التحليلات

في ذكرى الوحدة: كيف سيتعامل المجلس الرئاسي مع مطالب الجنوب؟

متظاهرون يطالبون باستعادة دولة جنوب اليمن في مدينة الغيضة بمحافظة المهرة، السبت 21 مايو 2022 (STC)

22-05-2022 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


على مدى سنوات منذ انطلاق "الحراك الجنوبي" عام 2007، لم تتوقف مطالبات الجنوبيين باستعادة دولة الجنوب السابقة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، حتى بعد اندلاع الحرب الأخيرة الممتدة منذ 2014. وعلى الرغم من سيطرة الجنوبيين على جغرافية واسعة من أراضيهم وإدارتها عسكرياً وسياسياً، غير أن مطالبهم بالاستقلال ظلت مستمرة في أدبيات الكيانات السياسية والفصائل التي شكّلت "الحراك الجنوبي" أو على المستوى الشعبي.


ليس سراً، أن 22 مايو من كل عام، بات يشكّل ذكرى غير محببة لدى كثير من الجنوبيين، فهو تاريخ مثقل بمعاناة ودمار لشعب ودولة بأكملها جنوباً، بعد توقيع (الوحدة اليمنية) عام 1990 بين الرئيسين "علي عبدالله صالح" و"علي سالم البيض". وساعدت حرب 27 أبريل 1994، في الإجهاز على ما تبقى من دعامات الوحدة، التي كانت تنهار تدريجياً رغم محاولات رأب الصدع فيها خلال الثلاث سنوات الأولى من تحقيقها. فكان الجنوبيون يخرجون من كل عام للمطالبة بالاستقلال أكثر من أي وقتٍ مضى، وكان يقابلهم على الضد من ذلك في الشمال؛ احتفاءً سنوياً تتبناه السلطة التي وصِفت آنذاك بـ (سلطة الاحتلال)، وتقابل خروجهم المعارض لها في ذات المناسبات بالرصاص الحي[1].


اليوم، وبعد مرور 32 عاماً على توقيع الوحدة، تشهد البلاد تغييرات سياسية كبيرة ومفاجئة في أوقات كثيرة، كان آخرها التغيير في بنية الرئاسة اليمنية يوم 7 إبريل العام الحالي، بتشكيل مجلس قيادة رئاسي مكوّن من 8 أعضاء يقودهم الرئيس "رشاد العليمي"، رعته دول مجلس التعاون الخليجي وحظي بدعم إقليمي ودولي. إذ يبدو أنّ المجلس الرئاسي جاء كنتيجة لما يُمكن وصفه بفشل حقبة الرئيس "هادي" خلال أكثر من 10 سنوات.


أفضى انضمام "المجلس الانتقالي الجنوبي" بقيادة رئيسه "عيدروس الزبيدي" إلى قوام مجلس الرئاسة الجديد، إلى إثارة المخاوف من تغيّر مواقف الانتقالي الداعمة لحق الجنوبيين في استعادة دولتهم السابقة، لا سيّما وأنّ "الزبيدي" يعدّ الوحيد من بين ثلاثة جنوبيين آخرين في مجلس الرئاسة يتبنى موقفاً داعماً لاستقلال الجنوب عن الشمال. وإذا ما تمّ مقارنة وضع الأخير مع بقية أعضاء مجلس الرئاسة، فهم يبدون متخففين إلى حدٍ ما من الضغط الجماهيري. على سبيل المثال، سبّب القسم الذي أداه "عيدروس الزبيدي" أمام البرلمان اليمني في العاصمة عدن أواخر شهر إبريل جدلاً واسعاً، عندما قام بحذف مفردتي "الوحدة" و "الجمهورية" من اليمين الدستورية[2]. وهو ما فُهم أنه إلى جانب قناعات الرجل الرافضة لمسألة الوحدة، فإن أداءه القسم بصيغته الدستورية الرسمية، كانت ستشكل عاصفة انتقاد من أنصاره والفرقاء السياسيين الجنوبيين الآخرين الذين يوازون خطه السياسي؛ إذا ما أُديت بالصورة التي أدّاها بها بقية أعضاء مجلس الرئاسة.


قد تبدو ميزة للانتقالي الجنوبي أنه يمتلك قاعدة جماهيرية عريضة، لكنها في ذات الوقت تشكّل عبئاً كبيراً عليه، ومن الصعوبة بمكان التعامل مع الجماهير أو تطويعها إذا ما تم العمل بما يناقض رغباتها، لاسيّما وهو مكوّن سياسي تبلوّر من ساحات الحراك الجنوبي. بينما بقية أعضاء الرئاسة لا يمتلكون قواعد جماهيرية تضغط عليهم، بيد أنّ لديهم على الأقل مساحة أوسع وأكثر مرونة للتحرك. لذا، يبدو أن التحدي الذي سيواجه مجلس القيادة الرئاسي خلال الفترة المقبلة تحدياً جماهيرياً في جنوب اليمن مقر إقامته، أكثر من كونه تحدياً سياسياً لمكوّنٍ جنوبيٍ هنا أو هناك.


اقرأ أيضا: الجنوبيون يجددون التذكير بفشل الوحدة اليمنية

ساهم دخول الحوثيين وقوات "صالح" إلى عدن عام 2015، إلى خلق اصطفاف جنوبي واسع لمواجهة ما كانوا يطلقون عليه بـ "الاحتلال الثاني" للجنوب، ضمن إطار تحالف عربي قادته السعودية والإمارات. توحّدت المكونات الجنوبية المؤثّرة وتم تسليحها لمناهضة الحوثيين المدعومين إيرانياً، ثم أضفت على نفسها طابعاً مؤسسياً عُرف لاحقاً بالمجلس الانتقالي الجنوبي (STC) الذي تأسس في مايو 2017، ودعمته دولة الإمارات العربية المتحدة. هذا الأمر، خلق فرصة سانحة ليُظهِر الجنوبيون أصواتهم، في ظل التجاهل السلبي لقضيتهم من قبل الإقليم والمجتمع الدولي الذي كان يتعامل مع قضية الجنوب كقضية ثانوية. هذا الأمر بالمثل؛ مكّنهم من إدارة معظم مناطقهم سياسياً وعسكرياً وأمنياً، رغم جهود سلطة هادي السابقة التي كان يسيطر عليها حزب الإصلاح الإسلامي، في إشعال الصدامات معهم. غير أنّ الجنوبيين نجحوا نسبياً في تحرير وتأمين مناطقهم من التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي والتنظيمات المتطرفة.


من المهم القول، أن جنوب اليمن بعد 2015 تغيّر عما كان قبله، فقد تحوّل من قوى شعبية ظلت تطالب الالتفات لقضيتها وإنصافها بعد عقود من الإهمال، إلى قوى منظّمة لديها هياكل إدارية وعسكرية وأمنية، أثبتت في وقت قصير قدرتها على ترتيب صفوفها والحفاظ على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، ما جعلها تلقى اهتماماً أكبر. من شأن هذا الوضع أن يحدد توقعات واضحة من الجنوبيين في الاستقلال النسبي عن الشمال، وهو ما بدأ تدريجياً يحدث مع الوقت، لاسيّما في ظل بقاء سيطرة الحوثيين على مساحة جغرافية واسعة من شمال اليمن، وتقاعس "الجيش الوطني" عن مواجهتهم.


بالنظر إلى الوضع الراهن، يبدو أنّ مجلس القيادة الرئاسي الجديد يواجه مأزقاً في إعادة هيكلة وإصلاح مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية، ربما بسبب الصعوبات في التوافق السياسي في اتخاذ مثل هذه القرارات. ذلك بدا جلياً من خلال العملية البطيئة في إصدار بعض القرارات التي كان متوقعًا لها أن تُحسم قبل انتهاء الهدنة مع الحوثيين في 2 يونيو القادم، وفي مقدمتها الملف العسكري. الأمر الذي يدل على أن عمل المجلس أقل مرونة في العمل عمّا إذا كان بهيئة أخرى، وربما تناقض مواقف قادته في بعض المسائل العالقة منها ما يتعلق بالجنوب، كان سبباً آخراً للتأخر في ملء بعض المناصب.


في الخلفية، ثمّة شعور جنوبي عام بأن هناك مساعٍ حثيثة ومقلقة، للتعامل مع مطالب الجنوب وفقاً لقاعدة أن قضية الوحدة أولوية على استعادة الجمهورية من الحوثيين، وهذا الموقف يمثله قطاع واسع من الشماليين، خاصة من يمثلون طرف من حزب الرئيس الأسبق "صالح". غير أن موقف شمالي آخر يتعامل أكثر براغماتية مع المطالب الجنوبية من خلال خفض ممكنات التوتر معها ومحاولة مجاراتها، ريثما الانتهاء من حسم الصراع مع الحوثيين، وهو ما قد يعتبره البعض ليس دعماً للجنوبيين بقدر ما هو تأجيل الصراع معهم بشأن الوحدة على قاعدة ترتيب الأولويات الشمالية. هذا الاعتقاد إن صح فهو تحدٍ آخر أمام الجنوبيين بشكل عام، والانتقالي الجنوبي بشكل خاص لكون رئيسه أحد أعضاء مجلس القيادة الجديد، ويقود بالمثل لطرح تساؤل، عن الكيفية التي سيتعامل بها الانتقالي الجنوبي مع المواقف الشمالية المتباينة؛ بما فيها الحوثيين.


يمكن القول، أن محاولة الانتقالي الجنوبي الموائمة بين مطالب الشارع ذات السقف العال ومقتضيات مشاركته في مجلس القيادة ستكون أكثر صعوبة مما كان متوقعاً، لاسيّما إذا ما واجه ضغطاً من التحالف الذي تقوده السعودية من أجل محاولة توحيد الجهود لمواجهة الحوثيين. وهو ما قد يؤثر على موقف الشارع الجنوبي إذا ما قفز الانتقالي على مطالبه، رغم أن "الزبيدي" في أول تصريح له بعد تشكيل مجلس الرئاسة، ذكر بأنهم "ليسوا باحثين عن سلطة إنما أتوا لانتزاع حق شعب الجنوب في تقرير مصيره"[3].


أما موقف مجلس القيادة الرئاسي عشية ذكرى الوحدة، فقد بدا متوازناً إلى حدٍ ما. ذلك عبر عنه خطاب رئيس المجلس "رشاد العليمي"، عندما أقّر بأن "حرب 1994 كانت لها آثاراً سلبية على الشركاء في الجنوب، كما أن قضية الجنوب العادلة شكلت قضية محورية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل"، رغم تأكيده على أهمية ما وصفه بـ "الاتحاد"[4]. أما موقف المجلس عموماً من مطالب الجنوب، سيتحدد، على الأرجح، عند تشكيل وفد تفاوضي مع الحوثيين، ومدى التزاماه بمخرجات مشاورات الرياض، التي نصت على "إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب ووضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشامل." إذ يتعين على مجلس القيادة أن يكون لديه إدراك عميق بحساسية المرحلة وإدارتها بنوع من الذكاء والحنكة بعيداً عن شعارات قديمة ذات أُفق ضيّق عن مسألة الوحدة اليمنية، حتى لا يخسر ثقة الآخرين به من أول اختبار.




المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا