البنك المركزي وتدهور العملة في اليمن

البنك المركزي وتدهور العملة في اليمن

التحليلات

الأحد, 03-04-2022 الساعة 10:12 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | أحمد باحكيم 

يعتمد  الأمن الغذائي في اليمن على استقرار العملة إذ تستورد الدولة حوالي 90% من السلع الأساسية. وكان الدولار الأمريكي يساوي 215 ريال يمني قبل اندلاع الصراع الراهن منذ أكثر من 7 أعوام. وأدت المعركة إلى إنتاج بيئة نقدية منقسمة الجبهات، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد مستوى 1300 ريال يمني في منتصف أكتوبر في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ظاهريا. وبالمقابل، يتسم سعر الصرف بالثبات في معظم الأحيان في المناطق التي تخضع لسيطرة حركة الحوثيين المسلحة حيث يناهز الدولار مستوى 600 ريال يمني.

وانخفضت قيمة الريال اليمني في المناطق التي تسيطر عليها ظاهريا الحكومة اليمنية المعترف بها منذ نهاية أغسطس 2021. وأدى ذلك إلى تدهور سريع للأوضاع المعيشية لملايين الأشخاص وسخط اجتماعي هائل. وتسبب انهيار العملة في المناطق التي تقبع تحت سيطرة الحكومة إلى زيادة أهمية التيقن من أن مساعدات صندوق النقد الدولي يتم استخدامها بشكل يتسم بالحكمة والكفاءة من أجل استعادة الاستقرار النقدي والنظام الاجتماعي وتخفيف المعاناة الإنسانية. وبالرغم من ذلك، فإنّ قدرة البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية يتم تقويضها بشكل كبير إزاء ضغوط خارجية وضعف داخلي.

وكان اليمن يعاني أصلا من عجز مالي أجنبي حاد عندما اندلعت جائحة كورونا. ويمر البنك المركزي اليمني الذي يقع مقره في عدن ويرتبط بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بأزمة نضوب شبه كلي في الاحتياطي الأجنبي مما جعله عاجزا عن تمويل الواردات أو الارتباط بشكل فعال بسوق العملة. وشهدت التحويلات، التي تمثّل أكبر مصدر لتدفق العملة الأجنبية في الوقت الحالي، تراجعا جذريا كنتيجة للجائحة حيث أن قيود الإغلاق الاقتصادي قلصت الدخل الناجم عن تحويلات المغتربين اليمنيين العاملين بالخارج، لا سيما المملكة السعودية. وأدى ذلك إلى تفاقم الضغط على قيمة الريال اليمني التي تواصل الهبوط.

وبينما تتناقص قيمة العملة في اليمن منذ عام 2015، فإنّ الحلقة الأخرى من هذا الانخفاض السريع والجذري حدثت خلال الفترة من أغسطس-أكتوبر 2018. ومع ذلك، خلال شهري نوفمبر وديسمبر من ذات العام، تعافت قيمته بشكل جذري مماثل. وكان ذلك نتيجة لإصدار البنك اليمني المركزي بعدن شرائح تمويل الواردات السريعة من وديعة سعودية بقيمة ملياري دولار قامت المملكة بضخها في البنك المركزي في وقت سابق من العام المذكور لهدف محدد يتمثل في التيقن من استقرار النظام المالي. وتم استخدام هذه الأموال في توفير خطابات اعتماد للسلع الرئيسية أمثال القمح والأرز والسكر واللبن وزيت الطهي.

وبالرغم من أنّ البنك المركزي أصدر متوسط 97 مليون دولار أمريكي شهريا لتمويل الواردات عام 2019، تقلصت الوديعة السعودية بمقدار يتجاوز النصف في ذات العام بالرغم من بقاء أسعار الصرف والسلع في مستويات مستقرة نسبيا. وتعرّض ما تبقى من الوديعة لنضوب شبه كلي بنهاية عام 2020 حيث لم يبق إلا نحو 11.3 مليون دولار من إجمالي 2 مليار دولار. ونتيجة لذلك، ظلت السعودية منذ ذلك الحين مترددة في توفير مساعدات مالية إضافية. إنّ محاولات البنك المركزي اليمني بعدن الحصول على العملة الأجنبية من خلال الترتيب مع هيئات المساعدات الدولية لإرسال تمويلات إلى اليمن من خلال البنك المركزي باءت بالفشل أيضا.

