التحليلات

مستقبل العملية السياسية اليمنية بعد مشاورات الرياض

30-04-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | د. إيمان زهران


جاءت الدعوة الخليجية للمشاورات "اليمنية – اليمنية"، أو ما عُرف بـ "مشاورات الرياض"، وذلك كمحاولة لاختراق حالة "الجمود" بمختلف التفاعلات اليمنية سياسياً وميدانياً. ليُعاد طرح مرة أخرى إشكالية "كيفية خلق آفاقاً للسلام". وذلك في ظل أزمة متعددة الأوجه، تنخرط بها عدة جهات فاعلة تتمتع بمصالح متباينة تتطلب نهجاً مختلفاً لإنجاح التحركات القائمة نحو "إحلال السلام".


تأسيساً على ذلك، فثمة عدد من التساؤلات، أبرزها ما يتعلق بـ: مخرجات المشاورات اليمنية - اليمنية، وحجم الفرص المتاحة وأبرز التحديات القائمة المُهددة لأجندة مجلس القيادة الرئاسي، فضلاً عن بحث سياقات الموقف التفاوضي مع الحوثيين، دون إغفال الإشكالية الأكبر في مستقبل "مخرجات الرياض"، وفرص نجاح تعهدات "إحلال السلام".


مآلات مشاورات الرياض "الحوار اليمني - اليمني" 


انتهت مشاورات الرياض لتؤسس لمرحلة جديد بالصراع اليمني، وفصل جديد من فرص "إحلال السلام" في إطار إعادة التركيز على تحدي "استعادة الدولة الوطنية"، وذلك بالنظر إلى عدد من المحددات، أبرزهم [1]:


1.      التغير بشكل السلطة السياسية: حيث أفضى الإعلان عن تشكيل هيكل جديد للسلطة اليمنية والعودة مرة أخرى لقواعد "النظم السياسية" المتعارف عليها في اليمن، أو ما يُعرف بالعودة إلى "تحالف القوى السياسية". وإن كان المأخذ على هذا الأمر، أن التحالف شكلي وليس جوهري بمفهوم "القبلية السياسية" استناداً إلى الخبرة التاريخية اليمنية، بالإضافة إلى نقطة "تحييد الأدوار الفرعية". فعلى سبيل المثال: لم تكرّس سلطة الرئيس هادي بناء نظام أو سلطة مختلفة بقدر ما شكلت جماعة مصالح محدودة أو تحالف منتفعين ما بين رموز من النظام السابق والإخوان المسلمين "حزب الإصلاح".


2.      التوجه نحو إنهاء التواجد العسكري: إحدى أهم المُخرجات ما ينطوي على الرغبة الخليجية في تعزيز التحركات نحو إنهاء الدور العسكري لقوى التحالف العربي على الأراضي اليمنية. فعلى سبيل المثال: تمكنت "مباحثات مسقط" برعاية الأمم المتحدة من التوصل إلى "هدنة مرحلية" كمقدمة لاتفاق أمني ما بين السعودية والحوثيين في المستقبل لوقف إطلاق النار[2]، كخطوة نحو انتهاء الشق المتعلق بالسعودية في هذه الحرب، مقابل إعادة التموضع السياسي للمملكة في إطار "ورقة المبادرات"، فضلاً عن إدماج الحلفاء والشركاء الإقليميين والدوليين في التعاطي مع المهددات الناجمة عن الصراع اليمني، لا سيما المهددات البحرية.


في السياق ذاته، أنتجت مشاورات الرياض ثلاث تعهدات رئيسية[3]: أولاً، أولوية الحل السياسي للأزمة اليمنية والتخلي عن الحلول العسكرية، ثانياً، أهمية المسار التفاوضي مع الحوثيين برعاية الأمم المتحدة، وثالثاً، الإسراع في إنجاز القرارات المجمدة لاتفاق الرياض خاصة تلك المتعلقة بالتفاهمات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وما يتعلق بمستقبل "القضية الجنوبية". فضلاً عما أفرزه الحوار من تغيّر نوعي في السلطة المُعترف بها دولياً، وذلك عبر نقل الصلاحيات من الرئيس "عبد ربه منصور هادي" إلى مجلس رئاسي مشكّل من 8 أعضاء مناصفة بين الشمال والجنوب برئاسة رشاد العليمي، لإنجاز متطلبات التقدم بمسار الملفات الرئيسية: (السياسية - الأمنية – العسكرية – الاقتصادية – الإنسانية – الإعلامية)[4].

 

فرص وتحديات مجلس القيادة الرئاسي


في 7 أبريل 2022، أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تفويض ونقل صلاحياته وسلطاته وكذلك صلاحيات وسلطات نائب الرئيس، إلى مجلس قيادة رئاسي، حيث تضمّنت تشكيلة المجلس توافق سياسي وجغرافي بين قوى الشمال والجنوب، وكذلك توافق بين ممثلين القوى الميدانية على الأرض. وذلك فى ظل تجاذبات داخلية، أبرز مشاهدها تتمثل في:


1.      الانقسام بين طوائف النخبة الوطنية، وذلك نتيجة لخلافات داخلية وأجندات خارجية، مما انعكس سلباً على إضعاف جبهة المقاومة ضد جماعة الحوثيين.


2.      ظهور مكونات سياسية وعسكرية بخرائط يمنية متباينة تتنافس مع التموضع الجغرافي لقوى الشرعية المتوافق عليها دولياً، وتتباين معها بالأجندات السياسية. وهو ما قوّض من تحركات الحكومة المُعترف بها دولياً في بسط نفوذها على المناطق المحررة باليمن.


3.      تردي الأوضاع الاقتصادية بالداخل اليمني، نظراً لعدد من الأسباب، أبرزها: تراجع قيمة العملة المحلية وقوتها الشرائية جراء الحرب القائمة، توقف حركة الصادرات البترولية والغاز، تراجع حركة التجارة نتيجة للاضطرابات الأمنية بالموانئ اليمنية ذات الطبيعة الدولية، التداعيات السلبية لجائحة كورونا وأزمة سلاسل التوريد، وانعكاساتها المباشرة على تفاقم أزمة الغذاء وتردي الأوضاع الإنسانية. ومؤخراً؛ ما خلّفته الأزمة الروسية الأوكرانية من تداعيات سلبية متباينة اقتصادياً وإنسانياً وأمنياً.


4.      تزايد التنافس بين القوى الإقليمية والدولية على الأراضي اليمنية، مما ساهم في تزايد وتيرة الخلافات بين الأطراف الداخلية استناداً إلى أجنداتهم الخارجية، وانعكاس ذلك بشكل مباشر على خرائط التحركات الميدانية بالصراع القائم.


استناداً إلى ما سبق، جاء الإعلان عن تشكيل "مجلس قيادة رئاسي" لإنجاز عدد من المتطلبات الداعمة لمسار التسوية السلمية وتعهدات إحلال السلام الشامل، وذلك عبر عدد من الخطوات، أبرزها:


1.      استعادة الأطر المؤسساتية: وذلك عبر عودة مؤسسات الدولة اليمنية بجميع سلطاتها للعمل من العاصمة المؤقتة عدن، وتطبيع الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والخدمية في كامل الأراضي المحررة بالبلاد.


2.      التوافق حول ممثلي السلطة: وننتهي في تلك النقطة إلى البناء التوافقي حول شخصية وزيري الدفاع والداخلية، وذلك في إشارة إلى توحيد الأجندة الأمنية بعيداً عن التجاذبات المناطقية، أو الحزبية، أو القبلية، أو الجهوية.


3.      التنسيق مع قوى التحالف العربي: وذلك في إشارة إلى بناء المساحات المشتركة والتناغم بين الأهداف الميدانية والسياسية والأمنية لكل من قوى التحالف العربي، ومجلس القيادة الرئاسي.


4.      تعزيز الآليات الاقتصادية: وذلك عبر استنهاض الروافد الاقتصادية للدولة اليمنية، فعلى سبيل المثال: إعادة تدوير موانئ تصدير الغاز والنفط وتنشيط الحقول، مقابل الحصول على العملات الأجنبية، وتعزيز القوة الشرائية للعملة المحلية "الريال اليمني".


5.       إصلاح الاختلالات المالية: وذلك عبر تفعيل البنك المركزي، على أن يتم توريد كافة مُدخلات الدولة المالية ومواردها إلى الخزينة العامة للدولة، وإقرار ميزانية عامة توضح أوجه الصرف والإنفاق.


6.      إعادة تفعيل "معيار الثقة": وذلك عبر استعادة ثقة الشارع اليمني، فضلاً عن ضبط الاختلالات الاجتماعية والأمنية، وإعادة توفير الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء ومواد نفطية، وغذاء، ومواد طبية، وسلع وخدمات.


تأسيساً على أجندة أهداف ودوافع "المجلس"، فثمة عدد من التحديات التي قد تدفع بتقويض عمل المجلس، مقابل فرص قائمة قد تدعم تحركات "مجلس القيادة الرئاسي" نحو حلحلة الموقف اليمني، وهو ما يظهر من خلال: 


أولاً - تحديات "مجلس القيادة الرئاسي"


أبرز التحديات ما يتمثل في الاختلالات الاقتصادية، التفاوض مع الحوثيين، تمركز الحكومة والإدارة من الأراضي اليمنية، استعادة ثقة المواطنين، المحافظة على بقاء المجلس دون اختراقات خارجية أو أجندات فردية، وهو ما يمكن توضيحه من خلال:


1.     تحدي "الاختلالات الاقتصادية"


يُمثّل التحدي الأول لدى "المجلس"، خاصة مع تزايد الأزمة تعقيداً جراء الصراع القائم، ما رافقه ذلك من انقسام في الاقتصاد والعملة، وتوقف الإيرادات النفطية وتراجع حركة الصادرات والواردات، إذ أن كل تلك الاضطرابات الاقتصادية ساهمت في ارتفاع معاناة اليمنيين المعيشية، وأزمة رواتب الموظفين منذ انتقال البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في 2016. فضلاً عن تدهور الوضع الإنساني نتيجة الحرب والنزوح وزاد الأمر بالتداعيات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وأزمة سلاسل التوريد، وبالتبعية على الاقتصاد اليمني. وهو ما دفع "رئيس المجلس" للتأكيد في أول خطاب له، أنّ "ملف الاستقرار الاقتصادي وتخفيف المعاناة الإنسانية للمواطنين، يُعتبر أولوية وطنية قصوى ويأتي في سلم أولويات الفترة القادمة"[5].


2.     تحدي "جيوسياسية الحكم"


تنطوي تلك النقطة على إشكالية "جغرافية الحكم"، وذلك استناداً إلى الخبرة التاريخية لحكومة الرئيس السابق "عبد ربه منصور هادي" وإدارته للدولة من خارج اليمن، إذ يُراهن على نجاح عمل "مجلس القيادة الرئاسي" في الانتقال والتمركز المؤسسي داخل الأراضي اليمنية. وذلك للحصول على المشروعية الشعبية، وتنفيذ الخطط اللازمة في تلك المرحلة الانتقالية. كما أن وجوده يعني تطبيع الأوضاع وإنهاء الانقسام مع تمثيل جميع الأطراف في المجلس الرئاسي، والسعي لإنجاز متطلبات توحيد القوات الأمنية والعسكرية.


3.     تحدي "التفاوض مع الحوثيين"


إحدى أهم التحديات ذات الأولوية في الفترة الحالية للمجلس، إذ سيكون هناك مهمة عمل شاقة تتمثل في التفاوض مع الحوثيين حول "شرعية المجلس" كممثل للشعب اليمني. إذ من المرجح – في حال موافقة الحوثيين على التفاوض- أن تتصادم الرؤى نتيجة لتضارب الأفكار والأولويات لدى جماعة الحوثيين، فضلاً عن أيديولوجيتهم "المدرسة الفكرية للجماعة" المتعارضة مع أبسط قواعد الديموقراطية وتقاسم السلطة. فضلاً عن الخلافات الرئيسية بالقضايا ذات المرجعية السياسية والاقتصادية والأمنية. مما يُضاعف من تحدي المجلس لإنجاز تلك المهمة.


