التقارير الخاصة

جنوب اليمن: كفاح البسطاء يقهر الحياة الصعبة

17-04-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| عبد الله الشادلي


مع بزوغ الفجر، يستيقظ "أبو أحمد" كغيره من أبناء محافظة حضرموت، جنوب اليمن، لطلب الرزق. يبدأ في تجهيز الوجبة الحضرمية الشهيرة "الكراش" كما يسميها أبناء مدينة المكلا الساحلية، عاصمة المحافظة.


يستخرج أبو أحمد الذي يعيل أربعة أطفال ويبلغ 41 ربيعاً، "الكراش" من أحشاء الأسماك، المتمثلة في: البطن، البيض، الكبد وأجزاء أخرى. يعتقد بأنّها الجزء الألذ في الأحياء البحرية.


رحلة الكراش


بدأت فكرة بيع هذه الوجبة، بعد أن قرَّر أبو أحمد ترك الإبحار قبل عامين وما وصفها بـ "الخسائر الطائلة". يجني أبو أحمد من بيع الكراش يومياً ما يسد رمق أسرته وأطفاله، ويكفيه شرّ البطالة، التي تعصف بكثير من أرباب الأسر في جنوب اليمن. 


لم يكمل أبو أحمد تعليمه، وانخرط في سن مبكرة في سوق العمل؛ ليتمكن من مجابهة تحديات الحياة، وليكون العمل الحرّ مصدر دخله الرئيسي.



أبو أحمد يبيع الأحشاء البحرية المغطاة بمعجون الطماطم والبهارات (سوث24، عبد الله الشادلي)


آثر أبو أحمد العمل على التعليم، كغيره من الذين دعتهم الحاجة إليه. وقال لـ «سوث24» "كان العمل الخاص أكثر ربحاً من الوظيفة الحكومية. عائداته وفيرة وكسبه يومي. أنا من الأشخاص الذين لم يحبذوا التقيد بدخل شهري".


واليوم، يشعر الرجل الأربعيني بالأسف على عدم إكماله التعليم. ويضيف "في الوقت الراهن، أدركت أهمية العلم الذي أجبرتنا الحياة على تركه. كان في وسعي مواصلة التعليم والعمل معاً، لكنني كنت قد اتخذت قراري حينها".


ومع ذلك، قال أبو أحمد، "دخلي اليومي أكثر مما يجنيه الموظفون، لاسيّما مع الظروف الاقتصادية التي أثرت على الحياة العامة".


وأضاف، "في اليوم الذي نعمل فيه ويكون السوق نشطاً، نوفر لأسرنا جميع متطلباتها، وفي اليوم الذي لا نعمل، نقتات من بقايا اليوم السابق. الحياة مستمرّة رغم العثرات، وحالنا أفضل من غيرنا".


مشروع صغير


أمّا محمد علوي، وهو طالب جامعي يدرس علوم الحاسوب بجامعة حضرموت، فيبيع التمور كل عام في رمضان. قال علوي لـ «سوث24» إنّ ما يجنيه خلال هذا الشهر وفي الإجازة، يغنيه عن العمل في أيام الدراسة والتفرّغ لها.


"العمل مش عيب وإن كنتُ طالباً جامعياً"، لفت علوي. قال إنَّ كثير من الشباب فضلوا الانخراط في سوق العمل لتقليل العبء على أسرهم لاسيّما مع الأوضاع الصعبة التي يعيشها الأهالي في حضرموت.


يعتبر الشاب العشريني بيع التمور، مشروعا صغيرا ذا رأس مال أصغر يُدرّ عليه المال. ويشير علوي إلى أنّ العمل مع الآخرين "مردوده ضئيل ولا يُلبي احتياجات الأشخاص".



بائع التمور الشاب محمد علوي (سوث24، عبد الله الشادلي)


انطلق علوي، الذي فضل العمل بمفرده، مع عودة كثير من المغتربين من دول الخليج لا سيّما المملكة العربية السعودية. "لقد كان ازدهار الأسواق بالباعة أمراً مُحفزاً بالنسبة لي ولغيري". قال الشاب، وأضاف "بالنسبة لمشروعي الصغير، لا خسائر مُحتملة منه".


وعلى عكس بيع بعض الوجبات السريعة، مثل: الشاورما التي اكتسحت أسواق المكلا، يقول علوي "فكّرت في هذا المشروع كثيراً وكنت أتوق إلى العمل فيه. مكاسبه أكثر، لكنّ خسائره أكبر بكثير وليس في وسعي تحملها".


صعوبات كبيرة


وعلى الرغم من نشاط حركة البيع والشراء وكفاح الشباب من أجل التغلب على ظروفهم المعيشية. يُشكّل استمرار ارتفاع أسعار المواد والسلع، صعوبات وتحديات كبيرة، لا سيّما مع استمرار تدهور العملة المحليّة.


وعلى بُعد بضعة أمتار قليلة من رفاقه، يقف الشاب خالد بابهيش، أمام بسطته الخاصة ببيع المقليات، مثل: السنبوسة والباجية والباخمري والشيبس والرغيف والمشبك. كل هذه الأصناف من المقليات محلية ويقبل على شرائها أهالي حضرموت قاطبة.


قال خالد، وهو شاب من المكلا، لـ "سوث24"، إنَّ "ارتفاع سعر زيت الطبخ يأخذ الكثير من المكسب، في حين لا نستطيع أن نعوض هذه الخسارة إلا برفع السعر، وإذا رفعنا السعر ذهب الزبائن".



بائع المقليات الشاب خالد باهبيش (سوث24، عبد الله الشادلي)


وأضاف "وجدت نفسي مثل غيري في متاهة الخسائر. هل أترك العمل وأصبح عالة أسرتي أم أجني الربح وأتحمل الخسارة؟".


ولفت إلى أنَّ "الخسارة في الوقت الراهن لا تُطاق. قيمة صفيحة الزيت سعة 20 لتر تتجاوز حدود 40 ألف ريال، ووصلت إلى 60 ألف مع قدوم رمضان".


وأشار إلى أنّ ارتفاع سعر الزيت وحده "كفيل بتحجيم المكسب وتقزيمه، علاوة على انعدام وارتفاع أسعار المواد الأخرى، مثل: الدقيق والغاز".


وبالنسبة لبائع الكراش، أبو أحمد فقال إنَّه "من هذه الناحية، جميعنا يعاني من ارتفاع الأسعار. حتى محتويات الكراش التي كنا نحصل عليها مجانا، أصبحنا نشتريها بالمال".


يرى أبو أحمد أنّ الصعوبات والتحديات التي تواجه أصحاب البسطات [الباعة الجائلين والثابتين] كثيرة، وتكمن في التنقل والوصول إلى مكان العمل. ولفت إلى أن ذلك "يستهلك الكثير من المال لاسيّما مع ارتفاع أسعار المحروقات وأجرة النقل".


خسائر فادحة


يزداد العبء على الباعة البسطاء عند ركود السوق وكساد البضاعة، لاسيما المٌقيدة بفترة صلاحية معينة. وفي هذا الصدد يقول بابهيش "هذا صحيح، أكثر ما يدفعني إلى البحث عن عمل آخر، هو تجنب كساد بضاعتي".


ويضيف "هذه خسارة تضاف إلى الخسارة الأولى، وأنا شخصياً أعتبرها دافع مقنع إما لترك العمل الخاص، والتوجه للعمل مع الآخرين براتب شهري. لا أحد سيتحمل الخسارة إن كانت مُتكررة".


وعلى النقيض تماماً، يرى الشاب محمد علوي أنّ العمل الحر "لا يخلو من الخسارة، فحتّى أرباب العمل الكبار يخسرون". واعتبر أنَّ "الخسارة جزء لا يتجزأ من النجاح".


ووجه علوي رسالة إلى الشباب المبتدئ في العمل، بعدم اليأس والإحباط، والاستمرار في المجال الذي يحبونه حتى النجاح. وقال الشباب "أطمح لأن أمتلك محلات كبيرة، لبيع التمور وتخزينها والتوجه نحو أعمال أخرى خارج مجال دراستي".


كفاح مستمر


وعلى الرغم من كل العقبات، يستمر الشباب في جنوب اليمن في كفاحهم ونشاطهم. أحمد هادي، وهو شاب من محافظة أبين شرح لـ "سوث24" قصة كفاحه بعد نزوحه من عدن إلى حضرموت في 2015 بسبب الحرب.


 يقول هادي "عندما اجتاح الحوثيون عدن نزحنا إلى المكلا. منذ ذلك الحين وحتَّى الآن وأنا في هذه المدينة، أبيع البطاطا المسلوقة على عربة متنقلة، وأعيل أسرتي". وأضاف "وجدت سوق العمل في المكلا مُحفّزاً وتعلمت هذه المهنة، وعلمتها أخي الأصغر. دخلها جيّد ويكفي لتسيير الحياة بدلاً من البقاء دون عمل".



بائع البطاطا الشاب أحمد هادي (سوث24، عبد الله الشادلي)


أما السيدة أم طاهر، فتداري فقرها ببيع الخضار على الرصيف، لتوفر احتياجات أسرتها. "لقد ترك لي زوجي أربعة أطفال وفتاة في سنّ الزواج"، تقول السيدة. وتضيف لـ«سوث24» "بعد وفاته مررنا بضائقة صعبة. لم نستطع أن نوفر أدنى متطلبات الحياة والمدارس، وخرجت ابنتي الكبيرة من الصف الأول ثانوي لتوفر علينا جزءاً من المال".


لم تستسلم أم طاهر لليأس الذي أصابها بعد رحيل زوجها الذي كان يعيل الأسرة، ولفتت إلى أنّها باعت ما تملكه من "جويهرات" لتبدأ مشروعاً يكون سنداً لهم. تقول السيدة "اتجهت نحو بيع الخضروات بالمال الذي تحصلت عليه مقابل بيع الذهب، وخلال عام واحد أنشأت بسطة لأبنتي لبيع الملابس من دخل الخضار. لقد تغيرت حياتنا كثيراً وتغلبنا على مصاعب جمة".



بائعة الخضار أم طاهر (سوث24، عبد الله الشادلي)


وتضيف "بعد تحسّن وضعنا، عادت ابنتي فاطمة إلى المدرسة، وهي الآن في سنتها الأخيرة، ومن المتفوقات في التحصيل العلمي".


أمّا الشابة فاطمة، فتطمح لأن تصبح طبيبة ذات يوم، لتخفف جزءاً من المعاناة التي تحملتها أمها، وتعيش بسلام فيما تبقى من عمرها. تقول فاطمة لـ«سوث24» "سأستغل إجازة الثانوية العامة، لإنشاء مشروع آخر في الصباح، ومنه سأبدأ في جمع مصاريف الجامعة".


ويعاني كثير من أبناء جنوب اليمن من فقر مدقع، جرّاء الحرب الأهلية في البلاد التي دخلت عامها الثامن، وسط تحذيرات المنظمات الأممية من بلوغ عشرات الآلاف من السكان مرحلة المجاعة. 


عبد الله الشادلي 

صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


- الصورة: سوق في مدينة المكلا بحضرموت (سوث24، عبد الله الشادلي)


الكلمات المفتاحية:

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا