الصورة - اندبندنت عربية
15-10-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | الرياض
في 5 أكتوبر الجاري، أقرَّت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك+)، التي تتزعمها روسيا والسعودية، خفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل يوميا خلال نوفمبر وديسمبر من العام الجاري.
قرار أوبك+ جاء في خضم أزمة طاقة عالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير 2022، وتوقف إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، وهو ما دفع البيت الأبيض لوصف القرار بـ "المنحاز" إلى روسيا.
وبعد يوم واحد من قرار أوبك+، الذي يمثل أكبر خفض إنتاجي منذ تفشي جائحة كوفيد19 أواخر 2019، قالت الخارجية الأمريكية إنَّ واشنطن تدرس "عددا من خيارات الرد" بشأن علاقاتها مع الرياض بعد قرار "أوبك بلاس" خفض إنتاج النفط.
وفي مؤتمر صحفي، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: "فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع الرياض ندرس عددا من خيارات الرد. نتشاور عن كثب بهذا الشأن مع الكونغرس".
وأضاف: "واشطن لن تفعل شيئا يضر بمصالحها. هذا أول وأهم ما سيوجهنا، وسنبقي تلك المصالح في أذهاننا ونتشاور عن كثب مع كافة الأطراف المعنية بينما نتخذ قرارا بخصوص أي خطوات للمضي قدما".
وفي تصريحات صحفية، وصف الرئيس الأمريكي بايدن خفض الإنتاج من جانب "أوبك بلس" بـ "المخيب للآمال".
وأشار الرئيس الديمقراطي إلى أنَّه سيرى ما إذا كان سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة مجموعة العشرين؛ مؤكدا أنَّ زيارته للسعودية في قمة جدة الأخيرة لم تكن لمناقشة موضوع أسعار النفط.
وفي 11 أكتوبر، قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن يريد "إعادة تقييم" علاقة واشنطن مع الرياض.
وجاء بيان البيت الأبيض بالتزامن مع تصريحات لمنسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، قال فيها إنَّ "إعادة النظر في العلاقة مع المملكة العربية السعودية على ضوء قرار أوبك "لا يحتمل التأخير".
وقال جون كيربي: لـ "سي إن إن": "بايدن على استعداد للعمل مع الكونغرس بينما نفكر فيما يجب أن تكون عليه العلاقة الصحيحة مع السعودية بالمضي قدمًا".
وفي بيان، الخميس، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن رفضها "اعتبار قرار أوبك+ بمثابة انحياز في صراعات دولية أو له دوافع سياسية ضد أمريكا."
وأضافت: "المملكة لا تقبل الإملاءات وترفض تحوير أهدافها لحماية الاقتصاد العالمي."
واتهمت الوزارة التصريحات ضد الرياض بأنَّ "لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار منظمة أوبك بلس خارج إطاره الاقتصادي البحت".
وقالت إن القرار "اتخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة أوبك بلس."
كما عبَّر مجلس التعاون الخليجي في بيان آخر عن رفضه "التصريحات الصادرة بحق السعودية بعد قرار أوبك+. وقال المجلس: "الدور الذي تقوم به السعودية على الصعيدين الإقليمي والدولي مهم وحيوي."
وردا على البيان السعودي، قال جون كيربي، في بيان: "يمكن لوزارة الخارجية السعودية أن تلتف وتحرف المسار، لكن الحقائق واضحة وبسيطة".
وأضاف: "يحشد العالم نفسه من أجل الوقوف خلف أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي. لقد لعبت الولايات المتحدة دورا محوريا في تشكيل هذا التحالف، ودعت القيادة السعودية للانخراط به".
وزعم المسؤول الأمريكي أنَّ "دولا أخرى من أوبك تواصلت معنا بشكل خاص وقالت إنها اختلفت مع القرار السعودي، لكنها دعمت توجه الرياض مكرهة."
في أثناء ذلك، طالب نواب ديمقراطيون أمريكيون بخفض المبيعات العسكرية الأمريكية إلى السعودية، مع تزايد القلق من أن يؤدي خفض إنتاج النفط إلى زيادة أسعار الوقود قبيل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية في 8 نوفمبر.
وردا على هذه المطالبات، قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير: "أعتقد أن هذه التصريحات العاطفية هي جزء من الانتخابات النصفية، فالسعودية لا تسيس النفط، أو القرارات المتعلقة به".
وأضاف الجبير ل "فوكس نيوز": "النفط ليس سلاحًا، وليس طائرة حربية، وليس دبابة، ولا يمكن إطلاقه مثل الرصاص، ننظر إلى النفط كسلعة أساسية، وننظر إلى أهميته للاقتصاد العالمي الذي نمتلك فيه مصلحة كبيرة."
وأردف: "فكرة أن السعودية تقوم بذلك للإضرار بأمريكا، أو لأسباب سياسية، غير صحيحة مطلقًا."
هل تسوء العلاقات؟
ترتبط الولايات المتحدة والسعودية بعلاقات استراتيجية ضاربة بجذورها في التاريخ، تعود بذرتها الأولى إلى عام 1933 وذلك عندما بدأت بواكير التعاون الاقتصادي بين البلدين متمثلة في قيام شركة الزيت العربية الأمريكية بحفر أول بئر للنفط في شرق المملكة.
واكتملت نشأة هذه العلاقة في العام 1945، وذلك عندما التقى الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة الحربية (كوينسي)، قبل أن تضع الحرب الكونية الثانية أوزارها.
وعلى مر العقود والأحداث المتلاحقة، أثبتت هذه العلاقة قوتها وصلابتها رغم تعرضها لاختبارات قاسية أحيانا.
وعلى الرغم من الفتور الذي ظهر في العلاقات بين البلدين في بعض المراحل، لا سيما في عهد بعض الرؤساء الديمقراطيين الذي انتقدوا وضع الحريات وحقوق الإنسان داخل المملكة، إلا أن واشنطن والرياض لطالما سارعتا لإثبات قوة علاقتهما بعقد لقاءات وقمم كان آخرها قمة جدة للأمن والتنمية في يوليو هذا العام.
وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، لم يفوَّت الفرصة للتأكيد على قوة العلاقات الأمريكية السعودية حتَّى في ظل التوتر السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يعيشه العالم.
وقال بن فرحان، الأربعاء: "أمريكا الشريك الأول للسعودية والعلاقة معها استراتيجية وقديمة." وأضاف: "التعاون العسكري بين الرياض وواشنطن يخدم مصلحة البلدين كما ساهم في استقرار المنطقة."
ومع ذلك، يبدو أن الظروف العالمية الراهنة وما أفضت إليه أزمة أوكرانيا من وصول العالم لحافة حرب شاملة، والاصطفاف الدولي ضد/ مع روسيا والغرب، تواجه العلاقات بين الرياض وواشنطن أخطر الاختبارات اليوم.
ومع أن المواقف الدولية محكومة بالمصالح المتبادلة، قد يكون من الصعب الحفاظ على مساحة الحياد التي تستقر فيها بعض الدول مع استمرار تقلص هذه المساحة وتزايد التصعيد والأزمة الروسية الأوكرانية.
وضمن سياستها التي اتسمت بالمرونة والبراغماتية منذ صعود نجم ولي عهد الأمير محمد بن سلمان، أعلنت السعودية عن تخصيص 400 مليون دولار إضافية كمساعدات إنسانية لأوكرانيا.
وقالت وكالة "واس" إنَّ الرئيس الأوكراني زيلينسكي شكر بن سلمان على دعم بلاده خلال اتصال هاتفي.
وفي 11 أكتوبر الجاري، أجرى الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد زيارة إلى روسيا، التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرج. وقال بن زايد إن أبوظبي تسعى إلى تعزيز التعاون مع روسيا.
وقال بوتين إن تحركات روسيا "تهدف لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة وتحقيق توازن بين العرض والطلب."
على المدى المنظور، يبدو أن ما يجمع واشنطن والرياض أكبر بكثير مما يمكن أن يزعزع علاقة البلدين الشاملة في كافة المستويات. وبيد أنَّ هذه العلاقات تعرضت وتتعرض في أوقات كثيرة لمثل هذه الهزَّات، إلا أنَّه من المستبعد أن تذهب ردود الأفعال إلى مستويات بعيدة، خصوصا وأن قرار أوبك+ لم يكن سعوديا خالصا.
قبل 3 أشهر