قمّة الجزائر: حدث عربي موحّد وأجندة أعمال مختلفة

من الاعمال التحضيرية للقمة في الجزائر (أسوشيتد برس)

قمّة الجزائر: حدث عربي موحّد وأجندة أعمال مختلفة

عربي

السبت, 12-11-2022 الساعة 01:14 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | نانسي زيدان 

عُقدت فعاليات القمة العربية الـ(31) بالجزائر، في اليومين الأول والثاني من نوفمبر الحالي، وهي الأولى منذ ثلاث سنوات، وكذلك الرابعة التي تستضيفها الجزائر مُتزامنة مع الذكرى الـ(68) لثورة التحرير الجزائرية. من المُلفت أن الجزائر قامت بتأجيل القمة عدة مرات في محاولة للخروج بقمة عربية تليق بها. حيث إنها استضافت قمم تاريخية سابقة بدأت بالأولى في نوفمبر (1973) بعد حرب أكتوبر مباشرة، وأخرى عقب الانتفاضة الفلسطينية (1988)، والثالثة كانت بالعام (2005) بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.[1]

وقد كانت آخر قمة لجامعة الدول العربية التي تضم (22) دولة، في مارس (2019) في تونس، بمشاركة (13) زعيماً وترأسها الرئيس التونسي الراحل "الباجي قايد السبسي". قبل تفشي وباء (كوفيد-19)، ذلك مع زيادة الانقسامات حول الصراعات التي تشهدها المنطقة حينها، فضلاً عن تطبيع بعض الدول علاقاتها مع إسرائيل واعتبار ذلك الأمر محور مؤثر في اعتبارات بعض الدول العربية. بالإضافة لتأزم الوضع الحالي إقليمياً ودولياً في ظل تفاقم الأزمة الأوكرانية وما تبعها من أزمة في الطاقة وأزمة في الأمن الغذائي وغيرها من عوامل تأزم أحوال الشعوب والدول العربية.

تتناول هذه الورقة مُجريات القمة العربية ومحتواها بالرصد والتحليل الإعلامي السياسي من خلال المحاور التالية: -

1)     مُناوشات رغم الترتيبات الجزائرية المُحكمة 

رغم المجهود الجزائري الدؤوب لإحكام الترتيبات اللازمة لعقد القمة واستقبال وفود الدول العربية المُشاركة بالقمة إلا أن اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية شهد مُناوشات بين الوفد المغربي برئاسة وزير الخارجية، "ناصر بوريطة"، وبين السلطات الجزائرية المنظّمة للقمة العربية، بسبب نشر قناة الجزائر الرسمية خريطة للعالم العربي على موقعها الإلكتروني تفصل المغرب عن الصحراء الغربية، وإرجاع (22) مرافق للوفد المغربي من مطار الجزائر للمغرب ثانية، وهم مبعوثين عن العاهل المغربي الملك "محمد السادس". كل تلك الأمور حققت إحساساً لدى وفد المغرب بعدم الترحاب، وصرح بذلك وزير الخارجية المغربي[2]، علماً بأن القطيعة الدبلوماسية التي تفجّرت بين الجزائر والمغرب في أغسطس الماضي؛ كانت بسبب سجال بين البلدين مرتبط بخريطة أنابيب تصدير الغاز والطاقة إلى أوروبا. إلا أن تصريحات من وزير الخارجية الجزائري "رمطان لعمامرة"، أوضح فيها إن الجزائر أرسلت مبعوثين لكل الدول العربية لتسلم القادة العرب دعوة حضور القمة العربية، شملت مبعوث خاص للمغرب. وحتى آخر اللحظات كان متوقع حضور العاهل المغربي شخصياً، مؤكداً أن كل الحضور على كل المستويات سواء زعماء أو وزراء محل ترحيب وتقدير.[3]