ونتيجة لذلك، تضاءلت الاختيارات المجدية أمام البنك اليمني المركزي بعدن لتعويض النقص في احتياطي العملة الأجنبية أو تلبية احتياجات العملة الصعبة للموردين التجاريين أو شراء المنتجات من بلدان أخرى. وفي ذات الأثناء، تواجه الحكومة اليمنية عجزا ملحوظا في الموازنة وميزان المدفوعات واعتمدت بشدة على سياسة نقدية توسعية لتمويل النفقات الحكومية لا سيما الأجور. وبعبارة أخرى، قامت الحكومة المعترف بها دوليا بإنشاء عملات جديدة لتلبية احتياجات الإنفاق. الأسباب الرئيسية لهبوط قيمة الريال اليمني وارتفاع أسعار الغذاء خارج مناطق سيطرة الحوثيين تتضمن نقص النقد الأجنبي، وتضخم الفواتير المحلية. كذلك أدت الانتصارات العسكرية التي حققها الحوثيون إلى الإضرار بالثقة المحلية في عملة البنك المركزي اليمني بعدن مما دفع المواطنين في مناطق السيطرة الظاهرية للحكومة إلى الإسراع لشراء نقد حقيقي.

تستحوذ المراكز السكانية والتجارية الرئيسية في مناطق الحوثيين على معظم ممتلكات النقد الأجنبي اليمني. ومنذ أوائل 2017، ثمة حظر مفروض في مناطق الحوثيين لتداول الأوراق النقدية التي صاغها البنك المركزي اليمني بعدن، مما قلل من إمدادات العملة المحلية وأدى إلى تدعيم استقرار نسبي لسعر الصرف في الشمال.

إنّ مشاركة أي دولة في صندوق النقد الدولي تتضمن دفع حصة اشتراك يتم تحديدها وفقا لحجم اقتصاد الدولة بين بلدان العالم. مثل هذه الحصة تُستخدم لحساب النصيب التصويتي لهذا البلد مقارنة بالأعضاء الآخرين وكذلك مقدار المساعدات المالية التي بإمكانها الحصول عليها من الصندوق. ووافق صندوق النقد الدولي على تقديم مخصصات عامة من وحدات "حقوق السحب الخاصة" بقيمة تكافئ 456 مليار SDR (حقوق سحب خاصة)، أو حوالي 650 مليار دولار إلى دول العالم في سياق جزء من حملة عالمية بدأت في أغسطس. وبلغت قيمة المنحة المستحقة لليمن 466.8 مليون SDR (أي 115 مليون دولار) وبذلك، بلغ إجمالي دعم صندوق النقد الدولي لليمن 699 مليون SDR أو ما يزيد عن مليار دولار بإضافة مخصصات سابقة بحقوق السحب الخاصة قدمها صندوق النقد الدولي إلى الدول في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

إن استخدام SDR يستند على فكرة "التبادلية والتعاون بين الحكومات" حيث تستطيع الدول مبادلتها بعملات قابلة للاستخدام بحرية (مثل الدولار الأمريكي) من خلال الدخول في مبادلات اختيارية مع بلدان آخرين أعضاء في حقوق السحب الخاصة. إن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية تمثل البلدان صاحبة الاحتمالات الأكبر لتنفيذ المبادلة. وإذا فشلت مثل هذه المبادلة الاختيارية لحقوق السحب الخاصة ربما يقوم صندوق النقد الدولي بتحديد دولة ذات وضع اقتصادي أقوى لتنفيذ الصفقة مع دولة ذات وضع اقتصادي أضعف.  

ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن عملية التحديد "تخدم كداعم يضمن سيولة حقوق السحب الخاصة ويحفظ شخصية الأصول". بيد أن مخصصات وحدات السحب الخاصة في اليمن تعجز بشكل كبير عن تلبية حجم الاحتياجات والالتزامات المالية البارزة نظرا لمحدودية مساعدات صندوق النقد الدولي والحاجة المتكررة إلى كميات كبيرة من العملة الأجنبية. وعلى الجانب الآخر، فإن مخصصات وحدات السحب الخاصة قد تكون قادرة على تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية والمالية التي أدت إلى معاناة اليمن من إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم. وإذا تمت إدارة الأموال بحكمة وكفاءة، ربما تكون قادرة على جذب المزيد من الدعم المالي الدولي. لكن قدرة البنك المركزي اليمني بعدن على فعل ذلك تبقى محل شك كبير.

ومنذ أن قامت الحكومة اليمنية رسميا بتحويل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء عام 2016، تسبب فقر الحوكمة والقدرة المؤسسية غير الكافية إلى عرقلة عمليات البنك المركزي في عدن. ثمة اتهامات مفادها أن الحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني في عدن ضالعان في مستويات مروعة من سوء الإدارة والفساد وفقا للتقرير السنوي عن اليمن للجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ يناير 2021 بسبب اختلاس نحو 500 مليون دولار من: وديعة المليارين" السعودية. وأدى النظام المالي للبنك المركزي المتعلق بالواردات إلى تمكين حدوث ذلك حيث يعرض للتجار سعر صرف غير ملائم عند الحصول على خطابات الاعتماد المتعلقة بالسلع الخمس الأساسية التي تم دعمها. وبالرغم من حقيقة قيام لجنة الخبراء الأممية رسميا بسحب الشكوى، فإن بروتوكولات البنك المركزي اليمني المتعلقة باستخدام أموال العملة الأجنبية من الوديعة السعودية كانت اعتباطية ومبهمة مما خلق بيئة خصبة للفساد.

أحمد سالم باحكيم 
 
خبير في مجال الاقتصاد والطاقة 

 
- الصورة: رويترز 
المراجع:  
- العربية. (٢٣-٨-٢٠٢١). اليمن تتلقى ٦٦٥ مليون دولار من احتياطي صندوق النقد الدولي للمساعدة على تخفيف الأزمة الاقتصادية الحادة.  english.alarabiya.net
- الجزيرة (٢٥-١-٢٠٢٢) هل بدأت مرحلة جديدة خطيرة للحرب في اليمن؟  youtube.com
- أحمد باحكيم (١٤-٣-٢٠٢٢) رقمنة الأموال في اليمن.  south24.net 
- كير. (١٤-٣-٢٠٢٢) كارثة جوع وشيكة تهدد ١٦١٠٠٠ يمني مع تدهور الإمدادات الغذائية العالمية.  reliefweb.int 
- فرانس٢٤ (١ أبريل ٢٠٢١). خبراء الأمم المتحدة يتراجعون عن مزاعم الفساد في اليمن.  france24.com 
- صندوق النقد الدولي (أكتوبر ٢٠١٤) حقوق السحب الخاصة  imf.org 
- صندوق النقد الدولي (٢ أغسطس ٢٠٢١) محافظو صندوق النقد الدولي يوافقون على مخصصات تاريخية لحقوق السحب الخاصة بإجمالي ٦٥٠ مليار SDR 
- صندوق النقد الدولي (٥ أغسطس ٢٠٢١) حقوق السحب الخاصة SDR  
- مجلس الأمن الدولي (٢٩ يناير ٢٠٢١) التقرير الأخير للجنة الخبراء عن اليمن 

البنك المركزي اليمني الوديعة السعودية العملة اليمنية الاقتصاد اليمني جنوب اليمن عدن