الصورة: شعار القاعدة على لافتة شارع في بلدة جعار بمحافظة أبين جنوب اليمن، عام 2012. (أسوشيتد برس)
14-05-2022 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
تراجع نشاط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة بشكل واضح، رغم بعض العمليات المتفرّقة والنادرة نوعاً ما والتي تستهدف في معظم الوقت القوات الأمنية والعسكرية الجنوبية في مناطق سيطرتها جنوب اليمن، نتيجة محاربة الأخيرة لأوكار التنظيم ونجاحها في القضاء نسبياً على نشاطها الذي كان مكثفاً بين الأعوام 2015-2017. غير أن الفترة الأخيرة ومنذ إعلان تغييرات الانتقال السياسي في اليمن، كان خبر هروب 10 سجناء بينهم عناصر يشتبه انتمائهم لتنظيم القاعدة من سجن مشدد بوادي حضرموت لافتاً. خاصة وأن هذا السجن يتبع المنطقة العسكرية الأولى التي تديرها قيادات من حزب الإصلاح اليمني "الإخوان المسلمين" وتتلقى تعليماتها المباشرة من اللواء "علي محسن الأحمر" نائب الرئيس السابق.
أدى التغيير السياسي في بنية الرئاسة اليمنية يوم 7 إبريل الشهر الماضي، إلى إزاحة "الأحمر" عن المشهد السياسي كنائب للرئيس، ورجّحت تقديرات أن عملية الهروب من سجن حصين في سيئون، جاء كرد فعل نتيجة إزاحته، وكذا عقب الترتيب لنقل المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت إلى مناطق التماس مع الحوثي. وهو ما فُهم حسب نفس التقديرات أنّ التهريب كان عملية مرتبة، لإيصال رسالة للإقليم أنّ البديل هو الإرهاب[1]. لم يمضِ وقت طويل حتى تسلل عدد 7 من المسلحين يوم 6 مايو، عندما كانوا على متن مركبة مدنية باتجاه حاجز أمني بين حدود مديريتي "جبن" و"الشعيب" في الضالع. وادعى المسلّحون أثناء ضبطهم بمعرفتهم السابقة بقيادة الحزام الأمني في الضالع، مما دفع بعض أفراد الحزام الأمني أخذهم لمقر قيادتهم في بلدة "حكولة" شمال الضالع.
في ذلك الوقت، حدثت المفاجأة أمام البوابة الخارجية لمقر الحزام الأمني عندما رفض المسلحون السبعة تسليم أسلحتهم، وثبت لاحقاً أنهم من -عناصر تنظيم القاعدة- وفقا للجهات الأمنية الرسمية، عندما قاموا بشنّ هجوم وُصف بالمباغت على قوات الحزام الأمني، استخدموا خلاله أسلحة خفيفة ومتوسطة وقنابل يدوية أودت بحياة عدداً من القوات؛ بينهم نائب قائد الحزام الأمني في الضالع العقيد "وليد الضامئ"، وقائد وحدة مكافحة الإرهاب العقيد "محمد الشوبجي"، فضلاً عن إصابة آخرين[2]. في المقابل، استطاعت قوات الحزام الأمني من الإجهاز بالكامل على عناصر التنظيم خلال الهجوم الذي عدّ الأول في محافظة الضالع، لاسيّما وقد عُرف عن قيادتها التماسك الأمني والعسكري في مواجهة الحوثيين والقاعدة طوال سنوات الحرب الممتدة منذ 2014.
عضو القاعدة البارز "سليم المسن" هو من قاد الهجوم الدموي في الضالع، إلى جانب شقيقه "صالح المسن"، وقد قُتلا خلال الهجوم. الشقيقان ينحدران من بلدة "الضبابية" في مديرية "جبن" التابعة إدارياً لمحافظة الضالع وتقع على الحدود من محافظة البيضاء. نُظر لـ "المسن" كأحد القيادات المتطرفة المطلوبة أمنياً نتيجة سلسلة جرائم اتُهم بارتكابها، كان آخرها اختطاف موظفين في إحدى المنظمات الدولية في مديرية قعطبة، كما وجهت لهم اتهامات بمساعدة الحوثيين في اجتياح مديرية "رداع" في البيضاء عام 2016، كجزء من تسهيلات القاعدة للحوثيين، مقابل مساعدتها في حربها ضد داعش[3]. وقد ذكرت وسائل إعلام دولية أن الهجوم الأخير في الضالع؛ كان يهدف للإفراج عن معتقلين من عناصر التنظيم في سجن داخل مقر الحزام الأمني[4]، رغم أنّ مصدر ميداني نفى لـ سوث24 تواجد عناصر من القاعدة في سجون المحافظة.
يأتِ الحدث الأخير ليُضاف إلى قائمة أحداث مشابهة سابقة اعتمدت نفس الأساليب والتكتيكات لتنفيذ عملياتها، ففي يوليو 2012، تسلّل (12) عنصراً من تنظيم القاعدة عبر مديرية "الشعيب" في الضالع قادمين من محافظة البيضاء، كان بحوزتهم أسلحة متوسطة وخفيفة. وقد اعترضتهم حينها دورية عسكرية، وطلبوا منهم تسليم أنفسهم، إلا أنّ مسلحي القاعدة رفضوا الاستجابة، وباشروا بإطلاق النار على الجنود، ما أدى إلى مقتل جندي واثنين من عناصر التنظيم بينهم قيادي كبير[5]. العملية جاءت بعد أيام من اغتيال اللواء "سالم قطن" الذي قاد الحرب على القاعدة آنذاك، وتمكن من استعادة السيطرة على عدد من المديريات في محافظتي أبين وشبوة من قبضة تنظيم القاعدة، والتي أسفرت عن مقتل 429 عنصراً من مقاتلي التنظيم.[6]
تكتيك الاختراق للعملية الأخيرة التي نفذها تنظيم القاعدة في الضالع يشبه إلى حد كبير الحادثة التي وقعت لمساعد وزير الداخلية السعودي عام 2009، الأمير "محمد بن نايف" عندما نجا من محاولة اغتيال انتحارية نفذها متطرف مطلوب تمكن من دخول مجلس الأمير بمنزله بجدة، بعد أن زعم أنه يوّد التوبة ويريد لقاء الأمير، وفق ما أعلنته السلطات السعودية[7]. وتبيّن لاحقاً أن الانتحاري السعودي "عبدالله عسيري"، كان يعيش في مدينة مأرب وينتمي لتنظيم القاعدة وذهب للسعودية بحجة تسليم نفسه للسلطات هناك، لتشجيع العديد من زملائه على الاقتداء به والتخلي عن التنظيم المتطرف.[8]
من المهم القول، أن عناصر تنظيم القاعدة اعتمدت في تحركاتها وتكتيكاتها الأخيرة في الضالع على عدة عوامل، منها: استغلال دورها كمقاومة محلية تزعم من خلالها محاربة الحوثي، رغم أنها تتحرك بأريحية مطلقة في مناطق نفوذ الحوثيين، بالإضافة إلى استغلال ضعف الدور الاستخباراتي لدى القوات العسكرية والأمنية الجنوبية، الذي كان من السهولة اختراقها، نظراً لأن معظم القوى مازالت فتية وخبرتها الأمنية متواضعة. وعلى الرغم من تحقيق القوات الجنوبية دور كبير ومشهود في مكافحة تنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية، غير أنّ دورها على المستوى الاستخباراتي مازال بحاجة لكثير من الجهد والعمل، وفي مقدمة ذلك توفير معلومات وبيانات دقيقة عن المطلوبين أمنياً وارتباطاتهم وأنشطتهم وقدراتهم والتعامل معهم وفقاً لذلك، لتحصين عمل هذه الأجهزة وأفرادها.
العلاقة مع الحوثيين
يسيطر الحوثيون على أربع مديريات شمال محافظة الضالع منها: "دمت"، و"جبن"، و"الحشا"، وأجزاء من مديرية "قعطبة"، بينما تسيطر القوات العسكرية والأمنية الجنوبية على بقية المديريات الخمس في الجنوب، خصوصا تلك التي كانت تتبع إداريا دولة جنوب اليمن السابقة. ويخضع السكان في مناطق سيطرة الحوثيين لسلطة قمعية نتيجة وجود مقاومة شعبية هناك، كما يتعرضون لانتهاكات ممنهجة منها القتل والاعتقالات والإخفاء والتجنيد الإجباري، وزرع الألغام بشكل عشوائي وتفجير البيوت وتدمير البنية التحتية[9]. في نفس الوقت، كان القيادي في تنظيم القاعدة "سليم المسن" يتنقّل بين "البيضاء" و"رداع" تحت حماية الحوثيين لسنوات، إلى أن تم اعتقاله في 2019 تحت تهمة الجاسوسية، غير أنه سرعان ما تم الإفراج عنه لاحقاً لينصب نفسه زعيماً لتنظيم القاعدة في مديرية "جبن" بالضالع مسقط رأسه[10].
تتهم مصادر يمنية أن لـ "المسن" علاقة مباشرة بالحوثيين، من خلال انطلاق مجموعته لتنفيذ العملية الأخيرة من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، وتربط ذلك بالإفراج السابق عنه ضمن صفقة بين الطرفين، هدفها الرئيس خلخلة دور المقاومة الشعبية في الضالع وإرباك المناطق المحررة. إذ يبدو أنه منذ أن أُطلق سراح "المسن" استغل الأخير المناطق الجبلية بين محافظتي "الضالع" و"البيضاء" لإنشاء معسكرات تدريب لعناصر التنظيم، وأنشأ مواقع وطرق آمنة لحركتهم بين المحافظتين.[11]
في هذه السياقات، من المهم الربط بين علاقة تنظيم القاعدة بإيران منذ عام 2015، حيث نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، تقريراً عن العلاقات بين كل من إيران وتنظيم القاعدة، والتي شملت تبادلاً للأسرى، الأمر الذي سمح لقادة القاعدة بالتواجد على الأراضي الإيرانية، واعتبارها مقراً رئيساً لعملياته. كما ذكرت المجلة، أن طهران سمحت للقاعدة "بإنشاء مقر عملياتي جديد" على أراضيها، حتى أصبح التنظيم يعمل الآن تحت حماية النظام الإيراني[12]. الأمر الذي يمكن تفسيره بتنامي العلاقة بين الحوثيين المدعومين من إيران وعناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
علاوةً على ذلك، اتهمت الحكومة اليمنية العام الماضي في تقرير بعثته لمجلس الأمن الدولي[13]، أن الحوثيين يتعاونون مع تنظيمي "القاعدة وداعش". وذكر التقرير أن الحوثيين أفرجوا عن (252) سجيناً من عناصر تنظيم القاعدة، كما أفرجوا عن أحد مخططي الهجوم على السفينة "يو إس إس كول" الأمريكية، مشيراً إلى أن عمليات الحوثيين ضد تنظيم القاعدة في اليمن هي عمليات صورية. كما أكد التقرير، إلى أنّ العلاقة الحوثية بالمنظمات "الإرهابية" وصلت إلى حد التنسيق المشترك، وتبادل الأدوار المهددة لأمن واستقرار اليمن ومحيطها الإقليمي، وخطوط الملاحة الدولية.
من الواضح أنّ الحوثيين بحاجة لأعمال تنظيم القاعدة في الوقت الراهن، وإن كانوا لا يتوافقون عقائدياً مع مجمل قياداتها ولا ينسّقون إلا مع مجموعات محددة، وهو ما يُفسر ازدياد نشاطهم في الآونة الأخيرة. إذ يبدو أنّ مثل هذه العمليات الممنهجة تشكّل إرباكاً للمشهدين السياسي والعسكري، فضلاً عن شغل القوات العسكرية الجنوبية عن مواجهة الحوثيين على حدود التماس بالمناطق الجغرافية التي يسيطرون عليها، لاسيّما والأطراف اليمنية ملتزمة بهدنة لم تنته فترتها. ويبدو من المناسب للحوثيين إحداث خلل أمني داخلي في أكثر من منطقة جنوب اليمن، ونقل أدوات التوتر إليها بالتنسيق مع الجماعات المتطرفة، الأمر الذي يشكّل بدوره ضغطاً على مجلس القيادة الرئاسي.
نشاط مريب
بعد إعلان مجلس القيادة الرئاسي الجديد في 7 إبريل الماضي بقرار من الرئيس السابق "هادي"، نشرت مؤسسة الملاحم الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بياناً من 7 صفحات[14]، هاجم مجلس القيادة الرئاسي، واعتبر تشكيله من "نفس النخبة القديمة الفاسدة". مشيراً إلى أن تشكيل المجلس يأتي كجزء من خطة السعودية لإبقاء اليمن ضعيفاً، وأنّه سيخدم المصالح الأمريكية ويصب في صالح الحوثيين. الجدير بالذكر، أن بيان التنظيم نصح حزب "التجمع اليمني للإصلاح" بالمسارعة إلى السيطرة على الأوضاع في اليمن قبل أن يغرق الجميع.