ولم يُمرر التناول الإعلامي عدم دعوة الجزائر للرئيس السوري "بشار الأسد"، وفسره المراقبون بأن الجزائر أدركت تداعيات هذه المشاركة على القمة وأنها محفوفة بالمخاطر، لذا استثنت في دعوتها سوريا التي مازال مقعدها شاغرا في جامعة الدول العربية.[4]كما إن غياب عدد من القادة العرب لاسيما زعماء دول الخليج كشخصيات رئيسية، ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، لأسباب صحية، ورئيس الإمارات الشيخ "محمد بن زايد"، شكّل نقطة ضعف ملحوظة للقمة. وقد أرجع وزير الخارجية الجزائري ذلك إلى أنّ "ثمة دولا بلا رئيس، أو رئيس وزراء، وأن لدى قادة دول أخرى ارتباطات مسبقة مثل الملك البحريني الذي سيستقبل بابا الفاتيكان".

إلى جانب ذلك، سبب التناول الإعلامي للقمة بوضع الجزائر للقضية الفلسطينية في صدارة أوراق القمة، نوعاً من عدم الأريحية للدول العربية التي أبرمت اتفاقات تطبيع علاقات مع إسرائيل، ولم تكن متحمسة ربما لفكرة الاجتماع لإدانة موقفها. حيث أنه منذ العام (2019)، بعد آخر قمة انعقدت لجامعة الدول العربية، تسارعت خطوات تطبيع علاقات دول عربية مع إسرائيل، كانت أولها إبرام الإمارات اتفاقاً تاريخياً بوساطة أمريكية جعلت منها ثالث دولة عربية، بعد مصر والأردن، تقيم علاقات كاملة مع إسرائيل، وشجّع تحرك الإمارات كلاً من البحرين والمغرب على إبرام اتفاقات مماثلة، وهي خطوة أدّت إلى تعميق هوة الخلاف بين المغرب والجزائر. علماً بأن المغرب هو رئيس لجنة القدس بجامعة الدول العربية[5]، فضلاً عن اتفاق تطبيع مؤقت مع السودان[6]، مع وجود أحدث التصريحات بخصوص ذلك الأمر على لسان وزير الخارجية المغربي، بأن التواصل بين دول عربية وإسرائيل، مُدعّم بحرص عربي أن يخدم حقوق الفلسطينيين، وأن ذلك من مُطلق التعامل المُدرك مع مُعطيات الواقع.[7]

2)     كلمات قوية وحضور عناصر إقليمية ودولية 

شهد اليوم الأول من أعمال القمة انطلاقاً بكلمة الرئيس التونسي "قيس سعيد"، بدعوة مُختلف الدول العربية لبلورة رؤية استراتيجية عربية متوافقة لصياغة حلول فعالة لمُختلف مُشكلات الملفات العربية، مُستعرضاً الجهود التونسية أبان رئاستها للقمة منذ العام (2019)، وعلى مدار (2020/2021)، من خلال عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن، وعضويتها بعدد من المنصات الدولية والإقليمية (مجلس السلم والأمن الإفريقي، المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المُتحدة، ومنتدى طوكيو للتنمية في إفريقيا)، كمنابر للمساعي التونسية. تناولت كلمة الرئيس التونسي "الحق الفلسطيني"، مُشيداً بجهود الجزائر للمصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، مُنتقلاً لضرورة لم الشمل الليبي مع الإشارة أن ذلك ما تم العمل عليه برعاية جزائرية في أغسطس 2021، وفي تونس مطلع 2022. كما صاغ توصياته بضرورة العمل من أجل تحقيق اكتفاء ذاتي غذائي، وتعزيز الأمن المائي العربي، مُختتماً كلمته الأطول في القمة (35 دقيقة)، بتسليم رئاسة القمة العربية للجمهورية الجزائرية مُهنئاً بذكرى ثورة التحرير ومؤكداً على دعم ومؤازرة تونس للجزائر.[8] 

