تقدير موقف: الزيارة الإماراتية لعمان وانعكاساتها على الملف اليمني

خلال استقبال رئيس الإمارات في مسقط، 27 سبتمبر 2022 (رسمي)

تقدير موقف: الزيارة الإماراتية لعمان وانعكاساتها على الملف اليمني

التحليلات

السبت, 01-10-2022 الساعة 12:07 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24 | فريدة أحمد 

شكّلت  زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان"، إلى مسقط عاصمة سلطنة عمان، خطوة مهمّة في تجديد العلاقات الإماراتية العمانية التي توتّرت خلال السنوات الأخيرة منذ بدء الصراع في اليمن. وُصِف الاستقبال العُماني بالمهيب بحضور السلطان "هيثم بن طارق"، الذي رافقته مشاهد رسمية احتفالية أبرزت كمّ الحفاوة الكبيرة تجاه الزيارة الإماراتية للبلاد. خاصة وأنّها أول زيارة منذ تولي الشيخ "محمد بن زايد" مقاليد الحكم في 14 مايو الماضي، ويعدّ اللقاء الثاني بعد 4 أشهر من لقاء جمعهما أثناء زيارة السلطان العماني لـ أبوظبي، تقديماً للعزاء في وفاة الشيخ "خليفة بن زايد"، رئيس دولة الإمارات السابق.

وقّعت الدولتان 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم للتعاون المشترك تخللها طيفاً واسعاً من المجالات، منها التعاون في الثقافة والإعلام والسكك الحديدية والتعليم والبحث العلمي والثروات الزراعية وأسواق المال. كما شملت الاتفاقيات مذكرات تفاهم في الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة والنقل البحري والمواصلات واللوجستيات وغيرها.[1] إذ مثّل هذا الأمر تجديداً للعلاقات وتحديثها وفق وصف المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي "أنور قرقاش"، الذي ذكر بأن "الأجواء إيجابية جداً، وعلينا كقطاع حكومي وخاص استثمار هذا التوجه والبناء عليه لما فيه خير الشعبين".[2]  وعنونت صحيفة العرب اللندنية، المموّلة إماراتياً، أحد أخبارها الرئيسية بأن "زيارة الشيخ محمد بن زايد تفتح صفحة جديدة في العلاقات الإماراتية – العمانية"[3]. يٌفهم من ذلك أن العلاقات السابقة كانت متجاذبة نوعاً ما وإن لم تظهر إلى العلن.

في يناير 2011، بدأ التوتر الفعلي بين أبوظبي ومسقط بعد اكتشاف خلية تجسس "إماراتية"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء العمانية حينها بأن "الشبكة تابعة لجهاز أمن الدولة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتستهدف "نظام الحكم" و"آلية العمل الحكومي والعسكري" في السلطنة."[4] ورغم نفي الإمارات صلتها بالشبكة وفق بيان عبّرت عنه بالدهشة والصدمة[5]، غير أن العلاقات لم تكن في أفضل حالاتها، لا سيّما بعد اكتشاف خلية تجسس أخرى في نوفمبر 2018 بمسقط، تورّط فيها 5 أشخاص إماراتيين بينهم ضباط، بالإضافة إلى اثنين متهمين عمانيين مدنيين[6]. علق عليها وزير الخارجية العماني "يوسف بن علوي" ذلك الوقت، بأن "هذا الأمر يحصل بين الجيران، والسلطنة تتعامل مع كل جيرانها بلطف".[7]

أكثر من أي شيء، لم يكن جيران عُمان راضون عنها بعد المقاطعة الرباعية لدولة قطر، في ظل تنامي علاقة مسقط مع الدوحة للتخفيف من القيود المفروضة على الأخيرة في حينه، بالإضافة لأداء سياسة عمان الخارجية مع إيران التي تمتد إلى أبعد من الحياد بالنسبة للسعودية والإمارات، بالذات من خلال تعاطيها مع الحوثيين واحتضانها لكثير من قياداتهم وإشرافها على كثير من المحادثات واللقاءات التي كان يذهب معظم نتائجها لصالح الحوثيين. فضلاً عن تهريب الأسلحة المستمر لهم عبر الحدود اليمنية المحاذية للسلطنة العمانية، على سبيل المثال: ضبطت الحكومة اليمنية منتصف مارس الماضي، شحنة من الأسلحة والصواريخ المضادة كانت في طريقها للحوثيين، ودخلت عبر منفذ شحن بمحافظة المهرة الحدودية مع عمان[8]. أمر مثل هذا، يضع مسقط في موقع الحرج مع جارتها السعودية والتزاماتها نحوها، خاصة بعد القمة السعودية العمانية في مدينة "نيوم" منتصف العام الفائت، التي وقعت فيها الدولتان مذكرات تفاهم وتعاون مشترك في مجالات عديدة.

واقع الحال، تواجه عمان تحديات اقتصادية كبيرة ومتراكمة منذ عهد السلطان قابوس، وقد مثّلت الاحتجاجات التي خرجت في مايو العام الفائت[9]، تحدياً حقيقياً للسلطة الجديدة، ووضعتها أمام اختبار صعب تجاه الإصلاحات الاقتصادية والحلول الإنمائية المستدامة؛ التي أطلقت وعوداً بشأنها في رؤية عمان 2040. ما يعني أنّها مازالت بحاجة لتعزيز اقتصادها المتعثّر، وربما العمل على تحسين علاقاتها السياسية مع جيرانها الداعمين لها، من خلال خفض منسوب التوتر ومحاولة الموازنة في علاقاتها مع الأطراف المختلفة في الإقليم، وتحديداً في الملف اليمني بما لا يسبب ضرراً لجيرانها. 

التأثير على الملف اليمني 

نأت مسقط بنفسها عن الدخول ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ بدء الصراع في اليمن، غير أنّ أكثر ما كان يقلقها في السنوات الأخيرة هو النشاط المتنامي على حدودها الممتدة بحوالي 300 كيلو متر مع اليمن. وهو ما جعلها تنخرط بصورة ناعمة مع أكثر من طرف منهم (الحوثيون، والإخوان المسلمون)، على سبيل المثال: تتمتع مسقط بعلاقات وطيدة مع عدد من مشائخ المهرة المعارضين للوجود السعودي والإماراتي سابقاً في المحافظة، ومن بينهم الشيخ البارز المقرب من الحوثيين وحزب الإصلاح "علي سالم الحريزي"، الذي يطلق عليه البعض برجل مسقط الأول. وقد كان للرجل دور كبير في التحريض المعلن ضد الرياض وأبوظبي والحكومة الشرعية اليمنية. كما أن علاقة عمان بالحوثيين تبدو مساندة بشكل لافت من خلال سماحها لهم بممارسة العمل السياسي من داخل أراضيها، وهو تحوّل بات يُثير قلقاً بالنسبة لدول التحالف وعن الدور الذي تلعبه عمان فعلياً في اليمن.

"من المهم أن تُدرك مسقط أن مقاربة عدم اليقين والوضوح في المواقف، والاستمرار في تأطير علاقاتها ضمن قوالب ثابتة لا تراعي التغيّرات الراهنة، سيؤدي في المحصّلة إلى دخولها في حالة عدم الاستقرار"  
وقد أثارت تصريحات تلفزيونية جديدة لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي "عيدروس الزبيدي"[10]، حول التوجه بعد شبوة لـتأمين محافظتي"حضرموت والمهرة"، جدلاً واسعاً. إذ اعتبرت الأطراف المحلية المناوئة للانتقالي الجنوبي تصريحاته بمثابة التهديد الوجودي لما تبقى من قوى عسكرية وسياسية لها في تلك المناطق. لذلك تستغل هذه الأطراف ذلك لإثارة قلق موازي لدى مسقط؛ التي يبدو أنّها فقدت حيادها بسبب المهرة منذ وقت طويل، ولا تزال علاقاتها مع المجلس الانتقالي منذ نشأته شبه منقطعة. خاصة وأن لعمان مع اليمن الجنوبي تاريخ متوتر منذ ستينيات القرن الماضي، ذلك عندما انطلقت دعوات لجهات يسارية تحت اسم "جبهة تحرير ظفار" بدعم من الجنوبيين[11]، تدعو لاستقلال ظفار عن عمان إبان المد القومي العربي في المنطقة. غير أن العمانيين سارعوا ببناء علاقات متينة مع القبائل المهرية بعد الوحدة اليمنية عام 1990، ومنحوا الجنسيات العمانية لكثير منهم حتى يضمنوا ولاءهم لهم.

قد تبدو الزيارة الإماراتية الأخيرة لمسقط مرتبطة أيضاً بما هو متوقع من عملية عسكرية مرتقبة لتأمين محافظات حضرموت والمهرة التي أعلن عنها المجلس الانتقالي الجنوبي، لا سيّما والأخير حليف وثيق بالنسبة للإمارات. على الرغم من القلق الذي يعبّر عنه مسؤولون دوليون منهم المبعوث الأمريكي الخاص لليمن "ليندركينغ" مؤخراً[12]، عمّا يمكن أن يسببه ذلك من إرباك للهدنة الإنسانية بعد الأحداث التي وقعت في شبوة مؤخرا، إلا أنّ الخارجية الأمريكية سبق وذكرت في منتصف سبتمبر المنصرم، أنّ مسؤولين أمريكيين أكّدوا في لقاء جمعهم بوزير الخارجية العماني على أنّ "الاستقرار في جنوب اليمن أهمية قصوى".[13] كما أنّ زيارة بن زايد، من المرجّح أن تكون قد أولت ملف الهدنة الأممية في اليمن، ومآلات تمديدها أو توسيعها ضمن الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي شامل للصراع في اليمن، حيزا من النقاش. 

لا يزال لدى عمان، على ما يبدو، مخاوفها من سيناريو نقل الثقل العسكري للمهرة، فقد نفّذت مناورات عسكرية منتصف أغسطس الماضي في محافظة ظفار المحاذية للمهرة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية[14]، في تدريب أطلق عليه "وادي النار". وبغض النظر عن السبب الفعلي لذلك، فإنّ مسقط تريد إيصال رسالة بأنّها مستعدة لأي سيناريو يمكن أن يؤثر على عمقها الاستراتيجي بشكل سلبي.

قد يساعد تطبيع العلاقات الخليجية مع عمان مؤخراً على مراجعة حساباتها السياسية، من أجل التركيز على إصلاحاتها الاقتصادية والتنموية الداخلية؛ التي بدأ المواطنون العمانيون يضيقون ذرعاً من تأجيلها. وفي نفس الوقت، تأمين حدودها مع اليمن عبر المهرة مع حلفاء يضمنون استقرار المناطق المحاذية لها عسكرياً وسياسياً، وبما يمكن أن يعكسه ذلك عليها من استقرار سياسي وتحفيز لخططها الاقتصادية، خاصة وأن أكثر ما حرصت عليه منذ بدء الصراع في اليمن هو الحفاظ على أمنها القومي.

لكن حتى الآن، يبدو الموقف العماني ثابتاً في سياسته الخارجية تجاه الأطراف المحلية في اليمن وحلفائها في الإقليم، مع ذلك من المهم أن تدرك مسقط أن مقاربة عدم اليقين والوضوح في المواقف، والاستمرار في تأطير علاقاتها ضمن قوالب ثابتة لا تراعي التغيّرات الراهنة في الداخل اليمني أو المنطقة بشكل عام، سيؤدي في المحصّلة إلى دخولها في حالة عدم الاستقرار، لأن ما سينعكس على اليمن سينعكس عليها في نهاية المطاف وهي أحد أهم جيرانه بعد المملكة العربية السعودية.



فريدة أحمد
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات



مراجع:

[1] الإمارات وسلطنة عمان توقعان 16 اتفاقية ومذكرة للتعاون المشترك (albayan.ae)
[2] أنور قرقاش، صفحة تويتر twitter.com
[3] زيارة الشيخ محمد بن زايد تفتح صفحة جديدة في العلاقات الإماراتية – العمانية | | صحيفة العرب (alarab.uk)
[4] تفكيك شبكة تجسس "إماراتيةتستهدف نظام الحكم (france24.com)
[5] الإمارات تنفي صلتها بشبكة تجسس أعلنت مسقط تفكيكها | صحيفة الرأي (alrai.com)
[6] بن علوي معلقا على التجسس الإماراتي: يحصل بين الجيران | أخبار سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[7] رد بن علوي على كشف خلية التجسس الاماراتية - YouTube
[8] شحنة صواريخ للحوثي في قبضة الشرعية وصلت عبر الحدود مع عمان | اندبندنت عربية (independentarabia.com)
[9] احتجاجات في مناطق بسلطنة عمان بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية - video Dailymotion
[10] عيدروس قاسم الزبيدي في حوار متلفز. #قريبآ - YouTube
[11] ثورة ظفار... قصة الثورة الشيوعية الوحيدة التي عرفتها منطقة الخليج - رصيف 22(raseef22.net)
[12] المبعوث الأمريكي: قرار الوحدة متروك لليمنيين (south24.net)
[13] الولايات المتحدة: استقرار جنوب اليمن أهمية قصوى (south24.net)
[14] "وادي النار".. تمرين عسكري مشترك بين سلطنة عمان والولايات المتحدة | جريدة الرؤية العمانية (alroya.om)