الرئاسي اليمني يلتقي محافظ البنك المركزي بعدن 13 يوليو 2022 (رسمي)
15-08-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
منذ إعلان تشكيله في 7 أبريل الماضي، لا يبدو أنَّ المجلس الرئاسي في اليمن يضع اهتماما كبيراً للملف الاقتصادي والخدمي في البلاد في ظل تراكم الملفات السياسية والعسكرية على طاولة المجلس الذي تشكل برعاية خليجية، ومثَّل السلطة الشرعية الجديدة المكوَّنة من القوى المحلية الأساسية المناهضة للحوثيين.
وكانت دولتا السعودية والإمارات قد أعلنتا عن دعم بقيمة 3 مليارات دولار، تزامناً مع إعلان المجلس الرئاسي، 2 مليار دولار منها مخصصة للبنك المركزي، فيما يختص المليار الأخير بدعم وقود محطات الكهرباء وبرامج الأمم المتحدة باليمن. وحتَّى الآن، لم يصل أي من المليارات الثلاثة بعد مرور أكثر من أربعة أشهر.
وبالإضافة لتأخر الدعم الخليجي، يعتقد خبراء ومراقبون أنَّ الأولويات السياسية والعسكرية طغت على برامج عمل المجلس الرئاسي على حساب الملف الخدمي والاقتصادي، رغم التصريحات المتكررة من قادة هذا المجلس حول المعالجات الاقتصادية والخدمية، لا سيَّما في العاصمة عدن.
الدعم المتنظر
يرى الباحث الاقتصادي د. عبد الله إبراهيم أنَّ سبب تجميد الإصلاحات الاقتصادية من قبل المجلس الرئاسي يرجع إلى "عدم إيفاء الأشقاء الخليجيين بما أعلنوا عنه من دعم مالي تزامناً مع تشكيل المجلس الرئاسي".
وأضاف: "أيضاً يبدو أنَّ الموازنة العامة للدولة خالية من أي برامج استثمارية لأنَّ الموارد العامة والنفطية والضريبية والجمركية المتاحة لا تكفي للإنفاق الحالي".
"الملفات الاقتصادية للأسف لا تبدو ذات أولوية في جدول أعمال المجلس الرئاسي حتى الآن"، قال الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام، لـ "سوث24". وأضاف: "من وجهة نظري أعتقد أن ذلك يرجع إلى الشروط الكبيرة التي وضعها الأشقاء الخليجيون مقابل دعمهم المعلن لليمن. هذا هو السبب الحقيقي لغياب الأولوية الاقتصادية بالنسبة للمجلس الرئاسي".
وتابع: "المجلس الرئاسي والحكومة مطالبون بأن ينجزوا ما عليهم من اشتراطات فيما يخص هذا الجانب وتهيئة المجال لاستيعاب هذه الأموال".
وأردف: "بالمقابل لا بد على الأطراف الدولية والداعمة لليمن أن تسارع في إنجاز ما وعدت به، لأنَّه حتَّى الآن من الواضح أن هناك تباطؤ في كثير من الجوانب. الأوضاع المعيشية مهمة ولا بدّ أن تحتل أولوية في جهود المجلس والحكومة ككل".
لكنَّ الخبير الاقتصادي ماجد الداعري يرى أنَّ "انعدام الخيارات أمام المجلس الرئاسي" هو سبب غياب الاهتمام المفترض بالملف الاقتصادي. وقال لـ "سوث24": "المجلس الرئاسي غرق في مستنقع السياسة والتعيينات الحكومية على حساب أولوياته الخدمية والاقتصادية. هذا وضع طبيعي قاد الرئاسي لخيارات محدودة بعيداً عن الشأن الاقتصادي".
ويرى الداعري أنًّه "بدون الدعم المالي الإقليمي والدولي لإنقاذ الاقتصاد الوطني اليمني وتعزيز قيمة صرف العملة المحلية ستكون أي تحركات اقتصادية للمجلس الرئاسي غير نافعة ولا قيمة لها".
وربط الداعري الدعم الخليجي بحدوث عدد من المتغيرات السياسية المحلية. وأضاف "أستبعد أن تفي الدول الخليجية بما أعلنت عنه قبل ترتيب أوضاع كامل التشكيلات العسكرية المسلحة الشرعية في إطار هيكل وزارتي الدفاع والداخلية لتوحيد مرتباتها ونقل ملف المرتبات من كاهل التحالف إلى الحكومة لصرفها بالعملة المحلية".
في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم المصرفية بجامعة عدن د. يوسف محمد، أنَّ "عدم اهتمام المجلس الرئاسي بالملف الاقتصادي عائد لكون الملف الاقتصادي بحاجة ماسة لجهد أكبر من القرارات الرئاسية". وأضاف لـ "سوث24": "الإصلاحات الاقتصادية عملية متكاملة ويقع العبء الأكبر على الحكومة والجهاز التنفيذي في الدولة".
انهماك سياسي
وقال الأكاديمي الاقتصادي بجامعة عدن د. سعودي علي عبيد لـ "سوث24". "المجلس الرئاسي يركز على إدامة وجوده وسلطته في الجنوب". وأضاف: "عند تمحيص خطوات وإجراءات المجلس الرئاسي منذ تشكيله، سنجدها أساسا متجهة ومركزة نحو ذلك الهدف، رغم أنَّ هذا المجلس يعتبر أداة سياسية لها مهام محددة ومؤقتة".
وتابع: "الرئاسي أخطأ البوصلة في تنفيذ مهامه، فلا لمسنا نشاطا سياسيا له بالمفهوم الواسع للنشاط السياسي، ولا لمسنا حلولا ملموسة للوضع الاقتصادي والخدماتي في المناطق المحررة كما يطلق عليها".
وكان المجلس الرئاسي بالفعل قد اتخذ على مدار الأشهر الماضية عدد من القرارات الهامة سياسيا وعسكريا، على رأسها تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية العليا التي يناط بها إعادة ترتيب أوضاع القوات المختلفة في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، إعادة تشكيل السلطة القضائية [مجلس القضاء الأعلى والحكومة اليمنية]، وتعيين وزراء ومحافظين جدد.
هل الوديعة كافية؟
يقلل الأكاديمي الاقتصادي سعودي علي عبيد صالح من أثر وجدوى الوديعة الإماراتية السعودية على الاقتصاد اليمني قائلاً أنَّها "ليست عصا سحرية قادرة على حل كل مشكلاتنا الاقتصادية".
ويعتقد أنّ "الحل الأساسي والصحيح لمشكلاتنا الاقتصادية يتمثل في الاستفادة من كل العناصر والثروات التي نمتلكها، وهي كثيرة، ولكنَّها بحاجة إلى الخروج من حالة الحرب وعدم الاستقرار، وبحاجة إلى ترتيب في الأولويات.
وأضاف: "أما الوديعة فإنَّ وظيفتها محددة ومحدودة، وهي خاصة بتحسين وضع العملة المحلية والحد من المضاربة بها، كما أنَّ الوديعة محددة للحد من ارتفاع أسعار السلع المستوردة، من خلال الحفاظ على توازن في سعر صرف العملة المحلية، وتأمين عملة أجنبية لشراء السلع من الخارج".
ويعتقد الخبير ماجد الداعري أنًّه "حتَّى لو تم الإيفاء بالدعم المالي الخليجي فإنَّه لن يكون ذات تأثير كبير على سعر الصرف أو أسعار المواد الغذائية كون الصرافين المتلاعبين والمضاربين بسعر صرف العملة قد كسبوا مناعة وأصبحوا قادرين على الحد من أي تأثير إيجابي للودائع المالية".
وأضاف: "هؤلاء الصرافون هم الرابح الوحيد من هذا الوضع واستمرار انهيار صرف العملة الوطنية في ظل غياب برنامج إصلاح اقتصادي حكومي حقيقي حتَّى الساعة من قبل الحكومة."
وكان رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي قد أعلن، السبت، في كلمة أمام رئيس وأعضاء هيئة رئاسة مجلس النواب ورؤساء اللجان البرلمانية، عن تشكيل لجنة برئاسة عضو المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، لإدارة الموارد العليا لجميع منافذ الدولة البرية والبحرية والموارد النفطية.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، الاثنين، إنَّ رشاد العليمي توجه إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، "في زيارة عمل غير رسمية يبحث فيها الإجراءات المطلوبة لاستيعاب الوديعة السعودية الإماراتية للبنك المركزي".
وكان العليمي والزبيدي وبعض أعضاء المجلس الرئاسي قد أجروا جولة إقليمية، منتصف يونيو الماضي، شملت الكويت، البحرين مصر، قطر والسعودية لحشد الدعم الاقتصادي لليمن.
وتعيش البلاد انهيارا اقتصاديا هو الأكبر منذ بداية الحرب ألقى بظلاله على السكان وسبب تصاعد الأسعار، لا سيما أسعار السلع الغذائية الأساسية، بشكل غير مسبوق وصلت نسبته إلى أكثر ممن 200% مطلع العام الجاري، قبل أن تنخفض الأسعار نسبياً مع إعلان المجلس الرئاسي.
وإلى جانب انهيار سعر صرف العملة المحلية وارتفاع أسعار الغذاء، تشهد المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس الرئاسي، لا سيما العاصمة عدن، أوضاعا خدمية قاسية لاسيما الكهرباء والصحة والتعليم، علاوة على انقطاع مرتبات القطاع المسلح وتدني مرتبات القطاع المدني، وبالأخص المعلمين.