افتتح الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" أعمال القمة وألقى كلمته (17 دقيقة)، بدأها بالترحيب بالحضور، وخاصة حضور الشرف للقمة على الترتيب: رئيس أذربيجان بصفته الرئيس الحالي لحركة عدم الانحياز، ورئيس السنغال بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، والأمين العام للأمم المُتحدة، ورئيس منظمة التعاون الإسلامي. إذ تُعد دعوة الجزائر لرؤساء هذه المُنظمات الإقليمية خطوة ذكية ودؤوبة تنظيمياً، لإتاحة مساحة جدية تستوعب طرح القضايا التي تتماس بين الدول العربية والإفريقية، خاصة القضايا الحيوية التي شكّلت محاور من مُناقشات القمة، يأتي في الصدارة منها فلسطين، ومساعيها الأخيرة لنيل العضوية الكاملة بالأمم المُتحدة، ولن يكون لذلك الأمر سبيل دون التعويل على تنسيقات مع الاتحاد الإفريقي ومن ورائه أصوات الدول الإفريقية لتؤيد تلك المساعي الفلسطينية العربية. 

كما أوصى الرئيس الجزائري بفكرة جديرة بالبحث والمُحاولة، فحواها أن الاحتياطي النقدي للدول العربية يضاهي الاحتياطي النقدي لدول أوروبا أو كيانات أسيوية كبرى، فلما لا يتم بناء تكتل اقتصادي عربي مع التركيز على آليات العمل المُشترك، سبيلاً لتعزيز الترابط والمصالح العربية المُشتركة، مع التأكيد على صدارة القضية الفلسطينية في ضوء تربع عجلة الاستيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية، وضرورة العمل على تحرير الأراضي العربية بما فيها الجولان السورية، وتفضيل الحوار الداخلي التوافقي بين الفصائل الوطنية في كلاً من ليبيا وسوريا واليمن.

وكان ختام اليوم الأول للقمة بكلمة رئيس جامعة الدول العربية "أحمد أبو الغيط"، (15 دقيقة)، سرد فيها معضلات الدول العربية والضرورة المُلحة للتعاون العربي لتحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي وتعزيز الأمن و الاستقرار الداخلي للدول والشعوب العربية والدفاع عن حقوق المواطنة، في ظل الإحاطة بجوار عربي غير مُستقر، ومُمارسات "إرهابية" و نشاط ميليشيات وجماعات مُسلحة بفعل أطراف غير عربية و تأثيراتها السلبية في الداخل العربي بهدف بسط النفوذ وتحقيق الهيمنة في إشارة لإيران دون ذكرها.

وربط أبو الغيط بين تلك النقطة وتأزّم الأحوال في سوريا واليمن لتلك التدخلات، قائلاً: "ما يحدث في اليمن هو أبرز الصور لنتائج التدخل الإقليمي غير العربي من ضرب قواعد الاستقرار"، مُشيراً إلى أن الجامعة العربية قادرة على التحرك إذا اجتمعت الإرادة العربية وأنه من أنصار تعريب حل الأزمات، مؤكداً تأييد "الحكومة الشرعية" في اليمن، وأهمية مُساندة فلسطين باعتبارها القضية الأم، وأوصى بكثير من المرونة بين الفصائل الليبية لصياغة وضع مُرضي لكافة أطياف الشعب الليبي، مُختتماً كلمته بالحديث عن أهمية تعزيز الشراكات العربية عبر العالم.[9]

يُعتبر اليوم الثاني من القمة هو الأكثر زخماً، وتضمن كلمات لـ (15) قائدا ومبعوثاً عربياً عن الزعماء العرب، استهلت بكلمة للرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" (12 دقيقة)، وصولاً لوزير الخارجية السعودي "فيصل آل فرحان" (9 دقائق). علماً بإن القمة اتسعت أولاً لكلمات رؤساء الدول من الحضور تلاهم رؤساء المجالس الرئاسية الانتقالية، ختاماً برئيس الوزراء ثم ممثل أو وزير خارجية عن الدولة المُشاركة.

استمرت الجلسة لـثلاث ساعات مُتصلة[10]، وقد يكون ذلك الأمر من سلبيات القمة، إذ كان من المُمكن تجزئة اليوم على جلستين تسهيلاً على الحضور، وإتاحة فرصة للراحة الذهنية وبالتالي فاعلية الأحاديث الثنائية أو الجماعية بين القادة، إلا أنه بالتركيز على مُحتوى الكلمات تفصيلياً، دارت حول محاور مُحددة، نحللها فيما يلي: 

·       الأمن القومي العربي 

أتت صياغة الأمن القومي العربي في كلمة الرئيس المصري، بأنه كليٌ لا يتجزأ، والذي عبر عنه مُختلف القادة بتوصية لتعزيز العمل الجماعي التكاملي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

·       القضية الفلسطينية 

أتى تأييد الحق الفلسطيني في أغلب كلمات القادة الحضور باعتباره الملف صاحب الصدارة في القمة، ولكن كل التركيز انصب في كلمة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" (17 دقيقة)، حيث سرد جرائم إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، مُشيراً إلى أن القمة تتزامن مع العام الخامس بعد المئة (105) من وعد بلفور، مُطالباً بتشكيل لجنة وزارية عربية للتحرك على مستوى دولي، وتكريس الجهود للحصول على العضوية الكاملة بالأمم المُتحدة، ومُطالبة إسرائيل بأموال تبلغ مئات الملايين جمعتها إسرائيل باسم الفلسطينيين واحتجزتها، مؤكداً أنها تُجري أشرس حملة تهويد للقدس والأقصى، وتصرف مئات المليارات من أجل تهويد القدس.

·       أزمتي الطاقة والغذاء 

في ذلك الصدد أوصت مصر بعدم الانخراط فيما يحدث من استقطاب دولي، وتركيز الجهود لأولوية الغذاء والطاقة. وأشار الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" لأهمية تفعيل شبكة الأمان العربي التي أُقرت سابقاً، وأثنى على مبادرة السعودية "الشرق الأوسط الأخضر" لدورها في توفير الطاقة النظيفة، كما تركزت كلمة رئيس موريتانيا "الشيخ الغزواني" (10 دقائق) في ذلك الصدد، بتأكيده على أهمية تسريع الاندماج العربي وبلورة سوق عربية مُشتركة، موضحاً أن موريتانيا قطعت شوطاً كبيراً في سياسة تحسين مناخ الاستثمار العام، وإتاحة مساحات واسعة للتعاون بين القطاعين العام والخاص، أملاً في تعزيز التبادل البيني بين العرب، وبين العرب والمُحيط الإفريقي.

كما تركزت كلمة ولي عهد الكويت (3 دقائق) حول أهمية تدارك الدول العربية لتداعيات الأزمة الأوكرانية اقتصادياً وانسانياً، مع تفعيل مبادرة الكويت بقرار(8766)، كاستراتيجية للأمن الغذائي العربي، وجاءت كلمة ولي عهد الأردن (15 دقيقة) مُعززة للاهتمام بدعم مجالات التجارة والصناعة والسياحة لتوفير الموارد المالية اللازمة لدعم الأمن الغذائي العربي، وأشار رئيس الصومال "حسن الشيخ محمود" بأن الاستثمار العربي في القطاع الزراعي والسمكي والثروة الحيوانية تحتاجه الصومال بشدة، وسيكون له مردود ضخم في الأمن الغذائي، لأن الصومال أكبر الدول التي تشهد مُعاناة وتهديد في منطقة القرن الإفريقي لتفشي الجفاف الذي عظّم من الأزمة الغذائية وأصبحت عدة مناطق مُهددة بمجاعة. 

على نحو آخر، خصص رئيس المجلس الانتقالي السوداني "عبد الفتاح البرهان" مطلع كلمته (10 دقائق)، لتجديد النداء لفكرة قديمة مُتجددة لقدرة السودان أن تكون سلة الغذاء العربي كضرورة لمواجهة النقص الغذائي، مع تأكيده على فتح المجال للحكومات العربية وقطاعات العمل العام والخاص لذلك الغرض. ومثّلت كلمة "نجيب ميقاتي" رئيس وزراء لبنان (7 دقائق) رسالة استغاثة مُركزة على الأحوال اللبنانية المُتدهورة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وصحياً، واحتياج لبنان لمُساندة عربية حتى تتمكن من توفير الاحتياجات الأساسية لشعبها، مع توضيح آمال لبنان في الجدوى الاقتصادية  لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية الخالصة التي أبرمتها مؤخراً مع إسرائيل، كما كانت الإشارة الأخيرة في ذلك الصدد في كلمة "محمد بن مبارك" ممثلاً عن ملك البحرين (12 دقيقة)، بأن الأمن الغذائي يتطلب تفعيل كافة أشكال العمل العربي ثنائي أو جماعي مع الاستثمار الأمثل للموارد والإمكانيات.

·       الإرهاب والتهديدات الإقليمية للعرب 

في ظل وجود صراعات في العراق وسوريا وليبيا واليمن على جدول أعمال القمة، فإن وزراء الخارجية العرب قُبيل انعقاد القمة حاولوا التوصل إلى توافق حول الصياغة بشأن "التدخل" التركي والإيراني في المنطقة، وما إذا كان ينبغي ذكر أنقرة وطهران بالاسم أم لا. فكانت كلمات القادة العرب في ذلك الصدد متباينة، فمثلا أشاد الرئيس العراقي "عبد اللطيف رشيد" (12 دقيقة)، بدور القوات المُسلحة العراقية لمواجهة الإرهاب الداخلي على مدى السنوات الماضية، وتحدث عن ضرورة التفاهم مع الدولتين الجارتين للعراق تركيا وإيران بخصوص أزمة مياه نهري دجلة والفرات لتدارك أزمة نقص المياه بحوار جاد، تحدث بصياغة دبلوماسية تُفقد العراق حقوقها، بدون الإشارة لمدى الضرر البالغ الذي تسببت فيه تركيا وإيران للعراق مائياً، ناهيك عن الضرر السياسي ومٌفاقمة الفجوة بين الفصائل العراقية بسبب الاستقطاب الإيراني على مدار سنوات طويلة، حيث وصفها المُتخصصون، بنجاح إيران في "تدجين الأراضي العراقية". 

على صعيد آخر جاءت كلمة رئيس مجلس القيادة الرئاسي لليمن، رشاد العليمي (8 دقائق) أكثر صراحة تجاه ضرر إيران البالغ لليمن وتحويلها لنقطة انطلاق لزعزعة الاستقرار العربي، وتفصيل الانتهاك الإيراني للداخل اليمني عبر دعم الحوثيين الرافضين لتجديد الهدنة. وقد دعا القمة لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية عملا بقرار جامعة الدول (8725) في يناير 2022، موضحاً مدى ضرر الحوثيين لليمن، وفي أنه قد تمت التضحية بأكثر من نصف مليون يمني، والزج بأطفال وشباب كجنود لمحارق الموت، بالإضافة لزراعة الألغام العشوائية في الممرات البحرية والتجارية، وعدم التصرف بجدية في إنهاء أزمة الناقلة النفطية (صافر)، متهما الحوثيين بالتنصل من كل الاتفاقيات السابقة وتغليب مصلحة النظام الإيراني على حياة الشعب اليمني.

وعلى الصعيد العربي الإفريقي، حث الرئيس المصري إثيوبيا على التهدئة وجدية المُفاوضات الخاصة بسد النهضة بالتوصل لاتفاق قانوني مُلزم، كما أشار رئيس الصومال إلى النجاح في القضاء على الأنشطة الإرهابية لحركة الشباب المدعومة من تنظيم القاعدة، وإحداث تراجع على كافة الأصعدة العسكرية والإيديولوجية للتنظيم الإرهابي، تلك النقطة التي أثنى عليها رئيس جيبوتي "إسماعيل عمر جيلة" في كلمته (8 دقائق). 

3)     بيان القمة: لغة دبلوماسية وحماسة مُنطفئة 

جاء بيان القمة بمُحتوى غزير كلامياً يصل لحوالي ألفي كلمة، لكنه فارغ ومُخيب لآمال الشعوب العربية في محتواه الفعلي، نظراً لتركيزه على القضية الفلسطينية فقط، وعدم مُوازنة الاهتمام بأن يحوي بنوداً مُعبرة عن حاجة مُلحة لكل ملف من الملفات العربية. فبنظرة خاطفة يمكن ملاحظة أن كلمات القادة مُنفردة قد حوت قوة أكثر من البيان الختامي للقمة، وقدّمت بعض التفصيل لحل أو لحلحة ملفات اليمن وليبيا وسوريا والسودان. كما أن البيان تجنّب ذكر أو إدانة إيران أو تركيا كدول تُهدد الأمن العربي، مما يَخصم الكثير من مبدأ السيادة والقوة والقدرة العربية التي استهلت القمة الحديث حولها. 

مقابل ذلك عظّمت الجزائر لحدٍ كبير استفادتها من عقد القمة على أراضيها، تطلعاً لتعزيز مكانتها للعب دور إقليمي والاستثمار في مكانتها الدولية، فجاء للقمة رسالة ثناء روسية[11]. كما وتلقى الرئيس الجزائري تهنئة من الرئيس الفرنسي بقمة المناخ لإتمام القمة العربية[12]، علماً بأن الجزائر قدمت طلبها مؤخراً للانضمام إلى التكتل الاقتصادي البريكس[13]، وستوقع عقدًا ضخمًا مع روسيا للحصول على إمدادات أسلحة تتراوح قيمتها بين 12 و17 مليار دولار[14].

المفارقة التي صاغها المراقبون عن هذه القمة أنها توصَف بأنها حدث موحّد، في حين أن لكل دولة عربية جدول أعمال خاص وأهداف تتناسب مع مصالحها، إذ أنّ جامعة الدول العربية في نهاية المطاف لطالما بدت كمرآة مثالية للسياسة الخارجية العربية.



نانسي طلال زيدان
زميلة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي
مراجع:

[1] القمة العربية بالجزائر.. زعماء يشاركون لأول مرة، سكاي نيوز عربية، 31 أكتوبر 2022، bit.ly
[2] وزير الخارجية المغربي: نرفض تدخل إيران في العالم العربي وثلثا الوفد الإعلامي وصل إلى الجزائر ثم عاد، قناة العربية،1نوفمبر 2022 bit.ly
[3] مقابلة خاصة مع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة على هامش القمة العربية في الجزائر،1 نوفمبر 2022، bit.ly
[4] قمة الجزائر.. "الخريطة" والحضور يثيران تساؤلات بشأن النتائج المرتقبة،31 أكتوبر2022، arbne.ws
[5] لقاء خاص مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة-مع_جيزال على هامش اجتماعات القمة العربية بالجزائر، 1 نوفمبر 2022، bit.ly
[6] لقمة العربية: بدء اجتماع الزعماء العرب في الجزائر وغياب قادة السعودية والإمارات والكويت والمغرب،1 نوفمبر/2022، bbc.in
[7] لقاء خاص مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة-مع_جيزال على هامش اجتماعات القمة العربية بالجزائر، مرجع سابق.
[8] انطلاق أعمال القمة العربية في الجزائر،1 نوفمبر2022، bit.ly
[9] المرجع السابق ذكره.
[10] افتتاح اليوم الثاني من أشغال القمة العربية بالمركز الدولي للمؤتمرات بالجزائر، البلد تي في،2 نوفمبر2022، bit.ly
[11]  وزير الخارجية الروسي يعلق على نتائج القمة العربية.. هذا ما قاله، قناة الغد، 3 نوفمبر 2022، bit.ly
[12]  الرئيس الفرنسي يهنئ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على نجاح قمة الجزائر العربية، 8 نوفمبر2022، bit.ly
[13] Algeria officially submits application to join the BRICS, 08-Nov-2022, bit.ly
[14] Algeria to Sign ‘Huge Deal’ with Russia to Import Advanced Arms, 2 November, 2022, bit.ly

قمة الجزائر القمة العربية 31 اليمن إيران تركيا الشرق الأوسط الجامعة العربية