بقالة مواد غذائية بعدن (مركز سوث24)
06-11-2022 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
مع استمرار الحرب وغياب الرقابة الدقيقة، تغزو السلع المُهربة، المقلدة، المنتهية لسوء التخزين، والمُحرفة في تاريخ الصلاحية الأسواق اليمنية لتشكل جزءا قد يكون الأكبر من حجم هذه السوق.
وفي مدينة عدن، العاصمة الرسمية للبلاد، الحال ليس أفضل، إن لم يكن من بين الأسوأ، فهذه المدينة هي التي تستقبل عبر مينائها كثير مما يستورد من هذه السلع، لا سيَّما السلع الغذائية.
وتمثَّل هذه الاختلالات إحدى الإشكالات المؤرقة للسكان، مع صعوبة تتبع وضبط هذه الأنواع من السلع في الأسواق من قبل الجهات المسؤولة التي تحتاج لفعل الكثير والكثير.
وتقَّر تقارير رسمية لمؤسسات الدولة في عدن بحجم المشكلة وانتشارها وأضرارها.
وفي تقرير صدر في يونيو 2021، قالت "لجنة حماية المستهلك" التابعة لوزارة الصناعة والتجارة في عدن، إنَّها ضبطت "من خلال تواجد اللجان الميدانية في الأسواق عددا من المخالفات لممارسة الغش التجاري."
ووفقاً للتقرير، الذي أطلع "سوث24" على نسخة منه، فإنَّ "هناك منتجات تدخل إلى الأسواق ليست لها جودة، بل تعتبر سلع استنزاف للعملة الأجنبية، ولها أضرار خطيرة على الجانب المادي أو الجسماني للمستهلك."
بقالة مواد غذائية بعدن (مركز سوث24)
واستعرض التقرير نماذج لهذه السلع، مثل "المواد الكهربائية، أسلاك ومحولات، ذات جودة رديئة وتكلفة منخفضة، لا تتحمل قوة التيار الكهربائي وتتسبب بانتشار الحرائق في المنازل."
مركز "سوث24" قام بتنفيذ نزولات ميدانية متكررة للأسواق والمحلات الغذائية في عدن لرصد كل هذه الاختلالات، وقابل مسؤولين من الحكومة والسلطات للاستفسار عن دورهم المفترض.
تلاعب
بعدة إجراءات بسيطة، يمكن ملاحظة المخالفات بأنواعها في العديد من السلع الغذائية التجارية المنتشرة في أسواق عدن.
وخلال النزول الميداني، أخضع "سوث24" العديد من السلع الغذائية للاختبار والتحقَّق من المعلومات الفنية عن المنتجات؛ ومنها: بلد المنشأ، الوزن، مطابقة المعلومات المُدَّونة على الملصق.
أظهر المسح لـ "باركود" كثير من السلع أنَّ كثيراً منها تستخدم "باركودات" غير فعلية، بينما هي في حقيقة الأمر سلع يتم تقليدها وتعبئتها في المخازن عند التجار بشكل محلي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أظهر الفحص الفني عبر تطبيقات متخصصة أنَّ سلعة بسكويت "BOOM" مجهولة المصدر، بينما تشير المعلومات المدونة على العبوة إلى باكستان كبلد للمنشأ.
ومن ذلك سلعة شراب "MAK- C"، وهي سلعة دولية منشأها تركيا تعمد الدولة المصدرة لها إلى طباعة كل معلوماتها على العبوة ذاتها، بينما حملت ذات السلعة في أسواق عدن مُلصقات يمكن انتزاعها واستبدالها وتزويرها بسهولة.
وهناك أشكال أخرى للتزوير والتضليل على المُستهلك أيضاً، مثل المحاكاة الكاملة للهوية البصرية لمنتج من المنتجات لخداع المستهلك، ومنتج "نودولمي" الشبيه بـ "أندومي" أحد الأمثلة المهمة على ذلك.
منتج "نودولمي" المخالف (مركز سوث24)
كما كشف الفحص أيضاً عن مخالفات وغش في الأوزان، مثل منتج "زيت الصفاء" محلي الصنع، الذي دوَّن على علبته الرقم 8 لتر، بينما وصل وزن العبوة بمحتواها على الميزان 7.73 لتراً فقط.
وتعتبر منتجات الأجبان من أكثر المنتجات التي تتعرض للتلاعب والغش في الأوزان، ومن أبرز هذه الأنواع التي تم رصدها:
العلامة التجارية |
الوزن المسجل
على العلبة [24 وحدة] |
وزن الوحدة الافتراضي |
الوزن
الحقيقي |
سالم |
360 جرام |
15 جرام |
16 جرام |
نسايم |
300 جرام |
12.5 جرام |
14 جرام |
عادل |
300 جرام |
12.5 جرام |
14 جرام |
أجباني |
300 جرام |
12.5 جرام |
13 جرام |
البقرة
العجيبة |
300 جرام |
12.5 جرام |
10 جرام |
البقرتان |
300 جرام |
12.5 جرام |
10 جرام |
وبينما يقل وزن صنف معين من الجبن، كما يتضح من صنفي "البقرة العجيبة، البقرتان"، يتجاوز وزن الأصناف الأخرى الرقم المفترض.
ووفقاً لرئيس لجنة حماية المستهلك في عدن، فضل صويلح، في حديث لـ "سوث24"، فإنًّ هذه الزيادة في الوزن تعود في أحيان كثيرة إلى زيادة بعض المكونات الداخلية في الجبن مثل الزبدة، على حساب المادة الأصلية.
الآثار
بشكل كبير، تتفشى حالات التسمم الغذائي في صفوف السكان والمستهلكين في عدن، نتيجة للانتشار الكبير للسلع الغذائية المخالفة.
الشاب علي صالح، من أبناء مديرية المنصورة، شرح لـ "سوث24" تجربة مريرة عاشها قبل أيام فقط. وقال صالح لـ "سوث24": "تعرضت لحالات تسمم غذائي وأسعفت إلى مستوصف في مديرية المنصورة قبل أيام."
وأضاف: "أخبرني الأطباء أنَّ التسمم الغذائي ناتجٌ عن أكلي للفاصوليا المُعلبة والزبادي."
وتقص الأربعينية ثريا أحمد صالح مشكلاتها الكثيرة مع إحدى وجباتها السريعة المفضلة.
وقالت لـ "سوث24": "أعمد في الغالب إلى شراء مكرونة سريعة التحضير. في كثير من الحالات، توجد مشكلات."
وأضافت: "قبل أيام، اشتريت 3 عبوات من سوبرماركت شهيرة. كان السعر مغريا وتاريخ الانتهاء قريب. حين طبخناه اكتشفت أنَّ فيه نشارة خشب وفطريات بدأت تتكون".
بالنسبة لوكيل أول وزارة الصناعة والتجارة، عاطف الشرفي، فإنَّ "انتشار كثير من السلع المقلدة والمهربة سببه إقبال المواطن عليها."
وأضاف الشرفي لـ "سوث24": "التخفيض النسبي في قيمة تلك السلع يغري المواطن غير الواعي. غياب ثقافة المستهلك عند المواطن جعلت كثير من السلع المقلدة والمهربة تستشري."
الدولة
بشكل عام، تسود حالة من الضعف واللاتنسيق بين السلطات والدوائر الحكومية التابعة للدولة في عدن فيما يخص السلع الغذائية المخالفة، كما تم رصده في الجولات الميدانية.
مدير مكتب الصناعة والتجارة بمديرية المنصورة بعدن، محمد فيصل، قال لـ "سوث24": "أعمال تزوير السلع منتشرة، هذا صحيح. ضبطنا عددا من الحالات وهناك تجار يقومون بتزوير تاريخ صلاحية كثير من السلع."
ويبرر وكيل أول وزارة الصناعة والتجارة عاطف الشرفي ضعف أداء الدولة والحكومة في هذا الاتجاه بـ "كون الدولة مشغولة في محاولة الإبقاء على كيانها وهي تخوض معركة تثبيت وتأسيس منظومة الحكم."
وأضاف: "وبتالي فإنَّ من الطبيعي أن يكون هناك كثيرا من الإشكالات والاختلالات".
وعن عمليات تهريب السلع الغذائية المخالفة، قال الشرفي إنَّها "تتم فعليا عن طريق المهرة، الساحل الغربي، باب المندب، ورأس العارة في لحج. "وأردف: "هناك جهات عدة تتحمل أعباء القيام بدورها وتحديدا البلديات، بالإضافة إلى الصحة والمواصفات والمقاييس."
موفد مركز سوث24 مع وكيل أول وزارة الصناعة والتجارة علي صالح عاطف الشرفي (مركز سوث24)
مصدر قضائي في المحكمة التجارية بعدن قال لـ "سوث24": "انتشار السلع المخالفة يرجع إلى ارتشاء كثير من العاملين والقائمين على المنافذ البرية والبحرية."
وأضاف المصدر: "بالإضافة لذلك، هناك موظفون ووكلاء لكل تاجر في البلد يعملون ليل نهار على تسهيل دخول أمثال هذه السلع المخالفة."
ولفت المصدر إلى أنَّ "الدور منوط بالدرجة الرئيسية بهيئة الجودة والمقاييس." وأضاف: "جميع جهد الهيئة لا يتعدى المحاولات نظرا لافتقارها للإمكانات".
وحاول "سوث24" التواصل مع المدير العام للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، حديد الماس، للاستفسار عن دور الهيئة، إلا أنَّنا لم نتلق ردا حتَّى الآن.
ووفقا لمصدر خاص في وزارة الصناعة والتجارة، تحدث لـ "سوث24"، فإنَّ "عمليات تصنيع بعض من المواد المقلدة والمهربة تتم في ميناء جبل علي بالإمارات، وهو منطقة تصنيع حرة بعيدة عن أي رقابة."
وأضاف المصدر: "في هذا الميناء يتم تصدير هذه السلع المقلدة والمزورة إلى اليمن مع العلم أنَّ هذه السلع يمنع منعا باتا دخولها للإمارات نفسها ودول عربية أخرى مثل الأردن والسعودية."
ووفقاً للتقرير الصادر عن لجنة حماية المستهلك، فإنَّ "كثير من السلع المخالفة المتداولة في الأسواق اليمنية الواردة من شرق آسيا تدخل عبر المنافذ البرية."
وقال رئيس اللجنة: "قمنا خلال الفترة الماضية بضبط عدد من السلع المقلدة وذلك بناءً على شكاوى تقدم بها إلى الوزارة عدد من مالكي العلامات التجارية وكذا وكلاء الشركات الحصريين باليمن."
وأضاف: "تمت إحالة المخالفين إلى نيابة الصناعة والتجارة".
احتكار
رئيس الشعبة الاستئنافية التجارية بمحافظة عدن، القاضي صلاح راشد، قال لـ "سوث24" إنَّ الاحتكار الجاري أحد الأسباب الرئيسية لانتشار المنتجات الغذائية المقلدة والمهربة.
وقال راشد لـ "سوث24": "هناك شعور سائد لدى قطاع التجار الناشئين والراغبين في تأسيس مشاريع تجارية أو استثمارية طموحة أو نقلها من بلدان المهجر إلى الداخل اليمني، أن السوق اليمنية مغلقة في وجوههم."
وأضاف: "إنَّهم يشعرون بأنَّ هنالك مجموعة تجار يحتكرون استيراد وتوزيع سلع ومنتجات الشركات الأجنبية وعلاماتها التجارية العالمية الرائجة والمشهورة، عن طريق عقود وكالات تجارية حصرية."
إحدى قضايا العلامات التجارية - عدن (مركز سوث24)
ولفت راشد إلى أنَّ "هذا الاحتكار يتعارض مع قواعد منظمة التجارية الدولية [الجات] التي صارت اليمن طرفاً فيها تحت الاختبار."
وأضاف: "اليمن مؤخرا دخلت اتفاقية (الجات) الأمر الذي يعني تحول البلد إلى سوق مفتوح بهدف التخفيف من القيود على التجارة الدولية، ما يتعارض مع أعمال الاحتكار."
وأردف: "تداعيات الصراعات والحروب القائمة أنتجت ما يمكن تسميته صراع وكالات وعلامات ومشاريع تجارية بين منطقتي نفوذ: صنعاء وعدن. هذا الخلاف يلقي بظلاله على المواطن بالدرجة الرئيسية."
تمييز السلع
في معظم الأوقات، لا يتمكن المواطنون العاديون من إدراك ما إذا كانت السلعة الغذائية التي يشترونها مخالفة أم في وضع صحيح.
مدير الصناعة والتجارة بمديرية المنصورة بعدن، محمد فيصل، لفت إلى أنَّ "المواطن غالباً لا يفهم كيفية التفريق بين البضائع المقلدة أو المزورة أو البضائع المتلاعب بصلاحيتها."
ووفقا للمسؤول المحلي، فإنَّ "غالب عمليات تقليد البضائع تتم على السلع المشهورة التي تحتل أهمية بالغة جدا عند الناس أمثال الأجبان، الألبان أو بضائع التجميل".
وردا على سؤالنا حول إمكانية المواطن البسيط التفريق بين السلع الغذائية الصحيحة والمخالفة، قال رئيس جمعية المستهلك فضل منصور: "إمكانية التفريق من قبل المواطن البسيط صعبة للغاية."
وأضاف منصور لـ "سوث24": "التجار مبدعون في جانب التقليد وتحديدا للماركات أو السلع التي عليها إقبال ويتم إدخالها عبر التهريب".
وتابع: "هذا الدور يجب أن يقوم به مالك الماركة، والوكالة الحصرية من خلال إرشاد الجهات الضبطية الحكومية والمجتمع المدني والغرفة التجارية. يحدث هذا نادرا مع الأسف الشديد."
وأشار منصور إلى أنَّ الجمعية التي يرأسها، التي لا زالت تنشط من صنعاء ولم تنقل لعدن، تعلن بين الوقت والآخر عن سلع مهربة ومغشوشة مقلدة ليتنبه لها المواطنون."
ومع ذلك، استطاع مركز سوث24، بعد استطلاع آراء متخصصين ومسؤولين، أن يحدد بعض أبرز السمات للسلع الغذائية المخالفة، يمكن للمواطنين من خلالها تمييز ما يقومون بشرائه، موضحة في الجدول الآتي:
نوع
السلعة |
السمات |
المنتهية
لسوء التخزين |
-
تغير في القوام -
ضعف التماسك الداخلي -
السعر المنخفض أحيانا -
تغير الطعم واللون -
تغير الرائحة |
المنتهية
الصلاحية |
-
السعر المنخفض أحياناً -
تغير الطعم واللون -
تغير الرائحة -
بدون تاريخ صلاحية واضح -
ذات ملصق إضافي يغطي المعلومات
الأصلية
|
المُهربَّة |
-
بدون علامات جمركية -
مخزونة بشكل سري أو مموهة -
غير واضحة المنشأ
|
المُقلَّدة |
-
جودة أقل من السلعة الأصلية -
تعليب أو تغليف رديء |