محمد بن زايد ومحمد بن راشد (وام)
26-05-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | نانسي طلال زيدان
ما زالت وثيقة زايد التي صاغها الشيخ زايد بن سلطان مؤسس الإمارات، تُؤَّمِن منذ نصف قرن انتقالا سلساً للسلطة ولصلاحيات الرئيس إلى خلفه، إذ ينُص دستور البلاد منذ العام (1972)، أنه عند خلو منصب الرئيس تنتقل صلاحياته لنائب رئيس الدولة خلال فترة انتقالية لمدة شهر وأن يُنتخب من بين أعضاء مجلس الحكم الاتحادي الأعلى رئيساً للدولة ونائب رئيس لولاية مُدتها خمس سنوات، إلا أن محمد بن راشد وهو نائب رئيس الدولة وحاكم دبي، سارع لدعوة مجلس الحكم الاتحادي الأعلى لاجتماع بعد وفاة الشيخ خليفة بن زايد بيوم واحد، للكشف عن الاتفاق المُطلق من قبل مجلس حُكام الإمارات السبع على مُبايعة محمد بن زايد حاكم إمارة أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المُسلحة كرئيس للدولة، علماً بأنه تبعاً للعرف في الإمارات منذ التأسيس أن يكون الرؤساء حُكام إمارة أبوظبي عاصمة الاتحاد، في حين يكون نائب الرئيس حُكام إمارة دُبي. [1]
لقد شكل مشهد عزاء الشيخ خليفة بن زايد، حدثا حيويا لكافة دول العالم إقليمياً ودولياً. توافد رؤساء ووزراء دول العالم، ولكن بصفة خاصة ذهبت الأنظار لممثلي الدول التي تسعي لبلورة بداية جديدة في علاقات بلدانها مع دولة الإمارات في ظل حاكمها الشرعي الجديد الشيخ محمد بن زايد، أمثال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من بين زعماء العالم الذين زاروا الإمارات فوراً لتقديم التعازي [2ٍ]، وأيضاً كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، للإمارات أمر لافت للاهتمام [3].
يُحاول التحليل أن يُبلور ماهية التطورات التي قد تطرأ على السياسات الإمارتية في المرحلة القادمة، انطلاقا من وجهة نظر السلطة الإماراتية بقيادة محمد بن زايد، علماً بأن الشيخ محمد بالفعل زعيمًا فعليًا وسيطر لفترة طويلة على مقاليد السلطة في الإمارات العربية المتحدة.
تقوية جبهة الإمارات الداخلية
لقد ساعد محمد بن زايد في صقل صورة الإمارات العربية المتحدة كواحة ليبرالية اجتماعية ومؤيدة للأعمال التجارية عابرة للحدود مع تغطية الدولة داخلياً بمراقبة عالية التقنية. فإن كان تعريف مرحلة حكم الراحل خليفة بن زايد بمرحلة التمكين حيث وطد التماسك بين مكونات الدولة داخلياً، فيُمكننا قراءة أن مرحلة حكم محمد بن زايد هي مرحلة بناء الداخل الإماراتي لدرجة عميقة التكامل، وله براعة ملحوظة في جمع التناقضات وخلق الموازنات والموائمات إقليمياً ودولياً.
جامع التناقضات
أولاً: حلفاء قدامي ومصالح مُتجددة:-
أ) أمريكا وروسيا والامتداد الدولي:-
رغم توتر علاقة الولايات المتحدة مع رئيس الإمارات الجديد على مدار الأشهر الأخيرة قُبيل تصدره للحكم، حيث أرسلت الولايات المتحدة تحذيرات إليه بشأن بناء علاقات مع دمشق أبان استضافة بن زايد للرئيس السوري بشار الأسد، وتواجد بعضاً من الخلافات حول الحرب في اليمن، إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن هنأ الرئيس الإماراتي الجديد في مكالمة هاتفية خاصة وفي بيان عام صرح بانه يتطلع إلى تعزيز الروابط مع "صديقه القديم"، كما قادت هاريس وفداً إلى الإمارات في محاولة لإعادة تأسيس شراكة ثنائية قوية. [4]
لقد أقام الشيخ محمد عبر سنوات مضت علاقات وثيقة في واشنطن من خلال تقديم خدمات الإمارات وقواتها المسلحة للمساعدة في المساعي العسكرية الغربية في المنطقة، منذ العام (1991)، في الأشهر التي أعقبت غزو العراق للكويت، بدأت علاقة الأمير الشاب حينها محمد بن زايد بواشنطن حين أراد شراء الكثير من المعدات لحماية بلاده، فنظر له البنتاغون كشريك واعد باعتباره الأمير طيار الهليكوبتر ذو العقلية الجادة والمدرب في بريطانيا. أقنع بن زايد والده حينها بتحويل (4 مليارات) دولار إلى خزانة الولايات المتحدة للمساعدة في دفع تكاليف حرب العام (1991) في العراق [5]. كما انتشرت قوات خاصة إماراتية مع الأمريكيين في أفغانستان وكوسوفو والصومال وليبيا، وكانت الإمارات عضو في التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا [6]. عزز قدرات جيشه أمريكياً إلى أن طور الأمير محمد صناعة دفاعية إماراتية، حيث أنتج مركبة مدرعة برمائية تُعرف باسم الوحش [7]، وفتح مجالات التعاون العسكري تقنياً وفنياً مع مُختلف الدول المتقدمة.
كما أنفقت بلاده الكثير على الأسلحة الأمريكية الصنع، وعلى جماعات ضغط بمثابة لوبي إماراتي لضمان الترويج لمصالحها في واشنطن، حيث دفعت ما يصل إلى (21 مليون) دولار في العام (2017)، بالإضافة لمنح ملايين أخرى للمراكز البحثية الكبرى، قد يكون محمد بن زايد أغنى رجل في العالم، لسيطرته على صناديق ثروة سيادية تفوق قيمتها (1.3 تريليون) دولار، أي أكثر من أي دولة أخرى [8]. بالإضافة لدور الإمارات كأحد أكبر منتجي النفط والغاز وعضو في أوبك في وقت الاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.
ويُحسب للشيخ محمد أنه حافظ على علاقة وطيدة بروسيا بوتين على مر سنوات، فبعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير، عرض الشيخ محمد مساعدته في إيجاد حل سلمي بين الدول المتحاربة [9]، مع ظهور موقف للإمارات مستقل عن رغبات واشنطن والغرب، متسق مع السعودية فيما يتعلق بنسبة إنتاج النفط المُحددة من قِبل الأوبك، خاصة وأن الإمارات اتخذت ذلك الموقف غير الداعم للغرب بسبب إدارة بايدن التي لم تُظهر الكثير من الدعم حين تعرضت أبوظبي لهجمات من الحوثيين، مما استدعي زيارة رئيس الوزراء البريطاني جونسون، للإمارات والسعودية منذ عدة أسابيع لخلق مساحة تفاوضية، ثم أتي حدث وفاة الشيخ خليفة وتصعيد الشيخ محمد لمنصب الرئيس رسمياً كفرصة تعمد الغرب استغلالها لإظهار حسن النوايا وإعادة التقرب للإمارات.
ب) السعودية ومصر:-
حققت العلاقات السعودية الإماراتية درجة متقدمة من المتانة على مدار السنوات الخمس الماضية ومن المتوقع أن تتعزز في المستقبل، حيث يتمتع الشيخ محمد بعلاقة خاصة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تشبه أحيانًا رابطة المرشد والمتعلم، فينظر محمد بن سلمان إلى الرجل الأكبر سناً على أنه نموذج يحتذى به لما يمكن تحقيقه في الخليج، ومن المتوقع أن يستمر محمد بن زايد في لعب دور مهم مؤثر على السياسة السعودية للحفاظ على التنسيق الوثيق بين الحكومتين، فقد نظر محمد بن سلمان محليًا إلى ما حققته الإمارات في مجال جذب الاستثمار الأجنبي والأعمال والسياحة، ومع رؤية السعودية لعام( 2030) يود بشدة تكرار استراتيجية محمد بن زايد في إنجاح الإمارات. [10]
كما لا يخفي على أحد درجة الصداقة المتينة بين بن زايد الإمارات وسيسي مصر، حيث تربطهما علاقات قوية، ويناقش البلدان بالفعل سبل تعزيز علاقاتهم العميقة ومجالات التعاون المستمر اقتصاديا وسياسياً ودبلوماسياً، فقد دعم محمد بن زايد الرئيس عبد الفتاح السيسي كقائد لمصر ضد حكم الاخوان المسلمين أبان ثورة 30 يونيو 2013 [11]، كما اتخذ خطوات جريئة ضد جماعة الإخوان المسلمين، مشيرًا إليها على أنها تهديد عميق في الشرق الأوسط [12]. وتبلور مُحاربة الإمارات للوجود الإخواني حيث وجودوا رعاية واستقرار في قطر وتركيا، حيث تم ترتيب مُقاطعة قطر في العام (2017)، من قِبل الرباعي العربي، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، واعتبارهم جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، حتى أوقفت قطر دعمها للإخوان، وتم حل مسألة العلاقات الدبلوماسية في يناير 2021 بموجب اتفاق بين الرباعية وقطر [13] . ظل محمد بن زايد محور رئيس في محاربة الوجود الإخواني في الإقليم العربي، علماً بأنه في شبابه عيّن والده عضوًا بارزًا في جماعة الإخوان، عز الدين إبراهيم، كمعلم للأمير محمد، وقد حاول أن يُلقنه عقائديًا إلا أن ذلك أفاده في أن يستوعب ويُدرك حقيقة الإخوان وأهدافهم، كما يقول الشيخ محمد كثيرًا. [14]
علماً بأنه لا يزال لدى الإخوان فروع في دول أخرى حول العالم، وخاصة الشرق الأوسط، في الأردن وفلسطين (غزة) والكويت واليمن وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، والسودان، ودائماً ما دعمت تركيا وقطر هذه الأحزاب الإسلامية، بينما تدعم الإمارات والسعودية ومصر الأحزاب دون استناد ديني.
مثلاً في ليبيا، تحدى الشيخ محمد المناشدات الأمريكية وحظر الأمم المتحدة بتسليح قوات خليفة حفتر، ونفذ الطيارون الإماراتيون غارات جوية في طرابلس وأنشأوا في نهاية المطاف قاعدة جوية في شرق ليبيا [15]. وفي العام (2021)، التقى الشيخ محمد برئيس الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، في الإمارات وعقب الاجتماع، أعلن محمد بن زايد على تويتر أنه يقف إلى جانب الشعب الليبي في تجاوز تحدياته. [16]
إلا أنّ الإمارات بدت متفهمة مؤخراً تجاه تركيا بأنه إذا قطعت تركيا دعمها للإخوان المسلمين، يمكنها إعادة تقويم علاقاتها مع العرب، وذلك ما حدث فعلا، وبات هناك مساحة من الدبلوماسية بين تركيا والعرب، وقطر أيضاً تم احتوائها داخل مجلس التعاون الخليجي [17]. ومن المتوقع أن تظل إمارات زايد في إتاحة المساحات الدبلوماسية لتعزيز الفرص الاقتصادية والسياسية كنوع من البرجماتية التي يعتمدها بن زايد دائماً.