4.     تحدي "وحدة مجلس القيادة الرئاسي" 


5.     بالنظر لهيكل "المجلس"، نجد أنه يتضمن أطرافاً متباينة تمتلك أهدافاً متداخلة "وطنية/ وإقليمية"، ومن ثم تظهر إشكالية "استقرار الوحدة" بين أطراف ذلك الكيان. وهو ما تُعوّل عليه جماعة الحوثين في أن تنشب الخلافات بين أطراف المجلس على النحو الذي يهدد بقاءه. إذ أن استمرار "وحدة المجلس" من شأنها المضي قدماً في إنجاز مختلف الاستحقاقات الرامية لـ "إحلال السلام"، والتي في مقدمتها "توحيد القوات الأمنية"، و "معادلة الاختلالات الاقتصادية"، وهو ما قد يدفع الحوثيين للرضوخ - في نهاية الأمر - للتفاوض مع المجلس. 


6.     تحدي "استعادة الثقة"


يتمثل ذلك التحدي في كيفية استعادة المجلس لثقة الشارع اليمني في النظام المؤسسي. وهو ما يتطلب بدوره تكثيف التحرك نحو تحييد الخلافات ورأب الصدع بين أطياف النخب السياسية وقيادات الأحزاب بالداخل اليمني، إذ يعوّل على التركيبة المتباينة للمجلس من مختلف الأطياف اليمنية في توحيد الرؤى والأهداف الوطنية، وما ينعكس تباعاً على الموالين لتلك الأطياف بمناطق ارتكازهم الجغرافي. بالمقابل، في حال فشل المجلس في إنجاز استحقاق "استعادة الثقة"، فمن المُرجح أن تؤول الأمور إلى مزيد من الاضطرابات، فضلاً عن إنتاج نمط جديد من "الحروب الهجينة" حيث تختلط بداخلها أنماط متباينة من كل من: "الحروب بالوكالة"، و"الحروب الأهلية"، و"الحروب الجهوية". 


7.     تحدي "فك الارتباط مع الخارج"


إذ تتعلق تلك النقطة بكيفية تعظيم "مساحة الاستقلالية" لدى الأطراف المُشكلة للمجلس تجاه القوى الخارجية "إقليمياً ودولياً"، حتى لا يصبح المجلس أحد الأذرع/ أو الأوراق الإقليمية بالأراضى اليمنية. هو ما قد يؤسس لفرضية "الإزدواجية"، بمعنى أنّ الأطراف الخارجية "إقليميا ودوليا" قد تضغط على المجلس لتبني قرارات تخدم الأجندات الخارجية على مختلف مجالاتها وأهداف وكلائها، وقد تكون مناوئة للصالح العام للدولة الوطنية. 


ثانياً - الفرص الداعمة لـ"مجلس القيادة الرئاسي"


ثمة عدد من المؤشرات لنجاح مهام "مجلس القيادة الرئاسي" والتي تُعد بمثابة فرص ناجعة لدعم أجندة المجلس في إحلال السلام الشامل، حيث أبرزها:


1.      يُعد المجلس بمثابة خرق لحالة "الجمود السياسي" بمسارات التسوية السياسية للأزمة اليمنية.


2.      ينطوي المجلس في هيكله التمثيلي على كافة القوى الفاعلة في الميدان اليمني شمالاً وجنوبا.


3.      يحظى المجلس بقبول وتأييد دولي وإقليمي.


4.      ثمة تفاؤل حذر وارتياح بالشارع اليمني عقب الإعلان عن تشكيل "المجلس"، والاطلاع على هيكل التمثيل للأطراف والنخب اليمنية.


الموقف الحوثي من مشاورات الرياض


يُمكن فهم الموقف الحوثي من مشاورات الرياض، وذلك بالنظر إلى السياق التاريخي لمختلف التحركات السابقة "أممياً وإقليمياً" نحو حلحلة الأزمة اليمنية. والتي تمت هيكلتها وفقاً للمرجعيات الثلاث المعترف بها، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخاصة القرار 2216 لعام 2015، الذي طالب "الحوثيين" بسحب قواتهم من جميع المناطق وفي مقدمتهم صنعاء، والتخلي عن أسلحتهم، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة المعترف بها دولياً. غير أن كل تلك المباحثات لم يُكتب لها النجاح، في ظل مراوغة "الحوثيين" ورفضهم حل الأزمة اليمنية وفقاً لهذه القرارات الدولية ومخرجات تلك التحركات. وهو ما ظهر بالنظر إلى المؤشرات التالية والتي تؤسس لبدء إدراج جماعة الحوثيين كطرف بالعملية السياسية:


جدول (1) الموقف الحوثي من المشاورات الأممية والإقليمية [6]

 

الحدث

السياق السياسى

موقف جماعة الحوثيين

مفاوضات جنيف

يونيو 2015

عقدت الأمم المتحدة أول محادثات سلام بشأن اليمن في مدينة جنيف السويسرية، في منتصف يونيو 2015، غير أنها لم تحقق نجاحا.

أجهض وفد "الحوثيين" المشارك في المحادثات كافة المحاولات للتوصل لاتفاق يُنهي الصراع.

مشاورات جنيف

ديسمبر 2015

انعقدت هذه المشاورات برعاية الأمم المتحدة، في 15 ديسمبر 2015، في سويسرا، وكان هدفها التوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار في اليمن، وتحسين الوضع الإنساني. ولكن انتهت هذه الجولة دون تحقيق أي تقدم يُذكر.

السيناريو المكرر لدى جماعة الحوثيين فى وأد كافة التحركات والمشاورات السياسية لإنهاء الصراع وفقاً لصياغات سلمية

مفاوضات سلطنة عُمان

2015 -2016

سعت سلطنة عُمان، منذ تصاعد المواجهات العسكرية في اليمن، إلى التوسط من أجل حل الأزمة، واستضافت مفاوضات غير معلنة في مايو 2015 بين مسئولين أمريكيين ووفد "حوثي" لمناقشة سُبل الوصول إلى حل بين أطراف الصراع اليمني. كما استضافت مسقط، في نوفمبر 2016، محادثات أخرى بين "الحوثيين" ووزير الخارجية الأمريكي السابق "جون كيري"، لحثهم على وقف إطلاق النار، والانخراط في مفاوضات جديدة.

 

أيضًا أشار عدد من التقارير الإعلامية، في يناير 2018، إلى استضافة عُمان مباحثات سرية بين قيادات "حوثية" ودبلوماسيين أمريكيين وروسيين وبريطانيين، للبحث عن مخرج للأزمة اليمنية.

انتهت كل تلك المفاوضات والمشاورات المتباينة بالفشل، نظراً لمراوغات الحوثيين دون التوصل إلى اتفاق تفاهم مشترك.

 

محادثات الكويت

2016

تدعم الكويت الحل السياسي للأزمة اليمنية، ولذا استضافت في الفترة (أبريل - أغسطس 2016) محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة، ولكنها فشلت في التوصل لاتفاق بين أطراف الأزمة بالرغم من استمرارها أكثر من 3 أشهر.

تمثلت المعضلة الأكبر في انعدام الثقة في "الحوثيين"، في ظل رفضهم الاعتراف بالحكومة الشرعية، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.

 

مباحثات جنيف

سبتمبر 2018

كان من المفترض عقد جولة أخرى من المفاوضات بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة "الحوثيين" في جنيف، برعاية الأمم المتحدة، خلال الأسبوع الأول من سبتمبر 2018.  بيد أن المبعوث الدولي لليمن "مارتن غريفيث"، أعلن فشل هذه المباحثات قبل أن تبدأ، بسبب عدم حضور وفد "الحوثيين".  وهو ما كان متوقعًا، لأن "الحوثيين" اعتادوا ذلك، وإن كانوا قد تحججوا هذه المرة بعدم موافقة دول التحالف العربي على شروطهم بنقل وفدهم إلى جنيف بطائرة خاصة دون تعرضها للتفتيش، ومنح ممثليه ضمانات للعودة إلى صنعاء. بالإضافة إلى نقل جرحى من عناصر الجماعة إلى سلطنة عُمان

كما تم فى كافة المفاوضات والمباحثات السابقة، حيث أفشل الطرف الحوثي مباحثات جنيف، وهو ما دفع وزير الخارجية اليمني "خالد اليماني" باتهام "الحوثيين" بتخريب مفاوضات جنيف، قائلاً إن "هذا الأمر يحدث في كل مرة".

 

اتفاقية استكهولم

ديسمبر 2018

انطلقت مباحثات السلام بشأن اليمن، برعاية الأمم المتحدة، في مدينة استكهولم السويدية، يوم 6 ديسمبر 2018 ، وأسفرت عن توصل الحكومة المعترف بها دولياً و"الحوثيين" إلى اتفاق يقضي بانسحاب الجماعة من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، ووقف إطلاق النار هناك، فضلًا عن الاتفاق على إطلاق سراح سجناء من الجانبين، والتوصل إلى تفاهم مشترك حول تعز يهدف إلى فتح ممرات إنسانية وإدخال مساعدات.

انتهك "الحوثيون" كعادتهم ما تم الاتفاق عليه في السويد، واستمروا في خروقاتهم لوقف إطلاق النار في الحديدة، وعدم الانسحاب من المدينة، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية لليمنيين، وهو ما دفع برنامج الغذاء العالمي، في نهاية ديسمبر 2018، إلى اتهام جماعة الحوثيين بالاستيلاء على شحنات الإغاثة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وطالبها باتخاذ إجراء فوري للتصدي للتلاعب بالمساعدات الغذائية.


بالسياق ذاته، استمرت جماعة الحوثيين في عرقلة كافة الجهود الأممية والإقليمية لحلحلة الأزمة اليمنية، إذ لم يقتصر الأمر فقط على انتهاكها لمخرجات كافة المباحثات والاتفاقات التي تمت منذ 2015، حتى وقتنا هذا. إلا أنه عطفاً على ذلك، رفض وأجهض الحوثيون الكثير من المبادرات الإقليمية والأممية، وهو ما يمكن بيانه بالنظر إلى سياق المبادرات الثلاث التالية:


1.     الإعلان المشترك – 2020


إذ نص الإعلان المشترك الذي أعلن عنه المبعوث الأممي "مارتن غريفيث" في 2020، على العديد من القضايا ذات الأولوية، أبرزها: القضايا ذات الطابع الإنساني، والسياسي، والاقتصادي. إذ تم صياغتها في إطار مقترحات نوعية، تتمثل في: وقف إطلاق النار، مراقبة الأمم المتحدة لتعهدات وقف إطلاق النار، ترتيبات تقاسم الموارد، واستئناف مفاوضات السلام[7].  بالإضافة إلى عدد من البنود ذات الطابع الإنساني والتي تتلخص في: وضعية الأسرى، أزمة الرواتب، حالة المطارات والموانئ، إلخ. إذ تم وأد تلك المبادرة من جانب جماعة الحوثيين، وهو ما دفع "غريفيث" للتأكيد على: "أن الحوثيين يرفضون وقف إطلاق النار، ويصرّون على اتفاق منفصل بشأن موانئ الحديدة ومطار صنعاء كشرط مسبق لوقف إطلاق النار وإطلاق العملية السياسية"[8]. 


2.     مبادرة السلام السعودية – 2021


تم الإعلان عن "مبادرة السلام في اليمن" من جانب المملكة العربية السعودية في مارس 2021، متضمنه بنوداً رئيسية متمثلة في: وقف إطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة، بدء مشاورات الحل السياسي بناءً على ثلاث أُطر: المرجعيات الأممية وقرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل. وعلى الرغم من المساحات الكبيرة والمكاسب السياسية التي تم منحها لجماعة الحوثيين في إطار المبادرة السعودية، إلا أن الحوثيين رفضوا "المقترح السعودي"، واشترطوا فتح المطارات والموانئ بشكل كامل دون قيد أو شرط. وما تلى ذلك من رفض الحوثيين لـ "مباحثات مسقط" في أبريل من نفس العام والتي جاءت على أثر التصعيد الحوثي في مأرب.


3.     مشاورات الرياض – 2022


عمدت جماعة الحوثيين إلى إفشال دعوة مجلس التعاون الخليجي في مارس 2022 إلى تدشين "حوار يمني- يمني" في الرياض، إذ رفضت الجماعة قبول الدعوة، وزاد الأمر بالهجمات الحوثية المتتالية على أهداف سعودية ومنشآت إماراتية في إشارة إلى الرغبة في وأد كافة التحركات الخليجية لكسر جمود العملية السياسية في اليمن. ليبقى التساؤل حول مستقبل مخرجات "مشاورات الرياض"، وما يمكن أن يؤول إليه الموقف الحوثي في ذلك الشأن بالنظر إلى الإعلان عن تشكيل "مجلس القيادة الرئاسي"، وبدء فصل جديد من المسار السياسي للمسألة اليمنية.  


