«مليونية الخلاص في سيئون» - 14 أكتوبر 2022 (سوث24)
23-10-2022 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
تعتبر محافظة حضرموت العمق الاستراتيجي والبشري لسكان جنوب اليمن، وهي كبرى محافظاته جغرافيا وسكانا، ومخزن ثرواته وموارده الطبيعية الكبيرة. وعلى مستوى المطالب والمساعي المستمرة منذ عقود لاستقلال الجنوب وعودة دولته، تمثَّل حضرموت العمود الفقري لهذه الدولة المنشودة.
وتميَّزت حضرموت بدور رئيسي وبارز ضمن حركات التحرر الجنوبية سابقاً، والمجلس الانتقالي الجنوبي حالياً. واحتضنت المدن الرئيسية في المحافظة التي تتقسم على الساحل والوادي، مثل المكلا وسيئون، مئات الفعاليات الجماهيرية الكبرى التي شارك فيها مئات عشرات الآلاف للمطالبة باستعادة دولة الجنوب المنشودة.
وإلى جانب المطالب باستعادة دولة الجنوب التي دخلت في وحدة اندماجية مع شمال اليمن في 1990، وأُعلن فك ارتباطها من جانب واحد من قبل الرئيس الجنوبي الحضرمي علي سالم البيض في 1994، تحرص النخبة الحضرمية الراهنة على التمسك بالشكل الفيدرالي للدولة المنشودة بعيداً عن المركزية المطلقة السابقة.
في هذا التقرير، يستطلع مركز "سوث24" آراء شخصيات حضرمية من مكونات سياسية ومجتمعية مختلفة، بما في ذلك شخصيات مقربة من حزب الإصلاح اليمني الذي تبنَّى مؤخراً شعارات "فصل" حضرموت عن الجنوب.
استعادة الجنوب
تعتقد الأكاديمية دعاء باوزير، عضو اللجنة العليا للمرأة الجنوبية، أنَّ "استعادة الدولة الجنوبية لم تعد مسألة فيها نظر."
وأضافت لـ "سوث24": "إنَّها إرادة شعب، من عدن غرباً، حتى المهرة وسقطرى شرقاً. لقد أصبحت استعادة الوطن الجنوبي قضية شعب تجسّدت إرادته في الحراك الجنوبي السلمي."
وبالنسبة للمهندس صالح بازقامة، نائب رئيس كتلة حلف وجامع حضرموت، فإنَّ مليونيات حضرموت لأجل الجنوب هي المعبَّرة عن تطلعات الحضارم.
وقال لـ "سوث24": "لقد قال أبناء حضرموت كلمتهم في هذه المليونيات المتعاقبة التي كان آخرها (مليونية الخلاص) في سيئون. حضرموت لن تغرد خارج السرب الجنوبي أبداً."
أما رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في سيئون، عبد الرحمن الجفري، فاعتبر في حديث لـ "سوث24" أن "الوحدة اليمنية لم يعد لها وجود."
وأضاف: "لقد سلّم الجنوبيون دولة بكامل مؤسساتها، مطاراتها، شركاتها وعملتها وتنازل عن الرئاسة، لتكون نصيب الجمهورية العربية اليمنية بنوايا حقيقية؛ إلا أنّ الطرف الآخر غدر باتفاقيات الوحدة، واغتال القيادات السياسية والعسكرية".
من جانبه، يرى رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية الدكتور عمر باجردانة أنَّ "استعادة الدولة الجنوبية، سيمثَّل مصدر أمن واستقرار في المنطقة، وعاملاً قوياً في وضع نهاية لحالة الصراع المتكررة في اليمن".
وأضاف باجردانة لـ "سوث24": "جوهر الصراع اليمني متمحور في قضية شعب الجنوب، كما أنّ الاستقرار المأمول لن يتحقق من دون حل عادل لهذه القضية".
لكنَّ الصحفي عبد الرحمن باتيس ليس متحمساً بذات القدر لاستعادة دولة الجنوب، على الأقل ليس وحضرموت ضمن هذه الدولة.
وقال باتيس لـ "سوث24": "مستقبل حضرموت أفضل باستقلالها عن الجنوب. حضرموت ليست في حاجة إلى مزيد من الصراع الجنوبي – الجنوبي. الجنوبيون أنفسهم لا يرون في حضرموت إلا آبار النفط والثروة".
ومع أنَّ باتيس أكد على اجتناب الصراع – الجنوبي باستقلال حضرموت، إلا أنَّه يعتقد أنَّ "حضرموت لم تكن ضمن الجنوب حتَّى تعود إليه." وأضاف: "نحن نمتلك مقومات دولة ولسنا في حاجة إلى محافظات أخرى وإن كانت جنوبية."
شكل الدولة
بشكل مُعلن، يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتبوأ فيه الحضارم مناصب رفيعة وأساسية، المشروع الفيدرالي لدولة الجنوب التي يسعى المجلس لاستعادتها وإعلانها.
وحول شكل الدولة الذي يريده الحضارم، قال الخبير باجردانة: "الشكل الفيدرالي هو المطلوب. تتطلّع حضرموت لأنَّ تكون إقليم مستقل له كامل الصلاحيات في ظل دولة جنوبية فيدرالية."
واتفقت الأكاديمية دعاء باوزير مع ذلك، وقالت: "حضرموت وكل محافظات الجنوب تتطلع إلى الدولة الاتحادية الفدرالية."
وأضافت: "هذه هي الدولة التي تحفظ لكل إقليم أو محافظة حقها في الشراكة العادلة في كل مجالات الحياة ومؤسسات الدولة، وتضمن الخصوصية والعدالة الاجتماعية والحقوق في الثروة."
ويعتقد القيادي بحلف جامع حضرموت صالح بازقامة أنَّ "الشكل الكونفدرالي للدولة أمر منصف لحضرموت والجنوب."
حضرموت المستقلة
انتقد بازقامة الأصوات المطالبة بتقسيم الجنوب وفصل حضرموت عنه. وقال: "هذه الدعوات ستفشل ولا يؤيدها إلا قلّة، كما أنَّها لن تؤثر على أصوات ومطالب الملايين من أبناء حضرموت والجنوب".
وأضاف: "هذه الدعوات تنفذ أجندات خارجيّة مرتبطة بأحزاب سياسية، مثل الإصلاح ونُخب شمالية أخرى. إنَّها "مرتبطة بانقطاع مصالح شخصيات معينة".
ودعا بازقامة من يقفون وراء هذه المطالب إلى "تحكيم العقل ونبذ المصالح الشخصية." وأضاف: "هؤلاء تغيَّبوا عن المشهد عندما كان لزاماً علينا جميعا أن نقف إلى جانب الهبة الحضرمية الثانية ومطالبها".
ويعتقد باجردانة أنًّ النجاحات التي حققها المجلس الانتقالي على حساب حزب الإصلاح هي ما دفعت لبروز هذه الأصوات.
وأضاف: "بعد الخسارة التي مني بها الإصلاح في أغلب مناطق الجنوب، يحاول [الحزب] خلط الأوراق من خلال التمترس خلف مشروع انفصال حضرموت لعلَّه يجد في حضرموت الوطن البديل عن مأرب وصنعاء."
ولكنَّ باجردانة يرى أنَّ طريقة تعامل الانتقالي مع المناطق الشرقية من حضرموت قد تكون إحدى الثغرات التي استغلها الإصلاح.
وأضاف: "هناك ضعف في الأداء السياسي والاجتماعي للمجلس الانتقالي. ليس هناك آلية نوعية معينة يتم من خلالها التعامل مع المناطق الشرقية من حضرموت."
ولفت باجردانة إلى أنَّ هذه المناطق "تمثَّل خصوصية، وذات طابع خاص يختلف عما هو موجود في المحافظات الجنوبية الأخرى".
وأشار إلى أنَّه "يتوجب على الانتقالي الانفتاح مع كل شرائح المجتمع هناك، وخصوصاً القبائل، واعطاء صورة لها عن الدولة الجنوبية القادمة. عليه طمأنتهم أنَّ أبناء المحافظة سيكونون شركاء فيها على نحوٍ عادل".
واعتبرت دعاء بوزير دعوات فصل حضرموت عن الجنوب بأنَّها "تسير ضد رغبة وتوجهات وتضحيات الغالبية العظمى من أبناء حضرموت."
وقالت: "لن تستطيع هذه القوى مهما حاولت خلط الأوراق، أو تظاهرت بحرصها على حقوق حضرموت التأثير على المطالب العامة. جميعها خارج حركة التاريخ، والنبض الوطني الجنوبي الطاغي لأبناء المحافظة."
على النقيض، يعتقد الصحفي عبد الرحمن باتيس أنَّ "مطالب استقلال حضرموت أصبحت واجبة في ظل انقسام الحضارم." وأضاف: "هذا يُثبت أنَّ هناك رغبة جامحة نحو إبعاد حضرموت عن المشروع الجنوبي الفاشل."على حد تعبيره.
مهددات الإرادة الحضرمية
أيا تكن رغبات الحضارم وتطلعاتهم للمستقبل، يبدو أنَّ هناك العديد من الأمور التي تُهدد استقلالية قرارهم، مثل القوات الشمالية الرابضة في مناطق المحافظة الغنية بالنفط منذ عام 1994.
وبشكل أساسي، تمثَّل المنطقة العسكرية الأولى، في وادي حضرموت، أكبر هذه المُهدَّدات، وتتكون المنطقة من ألوية شمالية تتواجد منذ ما قبل حرب 2015 ولم تشارك في أي معركة.
وعلى الرغم من أنًّ اتفاق الرياض [نوفمبر 2019]، ينص على إخراج قوات المنطقة للجبهات مع الحوثيين، إلا أنَّ ذلك لم يتحقَّق بعد حتَّى الآن، رغم تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل من هذا العام.
وحول هذه المنطقة وما يقد يشكلها بقاؤها من إعاقة للإرادة الحضرمية، قال بازقامة: "لا نعتبر هذه المنطقة عائقا على الإطلاق."
وأضاف: "لدينا شباب واعٍ ومتعطش للحرية يستطيع إخراجها بالقوّة، لكنَّا نسعى لإخراجها بالأطر السلمية وفقاً لاتفاق الرياض، دون أن تسيل قطرة دم واحدة".
وترى دعاء باوزير أنَّ قوات المنطقة الأولى: "ربما قد تهدد إرادة الحضارم في الوقت الراهن، لكنَّها مسألة وقت فقط وسيفرض أبناء حضرموت إرادتهم في استعادة الدولة الجنوبية."
وشدَّد باجردانة على ضرورة إيجاد بدائل للمنطقة الأولى في حضرموت "كونها سوف تترك فراغاً عندما يتم التخلص منها وتحرير الوادي."
وأشار باجردانة إلى أنَّ "مسألة إثارة النعرات القبلية ستظل مرهونة بمدى قدرة المجلس الانتقالي والمجلس الرئاسي على احتواء الأمر في الوادي وفرض سيطرتهما واستمالة القبائل واحتضانها".
لكنًّ عبد الرحمن باتيس لا يرى في المنطقة العسكرية الأولى ذات الخطر الذي يراه بقية الحضارم.
وقال باتيس: "هذه القوات وطنية، مثلها مثل القوات في محافظة المهرة." ويزعم بأنّ "الخطر الحقيقي هي قوات المجلس الانتقالي التي تدعَّي حماية حضرموت."
وعلى مدى الشهرين الماضيين، شهدت مدن وادي وصحراء حضرموت عشرات الفعاليات والتظاهرات السلمية للمطالبة بإخراج القوات الشمالية وإحلال قوات حضرمية بديلاً عنها. ويأتي هذا الحراك الشعبي ضمن "الهبة الحضرمية" التي انطلقت أواخر العام المنصرم، وتبنَّت العديد من المطالب، وأكدت على أن حضرموت جزءً لا يتجزأ من الجنوب.