التحليلات

السعودية والإمارات محايدتان في «الحرب الباردة» الجديدة

محمد بن سلمان ومحمد بن زايد (رويترز)

16-10-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | أندرو كوريبكو


العلاقات الدولية في خضم تحول منهجي عالمي يسبق [الهجوم] العسكري الروسي في أوكرانيا ولكن تم تسريعه بسبب العواقب الاستراتيجية بعيدة المدى المرتبطة به. إن موقف الولايات المتحدة باعتبارها المهيمنة أحادية القطب يواجه تحديا بسبب صعود القوى العالمية مثل روسيا والصين، التي تتوخى إصلاح النظام العالمي تدريجيا بحيث يصبح أكثر ديمقراطية ومساواة وعدلا.  وعلى النقيض من ذلك، تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها للاحتفاظ بمكانتها الرائدة، وإن كانت تعترف من خلال استراتيجيتها للأمن القومي التي صدرت حديثا بأن بعض الإصلاحات لا مفر منها. 


ويمكن وصف المنافسة بين هؤلاء اللاعبين الرئيسيين على مدار التحول المنهجي العالمي، وتحديدا ما إذا كان ذلك سيعزز في نهاية المطاف الأحادية القطبية أو يؤدي إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب حقا، بأنها الحرب الباردة الجديدة. ورغم أن الولايات المتحدة تنكر أنها تضغط على الدول لاختيار أحد الجانبين بروح نموذج المحصلة الصفرية الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش "معنا أو ضدنا"، فإن أفعالها تكذّب نواياها. تعتبر أميركا الحياد في الحرب الباردة الجديدة أقرب إلى الدعم الضمني لروسيا والصين، ولكن هذه طريقة غير دقيقة لتقييم سياسات الدول الأخرى. 


تعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نموذجين مثاليين على البلدان المحايدة حقا في هذه المنافسة العالمية على مدار التحول المنهجي العالمي، ومع ذلك لا تزال تجد نفسها تحت ضغط الولايات المتحدة ردا على سياساتها البراغماتية. وصوّت كلاهما في الأمم المتحدة لإدانة دمج روسيا المثير للجدل لأربع مناطق أوكرانية سابقا، وسبق أن انتقدا موسكو لعمليتها العسكرية في أوكرانيا. ومهما يكن من أمر، فإنهم لم يتبعوا ذلك بفرض عقوبات على روسيا كما طالبت الولايات المتحدة لأن هذه القيود خارج مجلس الأمن الدولي وبالتالي فهي غير قانونية. 


ومن خلال إدانة روسيا من جهة، مع الاستمرار في التعاون العملي معها من جهة أخرى، فإنّ تلك الممالك الخليجية تمارس بالفعل سياسة محايدة تجاهها على الرغم من سياق الحرب الباردة الجديدة. هذا مفيد للطرفين ولا يحدث على حساب أي أطراف ثالثة مثل حليفهم الأمريكي التقليدي، ومع ذلك فإنّ الأخير مستاء للغاية لأنهم لم يخضعوا لضغوطه لمعاقبة روسيا. كما أنهما غير مهتميَن بالقيام بذلك لأنهما يعتبران ذلك السيناريو بحق تنازلا من جانب واحد عن مصالحهما الوطنية الموضوعية، ولا سيما فيما يتعلق بتنظيم سوق الطاقة العالمية تنظيما مسؤولا. 


ويشارك هؤلاء الثلاثة في إطار عمل أوبك+، الذي وافق مؤخرا على خفض الإنتاج. وبدلا من احترام حق حلفائها في سياسة خارجية مستقلة تتماشى مع مصالحهم لا تهدف إلى الإضرار بأي طرف ثالث مثل مصالحها، انقلبت أمريكا فجأة ضدهم من خلال إدانة قرار المجموعة. لقد اعتبرها صناع السياسة خطأ وخطوة في الحرب الباردة الجديدة التي يفترض أنها وضعتهم إلى جانب روسيا. وردا على ذلك، اقترح بعض الممثلين المنتخبين التخلي عن الالتزامات الأمنية التقليدية لبلادهم تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. 


والواقع أنّ رد الفعل المبالغ فيه هذا كاشف تماما لأنه يلفت الانتباه إلى الحقيقة غير المريحة سياسيا وهي أنّ أميركا لم تحترمهم قط كشركاء متساوين طوال الوقت. ولو أنها فعلت ذلك، لما استجابت أبدا بالطريقة التي استجابت بها للتو. في الواقع، إنّ سعي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتعزيز استقلاليتهما الاستراتيجية في الحرب الباردة الجديدة من خلال سياساتهما المحايدة حقا للتعاون متبادل المنفعة مع روسيا والولايات المتحدة دون أن يكون أي من البعدين على حساب الآخر يجب أن يصفق له صناع السياسة الأمريكيون بدلا من توبيخهم. 


وللتوضيح، من غير الواقعي أن نتوقع من الدول الصاعدة مثل هاتين المملكتين الخليجيتين أن توافق على التنازل من جانب واحد عن القضايا التي يعتبرها قادتها في مصالحهم الوطنية الموضوعية. وهذا يعني أن السياسات الرامية إلى الضغط عليها لتحقيق هذه الغاية محكوم عليها بالفشل، وبالتالي المخاطرة بالإضرار بالعلاقات الثنائية ردا على ذلك. فقط أولئك الذين يحترمون حقا حقهم المكرس من قبل الأمم المتحدة في إصدار سياسات مستقلة لا يتم تنفيذها على حساب أي طرف آخر سوف يجنون ثمار التعاون متبادل المنفعة في المستقبل إلى أجل غير مسمى. 


وهذا ليس خطابيا ولا نظريا، ولكنه مثبت من خلال الممارسة كما يتضح من التناقض بين المقاربتين الأمريكية والروسية تجاه تلك الممالك الخليجية على التوالي. لم تكن أمريكا راضية عن تصويتهما ضد روسيا في الأمم المتحدة لأن ذلك لم يتبعه عقوبات، مما أدى إلى تعاونها مع موسكو في تنظيم سوق الطاقة العالمية. وقد تم تفسير هذا التطور بشكل خاطئ على أنه عمل عدائي غير مبرر ضد مصالح الولايات المتحدة، وبالتالي دفع اقتراح الممثلين المنتخبين بقطع بلادهم علاقاتها الأمنية معهما. 


إن تسييس تعاون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مجال الطاقة مع روسيا بطريقة ترقى إلى مستوى ابتزاز هذين الاثنين من خلال التهديد بتدهور وضعهما الأمني الإقليمي في مواجهة إيران، التي لم تتوصل الولايات المتحدة معها حتى الآن إلى الاتفاق النووي الجديد الذي كانت تحاول التفاوض عليه، أمر غير مقبول على الإطلاق. ويتناقض هذا النهج تناقضا صارخا مع النهج الروسي، الذي لم يبالغ في رد فعله على تصويتها في الأمم المتحدة ضده، بل واصل التعاون معها أينما تقاربت مصالحها. 


ويعزى هذا الموقف إلى مطالب أميركا بأن يتنازل حلفاؤها من جانب واحد عن مصالحهم الوطنية الموضوعية في مواجهة روسيا، وهو ما يرقى في الواقع إلى معاملتهم كتابعين بدلا من الشركاء المتساوين الذين يفترض أن يكونوا كذلك، في حين تشيد روسيا بحيادهم في الحرب الباردة الجديدة ويمكن القول إنها تعتبرها رائدة. وللتوسع في هذه النقطة الأخيرة، تتوخى استراتيجية موسكو متعددة الأقطاب صعود قادة إقليميين يتمتعون بالحكم الذاتي الاستراتيجي مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي سيساهم في إصلاح النظام العالمي تدريجيا بحيث يكون أكثر ديمقراطية ومساواة وعدلا. 


لا يتوقع الكرملين من شركائه التضحية بمصالحهم من أجل تعزيز مصالحه الخاصة لأنّ صناع السياسة يعرفون أن القيام بذلك سيكون له نتائج عكسية، وهو أمر لم تقبله الولايات المتحدة على ما يبدو كما أثبتت سياستها الأخيرة تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبالنظر إلى هذا، فإن بيان سياسة الهيمنة أحادية القطب في الصفحة 9 من أحدث استراتيجية للأمن القومي حول "السعي إلى الحفاظ على الحكم الذاتي وحقوق الدول الأقل قوة" ليس صادقا، كما أنه لم يقل الحقيقة على نفس الصفحة عندما كتب مؤلفوه "نحن لا نسعى إلى صراع أو حرب باردة جديدة". 


والحقيقة هي أن الولايات المتحدة لا تحترم الحكم الذاتي للدول الأقل قوة وحقوقها لأنها تتوقع منها أن تتنازل من جانب واحد عن مصالحها الوطنية الموضوعية من خلال الوقوف إلى جانبها في ما يعتبره صناع السياسات بشكل غير رسمي الحرب الباردة الجديدة. يتجاهل هذا النهج حقيقة أن بعض الدول الأقل قوة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا تزال قوية بما يكفي للدفاع عن تلك المصالح نفسها، وهو ما لا يقصد به أن يتم على حساب أي شخص مثل أمريكا. كل ما يحاولون القيام به هو تجنب الوقوع في براثن ضغوط المحصلة الصفرية للحرب الباردة الجديدة من خلال البقاء على الحياد.


أندرو كوريبكو

محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو متخصص في العلاقة بين استراتيجية الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة. 

- الآراء الواردة في هذه المقالة تعكس رأي المؤلف ولا تعبّر بالضرورة عن السياسة الإعلامية لمركز سوث24
شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا