منشأة صافر الغازية - مأرب (رويترز)
03-11-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
شنَّت جماعة الحوثي في اليمن، خلال أكتوبر المنصرم، عشرات الهجمات بالطائرات المسيَّرة، استهدف بعض منها موانئ نفطية في جنوب اليمن.
وفي 21 أكتوبر، نفذَّت الجماعة هجوما هو الأبرز منذ انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر، استهدف ميناء الضبَّة النفطي بمحافظة حضرموت بطائرتين مسيرتين مفخختين بالتزامن مع وصول سفينة نفطية يونانية.
وعقب الهجوم، كشفت الحكومة اليمنية أنَّ ميناء "رضوم" النفطي بمحافظة شبوة المجاورة كان قد تعرض لهجومين مماثلين من قبل الجماعة في 18/19 من ذات الشهر، باستخدام طائرات مسيَّرة.
أثارت الهجمات الحوثية التساؤلات حول مصير عمليات الإنتاج النفطي في مناطق المجلس الرئاسي، في ظل تهديد الجماعة بعمليات أوسع إذا لم يتوقف إنتاج النفط الخام.
مُتعلق: النفط والغاز يدخلان خط الصراع في اليمن
وفي بلد يعيش انهيارا اقتصاديا غير مسبوق، برزت المخاوف من التداعيات الناتجة عن توقف إنتاج وتصدير النفط، وانعكاس ذلك على أسعار الغذاء والسلع الأساسية، وسعر صرف العملة المحلية.
وبالفعل، بدأت أولى تداعيات التصعيد العسكري الحوثي بالظهور. ففي 31 أكتوبر، أعلنت شركة "كالفالي" النفطية الكندية وضع "القوة القاهرة" وتوقف العمل في المربع (9) في حقل الخشعة النفطي بحضرموت. [1]
وقالت الشركة، في بيان اطلع عليه مركز "سوث24": ""وجدنا أنفسنا مُجبرين على وقف إنتاج النفط بسبب الوضع السياسي الحالي، وعدم توفّر سعة تخزين النفط."
الإنتاج النفطي
سجّلت عائدات اليمن من صادرات النفط الخام ارتفاعاً ملحوظاً في العام 2021 هو الأول من نوعه منذ سنوات، وبلغت 1.418 مليار دولار بالمقارنة مع 710.5 مليون دولار في العام السابق، بزيادة 707 ملايين دولار أو 99.4%. [2]
ويرجع ذلك إلى زيادة حصة الحكومة اليمنية من إجمالي قيمة الصادرات النفطية إلى 75.1% في عام 2021، ارتفاعاً من 60.3% في 2020، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية في النصف الثاني من العام الماضي.
ووفقاً لتقرير للبنك الدولي، أسهمت الإيرادات النفطية في تحقيق نمو بالاقتصاد بمعدل 2% خلال 2021. [3]
وفي هذا الصدد، قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، لـ "سوث24": "لقد بلغت الصادرات النفطية ذروتها في العام الماضي، وكان من المتوقع أن تصل لمستوى أعلى خلال العام 2022، إذا ما استمرت كمية التصدير كما هي عليه في النصف الأول من العام الجاري".
لكنَّ الخبير الاقتصادي ماجد الداعري، يُشكك في كل هذه الأرقام.
وقال الداعري لـ "سوث24": "لا توجد أي إحصائيات حقيقية لحجم الإنتاج النفطي في اليمن عموماً منذ اكتشاف النفط. هناك حقول وآبار تتبع نافذين، كما أنّ كميات كبيرة من الإنتاج، لا تدخل ضمن موازنات الدولة".
وأضاف: "يقتصر إنتاج النفط اليوم، حسب تقديرات، على مليوني برميل شهريا، تُجمع من حقول المسيلة بمحافظة حضرموت لوحدها، بينما لا يُعرف لا حجم ولا مصير عوائد إنتاج النفط والغاز في محافظتي شبوة ومأرب حتَّى اليوم."
واتهم الخبير الداعري حزب الإصلاح اليمني برفض توريد عائدات النفط والغاز في المناطق التي يسيطر عليها، لا سيَّما مأرب، إلى البنك المركزي في عدن.
تصعيد الحوثيين
يربط الحوثيون هجماتهم وتهديداتهم ضد الشركات والمنشآت النفطية في جنوب اليمن بالمطالب القصوى التي تبنَّتها الجماعة وأعاقت تمديد الهدنة الأممية في اليمن.
وتطالب الجماعة بصرف مرتبات المدنيين والعسكريين في مناطقها من عائدات النفط الخام في مناطق المجلس الرئاسي، بالإضافة للحصول على نسبة من هذه العائدات، كشرط لتجديد الهدنة.
رغم الإدانات الإقليمية والدولية الواسعة لهجمات الحوثيين، يبدو أنَّ الجماعة ماضية في تنفيذ تهديداتها التي تتزامن مع أزمة الطاقة العالمية، والتوترات في دول إقليمية مثل الاحتجاجات الكبيرة في إيران، الداعم للجماعة.
وبالنسبة لمصطفى نصر، تُشكَّل هجمات الحوثيين ضد الموانئ النفطية "تحولاً كبيراً وخطيراً في مسار الأحداث والحرب في اليمن". وأضاف: "لقد وجّهت جماعة الحوثي رسالة أنَّها قادرة على الوصول إلى مناطق التصدير."
ورأى نصر أنَّ هذا الأمر "يضع المجلس الرئاسي أمام تحدٍ صعب، على اعتبار أنّ هذا التهديد يستهدف أهم مقومات الحكومة، وأهم مورد لها." وأردف: "كل ذلك يجعل مسألة البحث عن آلية لمواجهة هذا التصعيد مهم للغاية."
مُتعلق: ماذا بعد فشل الهدنة في اليمن؟
لكنَّ الخبير الاقتصادي المقيم في صنعاء، رشيد الحداد، يبرر هجوم الحوثيين بأنَّه جاء "نتيجة لغياب الأثر الإيجابي لعائدات مبيعات النفط."
وقال لـ «سوث24»: "لذلك صنعاء دعت إلى أن تُخصص عائدات النفط لصرف المرتبات لموظفي الدولة، ومعاشات المتقاعدين في مختلف أنحاء البلاد، وفقاً لكشوفات 2014."
التداعيات
وفقاً لمصطفى نصر، سيكون لتصعيد الحوثيين تداعيات على الصعيد السياسي، الاقتصادي والإنساني. وأضاف: "سيتسبب التصعيد بفقدان الشرعية أهم مورد من مواردها. في حال توقف الإنتاج النفطي، قد تعجز الحكومة عن تسليم المرتبات."
وتابع: "النقطة الأهم، تتعلق بعملية استقرار العملة وحصول اليمن على عائدات من النقد الاجنبي. هذا في تقديري هو الأخطر والأهم، ناهيك عن أنَّ عشرات أو مئات الآلاف من المستفيدين سواء من خلال المرتبات أو من خلال دوران العملة سيتأثرون."
ولفت نصر إلى أنَّ الإيرادات النفطية "اسُتخدمت لتحقيق استقرار نسبي للعملة." وأضاف: "لقد سدّت هذه الإيرادات جزءاً من العجز في احتياطيات اليمن من العملة الصعبة. هذا حقق نوعاً من الاستقرار النسبي للريال اليمني."
في المقابل، يقلل الخبير الداعري من أضرار توقف الإنتاج النفطي.
وقال الداعري: "إسهام الإيرادات النفطية في تعزيز الاقتصاد اليمني والحفاظ على قيمة العملة المحلية محدود جداً، والسبب أنّ العوائد تذهب لحساب حكومي بالبنك الاهلي السعودي ولا تورد للبنك المركزي في عدن كي يتمكن من الاستفادة منها في تعزيز السوق بالعملة الأجنبية."
ويعتقد الحدَّاد أنَّه "لا يوجد أي أثر مباشر واضح لعائدات النفط والغاز على الاقتصاد اليمني، لا في الجنوب ولا في الشمال."
وأضاف: "إيرادات النفط، مثلاً، تُعد المصدر الأول للدخل الوطني من العملات الصعبة. يمكنها أن تحدًّ من تراجع سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، في حال ما دخلت تلك المبيعات في إطار الاقتصاد الوطني."
لكنَّ التداعيات الاقتصادية المتوقعة بسبب تصعيد الحوثيين العسكري لا تتوقف عند توقف الإنتاج النفطي فحسب، بل تشمل الإضرار أو التأثير على تدفق السلع إلى الموانئ اليمنية.
وحذَّر بيان للاتحاد الأوروبي، بعد هجوم ميناء الضبة بحضرموت، من أنّ هجمات الحوثيين "تعرض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في المنطقة للخطر وتعيق الوصول إلى الموانئ اليمنية وتحرم اليمنيين من القدرة على تحمل تكاليف السلع الأساسية، ويمكن أن تؤثر على تدفق السلع الأساسية إلى اليمن." [4]
خطوات الرئاسي
في 22 أكتوبر، أصدر مجلس الدفاع الوطني في اليمن قراره رقم (1) للعام الحالي بتصنيف الحوثيين كـ "منظمة إرهابية"، على خلفية الهجوم على ميناءي الضبة ورضوم النفطيين.
ووجه المجلس الحكومة اليمنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال تنفيذ القرار على المستويات العسكرية، الأمنية، الاقتصادية، والدبلوماسية. كما لوَّح المجلس الرئاسي بالانسحاب من اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة ومفاوضات الهدنة.
اقتصاديا، يتوقع أن تشمل الخطوات الحكومية في حال استمرار التصعيد الحوثي وانسداد أفق المفاوضات عدة إجراءات مثل إيقاف التبادل النقدي والحوالات المالية بين المناطق المحررة ومناطق الحوثيين، بالإضافة لوقف تدفق الوقود لميناء الحديدة.
وعند الحديث عن هذا، من المهم الإشارة إلى أنَّ المنافذ البحرية الخاضعة لسيطرة المجلس الرئاسي، مثل ميناء عدن، هي التي تستقبل المواد والسلع الأساسية التي يذهب جزء كبير منها لمناطق الحوثيين المكتظة بالسكان، عبر منافذ برية بين الشمال والجنوب.
ويعتقد الخبير مصطفى نصر أنَّ لقرار مجلس الدفاع الوطني "كلفة اقتصادية، إذ أنَّ الجماعة مُسيطرة على جزء مهم من الاقتصاد اليمني، يُقّدر نحو ثلثين، إن لم يكن 60 إلى 70 في المئة تقريبا من حجم الاقتصاد اليمني."
وقال: "سيتوجّب على الحكومة أن توفّر البدائل لمثل هذا الوضع، وأن تكون مستعدة لبعض التغيرات التي ستصاحب هذا القرار، سواء من ناحية التعامل المالي مع دول العالم أو على الصعيد الإنساني."
وحول هذا القرار، قال الخبير ماجد الداعري أنَّه "سيبقى عديم الجدوى، مالم يعترف به مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وتمتلك الحكومة الشرعية دعماً دولياً عسكرياً لمواجهة الحوثيين."
ورأى الداعري بضرورة "تطبيق كل العقوبات الاقتصادية المتعلقة بإيقاف التعاملات المالية مع الحوثيين، وتجفيف مصادر تمويلهم المالي، وفصل كافة المؤسسات الحكومية عن أي تعامل أو علاقة معهم، وتعطيل موارد تمويلاتهم المختلفة الاي تصب إليهم عبر الموانئ والمنافذ البحرية والبرية."
وأضاف: "يجب القيام بكل ذلك حتى تنعدم مواردهم المالية التي تفوق ما لدى الشرعية اليمنية."
لكنَّ الخبير رشيد الحداد يرى أنَّ "ما تقوم به الحكومة اليمنية من ترتيبات لتشديد الحصار ضد الحوثيين، مرهون بموافقة السعودية والإمارات."
وأضاف: "تصنيف الحركة بالإرهاب من قبل المجلس الرئاسي، لن يكون له أي أثر في حال كان ذلك القرار دون ضوء أخضر من دول التحالف".
ولفت الحداد إلى أن المخاوف الدولية من تدهور الوضع الإنساني، وانهيار مساعي السلام في اليمن، سيحولان دون تنفيذ أي خطوات تصعيدية من قبل الحكومة في عدن.
مع ذلك، يعتقد الحداد أنَّ أي خطوات "قد يكون لها تداعيات كارثية على معظم السكان في محافظات الشمال، في حال تنفيذ المزيد من العقوبات تحت ذريعة التصنيف". وأضاف: "أتوقع أن تتسبب بعودة التصعيد العسكري إلى مستوى أشد من السابق."
وعلى الرغم من التداعيات المتوقعة لتصعيد الحوثيين، إلا أنَّها – على الأرجح – لن تكون أسوأ من الرضوخ لشروط ومطالب الجماعة، وتقاسم إيرادات الثروة النفطية في جنوب اليمن معهم.
ويعتقد محللون أنَّ خطوة من هذا النوع لصالح الحوثيين قد تفجر الأوضاع في جنوب اليمن حيث يعاني السكان من أوضاع خدمية ومعيشية بالغة الصعوبة، مع شعور بالغبن والامتعاض من غياب الآثار المتوقعة للثروات على حياة السكان هناك.
مُتعلق: حُجّة «الرواتب»: الجنوب ضحية الهدنة الأممية
وعلى الرغم من ثبات أسعار صرف العملة والمواد في مناطق الحوثيين، مقارنة بالمجلس الرئاسي، إلا أنَّ الأوضاع المعيشية للسكان هناك ليست أفضل حالاً، علاوة على الاتهامات الموجهة للجماعة بممارسة الجبايات ضد المواطنين.