قوات يمنية في مأرب (فرنس برس)
11-06-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | وضاح العوبلي
قبل أيام، أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي "رشاد العليمي" تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية المكوّنة من 59 عضواً، بقيادة اللواء الركن "هيثم قاسم طاهر"[1]. شملت ديباجة القرار الرئاسي مصطلحات منفتحة على الخيارات المتناسبة مع الوضع الراهن على المدى القريب. من شأن ذلك أن يهيئ نحو مسارات ممكنة لمُضي أعضاء اللجنة العسكرية والأمنية في محاور نقاشاتهم تحت سقف واحد وفوق أرضية مشتركة يتفق حولها الجميع، وكذا تتمحور حول أهمية إيجاد صيغة توافقية تضمن توحيد العمل العسكري لكل القوى والأطراف الموجودة على الساحة. وبالمقابل، لا تهمل الضمانات المستقبلية المطلوبة لكل طرف منها، وهي المسارات التي يمكن فهمها وتفنيدها من روح ما ورد في القرار الرئاسي وديباجته كصيغة متكاملة أوضحت الخطوط العريضة لبرنامج عمل اللجنة العسكرية والأمنية.
ومع مرور الأيام الأولى التي أعقبت إعلان قرار تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية، من المتوقع مشاهدة اجتماعات تدشينية لفريق رئاسة اللجنة، وربما تحضيرات أولية مهمة وضرورية لضبط بوصلة اتجاه عمل اللجنة العسكرية والأمنية خلال المرحلة المقبلة.
استعراض وتفنيد الواقع
ربما لا يتسع المقال لذكر وإحصاء الاختلالات والسلبيات التي تعاني منها كل قوة عسكرية أو أمنية من بين كل القوى المتناقضة التي يمثلها المجلس الرئاسي، وهي في مجملها قوى تخلّقت في ظروف استثنائية نتيجة لظروف الحرب والتطلعات لكل طرف.
وهذه ليست حالة فريدة، وإنما هي حالة متكررة في دول العالم الثالث الذي تتداعى فيه هياكلها الهشة نحو الانهيار، ثم يتم فيه إعادة التشكُل مجدداً بين كل حقبة زمنية وأّخرى تمثل في مجملها فترات متعاقبة لأنظمة سياسية مؤقتة، لا تتجاوز الواحدة منها بضع عقود، وعادةً ما تنتهي إما بالانقلاب أو الغزو أو الانهيار لأي سبب داخلي أو خارجي. وبذلك يبدأ الصراع الذي تبرز فيه قوى، وتتراجع وتختفي أخرى، ليبدأ بذلك إعادة تشكيل البلد ونظامه السياسي ونظام الحكم فيه بصيغ أخرى تُبنى على المعطيات الجديدة والواقعية لموازين قوى الأطراف التي تتخلّق وتنبثق من بين ركام الحرب والصراع، وصولاً إلى التوقيت الذي نعيشه في المرحلة الحالية التي وصلت إليها أطراف الصراع في اليمن.
وبما أن الظروف هي من صنعت تلك القوى وما يقف خلفها من تشكيلات مسلّحة، فإن أي مرحلة مخاض تمر بها البلاد، تتطلب ضرورة تصحيح وضع كل قوة مسلحة من القوى المتعددة والمتناقضة، وبما لا يخل بالمستقبل التي تنشده تلك القوى وناضلت من أجله، وبما لا يؤدي أيضاً إلى فض شراكاتها ونسف توافقاتها.
تصحيح وضع الجيش
مما لا شك فيه أن هناك حاجة ملحّة لإصلاح وضع الجيش/الجيوش بصيغتها الحالية، لخلق قوة فعلية وشبه نظامية لكل طرف من الأطراف المشار إليها، وهذا يتطلب من اللجنة العسكرية ضرورة تشكيل لجان فرعية وتكليفها بإجراء عملية مسح شامل لكل قوة خلال فترة محددة، على أن تخرج هذه اللجان بقاعدة بيانات من الميدان يتم الاعتماد عليها، لتقديم التوصيات والمقررات المُلزمة لكل طرف، وبما يحقق الهدف المتمثل بإيجاد قوى فعلية وإن كانت متعددة إلا أنها موجودة بقوامها الفعلي على الأرض.
وفي هذا السياق، نعتقد أن هناك الكثير مما يستوجب إصلاحه، فهناك عشرات الألوية والوحدات تتبع بعض الأطراف لا توجد لها قوة فعلية على الأرض، ويمكن دمجها وإعادة تشكيلها لتصبح لوائين إلى ثلاثة ألوية فعلية. على سبيل المثال، يتواجد في محور تعز عدداً من الألوية والذي يزيد عددها عن عدد المديريات المحرّرة، وبعض هذه الألوية عبارة عن مجاميع مسلحة تحت مسميات مختلفة، وتعمل خارج إطار الدولة[2]. إذ يُفترض أن هذه المناطق والمحاور لها مسارح عمليات تصل إلى عشر محافظات وفق التوزيع العملياتي للمناطق العسكرية على خارطة المسرح اليمني ككل.
علاوة على ذلك، هناك حاجة لإصلاحات جريئة في ملف إلغاء وإسقاط الترقيات التي مُنحت خارج إطار القانون وبالمحسوبيات خلال الفترة الماضية، إذ تشير الإحصائيات التقديرية[3]، إلى أن السلطة الشرعية السابقة قد وقعت على كشوفات في فترات متعاقبة من سنوات حكمها، تتضمن ترقية حوالي (22600) اسم إلى رتبة ضابط في مؤسستي الجيش والأمن، وهذه الإحصائية تفوق بعشرات الأضعاف العدد الذي كان يمكن للكليات العسكرية والأمنية أن تضيفه على قوام دوائر الضباط في الدفاع والداخلية خلال نفس الفترة. من الممكن القول، أن هذا العبث يتطلب إجراء مراجعات دقيقة ومنصفة لإلغاء تلك الكشوفات بالمُجمل، لأن اعتمادها أو اعتماد جزء منها، سيتطلب من اللجنة العسكرية والمجلس الرئاسي ضرورة منح الترقيات والرتب بذات القدر لبقية القوى التابعة لكل طرف منها "العمالقة الجنوبية، المجلس الانتقالي الجنوبي، حراس الجمهورية" وهذا غير وارد بالمطلق، لأنه سيخل ويضرب المعايير التي يُعتمد عليها في تشكيل أي جيش، وسيمثل سابقة لا مثيل لها في العالم.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أيضاً ضرورات أخرى تصل حد اتخاذ قرار يقضي بتنزيل رتبة عسكرية على جميع الضباط الفعليين والأساسيين في مؤسستي الجيش والأمن، وبما يحل إشكالية التضخّم الكبير في الرتب العسكرية الذي كان الجيش يعاني منها قبل 2014. لذا، يتعين على اللجنة العسكرية اتخاذ قرارات تعيد للرتبة العسكرية ولو جزء من قيمتها.
تقويم الهيكل القيادي
أصبح ملف التعيينات القيادية هو الآخر يمثّل معضلة من معضلات المرحلة، ويتطلب تفكيكاً مرناً ومتزامناً، وأعتقد أن كل الأطراف تدرك أنها ارتكبت مخالفات وتجاوزات جمّة في هذا الجانب، وزاد من مضاعفاتها تلك القرارات التي كانت تصدر من قيادة الشرعية على مدى الأعوام الماضية، وقضت في معظمها بتعيينات لأشخاص مدنيين ورجال قبليين من خارج السلك العسكري والأمني، ودفعت بهم لتربّع مناصب عسكرية عليا في بلد يعاني جيشه في الأساس من تضخّم هائل في نسبة الضباط مقارنة بعدد أفراد الجيش.
ربما تدرك اللجنة العسكرية أهمية وضرورة إيجاد توليفة لحلول وتوصيات لازمة لتفكيك عقدة هذا الملف، لأن أي إصلاحات حقيقية تتطلب بالضرورة وبالأولوية تشكيل تسلسل قيادي هرمي مبني على أساس مهني، يبرز في واجهته ضباط أكفاء وعلى مستوىً عالٍ من التأهيل والاحتراف القيادي. وهذا التسلسل القيادي-إن وجد- هو وحده الكفيل بربط وتكامل الأداء، لأنه سيتشكّل من ضباط على قدر مقبول من التشبع بالوعي القيادي والعسكري، وبما يحقق تشكيل منظومة قيادية منضبطة ومتمكنة تضمن تيسير الإجراءات العسكرية، وتستوعب أولويات المرحلة، وتؤسّس لنظام عسكري فعلي محتكم للقانون واللوائح وعلى مبدأ الثواب والعقاب في كافة الألوية والوحدات. لذا، نعتقد أن هذه الخطوة هي الأهم للخروج من حالة الفراغ القيادي، لتقليل الخسائر، وادخار وتوفير الجهود وإدارة الإمكانيات في مساراتها العسكرية الصحيحة، بدلاً من استنزافها في أمور ثانوية.
إيجاد عقيدة قتالية مشتركة
إذا توصلت اللجنة العسكرية إلى إقرار الترتيبات المتدرجة والتصاعدية المشار إليها أعلاه، فإنها لن تجد أي صعوبة في خلق عقيدة عسكرية مشتركة ومنسجمة وقائمة على تصويب سهم البوصلة باتجاه التهديد المشترك الذي يمثل خطراً شاملاً ومتعدد الأبعاد على جميع الأطراف، كالتهديدات التي تمس تغيير هوية المجتمعات الدينية والقومية كما تفعل جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن العمل على تجانس المصطلحات العسكرية فيما بين القوى الصديقة بكافة تشكيلاتها. وعلى غرار هذه المصطلحات الشائعة في الأنشطة العسكرية اليومية، هناك حاجة ملحة لموائمة الرموز والشيفرات والأوامر وصياغة البرقيات وتوحيد نظام المناداة وتعميمه على شُعب الاتصالات وشُعب السيطرة القتالية لجميع القوى والمحاور العسكرية، مع أهمية اتخاذ الإجراءات الضرورية لسد الثغرات وتحصين القنوات التي يمكن أن تؤدي دور النوافذ الاستخباراتية لصالح العدو.
سد الباب أمام تشكيل قوى إضافية
في الوقت الذي تنتظر فيه القوى اليمنية من اللجنة العسكرية البدء بمهامها، تتفاجئ بوجود تحركات لتشكيل قوات بمسميات جديدة في بعض محافظات الجنوب، على سبيل المثال، تم تشكيل قوات "اليمن السعيد" وفتح معسكرات تجنيد لمنتسبيها بإشراف مباشر من رئيس هيئة الأركان العامة بوزارة الدفاع الفريق الركن "صغير بن عزيز" بدعم وتمويل من السعودية[4]. في هذا الإطار، يرى مراقبون، أن هذه القوات ربما جاءت لخلط الأوراق، وربما تدفع ببعض القوى ومنها الانتقالي الجنوبي إلى دائرة التحسس والتوجّس من مغبة خطر الدعوة لتشكيل هذه القوات التي قد يعتبرها خطراً يهدد التوازن العسكري في عمق مناطق سيطرته في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع، ناهيك عن أن التوقيت الذي يتم فيه تشكيل هذه القوات غير مناسب، خصوصاً أن طريقة تشكيلها محاطة بالغموض وبدون مبررات أو تفسيرات واضحة.
هذا الغموض على الأرجح، سيعكس حالة من الارتياب والتشكيك وردود الأفعال المتباينة، والتي قد تؤسس لغضب شعبي مدفوع بعدة تساؤلات، أهمها الجدوى من تشكيل قوات إضافية وبهذه الأعداد فيما لم تتمكن الحكومة اليمنية والتحالف العربي من الوفاء بدفع رواتب منتظمة أو حتى شبه منتظمة لمنتسبي وحدات الجيش والمقاومة، وهو تساؤل مشروع ويتطلب ضرورة الحصول على إجابات واضحة من الجهات العليا في التحالف والشرعية.
تشكيل فريق إدارة المعركة
كمراقبين، لا نرى أن هناك حاجة لتشكيل قوات إضافية بقدر الحاجة لإصلاح وفلترة وترتيب القوات الحالية على الأسس والضوابط المذكورة آنفاً في هذه الورقة. ونرى أن الأولوية الآن تستوجب سرعة التحرك الجاد لتنظيم وتشكيل فريق إدارة وقيادة المعركة وحشد الإمكانيات اللازمة، لرفع حالة الجاهزية في جميع الجبهات، خاصة وأن الخلل كان طوال الأعوام الماضية في هذه الجزئية الرئيسية. تم تشخيص ذلك واستنتاجه من واقع اطلاعنا على حيثيات وتحليل ودراسة عدد من المعارك والعمليات العسكرية في أكثر من جبهة، بمشاركة فريق متكامل من الخبراء والمستشارين العسكريين الذين توصلنا معهم إلى هذه النتيجة التي يمكن تلخيصها بأن كل تلك النكسات والتراجع وحالة الفشل، هي في الأساس انعكاساً مصيرياً لحالة القصور القيادي على رأس المعركة، وما شابها من تدخلات وفرض لأجندة بعض القوى المعادية للتحالف والساعية لإفشاله واستنزافه.
[3] إحصاءات تقديرية، حصل عليها المحلل العسكري من مصادر عسكرية ميدانية.