21-03-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
على الرُغم من غزو المخدّرات ذات الأصول النباتية دول العالم والجوار، وتعداد مسمياتها وأنواعها، ظهر خلال السنوات الأخيرة في محافظة حضرموت، جنوب اليمن، نوع جديد اصطناعي من المخدّرات يعُرف بـ "الشبو".
في هذا التقرير، يستقصي "سوث24" انتشار الشبو في المحافظة، ويكشف عن معلومات تحصَّل عليها من مصادر خاصة. بالإضافة إلى صور حصرية تظهر معملاً لصناعة هذه المخدرات. ويستضيف مسؤولو مكافحة المخدرات بالمحافظة لسرد معركتهم المستمرة ضد هذه الممنوعات.
القاتل المحترف
تختلف مسمّيات هذا النوع من المخدّرات، فهو يُعرف بـ "الشبو"، "الآيس"، "كريستال ميث". لكنَّ "القاتل المُحترف" هو الاسم الذي يفضله الأطباء لهذا المركب الكيميائي.
الاسم العلمي للشبو هو الـ "ميثامفيتامين"؛ وهو عقار كيميائي منبه قوي جدا للجهاز العصبي المركزي. إنَّه ينتمي أساسًا إلى العقارات الترفيهية ويُستخدم على نحو أقل ضمن علاجات الخط الثاني لاضطراب نقص الانتباه. [1]
يسبب الشبو الإدمان سريعًا، نظرًا لتأثيره المباشر على الجهاز العصبي المركزي، ويعتبر منشطاً من مجموعة الأمفيتامين والفينيثيلامين ذات التأثير العقلي. ويوصف بأنَّه من أقوى أنواع المخدّرات التي ظهرت. [2]
ووفقاً لأخصائي علاج الإدمان، بمستشفى دار الشفاء التخصصي بمصر، الدكتور علي قرقر، "الجرعات العالية من الشبو، تسبب بشكل مباشر حالة من الهوس والنشوة".
ويضيف قرقر، في حديثه لـ "سوث24": "في كل الأحوال، الاستخدام الخاطئ للأمفيتامينات خارج الإشراف الطبي يسبب الإدمان، ويجعل الإنسان أسير الكريستال ميث بلا مبالغة في التوصيف".
وعن أسباب الإقبال على هذا المخدّر، أوضح قرقر أنّه "من المواد المحفزة أو المنبهات، التي قد يلجأ إليها الشباب لشغف التجربة أو أسباب مرتبطة بتأثيره كالاستيقاظ لمدة طويلة، أو الأثر الخاص بزيادة الرغبة الجنسية".
وتابع: "على المدى البعيد، يسبب الكريستال ميث التوتر والعصبية وفقدان الوزن، وظهور مشاكل في الأسنان وتدمير خلايا الكبد".
وحول الفئة العمريّة التي يبدأ فيها هوس تجربة المخدّرات، قال قرقر "قد يبدأ في أي مرحلة عمرية، وإن كان الأكثر شيوعاً هو مرحلة المراهقة لما تشهده من ضغط يسببه الأقران، إضافة لاحتمالية الاضطرابات المزاجية الزائدة في هذه الفترة".
"تفوق خطورة هذا النوع من المخدّرات جميع الأصناف مجتمعة، بما في ذلك الهيروين والكبتاغون"، يقول العقيد عبد الله لحمدي، مدير إدارة مكافحة المخدّرات بساحل حضرموت. ويضيف لحمدي لـ «سوث24»: "كما يرتبط تعاطيه بجلسات تعاطي نبتة القات بين أوساط الشباب".
إنتاج الشبو في حضرموت
أظهرت صور حصرية، تحصَّل عليها "سوث24" من مصادر خاصة، معملاً لإنتاج الشبو في محافظة حضرموت. ووفقاً للمصادر، يوجد هذا المعمل في إحدى مناطق وادي حضرموت، ويعمل فيه يمنيون وباكستانيون وأشخاص من جنسيات أخرى.
معمل لصناعة مخدرات الشبو في وادي حضرموت، جنوب اليمن (سوث24)
وطبقاً للعقيد لحمدي، "تحضير الشبو ليس أمرا صعباً إذا توفّرت معامل كيميائية". وأضاف:" مؤخراً بدأنا نشكّ في أنّ الشبو - الذي تُعتبر شرق أسيا المهد الطبيعي لانتشاره - يتمّ تحضيره في حضرموت".
وعن سعر الشبو، أوضح لحمدي أنّ سعر الجرام الواحد منه، في حضرموت، "وصل خلال السنوات الأخيرة إلى ما يزيد عن 30 ألف ريال يمني، أو 100 ريال سعودي" وأشار إلى أنّه "في الوقت الراهن، هبط سعر جرام الشبو إلى 14000 ألف ريال".
وفسَّر لحمدي هذه الانخفاض الكبير بـ "بدء إنتاج الشبو بالفعل في حضرموت، عوضاً عن تهريبه من الخارج". وكشف لـ "سوث24" إنَّ إدارة مكافحة المخدرات في ساحل حضرموت لديها معلومات بوجود مصانع لإنتاج الشبو في حضرموت، لكنَّها لم تستطع تحديد أماكنها حتَّى الآن.
معمل لصناعة مخدرات الشبو في وادي حضرموت، جنوب اليمن (سوث24)
ويعتقد لحمدي أنَّ استحداث مصانع الشبو في حضرموت، جاء "نتيجة تضييق الأجهزة الأمنية الخناق على هذا النوع من المخدّرات بالمنافذ الجوية والبحرية والبرية".
من جانبه، أكَّد النقيب محمد غلاب، مدير مكافحة المخدّرات السابق بوادي حضرموت وجود معامل لإنتاج الشبو في الوادي. وقال غلَّاب أنَّه كان – قبل استقالته – قريباً جداُ من اكتشاف مكان المعمل بعد أن قبض على "بعض من لهم ارتباط بالمعمل".
ولم يوضح غلَّاب لـ "سوث24" سبب تقديمه للاستقالة، لكنَّ مصادر خاصة أفادت بأنَّه تعرَّض لضغوط وتهديدات أثناء مطاردته لمعمل الشبو في وادي حضرموت. لقد دفعه ذلك لتقديم استقالته طبقاً للمصادر.
معمل لصناعة مخدرات الشبو في وادي حضرموت، جنوب اليمن (سوث24)
ولم يقتصر إنتاج الشبو في حضرموت على التهريب والتجارة الداخلية، بل امتد ذلك إلى محاولة تهريبه لدول مجاورة عبر مطار سيئون الدولي.
وحول هذا يقول لحمدي: "بدأ رصد الشبو يتكرر في مطار سيئون قبل نحو عامين من الآن. لقد ضُبطت أكثر من ثلاث محاولات على التوالي في المطار". ولفت إلى أنّ وجهة الشبو في حضرموت حينها "كانت لغرض تهريبه إلى دول الجوار، وفي مقدّمتها مصر".
ووفقاً لـ لحمدي، "بحسب الضبطيات، لا يزال الحشيش في المرتبة الأولى من بين جميع الأصناف. تليه أقراص الكبتاغون. وفي الوقت الراهن، بدأ الشبو يكتسح السوق المحلّي. وهناك مخاوف من أنّ يحتل المرتبة الأولى قريباً".
عودة المغتربين والمُرحلين
بالنسبة لـ "لحمدي"، "المخدّرات دائماً يحكمها قانون العرض والطلب. من أوجد الطلب في حضرموت هم الأخوة الذين تم ترحيلهم من دول الجوار لاسيّما على ذمة قضايا المخدّرات".
ويضيف: "عندما وجد الطلب داخل السوق المحلي، أصبح الانتشار على المستوى الداخلي بدلاً من تهريبه من خارج البلاد كالسابق".
وعلى الرغم من تزايد الإنتاج والاستهلاك المحلّي للشبو، يعتقد مدير مكافحة المخدّرات بساحل حضرموت أنّ "التهريب لا يزال مستمراً، في حين أنّ الأجهزة الأمنية بالمطارات لم تضبط أي عمليات تهريب مؤخراً".
أسباب الإقبال
وعن أسباب إقبال المتعاطين، لا سيَّما الشباب، على الشبو، يقول لحمدي "من الأسباب الرئيسية أنَّ متعاطيه يعتقدون أنَّه يعطيهم طاقة جنسيّة غير عادية، إلى جانب الاعتقادات الأخرى، مثل: الراحة النفسية وغيرها".
وتابع، "معظم الذين يصلون إلينا على قضايا تعاطي شبو، ومن خلال ما نلمسه في واقع عملنا؛ فإنَّ الشباب الجُدد لم يصلوا إلى مرحلة الإدمان، ولم نلحظ عليهم مضاعفات خطيرة أو آثار رجعية، وهذا تفسّره لنا فترة احتجاز المتعاطي لدينا. قد تصل الفترة أحياناً إلى 6 أشهر".
واعتبر لحمدي أنّ الشبو "كارثة جديدة بالنسبة للشباب في هذا البلد المثقل بالكوارث، ومن أكبر التحديات التي تواجههم حتى الآن".
ضباط يبيعون المخدرات
اتهمت مصادر أمنية لـ «سوث24» بعض الضباط والقيادات العسكرية والجنود في محافظة حضرموت بالتورط في تجارة المخدّرات، ومنها الشبو، وتعاطيها. وقالت المصادر إنَّهم "يستغلون مناصبهم لتسهيل عمليّة الترويج لها والكسب منها".
وحول هذا، قال العقيد لحمدي: "للأسف الشديد، ووفقاً للضبطيات يوجد تعاطٍ من قبل بعص الضباط والجنود، وهذه حقيقة لا يجب أن ننكرها، وهم في نهاية المطاف بشر". وأشار إلى أنَّهم "سينالون جزاءهم مثل غيرهم من المدنيين".
وعن دوافع ذلك، قال لحمدي إنّ "حضرموت كانت بحاجة إلى قوة بشرية في فترة من الفترات للسيطرة على الجانب الأمني. والتجنيد حينها كان وفقاً للكم لا للكيف. لقد استغل هؤلاء المتعاطون على الأرجح هذه الفترة للتغلغل في السلك الأمني والعسكري".
معمل لصناعة مخدرات الشبو في وادي حضرموت، جنوب اليمن (سوث24)
ولم يستبعد لحمدي أنّ "عصابات ومافيا المخدّرات هي من غرست هذه العناصر، لتسهيل بعض عمليات التهريب والترويج". وأضاف، "نحن في طور تصفية وغربلة مثل هذه الحالات، وبعضها نعرفها بشكل شخصي".
مخدّرات سهلة
لم تعد المخدّرات وحدها بمختلف أنواعها من يُهدد حياة الشباب، فالأسعار ليست في متناول الجميع، وعقوباتها قاسية وكفيلة بردع الهواة. لكنَّ ومع توفر البدائل التي تُباع في بعض الصيدليات بطرق غير مشروعة، أصبحت بعض الأدوية ذات التأثير المخدر قِبلة الباحثين عما يُعرف بـ "الكيف".
واعتبر بعض الصيادلة في حضرموت، في حديثهم مع «سوث24»، أنَّ "فوارق مكاسب بيع بعض الأصناف من الأدوية، يُعدّ بمثابة دخل يومي" لهم.
على سبيل المثال، يقول (ص.م)، وهو موظّف بإحدى صيدليات منطقة فُوّة، بمدينة المكلا بساحل حضرموت: "بعض الأدوية لا تُصرف إلا بوصفات طبيّة «روشتّة». مع ذلك أضطر أحيانا إلى بيعها بغير وصفة للتكسب إذا ضَمن الشخص أحد الأصدقاء".
ويضيف، "أكثر الأدوية التي تشهد إقبالا كبيراً وأرباحاً إضافية، هي: الأقراص المنومة وأقراص مضادات الاكتئاب والصرع".
أما (ع.ب)، ويعمل في صيدلية أخرى، فيقول: "أنا لا أتعامل إلا بوصفات طبيّة مع الجميع دون استثناء. لاحظت بعد عودة البعض من دول الخليج، زيادة الطلب على أنواع معينة من الأدوية. كنت لا أتردد في صرفها باعتبار أنّها تُصرف بدون وصفة، وسرعان ما تنفذ. لكن أنا أعلم بأنّها تُستخدم في غير أغراضها".
ويضيف "بعد زيادة الطلب وسرعة نفاذها، وجّهني مالك الصيدلية بالامتناع عن بيع تلك الأنواع إلا بوصفة طبيّة. وبعد كل فترات زمنية متقاربة، أتفاجأ بطلب أنواع أخرى تؤدي نفس الغرض. إنَّ رفض صرفها دون سبب، أمر مرهق ومُحرج للغاية".
ولفت إلى أنّ "المشكلة في تصاعد مستمر، لعدم وجود قوانين تؤطره هذه الأدوية ضمن ما يمنع صرفه إلا بوصفات طبيّة".
وتعليقاً على هذا، يقول مدير مكافحة المخدّرات بساحل حضرموت إنّ "أول القضايا التي واجهتنا في العام 2017، قيام بعض ملاك الصيدليات بالترويج لبعض الأنواع من الأدوية المهدئة، التي لا تصرف إلا وفق وصفة طبية، لغرض التكسب السريع".
واعتبر لحمدي أنّ "ذلك ناجم عن ضعف الرقابة". وأضاف، "الإقبال على هذه الأصناف كبير جداً؛ بسبب رخص ثمنها، ولأنَّها قد تحل محل المخدّرات. الإشكالية الحقيقة أنّ قانون المخدّرات لا يشملها. وفي حال تم ضبط شخص فإن العقوبة بسيطة جداً".
العقوبات وضعف الإمكانيات
وفي سياق حديثه عن العقوبات، أوضح لحمدي أنّ عقوبة تعاطي المخدّرات "تصل إلى السجن خمس سنوات. في حين أنّ عقوبة المروج تصل إلى السجن 25 عاماً. أمّا عقوبة الإتجار بالمخدّرات فقد تصل إلى الإعدام، وقد تُخفف إلى السجن 25 عاماً".
وأضاف، "أما التواجد في الأماكن المشبوهة أو المُخصصة للتعاطي، فتصل العقوبة فيها إلى السجن عاماً كاملاً".
وحول الصعوبات التي تواجه مكافحة المخدّرات بساحل حضرموت، قال لحمدي "تواجهنا تحديات كبيرة، أبرزها: ضعف الإمكانيات والدعم والأسلحة وحتى الكادر البشري. التأهيل وفقاً للاختصاص غير موجود".
وتابع، "لا يوجد قسم خاص بالكادر النسائي لكي يمارسن مهامهن منه، ولا توجد لدينا ميزانية تشغيلية. عملنا مبني على الدعم. وإن وجد فهو لا يرقى إلى قيمة المهام التي نحن في صددها".
وأضاف، "نحن نعاني حتى من ضعف إمكانيات المبنى، فهو لا يستوعب أعداد المساجين، ومن غير المنطق أن نضع متعاطٍ مع مروّج؛ خوفاً أن يصبح المتعاطي مروّجاً. نحن نعتبر المتعاطي ضحيّة".
وبالنسبة لـ "لحمدي"، "المشكلة الحقيقة التي تورقنا أنَّ بعض منتسبينا لم يستلموا مرتباتهم لأكثر من سبعة أشهر. وهم في تحدٍ كبير: إمّا أن يثبتوا على مبادئهم أو ينحازوا إلى إغراءات المروجين، التي تصل إلى عشرات الآلاف من العملات الأجنبية".
علاج الإدمان
وعن طبيعة الأعراض الجانبيّة للمخدرات، أشار أخصائي علاج الإدمان، الدكتور علي قرقر إلى أنّها "تختلف من مادة إلى أخرى".
وأضاف، "خصوصاً وأنَّ بعض المواد لها تأثير مثبط للجهاز العصبي، والأخرى لها تأثير محفّز أو منبّه، لكن على الصعيد السلوكي قد يتشابهان في التغيَّر المزاجي الحاد وازدياد الحاجة إلى المال".
ويلفت قرقر إلى أنَّ "العلاج في مرحلته الأولى على الأقل، سيختلف حسب المادة وعدة عوامل أخرى، لكن مجدداً ستتشابه المواد في المستهدف بعد انتهاء الفترة الانسحابية، وهو العلاج المستهدف لمنع الانتكاسة، والذي سيستهدف الجوانب الفكرية والسلوكية، التي قد تسبب العودة للمادة المخدرة".
لكنّ أحمد عبيد، وهو والد أحد مدمني الشبو بمنطقة فُوّة القديمة بالمكلا، يرى أنَّ "كل من أدمن هذا السم لمدة تزيد عن ستة أشهر، سيدفع ثمن إدمانه بخسائر لا تحمد عقباها من عدة نواحي".
وأضاف عبيد، في حديث مع «سوث24»: "على الصعيد المادي، يخسر المدمن أضعاف دخله، بسبب الطلب والشراء المتزايد طردياً مع طول فترة الاستخدام". ووجه رسالة إلى "كل من يعرف مدمن يعز عليه، أن يمنعه ولو بالقوة. نحن في بلد لا توجد فيه مراكز علاجيّة متخصصة".
وفي العام 2019، أُعلن البدء في تأسيس مستشفى النُّهى للطب النفسي والإدمان، بمنطقة الغرف بمديرية تريم بالوادي. وفي مطلع العام 2022، أعلن المستشفى الوحيد استقبال طلبات التوظيف. [3]
ووفقاً لما تتبعه «سوث24» خلال الأعوام من 2018 وحتى 2020، تشير الأرقام إلى أنّه تمّ، بمحافظة حضرموت، ضبط 102 كيلو و420 جراماً من الحشيش، 1460 حبة كبتاغون، و2805 حبة مخدرة أخرى. بينما فقط تمّ القبض على 56 كيلو من الشبو خلال العام 2020.
وتشير إحصائية تحصل عليها «سوث24» إلى أنّ عدد قضايا المخدّرات بساحل حضرموت خلال الأعوام الثلاثة تلك بلغت نحو 421 قضيّة (243 في 2018، 93 خلال 2019، و80 في 2020،).
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: معمل لصناعة مخدرات الشبو في وادي حضرموت، جنوب اليمن (سوث24)