07-04-2022 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
لقد أدى بدء
العملية العسكرية الروسية الخاصة المستمرة في أوكرانيا إلى حدوث استقطاب عالمي.
وتزعم موسكو أن هذه الخطوة مقصودة للتيقن من تكامل الخطوط الحمراء لأمنها القومي
في هذا البلد والمنطقة ككل. بينما تعتبرها كييف وشركاؤها بقيادة الولايات المتحدة
غزوًا غير مشروع. أما باقي المجتمع الدولي فيتسم بالانقسام حيث تبعث العديد من
الدول بإشارات مختلطة. من المهم تحليل موقف الجامعة العربية تجاه هذا الصراع لأنه
يجسد العمل المتوازن المعقد الذي تحاول حكومات عديدة اللجوء إليه من أجل الترويج
لمصالحهم في هذا السياق.
الإطار
المرجعي المبدئي لتفسير موقف حكومة معينة يتمثل في كيفية تصويتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
الشهر الماضي في قرار إدانة الأنشطة العسكرية
الروسية في أوكرانيا ومطالبة موسكو بالانسحاب الفوري. ونشر موقع أكسيوس
الأمريكي الإخباري خريطة تسمح للمرء برؤية كيف صوت كل عضو بالمجتمع الدولي في
تقرير حول "كيف صوتت ١٤١ دولة لإدانة روسيا في الأمم المتحدة". إن نظرة سريعة تكشف
أن بلدان الجامعة العربية اتخذت واحدا من ثلاثة مواقف.
سوريا، التي تم تعليق عضويتها بجامعة الدول العربية، كانت الدولة الوحيدة التي عارضت القرار. وفي ذات الأثناء، امتنعت الجزائر والعراق والسودان عن التصويت بينما قام كل الأعضاء الآخرين بدعمه. ومع ذلك، ينبغي على المراقبين ملاحظة أن الإمارات، العضو غير الدائم في مجلس الأمن الدولي حاليا، امتنعت في البداية عن التصويت على قرار أمريكي بإدانة الأنشطة العسكرية في أوكرانيا. ونقل أكسيوس عن مصادر قولها إن " الإمارات امتنعت عن التصويت في قرار مجلس الأمن بسبب رد الفعل الأمريكي على هجمات الحوثيين".
ثمة المزيد من
السياق الذي ينبغي أن يعرفه القارئ قبل أن يمضي هذا التحليل قدما لتفسير لماذا كان
رد فعل كل دولة على هذا النحو. حث رئيس وزراء باكستان عمران
خان الدول الإسلامية على التوسط في الصراع أثناء اجتماع وزراء خارجية منظمة
التعاون الإسلامي الذي عقد في باكستان أواخر الشهر الماضي. وبدا كافة المشاركين
مستجيبين لهذا الاقتراح لدرجة أن وفدا من
الجامعة العربية ضم وزراء خارجية الجزائر ومصر
والأردن والعراق والسودان زاروا موسكو للتو وعرضوا الوساطة بين روسيا وأوكرانيا.
ومع وضع كل ذلك في الأذهان، يستطيع المرء الوصول إلى فهم أفضل لموقف كل دولة. تمثل سوريا حليفا عسكريا لروسيا حيث يعود الفضل لاستمرار بقاء حكومتها الحالية التي تحظى باعتراف جزئي في العالم إلى تدخل موسكو الصارم لمواجهة الإرهاب بدءا من سبتمبر ٢٠١٥ والذي أوقف التقدم المزوج للقوات المناهضة للحكومة وداعش في العاصمة. وردّت دمشق هذا الصنيع الوجودي حرفيا من خلال الاعتراف بخطوة روسيا الجدلية بإعادة ضم شبه جزيرة القرم إليها، وكذلك فيما يتعلق باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصالية في جورجيا ودونباس الأوكرانية.
ولذلك، فإن موقف سوريا تجاه أزمة أوكرانيا كان متوقعا. وفي الحقيقة، كان سيكون مخزيا لدمشق فعل أي شيء آخر بخلاف اتباع خطى حليفتها روسيا والتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد القرار. إذن تقوم سوريا بولاء شديد بدعم أي شيء تفعله روسيا في أرجاء العالم، حتى أن البعض بدأ في التساؤل إذا ما كانت دمشق تتصرف بشكل مستقل أم أن سياستها الخارجية تتحكم بها موسكو حاليا. وبشكل موضوعي، فإن روسيا تمتلك بعض النفوذ المحتمل على سوريا لكن القيادة في دمشق ربما تؤمن حقًا بأن الانحياز للحليفة روسيا سوف يخدم مصالحها بشكل أفضل.
أما الفئة الثانية من أعضاء الجامعة العربية التي سيتطرق إليها التحليل هي تلك الدول التي امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، وتشمل الجزائر والعراق والسودان والتي تمتلك جميعها علاقات خاصة مع روسيا مما يساعد في تفسير موقفها. موسكو هي أكبر مورد عسكري للجيشين الجزائري والعراقي وهو ما أكده معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام في تقرير "اتجاهات عمليات نقل الأسلحة الدولية في 2021" والذي نُشر الشهر الماضي. وزعمت المؤسسة البحثية أن روسيا أمدت الجزائر بـ 81% من الأسلحة، و44% للعراق خلال الفترة من 2017-2021.
تفي هذه الإمدادات بأغراض هامة لمستقبليها، إذ أن الجزائر ما تزال غارقة في عقود من التوتر مع جارتها المغرب بشأن قضية الصحراء الغربية، بينما تستخدم العراق المعدات العسكرية التقنية من موسكو لدعم عمليات مكافحة الإرهاب. ثمة عامل آخر يربط هذه البلدان بروسيا ألا وهو الطاقة، إذ أن الجزائر والعراق وباقي أعضاء أوبك ينسقّون مع روسيا من خلال آلية "أوبك بلس" بقيادة المملكة السعودية منذ أعوام. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات الروسية ضخت استثمارات تجاوزت 10 مليارات دولار في مشروعات الطاقة العراقية اعتبارا من مارس 2021.
وتختلف علاقة السودان بروسيا نوعا ما عن الجزائر والعراق، إذ أن هذه الدولة- التي تعاني سياسيا والمنقسمة داخليا والتي تبدو هذه الأيام على حافة انقلاب آخر أو حركة احتجاج واسعة النطاق أو كلاهما- زرعت روابط عسكرية إستراتيجية قوية مع موسكو خلال الأعوام الأخيرة. ويأمل الكرملين في افتتاح قاعدة بحرية في بورتسودان من أجل استعادة نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق على البحر الأحمر وربما خليج عدن أيضا في نهاية المطاف. وأكد الجنرال محمد حمدان دقلو في أوائل مارس في أعقاب زيارة إلى موسكو أن الخرطوم تظل مهتمة بهذا الأمر.
ولذلك، فإن الجزائر والعراق والسودان لديها بالفعل علاقات خاصة ومميزة مع روسيا مما يفسر لماذا قررت حكوماتها الامتناع عن التصويت على القرار. وبالرغم من علاقاتهم الوطيدة مع موسكو، لكنهم لم يصوتوا ضد القرار مثلما فعلت دمشق. ويرجع ذلك إلى إن الدول الثلاث أرادت بعث إشارة إلى المجتمع الدولي بأنها تمارس سياسة يمكن وصفها بـ "الحياد المبدئي" والذي اتخذه الكثيرون أمام دعوات الحرب الباردة الجديدة. أما إذا صوتوا ضد القرار، فإن ذلك كان سيشير إلى وقوعهم تحت النفوذ الروسي مثل سوريا وهو أمر يعترضون عليه.
أما فيما يتعلق بدول الجامعة العربية التي دعمت القرار، فإن جميعها ترتبط بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، حتى من أمثال السعودية والإمارات اللتين تتسم علاقتهما بواشنطن هذه الأيام بالتعقيد أكثر من أي وقت وقت مضى. التصويت لصالح القرار كان مقصودا للانحراف عن أي اتهامات مفادها أن هذه البلدان داخل "معسكر روسيا".، والضغط اللاحق لذلك الذي ربما يقع عليهم نتيجة لذلك التصور. ومهما كان الأمر، فإن دول الخليج أبرمت علاقات أكثر قربا مع روسيا في السنوات الأخيرة ولكنها ليست وطيدة بالشكل الكافي الذي يدفعها للامتناع عن التصويت والمخاطرة بالوقوع تحت طائلة الغضب الغربي.
هذه الملاحظة تستحضر تطرق التحليل إلى امتناع الإمارات عن التصويت لقرار أمريكي بمجلس الأمن ضد روسيا والمذكور آنفًا في هذا المقال. وكما قال موقع أكسيوس، فإن هذه الخطوة لا ينبغي تفسيرها بكونها ضد الولايات المتحدة في حد ذاتها، ولكنها رد فعل على عدم اتخاذ واشنطن رد الفعل المتوقع تجاه هجمات الحوثيين الأخيرة. وكانت الإمارات تأمل في أن تقوم الولايات المتحدة مجددا بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية لكن ذلك لم يحدث لأن واشنطن ترغب على ما يبدو في إبقاء القنوات الدبلوماسية معهم مفتوحة.
ولذلك، من المنطقي أن تمتنع أبوظبي عن دعم القرار الأمريكي ضد روسيا بمجلس الأمن إذا لم تذعن واشنطن لرغبات حليفتها أبوظبي بشأن تصنيف الحوثيين. وبالرغم من هذه السياسة الدولية، ليس من الدقة وصف الإمارات بأنها مناهضة لروسيا حتى في حالة دعمها للقرار الأمريكي بمجلس الأمن. لقد تنامت روابط الطاقة والاستثمار والعلاقات العسكرية بين الدولتين في الأعوام الأخيرة وامتنعت أبو ظبي عن فرض عقوبات ضد موسكو ورفضت التضامن مع شركائها الغربيين في هذا الصدد.
وفي الحقيقة، حان الوقت الآن لتقديم بُعد مختلف في هذا التحليل ويتمثل في حقيقة مفادها أن الغالبية العظمى من المجتمع الدولي، بما فيها الجامعة العربية لم تعاقب روسيا بالرغم من الضغط الغربي الهائل بقيادة الولايات المتحدة لدفعها نحو ذلك. وبشكل واقعي، لم يتوقع أحد رضوخ الصين لتلك المطالب. بيد أن الجارة الهند ظلت محايدة على نحو أخاذ بل أنها وسعت نطاق علاقات الطاقة مع روسيا أثناء هذه الأزمة. وبصفتها ثاني أكبر دول العالم النامية، تأمل الهند أن تكون نموذجا يسير على خطاه باقي الجنوب العالمي.
ولا يعني ذلك أن دول الجامعة العربية تعمل تحت التأثير الهندي، ولكنهم بالتأكيد شاهدوا الولايات المتحدة غير قادرة على ممارسة ضغط ناجح في هذه القضية على شريكها العسكري الإستراتيجي الجديد، "الهند" وربما راهنوا على أن واشنطن لن تنجح أيضا في الضغط عليهم. إن الامتثال للعقوبات الأمريكية المناوئة لروسيا من شأنه أن يثير توجس شركاء غير غربيين آخرين أمثال الصين والهند حيث سيعتبرونهم بلدان لم تعد صاحبة إستراتيجية مستقلة، بل تخضع للنفوذ الأمريكي على غرار دول الاتحاد الأوروبي.
ومن الممكن أن يخلق هذا بدوره عوائق أولية أمام تحقيق مزيد من النمو الشامل والمستقل لعلاقاتهم الثنائية متبادلة المنفعة. وبالرغم من أن الصين والهند أو أي من الدول غير الغربية الكبرى لا يرجح أن تقر بهذا الأمر على الملأ، لكن من المحتمل أن يكونوا جميعهم مراقبين بشكل وطيد لأعضاء المجتمع الدولي الذين رضخوا للمطالب الأمريكية بشأن معاقبة روسيا. ويرجع ذلك إلى أن هذه الدول، لا سيما الصين، ربما يعتريها القلق من أن هذه البلدان قد تذعن أيضا أمام مطالب أمريكية محتملة بمعاقبة بكين أو على الأقل النأي بنفسها عنها.
إن رفض دول الجامعة العربية معاقبة روسيا بالرغم من أن غالبيتهم صوتوا ضدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة يبعث فقط إشارات مختلطة إذا لم يكن المرء على دراية بالمحددات الإستراتيجية لسياستهم الخارجية على النحو الذي شرحه هذا التحليل لكل من الفئات الثلاثة لدول هذا التكتل. وفي الحقيقة، فإن كافة هذه المواقف منطقية تماما إذا أدركنا علاقاتهم مع روسيا أو الولايات المتحدة، ولا سيما فيما يتعلق بمصالحهم في الإبقاء على استقلالهم الإستراتيجي من خلال عدم معاقبة روسيا. دراسة مواقف هذه الدول يساعد في فهم تعقيدات التوازن الدبلوماسي.
أندرو كوريبكو
محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو
- الصورة: فرنس برس