تؤكد هذه الحالة، العلاقة الوثيقة بين تنظيم القاعدة وحزب الإصلاح الإسلامي خلال العقود الماضية، وثقة التنظيم فيما يمكن أن يحدثه الأخير من فارق ربما يصب في صالح تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين على حدٍ سواء إذا ما استعاد دوره من جديد. فقد أدت إزاحة حزب الإصلاح من مواقع حساسة في صنع القرار خلال عملية الانتقال السياسي مؤخراً، بعد أن كان يسيطر على قرار سلطة الرئيس السابق هادي لسنوات، إلى تراجع دوره بشكل كبير سياسياً، في ظل بقاء سيطرة قوات موالية له على القرار العسكري في كثير من المناطق والجبهات منها مأرب وتعز وجزء من أبين والمنطقة العسكرية الأولى في حضرموت.
على نفس الصعيد، كانت جماعة دينية متشددة يعتقد انتمائها لتنظيم القاعدة قد استهدفت تفجير أنبوب غاز مسال في منطقة النشيمة بمحافظة شبوة جنوب اليمن، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تفجير أنبوب الغاز الذي توقف تصديره منذ 2015.[15] يأتي هذا العمل ضمن الأنشطة المريبة لازدياد أعمال التنظيم في أكثر من مكان وعلى أكثر من جبهة. كان آخرها استهداف مركبة تابعة لقوات "العمالقة الجنوبية" من قبل عناصر يشتبه انتمائهم لتنظيم القاعدة، عبر عبوة ناسفة أثناء مرورها في الطريق العام بمديرية المحفد محافظة أبين، وقد جُرح سبعة من جنود قوات العمالقة إثر الهجوم وتم نقلهم للمستشفى[16]. ورغم نفي تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم، غير أن مراقبين يرجّحون أنّ هناك تعاون بين بعض الخلايا الحوثية [17]، مع جماعات متطرّفة يشتبه انتمائها لتنظيم القاعدة في المحافظة.
في المقابل، أكد مسؤول محلي رفيع المستوى لسوث24، أن نشاط القاعدة توسّع في الآونة الأخيرة بعد التغيير السياسي في مديريات شبوة وفي "مرخة" تحديداً، وهو تحدٍ كبير أمام السلطة المحلية. وكانت "قوات دفاع شبوة" قد أعلنت عن مقتل القيادي في تنظيم القاعدة، "يونس القشعوري"، في اشتباكات معه في عتق عاصمة محافظة شبوة[18].
وفقاً لهذه الخلفية المتصاعدة من أعمال القاعدة، من غير الواضح كيف سيتعامل مجلس القيادة الرئاسي في ملف "مكافحة الإرهاب"، أو ما هي الخطط التي يعتزم وضعها. وسبق وأعلن رئيس المجلس "رشاد العليمي" أنّ المجلس سيولي ملف مكافحة الإرهاب اهتمامًا كبيرًا من خلال تطوير الأجهزة الأمنية والتعاون مع الشركاء في المجتمع الدولي.
قد يؤدي ازدياد نشاط تنظيم القاعدة في جنوب اليمن من جديد، إلى إثارة مزيد من الاضطرابات والفوضى، إذا لم يتخذ مجلس القيادة الرئاسي اجراءات حاسمة في الملفين العسكري والأمني، خاصة في محافظات تعز ومأرب وأبين والمنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت، بالإضافة لتعزيز قوات النخبة الجنوبية التي حققت نجاحات مشهودة خلال السنوات الماضية.
لا يشكّل نشاط التنظيم المتطرف في اليمن مصدر قلق محلي وحسب، بل ولا يزال يمثّل قلق دولي كبير. قالت مديرة المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب، "كريستي أبيزيد" يوم الأربعاء الماضي، حول التنظيم في اليمن، إنّ "القلق الذي طالما راودني بشأن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ما يزال مستمراً اليوم".[19]
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر