قبل قمة الجزائر: الحاجة لإعادة تقييم أدوار الجامعة العربية

الصورة: أ ف ب

قبل قمة الجزائر: الحاجة لإعادة تقييم أدوار الجامعة العربية

التحليلات

الأربعاء, 19-10-2022 الساعة 02:16 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | د. إيمان زهران 

استكمالاً  للدور الجزائري، والبناء على استضافتها السابقة للقمة العربية المعنونة بـ "إصلاح جامعة الدول العربية" في عام 2005، تتواصل الجهود الدبلوماسية لتجاوز "مسألة التأجيل"، والترتيب لعقد جلسات الدورة 31 لاجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في الجزائر، في نوفمبر 2022 بالتزامن مع الذكرى 62 لاندلاع ثورة التحرير 1954. وذلك وسط العديد من التحديات التي تدفع باختبار فرضية "التوافق العربي- العربي" حول عدد من القضايا ذات الأولوية على أجندة الإقليم. وذلك بالنظر إلى حجم الاضطرابات السياسية والأمنية في كل من ليبيا، واليمن، لبنان، وسوريا، والعراق، فضلاً عن التسويات السياسية للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى مجابهة التهديدات والتدخلات الإيرانية، جنباً إلى جنب، مع جملة من التهديدات الدولية وغير التقليدية، في مقدمتها: استكمال خطوات التعافي من الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا، وتصاعد قوى اليمين المتطرف بالعديد من الدول الأوروبية، فضلاً عما يتعلق بتطور التفاعلات الروسية الأوكرانية، وانعكاساتها المباشرة والممتدة على الأمن القومي العربي. وهو ما يدفع بالتساؤل حول ما يمكن أن تضفيه القمة المُقبلة، وحجم التحديات المؤسسية لإنجاز البيان الختامي، فضلاً عن استشراف مستقبل الإصلاح لدعم الأدوار المتباينة لجامعة الدول العربية. وهو ما يتضح تباعاً بالنقاط التالية:

أولويات قائمة 

ثمة عدد من الملفات التي من المرجح أن تحل ضم أولويات جدول أعمال القمة المُرتقبة بالجزائر، وذلك بالنظر إلى:

-         أولويات إقليمية: تتباين تلك الأولويات بالنظر إلى خريطة الاضطرابات السياسية والأمنية بالدول المأزومة بالمنطقة العربية، وذلك على النحو التالي: الأزمة القائمة في لبنان، الفراغ النيابي في العراق، الفشل المستمر في ملف الانتقال السياسي في ليبيا، والتشكك في مسار العملية السياسية باليمن ومدى نجاعة تحركات المبعوث الأممي الرابع، دون إغفال الملف الأبرز والمتمثل في تطورات القضية الفلسطينية والموقف  العربي من عملية السلام، وذلك جنباً إلى جنب، مع تراجع أدوار جامعة الدول العربية في الاشتراك بكافة الترتيبات الأمنية بالشرق الأوسط، والحديث عن الطرح الخاص بـ "ناتو الشرق الأوسط"، فضلاً عن ضعف موقف الجامعة من التهديدات الإقليمية وفي مقدمتها التدخلات الإيرانية عبر أذرعها في العديد من دول المنطقة، مثل جماعة الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والمليشيات المتنوعة في العراق، وحركتي حماس والجهاد في قطاع غزة.    

-         أولويات عالمية: وذلك بالنظر إلى حجم التفاعلات بالنظام الدولي وانعكاسها المباشر على قضايا الإقليم العربي، وما يدفع في إطارها بحتمية تصويب مسار العلاقات العربية – الدولية، وذلك بالنظر إلى ثلاث ملفات رئيسية، أولاً: ما يتعلق بإشكالية "التعافي البطيء" للانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على كافة المجالات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية العربية، وثانياً: ما يتعلق بتطورات الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها الممتدة على الأمن القومي العربي خاصة في ملفي إمدادات الطاقة والأمن الغذائي، وثالثاً: ما ينطوي على الترتيبات العربية في ظل تصاعد تيار القوميين وقوى اليمين بالانتخابات الأخيرة لبعض الدول الأوروبية.  

وعلى الرغم من تزاحم أجندة القمة العربية المُرتقبة بالعديد من القضايا ذات الطبيعة المتشابكة إقليمياً ودولياً، إلا أنه بالمقابل، ثمّة عدد من التحديات التي قد تعصف بجدوى تلك القمة وتُنذر بهشاشتها، أبرزها:

-         التحدي الأول: حضور ومشاركة المملكة المغربية وذلك قياساً على التطورات الأخيرة والتصعيد المتبادل بين الرباط والجزائر على كافة المستويات، مثل: رفض إمداد الغاز إلى المغرب، وإغلاق المجال الجوي الجزائري، إذ أنها جميعها مؤشرات تدل على اضطراب العلاقات الثنائية وقد تدفع بعدم المشاركة المغربية، على الرغم من سياسات الرباط الخارجية والتي تتلخص في "نبذ فرضية المقاعد الشاغرة". 

-         التحدي الثاني: يرتبط ذلك التحدي بالنقطة الأولى والتي تتعلق باحتمالات مشاركة دولة المغرب، حيث في حالة المشاركة فمن المُحتمل إثارة الجزائر قضية "الصحراء الغربية"، والتي تعتبرها الرباط بمثابة "خطاً أحمر" غير قابل للتفاوض، وهو ما قد يُمثل تحدياً مهماً للتناغم العربي بالقمة المُقبلة.  

-         التحدي الثالث: ما يتعلق بوضع سوريا وعودتها لحاضنة جامعة الدول العربية. إذ يبدو أن من أحد أسباب تأجيل "القمة العربية" هو محاولة الحصول على توافق عربي- عربي لإعادة مقعد دمشق مرة أخرى للطاولة العربية عقب تعليق عضويتها منذ نوفمبر 2011، فضلاً عن إشكالية التمثيل الليبي.   

الجدير بالذكر، أن القمة العربية المُرتقبة – على الرغم من تحدياتها المتباينة – إلا أنها تُشكل رهاناً سياسياً لدولة الجزائر، وذلك بالنظر إلى حجم المكاسب الخارجية في حال نجاح تلك القمة، والتي تُرسخ في مضمونها عودة الجزائر إلى الساحة الأفريقية والعربية بعد غياب ما يقرب من  10 سنوات، وذلك بالنظر إلى مدى ثقل الأولويات المُدرجة على أجندة القمة العربية. 

تحديات مؤسساتية 

تأسست جامعة الدول العربية، كمنظمة إقليمية شاملة، وكواحدة من الخطوات المهمة في إطار مواجهة التحديات التي تستهدف "المشروع العربي" في مرحلة ما بعد الاستقلال، وفى ظل استمرار القضايا العربية الكبرى دون حل، خاصة القضية الفلسطينية والتي تُعرف بكونها "صراعًا ممتدًا"، وعدم بلورة موقف عربي موحد تجاه العديد من الأزمات الإقليمية في كلاً من سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرهم، فضلاً عن تباين التوجهات السياسية بين الدول المختلفة، الأمر الذي دفع إلى الحديث عن أهمية الهيكل المؤسسي لجامعة الدول العربية في الاشتراك بتسوية المنازعات القائمة بالدول المأزومة بالإقليم.

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة للجامعة العربية نحو إيجاد مخرج مشترك لتسوية أزمات الإقليم، إلا أن هناك عدداً من المآخذ على طريقة التناول، نذكر منها[1]:

1.     أنّ الجامعة العربية انطلقت في قراراتها ومبادرتها تجاه "الدول المأزومة" من دوافع سياسية مشوبة بحسابات إنسانية، مع تجاهل تام للأسس القانونية الحاكمة في ميثاق الجامعة، وفي عدة وثائق ومرجعيات عربية أخرى، والتي تتضمن الالتزام بإبقاء الخلافات العربية داخل المظلة العربية.

2.     منع الجامعة العربية لممثلي كل من ليبيا وسوريا من المشاركة في اجتماعات مجلس الجامعة، أدى ذلك – فضلًا عن مخالفته لنصوص الميثاق- إلى افتقاد قنوات التواصل والضغط المباشر على كلا النظامين، وإلى تغييب عنصر التوازن والتدقيق في مصادر المعلومات المتاحة عن التطورات الميدانية والسياسية.

3.     إدارة جامعة الدول العربية لآلية " الرقابة الميدانية " التي استحدثتها في إطار المبادرة الأولى بشأن الأزمة السورية، وتعكس تواضع خبرة الجامعة في مثل هذه الأنشطة الميدانية الدقيقة، حيث لوحظ على سبيل المثال، تشكيل فريق المراقبين بطريقة بيروقراطية وبأعداد محدودة لا تسمح بتغطية مسارح العمليات المتفرقة، ومن عناصر أغلبها غير مدرب على مثل هذا العمل الميداني، فضلاً عن كونه لم يتم تطبيقه تباعاً في كافة الدول المأزومة، وفي مقدمتها: اليمن، ولبيا، والعراق، ولبنان.

4.     انعدام مصادر معلومات خاصة بجامعة الدول العربية، أو مصادر مستقلة تستقي منها البيانات الدقيقة عن التطورات الميدانية بأزمات دول الإقليم، وعن الخلفيات الداخلية والقوى المعارضة في مختلف البلدان وأجنداتهم ومشروعاتهم السياسية البديلة. بما يقوّض من دور الجامعة استناداً لانعدام ثقلها المعلوماتي.

5.     ضعف الانخراط بالعمق اللوجيستي بالإقليم العربي؛ حيث لم تؤسس الجامعة العربية لأية أدوار عملية لمساعدة شعوب دول الأزمات سواء في ليبيا أو العراق أو اليمن وغيرهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة الوطنية عقب انهيارها، وتأمين الحدود، وإجراء ما يلزم من مصالحات وطنية، وعهدت بتلك الأمور الداخلية للخبراء الغربيين والمبعوثين الأمميين كما في الحالة اليمنية. إضافة لذلك، يلاحظ عدم كفاية الخطوات العملية التي قامت بها الجامعة لإغاثة اللاجئين، أو التحضير لإجراءات حصر وتوثيق الخسائر التي تعرّضت لها المدن المُستهدفة بالصراعات القائمة، أو الإعداد لخطط إعادة البناء بعد توقف القتال بالتطبيق على الحالة السورية وكذلك اليمنية.

6.     هشاشة النظام الإقليمي العربي، وذلك بالنظر إلى عدد من المحددات، أبرزها [2]:

·       تخلخل التوافق العربي على مستوى مجلس جامعة الدول العربية والذي يتضح من خلال مناقشة القضايا والتصويت على القرارات التي تصدر عنه، وعدم القدرة على تنفيذها، بالإضافة إلى وجود تكتلات داخل مؤسسات جامعة الدول العربية التي نجم عنها عدم توافق في الآراء، لأن وصل الأمر إلى إصدار القرارات دون إلزامية، أو في شكل بيان ختامي أو توصيات مؤجلة في معظم الحالات.

·       ضعف الاقتصاد العربي، فضلاً عن مركزية صناعة القرار الاقتصادي خارج المنطقة العربية، مع عدم نجاعة الاتفاقيات الخاصة بالوحدة الاقتصادية وتكاملها.

·       محدودية المجال الدفاعي والعسكري الذي يعتبر أبرز عائق للأمن الإقليمي العربي، وذلك من خلال ضعف الإمكانيات العسكرية ومحدودية الصناعات الحربية للدول العربية، رغم تعاظم نفقاتها في هذا المجال .

·       اضطراب العلاقات العربية-العربية منذ النشأة الأولى للجامعة، فالأطروحات والمشاريع السياسية للقيادات العربية من أجل وحدة الأجندة والتكامل الهيكلي، لازالت قيد الاختبار بالإقليم العربي.

الجدير بالذكر، أن ثمة عدداً من المتغيرات السياسية والتي تُشكل تحديا للأدوار المتباينة لجامعة الدول العربية بالدول المأزومة بالإقليم، أبرزها:

-         أزمة "الشرعية" : تتسم بحجم المتغيرات الداخلية للدولة الوطنية وانعكاسها المباشر على دور الجامعة العربية. وهنا تبرز أولى تلك التحديات والمتمثلة في التساؤل حول: "ماهي درجة قبول المجتمع للسلطة السياسية القائمة؟"، وانعكاس ذلك على التراجع في مدى شرعيته ونفوذه. فعلى سبيل المثال: انتهت الانتفاضات الشعبية الموجّهة ضد أنظمة الحكم السائدة في الكثير من دول الشرق الأوسط إلى مزيج من العنف المجتمعي والطائفي على نحو ما دفع بمزيد من الاختلالات الداخلية للدول الوطنية، كالحالة السورية واليمنية والليبية. ما شكّل معها تحدياً بالغ الخطورة عن دور الجامعة العربية في تسوية أزمات تلك الدول. 

-         أزمة "الأقلمة": تنطوي على فكرة التقسيم واجتزاء الدولة الوطنية استناداً إلى "الأقلمة الطائفية"، وهو ما يُعمّق من أزمات الداخل كتحدي أمام دور الجامعة العربية. فعلى سبيل المثال: واجهت الجامعة العربية تحدياً بالعراق، والتي تُعد من أكثر الدول ذات الأقلمة الطائفية لبعض عناصرها، على إثر إعلان رئيس مجلس النواب العراقي السابق "سليم الجبوري" عن تبنيه لطرح فكرة إقامة إقليم (سُني) في العراق، وذلك بالتزامن مع احتدام العنف والعنف المضاد والعمليات العسكرية في أكثر من ثلث مساحة العراق[3].  

-         أزمة "الفواعل الصاعدة": تتعلق تلك الأزمة بحجم التدخلات الخارجية من جانب فواعل القوى الصاعدة بالإقليم العربي، والتي في مقدمتها تركيا وإيران، وذلك بالنظر إلى ما يحمله كل منهم من استراتيجية وطنية يسعى كلاهما لإنجاز تحركاتها، سواء الاستراتيجية الوطنية التركية والتي أطلق عليها "العثمانية الجديدة"، أو ما يتعلق بالخطط التوسعية للجمهورية الإسلامية ووثيقتها السياسية المُعلنة "إيران 2025".  

-         أزمة "ما دون الدول": يتعلق ذلك التحدي بحجم التحركات للفواعل العابرة للقومية، حيث أصبحت خرائط التحرّك للفاعلين من دون الدول في المنطقة العربية تتسم بالتعقيد والتشابك، خاصة عند الحديث عن مستويات نشاط الفاعلين وتصنيفاتهم، سواءاً الفاعلين من دون الدول المحليين، أي الذين ينحصر نشاطهم في دولة واحدة فقط، مثل الأحزاب السياسية، والفاعلين العابرين للحدود، والذين يتعدى نشاطهم حدود دولة واحدة، مثل حزب الله، وتنظيم القاعدة، والشركات المتعددة الجنسيات. 

-         أزمة "التدويل": تنصرف تلك الفرضية على تحركات العديد من القوى الدولية نحو إعادة التموضع بخريطة الشرق الأوسط، عبر اختطاف دور الجامعة العربية بتسوية أزمات الإقليم، وطرح مبادرات وخطط شاملة لإنهاء الصراعات، مثل مباحثات جنيف، ومؤتمرات الأستانة، والأدوار المتباينة للمبعوثين الأمميين لدول المنطقة مثل اليمن وليبيا. بما يهمش من دور الجامعة العربية، وينتقص من ثقل ميثاقها بتدخّل أطراف دولية لإدارة أزمات الإقليم العربي. 

مستقبل الإصلاح 

على وقع التوافقات العربية – العربية لعقد الدورة 31 للقمة العربية بدولة الجزائر، فثمّة عدد من المحددات والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند مناقشة أزمات الإقليم وآليات إنفاذ مخرجات البيان الختامي بما يتوافق على ما ينتهي إليه "الإجماع العربي"، وذلك بالنظر إلى:

1.    تعديل ميثاق الجامعة، وتجديد أجهزتها، بما يساهم في إنهاء حالة التراخي الذي أعاق الجامعة العربية عن أداء مهامها.

2.    العمل على تغيير قواعد التصويت في إطار الجامعة لضمان الإلزامية، وذلك تعديل الفقرة " 2" من المادة " 6" بشأن التصويت في الحالات الخاصة بالاعتداء على دولة عضو، واعتماد نص جديد للمادة " 7" من الميثاق بشأن تعديل آلية اتخاذ القرارات[4].

3.    إنشاء مؤسسات جديدة قادرة على تعزيز نشاط الجامعة، فعلى سبيل المثال: من بين تلك المبادرات ما جاء به إعلان قمة تونس 2004[5] ، والذي طرح عدداً من النقاط للإصلاح، من بينها: تطوير العمل العربي المشترك وفق برامج ومشاريع إصلاحية تنسيقية في مختلف المجالات "السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والدفاعية والعسكرية..إلخ، وإنشاء محكمة العدل العربية للنظر في مختلف القضايا العربية الهامة من الناحية القانونية، وٕانشاء برلمان عربي انتقالي واعتماد نظامه الأساسي، وإنشاء هيئة لمتابعة تنفيذ القرارات والالتزامات.

4.    السعي نحو تطوير التنظيم الإداري والهيكلي للجامعة العربية، فضلاً عن إيجاد حل للعجز المالي الذي تعاني منه الجامعة باستمرار.

5.    العمل على تعزيز دور ممثلي المجتمع المدني في الأمانة العامة، وخلق مسارات آمنة للآليات التي تضمن تحقيق التواصل الفعال بين الجامعة ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك بالإسقاط على تجربة "الأمم المتحدة والتي قامت بإضفاء الصفة الاستشارية لتلك المنظمات، في نطاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي".

6.    إيجاد آلية عربية لتسوية النزاعات بالطرق السلمية على أن يكون لها ذراعان، إحداهما "سياسي – دبلوماسي" كمجلس مكوّن من قادة الدول الأعضاء بالجامعة يتمتع بثقل سياسي حقيقي، والأخرى "قضائي" وذلك متمثل في محكمة العدل العربية، على أن تتمتع بولاية إلزامية في حالات محددة.

7.    خلق آلية للأمن الجماعي، على أن تتضمن جهازاً لصنع القرارات مزوّداً بسلطات وصلاحيات واسعة تمكّنه من التدخل في الحالات التي تتطلب توفير الحماية والأمن لكل الدول الأعضاء في مواجهة كل أنواع التهديدات والأخطار، ويكون تحت تصرفه ما يكفي من الموارد التي تمكّنه من التدخل بفاعلية، بما في ذلك القوة العسكرية (قياساً على ما انتهت إليه القمة العربية السادسة والعشرين بشرم الشيخ 2015 بالدعوة لإنشاء "قوة عربية مشتركة"[6]).

8.    دعم المنظمات العربية المتخصّصة انطلاقاَ من كون الاندماج والتكامل العربي يتجاوز بكثير البعد السياسي ليشمل جميع جوانب الحياة ومن أهمها الجانب الثقافي، وكذلك نجد أن تلك المنظمات تمثل تجسيداً للنهج الوظيفي في السعي لتحقيق التكامل العربي. فما تعوقه السياسة يمكن أن ينهض به الثقافة و الاقتصاد. 

تأسيساً على ما سبق، واستنادا للخبرة التاريخية لتوجهات السياسية الجزائرية فيما يتعلق بملفات الإقليم العربي، فمن المُرجح أن تُدار القمة المُقبلة استناداً إلى ثلاث مستويات، متمثلة في: 

-         المستوى الأول: يتعلق بمناقشة تدابير الأوضاع الأمنية بالدول المأزومة بالإقليم، وفي مقدمتها اليمن، وليبيا، وسوريا، والسودان، والصومال، حيث تتخذ صراعاتهم صبغة "النزاع الأمني المُسلح"، وتطويق انعكاساتهم المباشرة على الأمن القومي العربي.   

-         المستوى الثاني: معالجة الأوضاع السياسية وطرح مسارات نوعية لإنهاء أزمة "الفراغ الدستوري" في كل من العراق ولبنان وليبيا.  

-         المستوى الثالث: يتمثل في "القضية الفلسطينية"، وبحث إشكالية "التسوية السليمة"، وبحث ما يُعرف بـ "عملية السلام"، وذلك بالتزامن مع عدد من المتغيرات السياسية والأمنية بالأراضي الفلسطينية، سواء بالنظر إلى الجانب الإسرائيلي وانتخابات الكنيست في نوفمبر المُقبل، أو ما يتعلق بالجانب الفلسطيني والانفراج بالمسار السياسي الفلسطيني - الفلسطيني عقب توقيع "اتفاق المصالحة" والذي عُرف بـ "إعلان الجزائر" وذلك في أكتوبر 2022[7].


د. إيمان زهران

متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الاقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات

مراجع: 

[1] إيمان زهران،  المُتغيرات السياسية وإنعكاساتها على دور جامعة الدول العربية فى تسوية أزمات المنطقة، دورية آفاق عربية ، الهيئة العامة للإستعلامات ، العدد 2، ديسمبر 2017
[2] إيمان زهران، المُتغيرات السياسية وإنعكاساتها على دور جامعة الدول العربية فى تسوية أزمات المنطقة ، المرجع السابق
[3] عبدالرضا الحميد ،فى المشكل العراقى : الأقلمة والإنفصال – القسم الاول ، 19 سبتمبر 2014 arabi-press.com
[4] للإطلاع على المادة "6"، والمادة "7" من الميثاق، أنظر : ميثاق جامعة الدول العربية، الموقع الرسمى لجامعة الدول العربية، bit.ly
[5] نص البيان الختامي للقمة العربية بتونس 2004، موقع الجزيرة ، 3/10/2004، bit.ly
[6] القمة العربية العادية السادسة والعشرين، موقع رئاسة الجمهورية: جمهورية  مصر العربية،  bit.ly
[7] الفصائل الفلسطينية توقع اتفاق مصالحة في الجزائر لإجراء انتخابات وتشكيل حكومة وحدة، موقع فرانس 24، 13/10/2022، bit.ly

الجامعة العربية قمة الجزائر الشرق الأوسط الدول العربية