الصورة مركبة (تويتر)
21-06-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | إبراهيم علي
يوم الأربعاء الماضي شهدت مدينة عدن (جنوب اليمن) ثاني عملية استهداف لأحد المنتمين إلى الوسط الصحفي، بعد أشهر من العملية التي استهدفت الصحفي محمود العتمي مع زوجته وطفله بالطريقة ذاتها.
بين عمليتي محمود العتمي وصابر الحيدري، استهدفت عملية ثالثة قائد محور العند وقائد اللواء 131 مشاة اللواء الركن ثابت مثنى جواس في مدينة الخضراء بين لحج وعدن، وأدت إلى وفاته.
يقول أسلوب عمليات استهداف الصحفيين الحيدري والعتمي، والقائد العسكري جواس، إن جهة واحدة تقف وراء هذه العمليات، لكن من تكون هذه الجهة؟.
من المهم ملاحظة أن تنفيذ العمليات تم بعبوات ناسفة أو لاصقة، ولم تعلن أية جهة مسئوليتها عنها حتى اليوم. ربما تكون هاتان النقطتان أهم قاسم مشترك بين العمليات الثلاث، ودليلا يقود إلى تحديد أو توقع الجهة المتورطة.
تنظيم القاعدة
بما أن تنظيم القاعدة كان أكثر الجهات النشطة عملياتيا في عدن خلال السنوات الماضية، يمكن استدعاؤه كمتورط محتمل، وإن كان احتمال تورطه في هذه العمليات ضعيفا، لأسباب عديدة، منها:
بعيدا عن القائد العسكري جواس، من المستبعد أن يكون الصحفيان المذكوران من أهداف القاعدة، ولم يسبق للقاعدة أن نفذت عمليات من هذا النوع ضد صحفيين يمنيين.
إلى جانب ذلك، تعلن القاعدة مسئوليتها عن العمليات التي تنفذها، من خلال بيانات سريعة تالية لها، أو ضمن إصدارات عامة في وقت لاحق. على الرغم من أنّ لديه سجل حافل بمثلها أو بما هو أبشع منها ضد جهات أخرى.
من المهم الإشارة هنا إلى أنه سبق لتنظيم القاعدة وأن قتل الصحفي الأمريكي المختطف لديه "لوك سومر"[1] أثناء ما كانت قوات بلاده تحاول إنقاذه عبر عملية إنزال جوي في محافظة شبوة جنوب اليمن في ديسمبر 2014. أصدر التنظيم حينها بيانا تحدث فيه عن تفاصيل العملية.
إضافة إلى ذلك، اختطف التنظيم الصحافي اليمني محمد قائد المقري[2] في أكتوبر 2015، أثناء مشاركة الأخير في تظاهرة تطالب بخروج المسلحين من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، ولازال مختطفا حتى اليوم.
تنظيم الدولة (داعش)
مع أن دائرة المستهدفين بعمليات تنظيم الدولة (داعش) أوسع، مقارنة بالقاعدة، إلا أن نشاطه في مدينة عدن توقف منذ العام 2020. قبل ذلك، كان التنظيم قد نفذ عدة عمليات داخل المدينة ضد منتسبين إلى جهات أمنية وعسكرية، وآخرين لديهم أفكار دينية جريئة.
يعود توقف نشاط تنظيم الدولة داخل مدينة عدن إلى انتهاء وجوده في اليمن بشكل عام ابتداء من العام 2021. في الواقع، لم يكن التنظيم سوى مجموعة صغيرة استُنزف معظم أفرادها خلال مواجهات مع القاعدة في محافظة البيضاء، وسط اليمن، بين العامين 20172020، بينما تم تصفية البقية بهجوم حوثي على مديرية ولد ربيع في المحافظة ذاتها.
وعلى افتراض وجوده أو وجود خلايا صغيرة تابعة له، من المستبعد جدا أن ينفذ عمليات دون أن يعلن مسئوليته عنها. كان التنظيم، وبسبب تواضع قوته ونفوذه يمنيا، في غاية الحرص على إثبات وجوده من خلال تنفيذ عمليات وإعلان مسؤوليته عنها.
ماركة حوثية
خلال السنوات الماضية، مارست جماعة الحوثي العديد من الانتهاكات بحق مئات الصحافيين اليمنيين. تنوعت انتهاكات الجماعة بين القتل، والحبس، والتعذيب، والملاحقة، ومصادرة الممتلكات، وإصدار الأحكام القاسية.
حاليا، يوجد عدد من الصحافيين اليمنيين في سجون الجماعة، بينهم أربعة صدرت بحقهم أحكام إعدام، بتهمة التخابر مع جهات خارجية. أما خارج مناطق سيطرتها، فتمارس جماعة الحوثي سياسة الضغط والتهديد ضد الصحافيين المناوئين.
يؤكد أحد الصحافيين الموجودين خارج اليمن لـ "سوث24" أن الجماعة هددته بأذية أقاربه، من خلال رسائل مجهولة المصدر، ما دفعه إلى التوقف عن الكتابة حولها، على حد قوله. ويضيف: فقدت حرية كتابة رأيي كما لو أني أعيش داخل مناطق سيطرة الجماعة.
غير أن هذه السياسة تطورت ـ على ما يبدو ـ إلى عمليات تصفية حيث تصل يد الجماعة في المناطق اليمنية غير الخاضعة لسيطرتها. قبل عملية استهداف الصحفي محمود العتمي، كانت الجماعة قد لاحقته وهددته وحاولت الضغط عليه من خلال أقاربه، بحسب تقارير عديدة. أما الصحافي الحيدري فقد غادر صنعاء في العام 2017، بعد مضايقة جماعة الحوثي له.
اتهامات رسمية
وزارة الداخلية اليمنية وجَّهت أصابع الاتهام لجماعة الحوثي في حادثتي الصحافيين العتمي والحيدري. في تعليقها[3] على حادثة اغتيال الحيدري، كررت [4]الوزارة ما قالته عقب استهداف العتمي: "بصمات الجريمة الإرهابية ذات طابع حوثي في تصفية الخصوم والصحفيين". في السياق ذاته، اتهمت وزارة الإعلام جماعة الحوثي بالوقوف وراء عملية استهداف الحيدري. أكد وزير الإعلام اليمن، معمر الإرياني، أن جماعة الحوثي متورطة في قتل صابر الحيدري.
على رغم أن التحقيق في عملية اغتيال الحيدري مازال جاريا، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع في الأوساط الرسمية اليمنية وغيرها على وقوف جماعة الحوثي وراء العملية.
اغتيال جواس
لا يمكن الحديث عن حادثتي استهداف الصحافيين العتمي والحيدري في مدينة عدن دون استدعاء حادثة اللواء الركن ثابت مثنى جواس. إلى جانب أن العمليات الثلاث تتشابه شكلا ومضمونا، يعطي ابتهاج الحوثيين بعملية جواس ما يشبه التأكيد على أن جماعتهم تقف وراءها، فبعد ساعات من العملية، نشر رئيس لجنة شؤون الأسرى الحوثية، القيادي عبدالقادر المرتضى، صورة جواس عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر" وعلق عليه بآية قرآنية "إِنا مِنَ الْـمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُون"، وهو ما اعتبره محللون اعترافاً ضمنياً بتنفيذ حادثة الاغتيال. من المهم الإشارة إلى أن ما كتبه المرتضى كان واحدا من عشرات التعليقات التي صدرت عن قيادات حوثية وتصب في سياق التشفي ذاته.
ما يعزز فرضية وقوف جماعة الحوثي وراء عملية اغتيال جواس، هو أن تنظيم القاعدة لم يعلن مسئوليته عنها، كجهة تُوجه لها أصابع الاتهام بعد كل عملية استهداف لقائد عسكري أو أمني، رغم مرور أشهر على العملية.
على أنَّ اغتيال اللواء جواس قد لا يكون بأدوات حوثية مباشرة أو غير مباشرة، فهناك تخادم بين الجماعة وبين أكثر من جهة، كالإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة الذي كشفت أحداث محافظة البيضاء عن علاقة وطيدة بينه وبين الجماعة، وفق منشق عن التنظيم تحدث إلى "سوث24" في وقت سابق. يمكن القول إنّ هذه هي الحالة الوحيدة التي لن يتبنى فيها التنظيم عملية نفذها هو، إن كان قد نفذها، لكن تبقى الجماعة الحوثية هي المخطط الرئيس لها، بدافع الانتقام من جواس.
على الرغم من أنّ خلية تم القبض عليها، مطلع يونيو، من قبل وحدات مكافحة الإرهاب في عدن أقرت بتنفيذها العملية دون مزيد من التفاصيل
أخطر من العمليات
قد يكون الأخطر من استهداف الصحافيين والقادة العسكريين في مدينة عدن، هو الإخفاق الأمني والاستخباراتي في منع وقوع مثل هذه العمليات، وأيضا الفشل في الوصول إلى المتورطين الرئيسيين. وفي حال بقي هذا الإخفاق ستستمر العمليات، وقد تتحول "العاصمة المؤقتة" إلى بقعة غير آمنة.
لا يبدو أن هناك جهة غير جماعة الحوثي مستفيدة من تكريس هذه الصورة عن عدن، ومن غير المستبعد أن يكون هذا هو الهدف الرئيسي من وراء تصفية صحفيين مناوئين داخل هذه المدينة تحديدا، رغم أنهم لا يمثلون رقما مهما في الصراع.
من غير المستبعد أيضا أن تتصاعد وتيرة عمليات الاستهداف هذه خلال الفترة المقبلة، لأن جماعة الحوثي المقيَّدة شكليا بالهدنة الأممية، ستلجأ إلى هذا النوع من العمليات الأمنية لتعوض توقف عمليات الطائرة المسيرة والصواريخ الباليستية في سياق معركتها العسكرية.
إبراهيم علي*
قبل 3 أشهر