بالإشارة إلى ما سبق بيانه من الموقف الحوثي من كافة المباحثات والمبادرات الإقليمية والأممية لحلحلة الأزمة اليمنية وإعادة التصويب نحو مسار التسوية السياسية، فثمة عدداً من الدعائم للنهج المتكرر من جانب الجماعة في التعنت وإجهاض أي تحرك لحلحلة الملف اليمني، وهو ما يمكن إرجاعه إلى النقاط التالية:


1.      الدعم الإيراني للحوثيين: إذ تعتمد طهران في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية على مقايضة "الورقة الحوثية" والمساومة بالملف اليمني للحصول على مكاسب نوعية متباينة، في مقدمتها: إحياء الاتفاق النووي الإيراني بمكاسب مضاعفة، رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، بالإضافة إلى استخدام إيران لـ "الورقة الحوثية" في الضغط بمشاوراتها مع السعودية والكتلة الخليجية.  


2.      مواقف أممية هشة: وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على أغلب القرارات الأممية ذات الصياغة "غير الإلزامية" مثل القرار الأممي "2216"، فضلاً عن تبني مواقف ضبابية غير حاسمة في أغلب المبادرات التي يتم طرحها لإحلال السلام في اليمن. دون إغفال الصياغات المرنة لأغلب التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية حول "انتهاكات جماعة الحوثيين"، إذ أن مثل تلك المشاهدات ساهمت في تعظيم الخروقات الحوثية دون النظر لأي اعتبارات أممية. 


3.      غياب آليات الردع: إذ بتتبع سياسات الدول الكبرى تجاه الملف اليمني، نجد أن هناك تغييب كامل لكافة آليات الضغط الدولية لإقرار السلام وإلزام الأطراف بمسارات التسوية السياسية. فعلى سبيل المثال: دعمت الولايات المتحدة الأمريكية جهود مكافحة الإرهاب وتقويض أذرع تنظيم القاعدة وداعش في اليمن، ودعم الوساطة الأممية في التسوية السياسية للملف اليمني، فضلاً عن تقديم المساعدات الإنسانية. إلا أنها بالمقابل، لا تقوم بممارسة أي ضغوط على أي من الأطراف لإنجاز مسارات الحلحلة وإقرار "التسوية الشاملة". وبالسياق ذاته الجانب الروسي، إذ لم تتخذ موسكو مواقف مناهضة للانتهاكات الحوثية، فعلى سبيل المثال: امتنعت موسكو عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015، الذي فرض عقوبات على "الحوثيين". فيما استخدمت روسيا "الفيتو" لإجهاض مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن، في فبراير 2018، لإدانة إيران بسبب تهريبها أسلحة لـ"الحوثيين" في اليمن[9]. 


مستقبل تعهدات "إحلال السلام


تدشن "مشاورات الرياض" فصلاً جديداً في إعادة تحريك المياه الراكدة بالمسار السياسي للأزمة اليمنية، خاصة وأنها تنطلق من فرضية "الحوار الوطنى"، وما انتهت به من إعلانين مثلاً في مضمونها اختراقاً نوعياً لجمود العملية السياسية، وهو ما تمثل في: "الأول: إعلان التوصل إلى هدنة بين الأطراف المتصارعة في اليمن، الثاني: الإعلان عن تشكيل مجلس رئاسي كممثل شرعي للدولة اليمنية.


إلا أنه بالمقابل، لاتزال مخرجات تلك المشاورات تتسم بالهشاشة في ظل عدد من المشاهد التي قد تهدد بوأد تجربة "مجلس التعاون الخليجي" في حلحلة الأزمة اليمنية، وذلك بالنظر إلى:


-        هشاشة الهدنة: وهو ما تمثل في الخرق المتكرر من جانب جماعة الحوثيين للهدنة المُعلنة. فعلى سبيل المثال: رصدت القوات الموالية للحكومة اليمنية 80 خرقاً للهدنة في يوم واحد فقط، وذلك في 11 أبريل 2022، في محافظات حجة وتعز والساحل الغربي ومأرب والجوف والضالع[10].


-        هيكل منقوص: إذ أنّ تشكيلة "مجلس القيادة الرئاسي"، على الرغم من أنه يتضمن عناصر متوازية من كافة القوى الممثلة بالواقع الميداني شمالاً وجنوباً، إلا أنه أغفل فاعل هام بالعملية السياسية، وهو الفاعل الحوثي، إذ تم الإعلان على لسان أكثر من قيادي حوثي عدم ارتياحهم لتشكيل هذا المجلس ورفضهم له، فضلاً عن تشكيك البعض بقدرة وصلاحيات هذا المجلس الجديد بالنظر إلى توليفته، وتباين بعض أهداف ومرجعيات أطرافه.


 ومن ثم، فبالنظر إلى مهددات "التسوية المأمولة" للأزمة اليمنية، فلازال هناك تحديات متباينة تتطلب المزيد من التوافقات وبناء المساحات المشتركة بين مختلف الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية، إذ تتباين تلك التحديات ما بين التهديدات الحوثية ميدانياً، وتلك التي تتعلق بانهيار الوضعية الاقتصادية، دون إغفال تعاظم الأزمة الإنسانية باليمن.


 بالمقابل إنّ التطورات المتلاحقة إقليمياً ودولياً – سواء ما يتعلق بالانعكاسات السلبية لجائحة كورونا، أو الأزمة الأوكرانية الروسية، أو إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، أو التقارب الخليجي مع طهران، أو الخروج الأمريكي من الشرق الأوسط، أو ضبابية الموقف الأوروبي من المنطقة الخ.. – جميعها تطورات نوعية تفرض مزيداً من الضغوط على مختلف الأطراف الفاعلة بالأزمة اليمنية بضرورة ترجيح " خيارات السلام" على اختلاف أنماطها، سواء تلك التي انتهت إليها مشاورات الرياض أو ما تؤول إليه تحركات المبعوث الأممي الرابع من طرح خيارات متوازنة على مختلف الأطراف المحلية والإقليمية لإنجاز متطلبات "إحلال السلام" في اليمن، تمهيداً للانتقال فيما بعد لإشكالية "إعادة الإعمار".


د. إيمان زهران

متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


الصورة: 


المراجع:

[1] ) أحمد عليبة، عتبة تحول: الأزمة اليمنية ما بعد مشاورات الرياض، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 9/4/2022، bit.ly

[2] ) هل تدفع مفاوضات مسقط نحو تنفيذ المبادرة السعودية في اليمن؟، الخليج أونلاين، 28/3/2021، bit.ly

[3] ) إيمان زهران، هل تنجح مسارات التسوية السياسية للدول المأزومة في الإقليم؟، مركز سوث24 للأخبار والداراسات، 12/4/2022، bit.ly

[4] ) أحمد عليبة، عتبة تحول: الأزمة اليمنية ما بعد مشاورات الرياض، مرجع سبق ذكرة.

[5] ) هل ينجح المجلس الرئاسي اليمني في مواجهة التحديات؟، المصدر أونلاين، 19/4/2022، bit.ly

[6] ) إستند الجدول على عدد من المصادر ، أنظر: 

-   محادثات السلام اليمنية تنطلق في جنيف بحضور الحوثيين، فرانس 24، 16/6/2015، bit.ly

-   اليمن: فشل محادثات الكويت بعد أشهر من المشاورات، موقع DW ، 6/8/2016، bit.ly

-   انتهاء محادثات جنيف.. الحوثيون يتغيبون وغريفيث يقر بالإخفاق، سكاى نيوز عربية، 8/9/2018، bit.ly

-   عام بعد اتفاقية ستوكهولم أين نحن الآن؟، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، osesgy.unmissions.org

[7] ) Ibrahim Jalal, Yemen’s Joint Declaration: A bigger repeat of the stalled Hodeida Agreement?, Middle East Institute, March 4, 2021, bit.ly

[8] ) Adel Dashela, UN Special Envoys and the Crisis in Yemen(2011-2021), Washington Center for Yemeni Sxtudies, November 2021, bit.ly

[9] ) أحمد عاطف، مراوغة الحوثى: لماذا تتعثر مفاوضات حل الأزمة اليمنية؟، مركز المستقبل للأبحات والدراسات المتقدمة، يناير 2019، bit.ly

[10] ) توفيق على، الحوثي يلتقي غروندبيرغ ومسلحوه يستميتون لاقتحام مأرب، إندبندت عربية، 13/4/2022، bit.ly


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا