جنود من قوات دفاع شبوة (نشطاء)
21-08-2022 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
أثارت الأحداث الأخيرة في محافظة شبوة، جنوب اليمن، التساؤلات حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه تصعيد الأمور في محافظات الجنوب الشرقية، لا سيما وادي وصحراء محافظة حضرموت، المنطقة النفطية الغنية التي تتواجد فيها ألوية عسكرية شمالية موالية لحزب الإصلاح اليمني.
ونظرا للدور الذي لعبته هذه الألوية المنضوية تحت "المنطقة العسكرية الأولى" في دعم قوات عسكرية وأمنية اُتهمت بـ "بالتمرد" على السلطة المحلية في شبوة مؤخراً والتسبب في إشعال معارك طاحنة، تضاربت آراء مراقبون تحدثوا لـ "سوث24" بشأن إمكانية توسّع هذه الاشتباكات نحو حضرموت.
وكانت القوات الجنوبية التابعة للمجلس الرئاسي قد أكملت، الأحد، سيطرتها على خط العبر الدولي في محافظة شبوة بعد أيام من المعارك المتقطعة على طول الخط مع وحدات عسكرية موالية للإصلاح. وسيطرت القوات الجنوبية أيضاً على منشآت نفطية هامة شمال شرق المحافظة بإشراف من قيادة السلطة المحلية.
وبسيطرتها على هذه المناطق في شبوة، باتت القوات الجنوبية أكثر قربا من وادي حضرموت بعد تمركز ألوية منها على تخوم مديرية العبر التي تضم منفذ الوديعة البري الذي يربط سيئون، عاصمة وادي حضرموت، بالمحافظات المجاورة.
تورط المنطقة الأولى
اتهمت القوات الجنوبية في شبوة رسمياً المنطقة الأولى بمساندة القوات الموالية للإصلاح في المحافظة، والتورط في الحرب ضد سلطتها المحلية.
وكان ناطق قوات دفاع شبوة، إحدى التشكيلات الرئيسية للقوات الجنوبية هناك، النقيب جلال عبد العزيز، قد صرَّح قبل أيام لـ "سوث24" بإن "التحقيقات أثبتت إطلاق طائرة مسيرة مفخخة من معسكر الخشعة التابع للمنطقة الأولى بوادي حضرموت باتجاه مطار عتق الدولي".
وطبقا للناطق، استطاعت الدفاعات الجوية للقوات الجنوبية إسقاط الطائرة المسيرة قبل وصولها للهدف. وفي اجتماع، السبت، دعت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي مجلس القيادة الرئاسي إلى "وقف التحشيد العسكري الذي يقوم به حزب الإصلاح في وادي حضرموت ومأرب باتجاه شبوة".
وحول هذا، قال المحلل السياسي صلاح السقلدي لـ "سوث24": "القوات الموالية لحزب الإصلاح تتلقى دعماً من المنطقة العسكرية الأولى في سيئون ومأرب. كل هذا يؤكَّد حقيقة أنّ هذا الحزب مسلّح، ولا يمتّ بأي صلة للمدنية التي يسوّق لها".
وأضاف: "أصابت الإصلاح حالة هلع على الصعيدين العسكري والسياسي بعد الهزائم التي تلقاها بشبوة والقرارات الرئاسية التي رفض تنفيذها. لقد وضع الحزب نفسه بموقف المتمرد. ظل الحزب يتشدق بالشرعية، وها هو اليوم يضرب بكل قراراتها عرض الحائط".
حدوث معركة
بسبب استمرار إسنادها للقوات الموالية للإصلاح في شبوة، يتوقع محللون وخبراء أن المعارك التي تخوضها القوات الجنوبية التابعة للمجلس الرئاسي قد تشمل المنطقة العسكرية الأولى المنتشرة في وادي وصحراء وحضرموت، بينما يعتبرها آخرون سيناريو غير وارد في الوقت الحالي.
رأى الخبير العسكري وضاح العوبلي لـ "سوث24"، أنه "من خلال المعطيات، قد تكون هناك إمكانية لحدوث معارك بين القوات الجنوبية وقوات المنطقة الأولى." خصوصا وأنّ "هذه المعارك مدفوعة بالاحتقانات الحادة بين الطرفين التي بلغت أوجها بعد أحداث شبوة".
وأضاف: "في إطار ردود الأفعال المتسرعة وغير المدروسة من بعض القيادات العسكرية والأمنية، فإن وكل شيء وارد، بما في ذلك المواجهات العسكرية على مشارف وادي حضرموت".
وعن حاجة القوات الجنوبية التابعة للمجلس الرئاسي إلى غطاء جوي من قوات التحالف، قال العوبلي: "أعتقد أنّ موازين القوى متكافئة بين الطرفين إذا ما أدخلنا تجهيزات وتسليح قوات العمالقة في هذه المعادلة، أمام ترسانة ألوية لمنطقة العسكرية الأولى".
ويرى الناشط السياسي أبوبكر باراس أنَّ "المعركة في الوادي ستكون حتمية، لاسيّما أنها تعتبر آخر معاقل حزب الإصلاح".
وأضاف لـ "سوث24": "الحملات الإعلامية التي قادها الإصلاح مؤخراً وإساءته المتواصلة للتحالف، تُعتبر مؤشراً لاستعداد القوى الموالية للحزب للدخول في معركة شرسة مع القوات الجنوبية".
وعن توقيت المعركة المفترضة، قال باراس: "تفرض المعارك نفسها دائماً ولا تحتكم لتوقيت معين. لحظة التمرد واستشعار الخطر تكون لحظة اتخاذ القرار؛ لإنهاء أيّ أخطار محتملة".
ويتفق الناشط عبد الله باجبع مع ذلك. ويرى أنّ "رفض المنطقة الأولى الخروج من الوادي بحسب مضامين اتفاق الرياض بحد ذاته أحد المؤشرات التي تدل على أنّ المنطقة تفضل الخروج بالحرب لا السلم".
لكن المحلل السياسي صلاح السقلدي يستبعد توسّع المعارك باتجاه وادي حضرموت بالوقت الراهن. وقال السقلدي: "من الملاحظ خلال الأيام الماضية، أنَّ هناك ثمة نوع من التهدئة من قوة الاندفاعة العسكرية باتجاه الشرق والوادي والصحراء قد اتخذته القوات الجنوبية".
وأضاف: "هناك تحركات مريبة تتم خلف الكواليس تستهدف فرملة التوجه صوب حضرموت ومنفذ الوديعة الاستراتيجي، يقف خلفها وزير الداخلية، وربما ضغوطات إقليمية". وأردف "نلمس ذلك بوضوح من خلال بيانات القوات الجنوبية وبالذات العمالقة التي تتحدث عن عدم نيتها المضي أبعد من تأمين شبوة".
وتابع: "آجلا أو عاجلاً، سيتغير هذا الوضع غير السوي الذي ظل في حضرموت وكثير من المناطق الجنوبية لسنوات، ولا بُد أن تستقيم الأمور وتعود (شوكة الميزان) لمكانها الطبيعي. هذا اعتقاد راسخ يتملّك كثير من الناس".
وكانت اللجنة الرئاسية بشأن أحداث شبوة قد أعلنت، الجمعة، عن خطة أمنية لنزع فتيل الأزمة في المحافظة، في أول بيان لها منذ تشكيلها من قبل المجلس الرئاسي. وشددت اللجنة التي يرأسها وزير الدفاع اليمني على ضرورة وقف إطلاق النار، وإنفاذ قرارات المجلس الرئاسي بتعيين قيادة عسكرية وأمنية جديدة لشبوة.
ونص البيان على "إعادة تجميع الوحدات العسكرية والأمنية التي خرجت من معسكراتها إلى معسكرات مناسبة تحددها اللجنة الأمنية بالمحافظة لإجراء حصر بشري وعادي وإعادة ما بحوزتها من الأسلحة".
وأسندت اللجنة الأمنية مهمة تأمين الخط الدولي (عتق - العبر) إلى قائد محور عتق الجديد، العميد الركن عادل علي المصعبي. كما أقرت اللجنة بقاء الوحدات العسكرية المنتشرة في الحقول النفطية في مهامها.
قرار النقل
وحول احتمالية صدور قرار بنقل المنطقة الأولى تزامنا مع المعارك، يرى السقلدي أنّ "أمور كثيرة ستتغير في قادم الأيام سواءً من خلال قرارات أو على الأرض". مشيرا إلى زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الأخيرة إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي ومن ثم الرياض السعودية.
وقال السقلدي إنّ هذه الزيارات "من الممكن أن ينتج عنها قرارات مصيرية على مختلف الصُعد بما فيها العسكرية".
ولفت إلى أنَّ "المنطقة العسكرية الأولى وإن لم يصدر قرار بنقلها باتجاه مأرب، بحكم حساسية الهدنة مع الحوثيين، إلّا أنّه من المؤكد أنها ستخضع لإعادة هيكلة".
وأضاف: "هذا سيحدث بسبب تصاعدت الأصوات المطالبة بتصحيح الوضع المختل الذي ظل من بداية هذه الحرب، وأعني بذلك بقاء تلك القوات الضخمة تقمع أبناء الأرض وتستنزف ثرواتهم بينما يسرح الحوثيون بالشمال ويمرحون".
بالمقابل انتقد الصحفي خالد الكثيري أي خطوة من هذا القبيل ويعتقد أنَّه "من العبث مجرد التفكير بنقل المنطقة العسكرية الأولى".
وقال أنّ "ذلك ليس من مصلحة الدولة. فهذه القوات شريك فاعل للتحالف العربي، ومستعدة للمشاركة في أعتى الحروب ضد الجماعات المعادية للحكومة اليمنية وشرعيتها".
واتهم الصحفي بعض وسائل الإعلام بـ "محاولة تشويه صورة منطقة العسكرية الأولى". وأضاف: "المنطقة خاضعة لوزارة الداخلية والدفاع وتابعة للشرعية". ومع أنَّه انتقد أي قرار بنقلها، يعتقد الكثيري أنَّ المنطقة الأولى ستقبل قرار نقلها "متى ما صدرت توجيهات صريحة بذلك".
سيناريوهات
وعن السيناريوهات المحتملة لمعركة وادي حضرموت، قال السقلدي: "هي مفتوحة على مصراعيها، لكنها لن تخرج كثيراً عما يخطط له التحالف، ولا عن تطلعات القوى المحلية الفاعلة على الأرض، وفي الجنوب بالذات".
ولا يستبعد السياسي باراس أيضاً تحالف المنطقة الأولى مع الحوثيين، عند النظر لأحداث ماضية "سلم فيها الإصلاح الكثير من المديريات في مأرب وشبوة للحوثيين".
ويعتقد باجبع أن ذلك وارد الحدوث خصوصا بعد "تودد الحوثيين لقيادات الإصلاح للتحالف معها."
ورأى الصحفي أسامة جريدان أنَّ معركة من هذا النوع "ستكشف التحالفات داخل هذه المنطقة العسكرية التابعة للإصلاح المكونة من أبناء شمال اليمن". وزعم بأنّ "هذه المنطقة لديها تحالفات مع القاعدة وأيضاً مع الحوثي والمراحل ستكشف كل تلك التحالفات".
حل سياسي
يعتقد الخبير العوبلي أنَّ هنالك إمكانية لتجنيب وادي حضرموت أحداث شبوة الأخيرة، والضغط على حزب الإصلاح وقواته سياسياً.
وقال العوبلي: "لا توجد احتمالات مفضّلة في الحرب خصوصاً في مثل هذه الحالة من المواجهات بين أطراف تتبع المجلس الرئاسي". وأضاف: "هناك إمكانية لممارسة الضغوط واتخاذ الترتيبات السياسية اللازمة. يجب أخذ الدرس مما جرى في شبوة".
ويعتقد الخبير أنَّ التصعيد العسكري يفتح الباب لاحتمالات قاسية "مثل الدخول في مواجهات طويلة الأمد، تُتاح خلالها ظروف لتحالفات غير مُحبذة (داخلياً او إقليمياً) تنعكس سلباً على المشهد ككل، وتضعنا أمام مشهد جديد من مشاهد الصراع المتداخل والممول".
ولفت العوبلي إلى أنَّ "هناك مؤشرات تجعل هذا السيناريو وارداً خصوصاً إذا ما أُخذ في الاعتبار الطبيعة الجغرافية الصعبة لتضاريس هضبة ووادي حضرموت، التي قد تتيح التحصن فيها لأطول مدى ممكن".
وحتَّى الآن، لا يبدو المشهد واضحا فيما يخص وادي وصحراء حضرموت رغم النية الواضحة لدى القوى السياسية في جنوب اليمن في إخراج المنطقة العسكرية الأولى من هذه الجغرافيا الواسعة.
وبالفعل، ينص اتفاق الرياض في 2019، بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، على إخراج القوات العسكرية، ويشمل ذلك المنطقة الأولى، إلى جبهات القتال مع الحوثيين. ومع وجود المجلس الرئاسي اليوم، الذي يشارك فيه الانتقالي، يطمح الجنوبيون لأنَّ يصبح تحقيق هذا أقرب من أي وقت مضى.