ثانياً: الإمارات بين المواجهة وخلق موائمات:-
أ) إيران واليمن
في الشرق الأوسط، يعتبر الشيخ محمد أكبر المعارضين لنفوذ إيران وشبكتها من الوكلاء المسلحين [18ٍ]، حيث بدت السياسة الإقليمية الإماراتية في مواجهة مع التمدد الإيراني في الشرق الأوسط منذ العام (2015)، عندما خاضت الإمارات والسعودية حربًا ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن. لكن بن زايد عاد منذ ذلك الحين إلى نهج أكثر دبلوماسية، وبحلول العام (2019)، أخرج الشيخ محمد قواته من الصراع، مؤكداً لعدة سنوات على رغبة الإمارات في رؤية نهاية الصراع الأهلي اليمني من خلال مفاوضات سياسية [19]، مُقدما دعما دبلوماسيا ومساعدات إنسانية وتنموية تجاوزت 6 مليارات دولار منذ العام (2015). لقد آزرت دولة الإمارات اليمن في مجلس الأمن في يناير الماضي [20]، مرحبة بتكوين مجلس رئاسي يمني برعاية سعودية في إبريل، الذي زار الإمارات في مطلع مايو. وأكد الشيخ محمد بن زايد أن الإمارات تدعم جهود المجلس الرئاسي اليمني الجديد لتحقيق الاستقرار والأمن في البلاد. [21ٍ]
جدير بالذكر أن الانسحاب الجزئي لقوات الإمارات من اليمن ترافق حينها بجهود واضحة من الإمارات لتخفيف التوترات مع إيران، خاصة بعد الهجمات الأولى على الناقلات في مايو للعام 2019، وإسقاط إيران لطائرة أمريكية بدون طيار في يونيو 2019. كانت الإمارات تخشى ألا تحميها الولايات المتحدة في حالة نشوب صراع لأنَّه أتضح حينها أن إدارة ترامب، كانت تتخلى عن المواجهة العسكرية مع إيران. غالبا ما يتمسّك السياسيون الإماراتيون بوقف التصعيد وإيجاد حلول سياسية للنزاعات في المنطقة [22]. هناك مساحات واسعة من التعامل والتعاون بين الإمارات وإيران، حيث بلغ حجم التبادل التجاري الفعلي للعام (2021) بين طهران وأبوظبي حوالي (2 مليار و243 مليون دولار) [ٍ23] . إن عملية بناء العلاقات مع إيران بطيئة، لكن لن يكون مفاجئًا أن نرى محمد بن زايد يدفعها إلى الأمام. [24]
إن أبوظبي مهتمة جدًا بالحضور على الطرق البحرية من خليج عدن إلى البحر الأحمر، لقد تواجدت في العديد من الجزر اليمنية منذ العام (2015) وأنشأت قواعد في عصب في إريتريا وبربرة في أرض الصومال، حيث أرسلت قوة إلى الصومال أولاً لمكافحة القرصنة ثم لمحاربة المتطرفين. مضت الإمارات في إنشاء موانئ تجارية أو قواعد بحرية حول خليج عدن. وبذلك أقامت إمبراطورية بحرية صغيرة بين خليج عمان والبحر الأحمر، وأثبتت نفسها كقوة إقليمية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. [25ٍ]
ب) إسرائيل وفلسطين
كان محمد بن زايد "المهندس الرئيسي" لاتفاقيات أبراهام 2020، لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. لقد أطلقت اتفاقيات أبراهام اتفاقيات تجارية وسياحية ورحلات جوية بين الدولتين. كثير ما قال الشيخ محمد للمسؤولين الأمريكيين إنه يعتبر إسرائيل حليفة ضد إيران والإخوان المسلمين، وأدرك بن زايد أن العلاقة مع إسرائيل تعزز المصالح الإماراتية، حيث وثقته إسرائيل بما يكفي لبيعه ترقيات لمقاتلاته من طراز F-16، بالإضافة إلى برامج التجسس المتقدمة للهواتف المحمولة، ومن المتوقع أن تتعزز العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، خاصة بسبب شكوكهما المشتركة تجاه إيران. [26]
بينما عالج التطبيع مع إسرائيل المصالح الإماراتية الجوهرية، ورغماً عن التعاطف المحلي القوي مع القضية الوطنية الفلسطينية، إلا أنه في الأوقات التي تتعارض فيها المصالح الإسرائيلية والفلسطينية، على سبيل المثال في موجة العنف الأخيرة وقتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، سيحتاج محمد بن زايد إلى موازنة علاقات الإمارات مع إسرائيل ودعم حقوق الفلسطينيين، وستلعب الأعمال الإسرائيلية على الأرض دورًا في تحديد قدرته على الحفاظ على هذا التوازن. [27]
الكلمات المفتاحية: