19-04-2022 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | ترجمات
هل لا تزال الاستقالة من حكومة عاجزة تُعتبر استقالة؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه اليمنيون حول استقالة عبد ربه منصور هادي الأخيرة وغير المتوقعة من منصبه، وهو الدور الذي شغله على مدى العقد الماضي. قضى أكثر من نصف فترة رئاسته في المنفى في الرياض، حيث فقد هو وإدارته تدريجيا الشرعية المحلية والثقة من السكان اليمنيين الذين عانوا من الحكام المتشددين والقصف الجوي وأزمة إنسانية. إنّ تشكيل مجلس رئاسي مؤقت في مرحلة ما بعد هادي لا يخلو من سابقة تاريخية، ومن المحتمل أن يكون نذيرا بالتقارب السياسي بين الأطراف المتحاربة في الصراع.
قبل تقديم استقالة رسمية، اضطر هادي، بناء على طلب من رفاقه السعوديين على الأرجح، إلى الإطاحة بنائبه علي محسن الأحمر، الذي تم تعيينه في عام 2016 بمثابة بوليصة تأمين فعالة لرئاسة هادي الهشة. كان تقارب الأحمر المعروف مع حزب الإصلاح اليمني، الذي يتبنى أجندة سياسية إسلامية، هو بالضبط الذي ضمن طول عمر هادي. على الأقل بينما كان الأحمر هو البديل، يمكن لهادي أن يطمئن إلى أنه لن يتم اغتياله أو إزالته قسرا من السلطة تحت ضغط من مؤيديه السعوديين أو الدوليين. ومع خروج الأحمر من الصورة الانتقالية، أصبحت استقالة هادي وإنشاء مجلس رئاسي حقيقة لا مفر منها.
وتأتي استقالة هادي وتشكيل مجلس رئاسي في أعقاب وقف إطلاق النار الأخير بين ميليشيات الحوثي في صنعاء والتحالف الذي تقوده السعودية، والذي تضمّن إعادة الفتح الجزئي لمطار صنعاء ورفع الحصار الذي ساهم في نقص واسع النطاق في جميع أنحاء البلاد.وإلى جانب وقف إطلاق النار، أعلنت المملكة العربية السعودية تخصيص 3 مليارات دولار من المساعدات الاقتصادية المباشرة و300 مليون دولار إضافية لبرامج المساعدات الإنسانية، التي كانت السعودية بالفعل أكبر مانح لها. وقد أصبح وقف إطلاق النار وإمكانية الحوار المفتوح بين المملكة وممثلي الحوثيين ممكنا بفضل الجهود العمانية للوصول إلى مجموعة واسعة من الجماعات السياسية اليمنية وتوفير مساحة محايدة لمشاركة الحوثيين. في الواقع، كان المندوبون العمانيون من القلائل الذين تم الترحيب بهم علنا في صنعاء في عام 2021، وقد حافظوا على حوار مع الحوثيين منذ عام 2015 كجزء من استراتيجية عمان لمنع انتشار العنف عبر الحدود وترسيخ دور عمان كوسيط إقليمي. ومع ذلك، فإن قرار المملكة العربية السعودية بإجبار هادي على الاستقالة لم يُتخذ بدافع النفعية السياسية، بل بدافع اليأس السياسي.
"قرار المملكة العربية السعودية بإجبار هادي على الاستقالة لم يُتخذ بدافع النفعية السياسية، بل بدافع اليأس السياسي"
في عام 2019، واجه هادي والتحالف السعودي تراجعا في الآفاق السياسية في مدينة عدن الساحلية اليمنية الجنوبية، والتي كان يُنظر إليها على أنها عاصمة وطنية بديلة لعودة الحكومة اليمنية في المنفى. قوبل هادي بعداء مسلح في عدن سواء من اليمنيين المحليين الذين استاءوا من قراراته السياسية وتحالفه مع المملكة العربية السعودية وكذلك من مجموعات من الانفصاليين الجنوبيين الذين رفضوا، مرة أخرى، الوقوع ضحايا للسياسات الشمالية المهيمنة.
برز المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو مجموعة سياسية وعسكرية تدعمها الإمارات العربية المتحدة، كمنافس جدي على الدعم السياسي للسكان الجنوبيين في اليمن. وإدراكا منها لهذا الواقع، أشرفت المملكة العربية السعودية على توقيع اتفاق الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، الذي شكل اتفاقا لتقاسم السلطة بين هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي. وفي حين نجح اتفاق الرياض في تخفيف حدة التوترات المسلحة بين مؤيدي هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أنه فشل في تشكيل حكومة قابلة للحياة في جنوب اليمن.
ومع غرق شرعية هادي في معركة سياسية متوترة في عدن، اضطرت السعودية والإمارات إلى التعامل مع قوة أكثر زعزعة للاستقرار. إذ وصل الدعم الإيراني لحركة الحوثيين، الذي ازداد تدريجيا منذ عام 2015، إلى آفاق جديدة مع ضربات الطائرات بدون طيار والصواريخ على المنشآت النفطية في كلا البلدين الخليجيين. كانت صور من الهجوم الصاروخي في مارس 2022 على مستودع نفطي في مدينة جدة الساحلية السعودية قبل سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 على الصفحات الأولى من الأخبار في جميع أنحاء العالم، مما حول حدثا إعلاميا شهيرا إلى مصدر إحراج كبير للنظام الملكي السعودي.
بالإضافة إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار، كان تغيير وجه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إجراء ضروريا لإظهار مسار ما بعد هادي إلى الأمام. وعلى الرغم من أن المجلس يقوده رشاد محمد العليمي، أحد أنصار حكومة هادي، إلا أنّ هناك أربعة أعضاء في المجلس المؤلف من ثمانية أشخاص يمثلون نقطة تحول محتملة للتمثيل السياسي اليمني. اكتسب سلطان علي العرادة، محافظ مأرب، مؤخرا قدرا كبيرا من الاعتراف العام لقيادته في الدفاع عن مدينة مأرب الاستراتيجية الغنية بالنفط في مواجهة هجوم الحوثيين المستمر. في حين أنّ إضافة عيدروس الزبيدي، زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي والمنافس الرئيسي لهادي على السلطة السياسية في جنوب اليمن، تدمج فعليا الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو انتصار لاتفاق الرياض الفاشل. يضاف إلى كل من الاعتراف باسم العائلة وكدليل على نجاحه العسكري طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي يقود واحدة من أكثر القوات المقاتلة فعالية في اليمن، والتي تتكون من بقايا جيش عمه الجمهوري. وأخيرا، وكدليل على الشمولية الجغرافية للمجلس، تمت إضافة فرج سالمين البحسني، حاكم منطقة حضرموت الشرقية في اليمن، لضمان ألا تؤدي الميول الحضرمية إلى مزيد من التقسيم للبلاد.وهذا يعني أن 50 في المئة من أعضاء المجلس الرئاسي الذين انضموا إلى الحكومة في المنفى لا يجلب قدرا كبيرا من الدعم الشعبي بين اليمنيين فحسب، بل أيضا شرعية أساسية على الأرض كانت تفتقر إليها تحت قيادة هادي.
إنّ الإعلان عن إنشاء مجلس رئاسي – وهو في الأساس تكتل من القيادات المناهضة للحوثيين من جميع قطاعات البلاد – لا يفترض مسبقا ظهور حكومة تمثيلية ووطنية. كل عضو في المجلس يجلب أجندته السياسية الخاصة، التي تتعارض في كثير من الحالات مباشرة مع بعضها البعض. ومع ذلك، هناك أسبقية تاريخية لنجاح المجالس الرئاسية اليمنية، خاصة في أعقاب الحروب الأهلية المستعصية.
"سيعتمد نجاح أو فشل المجلس الرئاسي في نهاية المطاف على قدرة المجلس على إيجاد رئيس للمجلس يتمتع باحترام جميع الفصائل السياسية، بما في ذلك الحوثيين"
في عام 1967، بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية المكلفة في شمال اليمن، أطيح برئيس البلاد، عبد الله السلال، وحل محله مجلس رئاسي كان يمثل الأصوات المتضاربة داخل الجمهورية بقيادة القاضي عبد الرحمن الإرياني، وهو قاض ديني يحظى باحترام عالمي. إنّ الحرب الأهلية عام 1960، التي دارت رحاها بين أنصار القبائل الشمالية للإمام المخلوع وجمهورية جديدة في صنعاء، تعكس الصراع الحالي، وإن كان ذلك بعد جيلين. وفي نهاية المطاف، توسط الإرياني ومجلسه في حل وسط في عام 1970 بين الشماليين ذوي التفكير الديني والجمهوريين الحضريين، مما شكل جوهر الدولة اليمنية التي ظلت قائمة حتى عام 2014. وعلى الرغم من الإطاحة بالإرياني في عام 1974 واستبداله بقيادة عسكرية، إلا أنّ رئاسته كانت القيادة المدنية الأولى والوحيدة في اليمن الحديث، ولا تزال الإدارة التي تتم مقارنة جميع الآخرين بها. وشكل ثلاثة رؤساء متعاقبين من خلفيات عسكرية، بمن فيهم علي عبد الله صالح، مجالسهم الرئاسية البدائية، التي كان يعمل بها موالون للحزب وتفتقر إلى أي دور مهم. تأسس جنوب اليمن، الدولة الماركسية العربية الأولى والوحيدة، في عام 1969 من خلال مجلس رئاسي سعى إلى توحيد الانقسامات السياسية والأيديولوجية والإقليمية المتضاربة. وكان آخر مجلس رئاسي قبل المجلس الأخير هو مجلس الوحدة الرئاسي الذي تشكل في عام 1990، والذي كان يتألف من تمثيل متساو لشمال اليمن وجنوبه. وعلى الرغم من أن مجلس عام 1990 لعب دورا أساسيا في توحيد اليمنين سياسيا، إلا أنه انهار في عام 1993 في أعقاب التوترات التي أعقبت الانتخابات.
كانت المجالس الرئاسية اليمنية هيئات سياسية مهمة خلال الفترات الانتقالية، إما بعد انقلاب أو بعد إنشاء أو توحيد دولة جديدة. من المؤكد أنّ الوضع الحالي في الحكومة اليمنية يفي بهذا المعيار المتمثل إما في توحيد الفصائل المتباينة في البلاد أو إنشاء هيئة حاكمة جديدة يمكن أن تدّعي تمثيل المصالح الوطنية اليمنية في المفاوضات المستقبلية مع قيادة الحوثيين.
وعلى الرغم من أنّ المجلس الرئاسي الحالي يبدو ممثلا لمناطق جغرافية ودوائر سياسية متعددة، إلا أنه لا توجد قيادة واضحة، على الأقل ليس على مستوى القاضي عبد الرحمن الإرياني. وسيعتمد نجاح أو فشل الكيان السياسي في مرحلة ما بعد هادي في نهاية المطاف على قدرة المجلس على إيجاد رئيس للمجلس يتمتع باحترام جميع الفصائل السياسية، بما في ذلك حركة الحوثيين.
آشر أوركابي
باحث مشارك في المعهد العابر للأقاليم بجامعة برينستون وزميل في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين (المصدر بالإنجليزية: انترناشنال انتريست)
- عالجه للعربية: مركز سوث24
- الصورة: أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في ختام مشاورات الرياض اليمنية (اندبندنت عربية)