التحليلات

هل عاد تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى اليمن؟

صورة أرشيفية لأحد معسكرات داعش في البيضاء، شمال اليمن (النبأ)

28-07-2022 الساعة 7 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي*


أثارت حادثتان أمنيتان في محافظتي البيضاء وحضرموت، الأسبوع قبل الماضي، تساؤلات كثيرة عن حقيقة عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى اليمن، بعدما كان نجمه قد أفل أواخر العام 2020 نتيجة لسلسلة من الأخطاء والأخطار التي رافقت مسيرته منذ ظهوره في هذا البلد عام 2014.


فبعد توقف استمر قرابة عامين، أعلن التنظيم، وبصورة مفاجئة، عن تنفيذ عملية انتحارية ضد جماعة الحوثيين في منطقة عفار بمحافظة البيضاء وسط اليمن، وفق ما أكدته مجلة "النبأ" التابعة له. المجلة ذاتها وصفت الحديث عن تصفية "داعش" في اليمن قبل عامين بـ"المزاعم"، رغم إقرارها بأنّ هذا هو أول هجوم ينفذه التنظيم منذ توقفه عام 2020.


عودة داعش اليمن إلى صدارة أخبار وسائل الإعلام، لم يكن من خلال عملية البيضاء فقط، فبعد يومين من إعلانه تنفيذ العملية، قالت السلطات الأمنية بمحافظة حضرموت إنها تمكنت من إلقاء القبض على قادة بارزين تابعين لتنظيم داعش، من بينهم إدريس محسن المرفدي المكنى أبو محمد المدني، وصالح عاشور فجيج المكنى عبادة العدني قائد كتيبة المدفعية.


ظهور داعش


يعود ظهور داعش في اليمن إلى شهر أكتوبر من العام 2014، حين أعلن مجموعة من المنشقين عن "القاعدة" مبايعتهم لزعيم داعش في العراق أبو بكر البغدادي الذي قتل خلال عملية إنزال أمريكية في منطقة باريشا بسوريا عام 2019.


بسبب تواضع إمكاناته، أراد فرع داعش في اليمن أن يثبت حضوره من خلال عمليات دموية في مساجد تابعة لجماعة الحوثي بصنعاء، لكنَّ هذه البداية كانت بمثابة خطوة أولى في طريق النهاية، فالانطباع الأولي الذي تشكل عنه حال دون قدرته على الاستقطاب في أوساط القبائل، كما تسبب في عودة عدد من أعضائه إلى تنظيم القاعدة، وفق مقاطع فيديو نشرها الأخير في حينها.


بالمقابل، شن داعش عملياته الإرهابية النوعية، لا سيما في العاصمة عدن، جنوب اليمن، التي أختارها دون غيرها مسرحا لعملياته، منذ تحريرها من الحوثيين أواخر يوليو/تموز 2015. أٌعلن عن تنفيذ 33 عملية اغتيال وأربع هجمات بسيارات مفخخة، خلفت 34 قتيلا و43 مصابا، في شهر يناير من العام 2016، وفي مدينة عدن لوحدها. وفق تقرير نشره موقع الجزيرة نت في 2016، تبنى داعش كافة العمليات الأخيرة التي استخدمت فيها السيارات المفخخة أو نفذها انتحاريون، واستهدفت مسئولين عسكريين ومسئولين في السلطة المحلية بمدينة عدن.


وفي وقت لاحق من عام 2019، تبنى تنظيم الدولية أيضا عملية دموية استهدفت قوات من الحزام الأمني تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، أثناء الخلاف الذي تفجّر بين المجلس والحكومة اليمنية المتهمة بصلاتها بالإسلاميين، في أغسطس 2019.


حاول الفرع اليمني نقل تجربة المركز في العراق بحذافيرها إلى اليمن دون مراعاة للفوارق والاختلافات بين البلدين، فبقي منبوذا ولم يستفد حتى من وضع ما بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء للاستقطاب في أوساط المحسوبين على "السُنّة" كما فعلت القاعدة.


إلى جانب ذلك، تطور خلاف داعش اليمن مع فرع القاعدة إلى صدام مسلح ابتداء من العام 2017، حيث شهدت محافظة البيضاء مواجهات عنيفة وعمليات استهداف متبادلة بشكل شبه يومي. وبالنسبة إلى تنظيم تشكّل حديثا بإمكانات مادية وبشرية متواضعة، تعتبر الخسائر العادية خلال المواجهات خسائر غير عادية. وبخلاف تنظيم القاعدة، لم يكن لدى داعش نفوذ في أية محافظة يمنية، بعدما جمع كل أعضائه إلى محافظة البيضاء إثر إعلان التحالف عن بدء عملية أمنية وعسكرية لتطبيع الأوضاع في عدن عام 2016. رغم ذلك، ظل نفوذ التنظيم بمحافظة البيضاء محدودا ومقتصرا على مناطق في مديرية ولد ربيع التي كان تنظيم القاعدة يسيطر على أجزاء منها أيضا.


كان تواجده في محيط جغرافي صغير بمعية ألد خصومه يعني استمرار الاستنزاف حتى النهاية، ولا شيء آخر غير ذلك. على الجانب الآخر، لم يشن الحوثيون أي هجوم على الطرفين في المحافظة الخاضعة لسيطرتهم خلال تلك الفترة، على اعتبار أن القتال الدائر بينهما بما يؤول إليه من استنزاف، سيصب في مصلحتهم. بعد ثلاثة أعوام من المواجهات، تفاهم الحوثيون مع القاعدة على الانسحاب من مناطق سيطرتها في المديرية، وفق مصادرنا الخاصة، وخاضوا معركة حاسمة مع داعش المنهك والمحاصر، وتمكنوا من حسمها لصالحهم بعد قتل كل أفراد التنظيم بمن فيهم أميره أبو الوليد العدني. 


غير أنَّ الأخطر من ذلك كان تعرض التنظيم لاختراق أمني على مستوى قاعدته الصلبة، وفق مصادر المؤلف الخاصة، التي أكدت أن اشتباكات دارت بين عناصر من التنظيم وأحد قادته الكبار في البيضاء، بعد شكهم فيه ورفضه التجاوب معهم، ليجدوا في هاتفه النقال عقب مقتله اتصالات من أرقام في بريطانيا ومراسلات مع جهات استخبارية دولية. المصادر أكدت أيضا أن الاختراق ظهر أيضا في أكثر من حادثة، دون أن تعطي تفاصيل أكثر حولها. وعليه، يمكن القول إن ما حدث للتنظيم قبل عامين كان نتيجة منطقية لسلسلة أحداث سابقة وليس لمعركة الحسم في مديرية "ولد ربيع".


حقيقة عودة داعش


نتيجة لكل الأحداث السابقة، مثّلت عودة داعش من خلال عملية "عفار" الأخيرة في البيضاء، ومن خلال الإنجاز الأمني في حضرموت، مفاجأة كبيرة، وأثارت تساؤلات كثيرة حول حقيقتها، وطبيعتها، وماذا تعنيه على المدى القريب والمتوسط؟ بلا شك، تعتبر عودة داعش مثيرة للاهتمام، كونها قد تتجاوز فكرة محاولة التنظيم إثبات وجوده من خلال عملية منفردة، إلى حقيقة أنه بات موجود فعلا وينفذ عمليات وينتقل من محافظة إلى أخرى.


بالنظر إلى طبيعة العملية، قد لا تبدو فردية بحتة، على اعتبار أن تنفيذ عملية انتحارية كهذه يتطلب تجهيزا من قبل مختصين للمتفجرات، ورصدا استطلاعيا سابقا للهدف، أما بالنظر إلى منطقتها (محافظة البيضاء) فقد لا يكون الحديث عن نهاية داعش قبل عامين دقيقا تماما.

رغم ذلك، يبقى السؤال عن طبيعة عودة داعش ومستقبل وجوده في اليمن قائما.


عملية يتيمة


في السياق، يعتقد جهادي سابق أن العملية الأخيرة لتنظيم الدولة في محافظة البيضاء قد لا تعكس عودة حقيقة للتنظيم، إن نظرنا إلى وضعه السابق. ويوضح الجهادي السابق، في تصريح خاص لـ "سوث24" أنه من السابق لأوانه الحديث عن عودة لتنظيم الدولة، لعدم وجود العنصر البشري، وعدم وجود العنصر المخطط، وأيضا عدم استدامة العمليات. ويرى بأنّ العملية الأخيرة ستبقى يتيمة ولا تشكِّل خطرا كبيرا، "وإن نفذ التنظيم عمليات أخرى فستكون على فترات متباعدة زمنيا"، على حد تعبيره.


وبشكل عام ـ يتحدث الجهادي السابق ـ سيحاول العودة، والاستفادة من تجربته السابقة، لكن تبقى عوامل وجود تنظيم القاعدة في اليمن أقوى من عوامل وجود تنظيم الدولة. وفيما يتعلق بالإنجاز الأمني في حضرموت، يرى الجهادي السابق أنه يصعب التعليق عليه ووضعه مع عملية البيضاء ضمن سياق واحد لربط الحدثين بفكرة عودة تنظيم الدولة إلى اليمن.


ونفت مصادر قبلية في البيضاء لـ "سوث24" علمها بوجود نشاط لتنظيم داعش في المحافظة، خصوصا في المناطق التي تواجد بها التنظيم من قبل. ونفى مصدر مقرّب من التنظيم علمه بجود خلايا لداعش في محافظة حضرموت. 


خلاصة


من خلال ما تقدم، يمكن القول إن عودة تنظيم الدولة إلى اليمن غير مستبعدة، غير أنَّ عملية محافظة البيضاء الأخيرة تبقى مجرد مؤشر على ذلك، أما الإنجاز الأمني في حضرموت، فمن الصعب البناء عليه دون الإحاطة بكافة تفاصيله. وبشكل عام، ستكشف الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، بما قد تشهده أو لا تشهده من تطورات في هذا الجانب، غموض هذه القضية.


*إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا