دوافع وانعكاسات «استفتاءات الضم» على مسار الحرب بين روسيا وأوكرانيا

بوتين عقب توقيع اتفاق ضم أربع مناطق أوكرانية الى روسيا (30 أيلول 2022ـ أ ف ب)

دوافع وانعكاسات «استفتاءات الضم» على مسار الحرب بين روسيا وأوكرانيا

التحليلات

الثلاثاء, 04-10-2022 الساعة 11:18 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24 | د. إيمان زهران  

أعلن  الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، يوم الجمعة، 30 سبتمبر 2022، في احتفالية بالساحة الحمراء فى موسكو، ضمت نواب البرلمان، وعدد من الوزراء فضلاً عن مئات المسؤولين الروس، ضم أربع مناطق أوكرانية - بحضور ممثليها - رسمياً إلى الاتحاد الروسي؛ "دونيتسك ولوغانسك بالإضافة إلى زابوريجيا وخيرسون"، مؤكداً أن هذا القرار حسم نهائياً[1] عبر استفتاء شعبي تم خلال الفترة من 23 – 27 سبتمبر 2022. وهو ما يدفع بإعادة النظر نحو التحول بالاستراتيجية الروسية وآليات التصعيد بالأراضي الأوكرانية، إذ تبدلت القواعد الميدانية بأخرى حيوية انعكست على مسارات الصراع. حيث أعادت موسكو ترسيم قواعد المواجهة عبر تحريك ورقة "الانفصاليين الروس" في المناطق الأوكرانية الأربع. في خطوة يمكن أن تعكس في دلالاتها عدد من المسارات السياسية والميدانية، وهو ما يتضح بالنقاط التالية:

دوافع الضم:  

ثمة عدداً من الدوافع الرامية لمثل تلك التحركات الروسية نحو إعادة ترسيم الخرائط الجيوسياسية للإتحاد، وذلك في ظل ما تفرضه طبيعة التفاعلات المتباينة سواء على المستوى الإقليمي بالنظر إلى حالة التعبئة الجزئية والتوازنات الغربية – الأوكرانية، أو تلك التي تتعلق بالتفاعلات الدولية بالأقاليم الفرعية ذات الاهتمام الحيوي بالنسق الاستراتيجي لـ "روسيا العظمى"، وهو ما يظهر بالنظر إلى النقاط التالية: 

-         دوافع داخلية/ شخصية: تنصرف بشكل رئيسي لرغبة الرئيس "فلاديمير بوتين" إعادة تعبئة الداخل وذلك من خلال، أولاً: ارتفاع أسهمه وسط تيارات الشعبويين الروس عبر تصدير نجاحات تؤسس لعودة الاتحاد السوفيتي. ثانياً: تشكيل الصورة الذهنية لدى شعوب الكتلة الشرقية، وتصدير صورة "البطل القومي" وسيناريو "المُنتصر" من يعيد أمجاد روسيا البيضاء ويضم الأراضي التي يروها ملكًا لروسيا[2]. ثالثا: العمل على تسويق الضم كانتصار حربي في ظل التقدم الأوكراني من خلال الهجوم المضاد. 

-         دوافع إقليمية/ غربية: تتباين الدوافع الإقليمية ما بين دوافع جيوسياسية تتمثل في إعادة ترسيم خريطة الاتحاد وضم أقاليم جديدة غنية بالموارد الطبيعية حتى وإن لم يتم الإعتراف بها دولياً، ودوافع أمنية وميدانية، تتمثل في موازنة المكاسب الميدانية الأوكرانية الأخيرة المدعومة من الكتلة الغربية، وذلك عبر عملية الضم لتغيير "جغرافيا الصراع". حيث إن ضم هذه المناطق، خاصة منطقتي "زاباروجيا وخيرسون" في الجنوب، من شأنه أن يتيح للروس إرسال قواتهم إلى الخطوط الأمامية لتقويض ومحاصرة التهديدات الغربية للمناطق التي تم ضمها للاتحاد الروسي. وهو ما قد يقلل من احتمالات التوصل إلى تسوية متوازنة عن طريق التفاوض. 

-         دوافع دولية/ قطبية: تنصرف تلك النقطة إلى إعادة ترتيب توازنات القوى الفاعلة بالنسق الدولي وفقا للترتيبات الأمنية والاستراتيجية التي تفرضها روسيا بالفترة الأخيرة، وذلك في ظل عدد من الشواهد، أولاً: البناء على الخبرة التاريخية وسيناريو ضم القرم، دون النظر للتحركات القائمة للرفض الغربي والأمريكي لقرار ضم المناطق الأربع وارتداداته بالمستقبل. وثانياً: ضعف وانقسام حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهو ما ينعكس على حجم قرارات الردع المضاد والتي لن تخرج عن حزمة جديدة من العقوبات على النظام الروسي، بينما ثالثاً: فيتمثل ارتباك النظام الأمريكي القائم وعدم قدرته على الحسم بالتحركات القائمة بالكتلة الشرقية، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس الأمريكي في ظل تراجع شعبية الديموقراطيين، رابعاً: ما يرتبط بتوقيع بوتين، في 2020، مرسوماً بتحديث العقيدة النووية الروسية التي سمحت باستخدام الأسلحة النووية "في حالة العدوان على روسيا باستخدام الأسلحة التقليدية[3]، وعندما [fa1] يتعرض وجود الدولة نفسه للتهديد".

رسائل بوتين: 

حمل خطاب "الضم" لفلاديمير بوتين عقب إنجاز متطلبات الاستفتاء الشعبي، وضم أربع مناطق أوكرانية للخريطة الجيوسياسية الروسية، العديد من الرسائل المباشرة وغير المباشرة، وذلك على النحو التالي: 

-         دحض "الهيمنة الليبرالية": إحدى أهم رسائل بوتين ما يتمثل في إعادة تفنيد منظومة المفاهيم الغربية ومدى صلاحية "الهيمنة الليبرالية" التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتطبيقاتها المتباينة بمختلف أقاليم النظام الدولي. على سبيل المثال: على الرغم من الدعم الغربي والأمريكي لأوكرانيا، إلا أنه حتى وقتنا هذا لم يتم الحسم ميدانياً، ولازالت هناك آفاق مُحتملة للصراع في ظل تراجع ترجيحات المفاوضات السياسية، فضلا ًعن هشاشة ردود الافعال الغربية والأمريكية بعد إعلان ضم المناطق الأربع للاتحاد الروسي، والتي تمثلت فقط في الدفع بمزيد من العقوبات دون أي تصعيد سياسي أو ردع عسكري. 

-         استعادة "روسيا العظمى": تأتي تلك النقطة قياساً على حجم التحركات الروسية الخارجية خلال الفترة الأخيرة، وذلك بالنظر إلى، أولاً: التمدد الروسي بالأقاليم الفرعية ذات الميزة النسبية، وفي مقدمتها إقليم الشرق الأوسط بدءًا من سوريا، ثانياً: تفعيل نظرية "المجال الحيوي"، وذلك بالنظر إلى التصعيد بالأراضي الأوكرانية وتقويض تحركات حلف شمال الأطلسي نحو التمدد بالجناح الشرقي للكتلة الأوروبية. بينما ثالثاً: فيتمثل في توسيع نطاق العمليات الخارجية وإعادة ترسيم خريطة الاتحاد عبر ضم أربع مناطق أوكرانية " دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا " للسيادة الروسية ليرتفع بذلك عدد الأقاليم الروسية من 85 إلى 89 إقليماً. 

انعكاسات مُحتملة:  

من الصعب التكهن بأي سيناريوهات محتملة يمكن أن يلجأ إليها طرفي الصراع الفترة المقبلة، سوى استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا، وفرض عقوبات جديدة أكثر صرامة على روسيا، إلى جانب التصعيد السياسي والإعلامي على كافة الجبهات لإعادة تعبئة الرأي العام الأوروبي والدولي، فضلاً عن تذبذب مسارات الحل والتفاوض السياسي، نظرا لتعقيدات الموقف الحالي، والتي تتأرجح أسبابها ما بين الانفراج والانحسار، وذلك بالنظر إلى:

-         أولاً: ما يتعلق بالتطورات الميدانية الأخيرة، وذلك بالنظر إلى التقدم الأوكراني المدعوم من الغرب في مناطق الجنوب والشرق، مقابل حسم نتائج استفتاء موسكو والإعلان عن ضم أربع مناطق أوكرانية خاضعة لسيادة الاتحاد الروسي. وهو ما قد يدفع بعرقلة مسار المفاوضات المُحتملة.

-         ثانياً: ما يتمثل في كون الأزمة الروسية الأوكرانية هي في حقيقة الأمر صراع على إعادة إنتاج أقطاب النظام الدولي، وإعادة التموضع الروسي بالمجال الحيوي. إذ أن معادلة الصراع الرئيسية والمباشرة تتمثل في موسكو مقابل الكتلة الغربية + واشنطن. ومن ثم فالنهج الغربي الأمريكي أكثر ميلاً لاستنزاف المقدرات الروسية دون الإسراع بمسارات الحل التفاوضي. رغبة منهم في الحفاظ على هيكل النسق الدولي فيما بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991.

-         ثالثاً: قد يحدث اختراق بالعملية السياسية وإعادة الدفع بمسار المفاوضات مرة أخرى، خاصة من جانب الكتلة الأوروبية الأكثر تضرراً من الصراع القائم على كافة المستويات الأمنية مع تصاعد ملف اللاجئين، أو هشاشة الأوضاع والترتيبات التنموية والاقتصادية مع التلويح الروسي بعسكرة ورقة الطاقة.

تأسيساً على ما سبق، يبدو أنه لازال من المُبكر التنبؤ بمسارات حسم الصراع الروسي الأوكراني، خاصة مع تداخل أطراف دولية أوروبية وأمريكية، بما قد يطيل أمد الصراع خاصة مع التحوّل بالمعادلات الميدانية على أرض الصراع، فضلاً عن حجم  التداعيات المباشرة وغير المباشرة على الضم الروسي لأربع مناطق أوكرانية،  وما لذلك من ارتدادات مختلفة على كافة مجالات الداخل الأوروبي، بالتزامن مع الارتفاع الجنوني في الأسعار، وتعطّل المؤسسات الصناعية بالقارة الأوروبية، وتوقف إمدادات الغاز نتيجة العقوبات على روسيا. ذلك سينعكس بشكل مباشر على تنامي حدة الاضطرابات الاجتماعية والتي بدأت تتبلور في التوجهات التصويتية بالانتخابات التي تشهدها عدد من الدول الأوروبية، حيث أفضت أغلبها لصعود القوى اليمينية، التي تطالب بهامش استقلالية أكبر عن سياسية الولايات المتحدة الأمريكية.


د. إيمان زهران

متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


مراجع:
[1] بوتين يضم 4 أقاليم أوكرانية..ويبدي استعداده لوقف القتال، موقع العربية، 30/9/2022، bit.ly
[2] بعد ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة.. رسائل بوتين تسطر تاريخا، موقع سكاى نيوز العربية، 30/9/2022، bit.ly
[3] تحليل لـCNN: لماذا سيقوم بوتين بأكبر عملية ضم للأراضي في أوروبا منذ 1945؟، موقع CNN، 30/9/2022، cnn.it

روسيا استفتاءات أوكرانيا لوغانسك دونيتسك زابوروجيا خيرسون الناتو