بن زايد في موسكو: مساعي للسلام أم ترسيخ للعلاقات؟

بن زايد في موسكو: مساعي للسلام أم ترسيخ للعلاقات؟

التحليلات

الخميس, 17-03-2022 الساعة 10:52 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | ثابت حسين صالح 

استقبل  وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، اليوم الخميس، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، في موسكو. وقال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي يجري زيارة رسمية "نطور العلاقة مع روسيا ونعمل على تنويع مجالات الترابط بين حكوماتنا". وأضاف: "من المهم أن نبحث الأزمات المختلفة حول العالم بما فيها أوكرانيا وسوريا واليمن ولبنان وغيرها". [1]

لقد عكست هذه الزيارة ملمحاً من ملامح العلاقات الروسية الإماراتية القوية، التي برهنت عليها مواقف عدة من البلدين، لا سيَّما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية المستعرة منذ ثلاثة أسابيع.

علاقات قوية 

ترتبط دولة الإمارات والاتحاد الروسي بعلاقات استراتيجية قوية؛ وتجمعهما شراكة متعددة المستويات، وفقاً لقادة البلدين. إذ شهد مسار العلاقة بينهما نقلة نوعية مع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في العام 2018، وتطورت أوجه التعاون الإماراتي الروسي في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك.

فقد قام قادة البلدين بزيارات متبادلة أفضت لتعزيز العلاقات، منها الزيارة المهمة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، إلى موسكو في الأول من يونيو عام 2018، وتم خلالها توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية. والزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دولة الإمارات منتصف أكتوبر 2019. لقد فُسرت هذه الزيارات على أنَّها مؤشر كبير لوجود إرادة سياسية مشتركة لتطوير وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

وكان الرئيس الروسي قد أدلى بتصريحات قبل زيارته للإمارات قال فيها: «لن أكشف سراً كبيراً إذا قلت إننا على اتصال دائم مع قيادة دولة الإمارات، بل ونشأت لدينا تقاليد علاقات محددة، فلدينا إمكانية ضبط الساعة على توقيت واحد في اتجاهات وقضايا مختلفة، تعود بالفائدة الكبيرة على المنطقة بأسرها، ونحن ننظر لدولة الإمارات كونها أحد الشركاء الواعدين والقريبين جداً». [2]

بالأرقام  

اقتصاديا، تضاعفت التجارة بين روسيا والإمارات 10 مرات منذ عام 1997، عندما عُقدت لأول مرة أعمال اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي، بحسب ما قاله وزير الصناعة والتجارة الروسي، دينيس مانتوروف، الذي توقع أن تنمو التجارة البينية بين الإمارات وروسيا إلى 4.5 أو 5 مليارات دولار بنهاية العام 2021م. [3ٍ] كما توجد هناك استثمارات إماراتية في 60 مشروعاً روسياً، وتوجد في الإمارات نحو 576 علامة تجارية و25 وكالة روسية حتى عام 2018، بحسب ما قال لوكالة الأنباء الإماراتية "وام"، عبد الله آل صالح، وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وبلغ التبادل التجاري بين البلدين في الفترة من 2015 حتى 2020 نحو 55 مليار درهم، وفق بيانات وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية. تنظر روسيا إلى الإمارات باعتبارها بوابة للاستثمارات والصناعات الروسية، ومركزاً لاستيراد وتصدير السلع والبضائع الروسية إلى مختلف دول الشرق الأوسط وأفريقيا. 

بالمحصلة، كل هذه الأرقام تؤكَّد أنَّ العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد تقدماً سريعاً في مختلف المجالات، لا سيما مجالات الاقتصاد الجديد مثل الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والابتكار والاقتصاد الدائري ومختلف القطاعات الاقتصادية الجديدة، إلى جانب مختلف القطاعات الحيوية.

آفاق 

لا تتوقف العلاقات الاقتصادية بين موسكو وأبوظبي عند هذا الحد، فالقطاع السياحي هو الآخر يمثل ركيزة أساسية للتعاون بين البلدين. إذ زار الإمارات في عام 2018 نحو مليون سائح روسي، كما استأنفت شركات الطيران الروسية والإماراتية رحلاتها إلى عدة وجهات في البلدين. أيضاً هناك تعاون في مجال اللقاحات، وتعاون في مجال الفضاء، حيث أثمر التعاون بين البلدين في هذا المجال وصول هزاع المنصوري، أول رائد فضاء عربي إماراتي، إلى محطة الفضاء الدولية، التي قضى فيها 8 أيام ضمن بعثة فضاء روسية، في سبتمبر 2019.

الأزمة الأوكرانية 

لفهم رؤية دولة الإمارات في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية، التي تستهدف التوصل لحل دبلوماسي في أسرع وقت، لابد من فهم قرار أبوظبي الامتناع عن التصويت على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة وألبانيا في مجلس الأمن الدولي 25 فبراير 2022، ضد روسيا، الذي أحبطته موسكو باستخدام حق النقض "الفيتو". 

تعتقد الإمارات أنَّ لديها تاريخ حافل في نشر السلام وترسيخ الاستقرار حول العالم، زودها بخبرات كبيرة، تؤهلها للتدخل والوساطة عبر حلول دبلوماسية واقعية تحل الأزمات لا تعقدها، وتحمي المدنيين لا تضحي بهم، وذلك في إطار احترام وتطبيق القوانين الدولية ومراعاة الأوضاع الإنسانية. عرفت الإمارات أنَّ هذه الوساطة تتطلب حيادا إيجابيا، يتيح لعب دور يسهم في حل الأزمة عبر فتح قنوات حوار وتفاوض تسهم في تقريب وجهات النظر. وكان امتناعها عن التصويت يصب في صالح تحقيق هذا الحياد الإيجابي، لا سيما أن التصويت في مجلس الأمن في ضوء الفيتو الروسي هو "تحصيل حاصل"، وامتناع الإمارات لن يعرقل القرار. على الرغم من أنَّ موقف الإمارات أثار حنق الولايات المتحدة، وفقاً لموقع "أكسيوس" الأميركي.

في مطلع مارس الحالي، أجرى محمد بن زايد على التوالي اتصالين هاتفيين مع كل من الرئيسين الروسي بوتن والأوكراني زيلينسكي، أكَّد فيهما على ضرورة الحل السلمي لهذه الأزمة. في المقابل، أظهرت روسيا دعمها للإمارات ضد الحوثيين المدعومين من إيران مؤخراً. لقد أدان مسؤولون روس هجمات الجماعة ضد المناطق المدنية الإماراتية في الأسابيع الأخيرة. وصوتت روسيا لصالح قرار مجلس الأمن الأخير الذي صنف الحوثيين كـ "جماعة إرهابية" ووسع حظر توريد السلاح المفروض عليهم.

- العميد ركن ثابت حسين صالح، محلل وخبير استراتيجي عسكري 

- الصورة: لافروف يستقبل عبد الله بن زايد في موسكو 17 مارس 2022 (إعلام خليجي) 

الإمارات روسيا أوكرانيا