020، رداً على اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي في عام 2018.

كما أنَّه يأتي في وقت تتدهور فيه العلاقات الاقتصادية للولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية؛ حيث أصبحت الولايات المتحدة الآن من بين أكبر منتجي النفط في العالم، وهو تحول حاد عن الثمانينيات، عندما كانت تستورد مليوني برميل من الخام السعودي يوميًا، لكنَّ هذا الرقم انخفض إلى أقل من 500000 برميل يوميًا في ديسمبر 2021. ومن ناحية أخرى، ارتفعت واردات الصين من النفط بشكل مطرد على مدى العقود الثلاثة الماضية، جنبًا إلى جنب مع نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ووفقًا لبيانات من الإدارة العامة للجمارك في الصين، كانت الرياض أكبر مورد للنفط الخام لبكين في عام 2021، حيث باعت السعودية 1.76 مليون برميل يوميًا، تليها روسيا بـ 1.6 مليون برميل يوميًا.

لقد تحولت الديناميكيات بشكل كبير. تغيرت علاقة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، في حين أنَّ الصين هي أكبر مستورد للبترول في العالم، وهي تزوَّد المملكة بعدد كبير من الحوافز المالية، وبكل ما يمكن أن تريده.

وغني عن القول إنَّ الولايات المتحدة غير راضية عن هذا التحول التاريخي. لقد كان بيع النفط إلى الصين باليوان صعبًا للغاية ولا يمكن التنبؤ به. عندما كانت هناك توترات بين واشنطن والرياض في الماضي، دفع السعوديون بهذا الاتجاه. بالطبع، من الممكن أن يتراجع السعوديون. قد يؤدي تغيير تجارة ملايين البراميل من النفط من الدولار إلى اليوان على أساس يومي إلى تعطيل الاقتصاد السعودي، الذي يستخدم الريال كعملة له. حذَّر مستشارو الأمير محمد بن سلمان من أن المضي قدمًا في الخطة بسرعة كبيرة قد يؤدي إلى عواقب اقتصادية غير متوقعة. ربما تستعد الرياض ببساطة لليوم الذي يتم فيه كسر ربط النفط بالبترودولار، مما يقطع آخر رابط مهم بين المملكة والولايات المتحدة.

من شأن المزيد من المبيعات باليوان أن يعزز علاقات المملكة العربية السعودية بالعملة الصينية، والتي لم تلتق مع المستثمرين الأجانب بسبب لوائح بكين الصارمة. قد يؤدي التعاقد على بيع النفط بعملة أقل استقرارًا إلى تعريض آفاق الميزانية السعودية لمزيد من الخطر.

من المرجح أن يتم تحديد التأثير الاقتصادي على المملكة العربية السعودية من خلال كمية مبيعات النفط وسعر النفط. ويقول بعض الاقتصاديين إنَّ الابتعاد عن مبيعات النفط المقوَّمة بالدولار سيؤدَّي إلى تنويع قاعدة دخل المملكة وقد يؤدَّي في النهاية إلى ربط الريال بسلة عملات على غرار الدينار الكويتي. ومع ذلك، لن يُنظر إلى التحول بشكل سلبي إذا تم إجراؤه الآن، في حين أنَّ أسعار النفط مرتفعة، فسيتم اعتباره بمثابة تعزيز للعلاقات مع الصين. على الرغم من حقيقة أن السعوديين يريدون إجراء معظم معاملات النفط بالدولار، فقد بدأ التحول، وقد يميل المنتجون الآخرون إلى تسعير شحناتهم الصينية باليوان أيضًا. وتعتبر روسيا والعراق وأنغولا من أكبر موردي النفط للصين.

نتيجة لذلك، بدأت أجزاء اللعبة النهائية في مكانها الصحيح: تقوم روسيا بتجويع العالم الغربي من الموارد التي تشتد الحاجة إليها، مما يؤدَّي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية باستمرار، بينما تلتقط الصين بهدوء القطع النقدية وتستفيد من التدافع الغربي لتأمين الموارد مهما كانت التكاليف، مع الاقتراب من جميع عملاء البترودولار السابقين غير الغربيين، والذين هم أيضًا غنيون بالموارد الأخرى لتقديم منتج جديد لهم، وهو اليوان.

باحث في مجال الطاقة، يعمل كأخصائي نظم معلومات في المؤسسة العامة للكهرباء (PEC) في عدن. 

الصورة: فوربس بيزنس 

المراجع: 

الصين أمريكا النفط السعودية بترودولار بتررويوان الدولار اليوان