التقارير الخاصة

هل يحدث تغيير ديموغرافي في المهرة؟

مخيمات لنازحين شماليين بالغيضة في المهرة، 23 يونيو 2022 (سوث24)

13-08-2022 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24| عبد الله الشادلي


تنقلاً على المركبات وسيراً على الأقدام، داخل مدينة الغيضة بالمهرة، يصعب على الزائر إيجاد محل تجاري واحد يملكه أحد أبناء المحافظة. نسبة كبيرة من المحلات في المدينة، يملكها شماليون بعضهم فر من مناطق الحرب وآخرون يتواجدون منذ سنوات طويلة.


في المحلات والأسواق وحتَّى الصيدليات يمكن لزائر المهرة مشاهدة عمال وموظفين يتعاطون نبتة القات التي لم تكن مألوفة هنا في أقاصي جنوب اليمن وفقاً لأبناء المحافظة. يقول مسؤولون وخبراء هنا أن المحافظة تواجه مخاطر تغيير ديمغرافي وإخلال التركيبة السكانية؛ لكن آخرون يعتقدون أنَّ هذا الأمر مبالغ فيه.


ووفقاً لمصادر في سلطة المحافظة المحلية، تحدثت لـ "سوث24"، قُدّر عدد الأسر التي نزحت إلى المهرة حتى العام الماضي، بما يزيد عن 21 ألف أسرة، "جميعها من شمال اليمن". وطبقا للمصادر، توجد أرقام مضاعفة من الأسر النازحة منذ اندلاع الحرب، فضلا تلك التي قدمت للتجارة أو مع الجنود منذ ما قبل الحرب.



منازل لنازحين شماليين بالغيضة في المهرة، 23 يونيو 2022 (سوث24)


في هذا التقرير عقب زيارة ميدانية لـ "سوث24" إلى المهرة للاطلاع عن كثب، نرصد مشاهدات ومؤشرات على حدوث المشكلة، ونستطلع من مسؤولين وخبراء ومواطنين الآراء.


ما هو التغيير الديموغرافي؟ 


يُعرّف المهندس خليل عبودان، مسؤول الدراسات والتأهيل بمؤسسة المهرة للأعمال الإنسانية "الديموغرافيا" بأنَّها "وصف التركيبة السكانية لمنطقة ما، ودراسة خصائص السكان، مثل: الحجم والنمو والكثافة والتوزيع والتركيبة السكانية، إضافة إلى العوامل والنتائج الاجتماعية والاقتصادية المتصلة بالتغيرات السكانية مثل: التنمية، والتعليم، والمعيشة".


وأضاف لـ "سوث24": "في الظروف الاعتيادية لمنطقة مستقرة، تُعتبر الخصائص الديموغرافية ثابتة، حيث أنَّ نسبة الفارق - سواء كان بالزيادة أو النقصان - بين معدّل المواليد والوفيات هو مقدار يميل إلى الارتفاع بنسب ثابتة".


وتابع: "تحدث التغييرات الديموغرافية نتيجة لعدة عوامل منها، مثلاً: الهجرة نتيجة للتغيرات المناخية أو الاقتصادية، الكوارث الطبيعية، الصراعات الطائفية والعرقية. كما أنَّ التغيير السكاني [الاستيطان] الذي يُعرّف بأنَّه الحركة الموجهة للسكان، للانتقال من منطقة إلى أخرى؛ لإحداث تغيير مقصود ومحدد مسبقاً في التركيبة الديموغرافية لمنطقة أخرى، قد يكون مُخططاً".


بداية التغيير


يقول مراقبون ونشطاء من المهرة أنَّه "بفضل أمن واستقرار وتعايش المجتمع المهري، الذي يُعرف بجنوحه للسلم دائماً، وسيطرة القوات الشمالية على المحافظة، استغل النازحون والقادمين إلى المحافظة تسهيلات تلك القوى التي تسعى لتكوين مجتمعات خاصة بهم داخل المحافظة". 

وفي هذا الصدد، قال عبودان لـ «سوث24»: "في الربع الثاني من عام 2015، حدثت موجات نزوح كبيرة إلى المحافظة من المحافظات المتضررة من الحرب وعلى رأسها: عدن، تعز، لحج، الحديدة، أبين، صنعاء، عمران، مأرب".


وأضاف: "وصل عدد النازحين إلى نحو 1700 أسرة حسب تقارير إعلامية منشورة وقتها، ومع تدخل قوات التحالف العربي وتحقيق انتصارات للمقاومة الجنوبية غادر معظم النازحين الجنوبيين، بينما بقي الشماليون، بل واستمر تدفقهم بأعداد كبيرة، من: تعز وإب والحديدة وصنعاء".



محل لتاجر شمالي يعمل فيه شماليون بالغيضة بالمهرة (سوث24)


وأوضح الخبير أنَّ "هؤلاء النازحين كانوا يميلون إلى الإقامة في المهرة بشكل دائم؛ حتى مع تحرير أجزاء من محافظاتهم مثل تعز، وهدوء الاشتباكات في معظم الجبهات، واستقرار الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وجريان الحياة فيها بشكل طبيعي".


وأقرّ وكيل المحافظة للشؤون الفنية، المهندس سالم العبودي [تم تعيينه وزيراً للأشغال العامة في 28 يوليو الماضي بعد أسابيع من اللقاء مع موفد سوث24] في حديثه لـ«سوث24» بذلك. لكنَّ العبودي أرجع بقاء النازحين الشماليين بالمحافظة "إلى ما لمسوه من استقرار وتعايش المجتمع المهري". 


مخاوف التغيير الديمغرافي في المهرة ليست وليدة أزمة النازحين بالمحافظة خلال الأعوام الأخيرة فقط، بل يرتبط جزء كبير منها بالنفوذ الشمالي الواسع عسكريا واقتصاديا حتَّى. وفقاً لنشطاء مهريين، يشتري شماليون قادمون من مناطق الحوثي عقارات ومساحات كبيرة من الأرض بشكل مستمر. 


وحول ذلك، قال مسؤول الدراسات والتأهيل بمؤسسة المهرة، خليل عبودان: "لقد تضاعفت الاستثمارات من خارج المحافظة، وطالت قطاعات حساسة يتصدّرها قطاع العقار، فهو يُعد من أبرز المرتكزات الاستراتيجية في المستقبل".


وأضاف "يُلاحظ في الفترة الراهنة، أنَّ هناك عمليات شراء واسعة النطاق للعقارات والأراضي، يقوم بها قادمون من المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون وبأسعار باهظة جداً".


وتابع: "كما يُلاحظ أنّ مساحات واسعة منذ فترة النظام السابق تحصل عليها متنفذون من قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية تحت مسمى الحجوزات العسكرية، وتصرفوا فيها بصورة شخصية فيما بعد، علاوة على ذلك فإنَّ بعض المساحات البيضاء أو الأراضي المحجوزة للمصلحة العامة يتم البسط عليها ومن ثم بيعها لمنفعة شخصية".


وفي هذا الصدد، قال المسؤول الحكومي العبودي: "بعض من قدموا إلى المهرة للاستثمار، اشتروا مساحات كبيرة من القبائل، مع ضُعف هيبة الدولة، وعملوا على استقطاعها وبيعها بأسعار مناسبة تتراوح بين 6 إلى 10 آلاف ريال سعودي أو ما يُعادلها بالريال اليمني، للهرب من أسعار الإيجارات الباهظة في المهرة".


وأضاف: "بحسب الكشوفات التي وردتنا، فإنّ أغلب من اشترى تلك الأراضي كانوا من أبناء المحافظات الشمالية العاملين في القطاع التربوي والتعليم العالي والسلك العسكري. السلطة المحلية اتخذت مؤخرا بعض الإجراءات، لمن يريد الحصول على سكن".


وأشار العبودي إلى أنَّه "لا بُد أن يكون هناك تدقيق وضوابط معينة؛ بحيث تكون السلطة على دراية بمن يأتي ويغادر". ومع ذلك، أقر المسؤول بـ "عدم دراية السلطة المحلية بالقادمين والخارجين من منافذ المحافظة". وقال: "عندنا حسن ظن بجميع من يأتي إلى المحافظة، والجهات الأمنية قائمة بدورها".


"نحن لا نتكلم عن إمكانية، بل عن تغيير ديموغرافي بكل ما تعنيه الكلمة"، قال الناشط السياسي عبد الله باجبع لـ "سوث24". وأضاف: "لقد أصبحت المهرة قاب قوسين أو أدنى من أن تُصبح محافظة شعبها من الشمال. هذا الأمر بالغ الخطورة".



محل لتاجر شمالي في الغيضة بالمهرة يبيع الخناجر و"الجنابي" التقليدية والذخائر (سوث24)


واعتبر الناشط المهري أنَّ "هجرة سكان المهرة الأصليين وعدم بقائهم في أرضهم، ساعد أكثر على ذلك". وتابع: "سيطرة الشماليين على مفاصل المحافظة لا سيّما في الجانب العسكري، أدت الى هجرة الكثيرين من السكان الأصليين إمّا للعمل أو الاستقرار في دول مجاورة".


وأشار باجبع إلى أنّ "توافد الشماليين إلى المهرة، بدأ بعد قيام "الوحدة اليمنية". وأضاف: "ذلك لم يكن لسبب طلب الرزق فقط، بل من أجل أن تتم السيطرة عليها، واعتبارها محافظة شمالية، وفقاً لنظريتهم التي تقول (عودة الفرع الى الأصل)".


وحذَّر باجبع من الآثار والتبعات السياسية لهذا التغيير المجتمعي المستمر "سكان المهرة أصبحوا قلة مقارنه بالسكان القادمين من الشمال، وإذا تم تجاهل ذلك أكثر؛ فقد نجد المحافظة في المستقبل ترفض فك الارتباط إذا أجري استفتاء".


اختلال التركيبة السكانية


وحول اختلال التركيبة السكانية بالمهرة، قال المهندس عبودان "يُلاحظ أن هناك ارتفاعاً في نسبة المواليد المسجلين في المستشفيات الرسمية في المدن الرئيسية في المهرة لأسر من خارج المحافظة، حيث تصل النسبة إلى مولود واحد من أبناء المحافظة، مقابل أربعة مواليد من خارجها".


واعتبر عبودان أن "ذلك مؤشر كفيل لإعطاء صورة عن مدى الأثر المتمثل في اختلال التركيبة السكانية خلال السنوات القادمة".


وأضاف: "عند ملاحظة قوائم التسجيل وأعداد الخريجين السنوي، في مرافق التعليم بكافة مستوياته الثلاثة (عام – فني – جامعي)؛ يتبين أنّ النسبة الأكبر تميل لصالح الوافدين من المحافظات الشمالية".


لكنَّ وكيل أول محافظة المهرة، مختار بن عويض الجعفري يرى أنَّ الحديث عن تغيير ديمغرافي في المهرة أمر مبالغ فيه. وقال الجعفري لـ "سوث24": ""هؤلاء يمنيون مثل أبناء المهرة، قد يشكلون مخاطر وقد لا يشكلون، والشخص الذي يريد أن يعيش بأمن وسلام أهلا به، وسنتعامل بحزم مع المخالفين".


ولم ينكر وكيل أول المحافظة حقيقة أنَّه "لأي نزوح تأثيرات سلبية على الصعيدين الداخلي والخارجي"، لكنَّه يعتقد أنَّه "من المعيب عدم القبول بالآخرين". وأضاف: "هويتنا وخصوصيتنا ستظل وسنحافظ عليها، ولن تختل التركيبة الاجتماعية في المهرة". 


وزعمت مصادر قانونية لـ«سوث24» أنّ "بعض النافذين الشماليين، صُرفت لهم جوزات سفر صادرة من المهرة وبطائق شخصية، عن طريق الرشوة". واعتبرت المصادر أنّ "صرف أكثر من وثيقة إثبات شخصية فيها مخالفة للمادة رقم (56) لقانون الأحوال المدنية والسجل المدني اليمني لسنة 1991".


لكنّ وكيل أول المهرة نفى لـ«سوث24» هذه المزاعم. وقال: "عندما بلغنا أنّ البعض يسعى لذلك، قمنا بتشديد الإجراءات. لم يُمنح أي شخص هوية أو بطاقة على أنه من المهرة وهو ليس منها، كما لم تُصرف أي بطائق مزورة، وجميع من يشغل هذه المناصب من أبناء المحافظة".


الآثار على المهرة


يعتقد مسؤول الدراسات والتأهيل بمؤسسة المهرة للأعمال الإنسانية المهندس خليل عبودان أنَّ الآثار السياسية للتغيير الديمغرافي في المهرة ستظهر بعد انتهاء الحرب".


وأضاف: "فترة ما بعد الحرب، ستفرز شكلاً مغايراً للإطار السياسي للدولة القادمة، كما أنّ التسوية السياسية للحرب والاستحقاقات المستقبلية المترتبة عليها، ستكون مرتبطة كل الارتباط بمدى صلابة المرتكزات الديموغرافية التي تستند إليها المحافظة".


وتابع: "بالإضافة لذلك، هذا التوافد الممنهج شكل ضغطاً كبيراً على الخدمات في محافظة المهرة، وتدني مستواها؛ كما أنَّه لم تُخلق أجواء ملائمة لعودة واستقرار الكثير من المهاجرين من أبناء المهرة في الخارج".


ولفت عبودان إلى أنَّ "هاجس الهجرة لا يزال خياراً واعداً بالنسبة للشباب والكوادر المؤهلة من أبناء المحافظة". وأضاف "هذا الأمر، سيساهم في توسّع هوة اختلال التركيب السكاني لصالح غير أبناء المحافظة".


أما بالنسبة للآثار الاجتماعية والثقافية والدينية، قال الخبير: "لقد اكتسب بعض أبناء المهرة سلوكيات دخيلة مثل: مضغ نبتة القات، كما تفشت ظاهرة الغش على نطاق واسع بين الطلاب. كل هذا تفاقم في السنوات العشر الأخيرة".


وأضاف: "على الصعيد الديني لقد تمّ استقدام جماعات سلفية من خارج المهرة. شهد العام 2018، توافداً جماعياً لمجموعات من خارج المحافظة إلى بعض مديرياتها، مدعومة بتمويل يمكّنها من تأسيس مراكز دينية خاصة، وشراء واستئجار مساكن لتوطينها".



مسجد في مدينة الغيضة بالمهرة، 23 يونيو 2022 (سوث24)


"هذه المجموعات معروفة بطبيعتها الدينية المتطرفة، التي تتنافى مع الاعتدال والتوسط السائد في محافظة المهرة"، لفت عبودان، وأضاف: "لقد تنبه أهالي المحافظة لذلك وقامت احتجاجات رافضة لتواجدهم".


وأردف: "على الصعيد العسكري والأمني فإن معظم القوات في المهرة أيضاً من أبناء الشمال. لقد استقر القادة والجنود في المحافظة مع أسرهم. لم يتم السماح بتشكيل قوة أمنية أو عسكرية من أبناء المهرة". 


واتهم حسان مهدي بلحاف، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بالمهرة، القوات الشمالية بالمحافظة بـ "تنسيق النزوح الممنهج للمحافظة".


وقال لـ "سوث24": هذه القوى تعمل على توطين الشماليين والنازحين لكي يبقى الجنوب مساحة بدون أرض. إنَّهم يعملون على التغيير الديموغرافي، وتغيير كافة مجالات الحياة في كافة محافظات الجنوب، ومنها المهرة".



ضباط شماليون في ندوة بالغيضة بالمهرة، 26 يونيو 2022 (سوث24)


ويرى المسؤول الجنوبي أنَّ السلطة المحلية بالمهرة متورطة أيضاً في الأمر. وأضاف: "محافظ المهرة وقّع في العام الماضي، على أكثر من مخطط تابع لنافذين شماليين يدَّعون الاستثمار. ذلك يأتي ضمن خطط استيطان وتمكين أبناء الشمال". ولم يتسن ل "سوث24" من التواصل مع مكتب المحافظ لمعرفة رأيه حول هذه الاتهامات.


في المقابل يرى وكيل أول المحافظة أنَّ المهرة مظلومة من قبل الحكومة. وأضاف "مظلومية المهرة لا تزال قائمة، إذ أنّه لا يوجد سفير ولا قنصل ولا وكلاء وزارات من المحافظة. نتمنى أن تختلف نظرة الحكومة لأبناء المهرة".


وخلال الأعوام الأخيرة، تصدرت المهرة، ثاني محافظات الجنوب من حيث المساحة، عناوين الأخبار التي تتحدث عن تهريب السلاح للحوثيين في شمال اليمن، بالإضافة للأصوات المحلية المناهضة للتحالف العربي بقيادة السعودية والداعية إلى التقارب مع الحوثيين.


وتنتشر في المحافظة الواقعة على الحدود مع سلطنة عمان ألوية عسكرية شمالية شبيهة بألوية المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت التي لم تخض أي معركة منذ ما قبل عام 2015. وتتهم القوى السياسية في جنوب اليمن هذه القوات بتكريس السيطرة الشمالية، التي بدأت منذ عام 1994، على المحافظة.




صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

- هذا التقرير ضمن سلسلة تقارير ميدانية خلال زيارة فريق مركز سوث24 لمحافظة المهرة

الكلمات المفتاحية:

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا