محادثات سريّة: هل تقود اليمن نحو سلام أم حرب جديدة؟

وفد سعودي يزور صنعاء، أكتوبر 2022 (مقتطع من فيديو لـ ا ف ب)

محادثات سريّة: هل تقود اليمن نحو سلام أم حرب جديدة؟

التحليلات

الخميس, 24-11-2022 الساعة 12:49 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24 | فريدة أحمد 

منذ  أن تم إعلان الهدنة في 2 إبريل العام الحالي، أظهر الحوثيون انتشاءً ملحوظاً لشعورهم بتحقيق إنجاز في الضغط بشأن هدنة، غير أنه وبعد خمسة أيام من إعلانها، تفاجأت الجماعة بتغييرات كبيرة في صفوف خصومها، أسفرت عن مشاورات الرياض، وقادت مجلس رئاسي من ثمانية أعضاء أُعلن عنه في السابع إبريل. بالنسبة لدول التحالف الذي تقوده السعودية وكثير من اليمنيين كان هذا التحوّل انتصاراً سياسياً من شأنه أن يقود لتحسين الواقع العسكري، كون الثمان السنوات التي مضت من عمر الحرب ارتبطت بشخصيات سياسية وعسكرية أخفقت في تحقيق إنجاز يذكر في مواجهة الجماعة التي انقلبت على السلطة في صنعاء في 2015.

خلال الهدنة التي امتدت لأكثر من 6 أشهر حتى 2 أكتوبر الماضي، توقف إطلاق النار بين أطراف الصراع بشكل واسع، كما استؤنفت عدة رحلات جوية من مطار صنعاء، وبدأ تدفق واردات الوقود من ميناء الحديدة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، الأمر الذي عالج أزمة إنسانية كبيرة كانت تواجهها الجماعة. مقابل ذلك، لم ينفّذ الحوثيون أياً من اشتراطات الهدنة، سواء المتعلقة بملف الأسرى، أو فتح معابر تعز والطرق الرئيسية الأخرى بين المحافظات، أو دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم من إيرادات ميناء الحديدة. لكنّ الحوثيين رفضوا تمديد الهدنة ضمن شروط وصفها مسؤولون غربيون بالـ "المستحيلة"، بينها صرف مرتبات جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم بما فيها مقاتليهم، من عائدات مبيعات النفط الخام والغاز في مناطق سيطرة المجلس الرئاسي.  

كان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن "هانز غروندبرغ" قد عبّر عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق بشأن تمديد الهدنة، وثمّن موقف الحكومة اليمنية للتعاطي مع مقترحه بشكل إيجابي[1]. كما استنكرت الحكومة البريطانية عبر ناطقتها "روزي دياز"، رفض الحوثيين تمديد الهدنة، ووصفته بأنّه يعرّض فرص السلام للخطر[2]. شاركها في ذلك الاتحاد الأوروبي، وهو يصف الرفض الحوثي بالخطأ الاستراتيجي، معبراً عن خيبة أمل عميقة بسبب عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق بشأن تمديد الهدنة[3]. مع كل ذلك، أبدى الحوثيون تعنتاً واضحاً من خلال تهديداتهم بضرب منشآت نفطية في السعودية والإمارات[4]، بل وتنفيذ "هجمات" بالطائرات المسيّرة على ثلاثة موانئ استراتيجية في حضرموت وشبوة، خلال أسبوعين فقط، كان آخرها استهداف ميناء الضبة شرقي مدينة المكلا يوم الاثنين الماضي 21 نوفمبر.

وتأتي هجمات الجماعة الدينية المدعومة من إيران، بالتوازي مع تهديدات أخرى ببدء مواجهة بحرية وفقاً لرئيس هيئة الاستخبارات الحوثية "عبدالله الحاكم"، الذي هدد بأنها قد تكون من أشد المعارك مع التحالف العربي، داعيا جماعته لتعزيز أنظمة الردع عسكرياً واقتصادياً وعلى كل الصعد[5]. الأمر الذي يُفهم أن التهديدات العسكرية والأمنية مازالت قائمة، وعلى الأرجح أن لدى الحوثيين نوايا بالتصعيد خلال الفترة القريبة القادمة، وإن كان هناك ضغوط بشأن تفاهمات غير معلنة بالتهدئة. وقد أعلنت بالفعل القوات التابعة للحكومة اليمنية، أنّ الحوثيين أطلقوا، من صنعاء، صاروخا مضادا للسفن سقط في المياه الدولية غربي الحديدة[6].

عرض سخي 

وفي تطوّر أثار جدلا واسعا، قدّمت السعودية لرئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثيين "مهدي المشاط"، وهو الواجهة السياسية للجماعة، دعوة لزيارة الرياض، عبر وفدها الذي أرسلته لصنعاء منتصف أكتوبر الماضي، لمناقشة ملفات عديدة مع الحوثيين أبرزها "ملف الرواتب". ووفقاً لصحيفة الأخبار اللبنانية المقرّبة من حزب الله[7]، أظهر الوفد مرونة لافتة وعرض ما أسماه بـ "تمويل للحلول" من خلال مبادرة تحت عنوان "مساعدة الأشقاء في اليمن"، لمحاولة تمديد الهدنة. إذ يبدو واضحاً أن السعوديين عرضوا تكفّلهم بدفع مرتبات جميع موظفي الخدمة المدنية المدرجين في كشوفات 2014، بمبلغ يزيد عن 150 مليون دولار شهرياً، وفقاً لمصادر رفيعة تحدثت لمركز سوث24 [8]. وكان رفض الحوثيين للعرض السعودي مرتبطاً بإدراج قواتهم العسكرية والأمنية في مدفوعات رواتب موظفي الخدمة المدنية، وهو ما ذكره مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة "عبدالعزيز الواصل"، بأن "الجماعة اشترطت أن يدفع التحالف مرتبات مقاتليها بالدولار الأمريكي، وأن تورد إلى حساب بنكي يخضع لسيطرتهم".[9]

من جهتها، حاولت سلطنة عمان تيسير المحادثات السعودية الحوثية خلال الأسابيع الماضية، وهو ما ساهم بتثبيت الأوضاع العسكرية نسبياً؛ رغم الضربات الحوثية على الموانئ. ذلك جاء في حديث سابق للمشاط[10]، عن وجود تفاهمات غير معلنة مع أطراف إقليمية حول ثبات اتّفاق وقف إطلاق النار، وأن صنعاء تمنح بعض دول ما أسماها بـ "العدوان" فرصة، لإعادة النظر في عدوانها بعد أن اقتنعت بأنها خاسرة. التواصل المباشر مع الحوثيين من قبل السعوديين والعمانيين جاء بمعزل عن وساطة المبعوث الأممي "هانز غروندبرغ"، الأمر الذي على ما يبدو أزعج الهيئة الأممية، وهو ما ظهر في حديث الأخير لدى مجلس الأمن، عندما شدد على أنّ "التوصل إلى حل مستدام لن يكون ممكناً إلا ضمن سياق تسوية شاملة للنزاع".[11]

في الوقت الحالي، قد ترى السعودية أنّ المقاربة الأفضل هي تهدئة الأوضاع عبر تقديم عروض ممكنة للحوثيين، يمكن فهمها ظاهرياً بأنها إذعاناً أو تنازلا من المملكة، غير أنها، من منظور آخر، قد تبدو كحلول أخيرة تقدّمها الرياض للجماعة الحوثية، قبل أن تغلق الأخيرة كل الأبواب والمبررات في ملف السلام كما جرت العادة. فالحوثيون يريدون أن يبرهنوا أن باستطاعتهم، ليس فقط المحافظة على المكاسب العسكرية والأمنية وتطوير منظومة أسلحتهم المهربة من إيران، بل انتزاع الرواتب من عائدات النفط والغاز التي تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية، وإعادة صياغة المفاوضات وفق شروطهم وحسب.

قد يمثّل تكّفل السعودية بدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين انتصاراً إنسانياً للأخيرة، سواء قبِل الحوثيون أو لم يقبلوا. فهذه الخطوة على المستوى الشعبي ستكون ناجحة لكسب تعاطف شعبي لصالح السعودية، إذا ما قررت – وهو أمر مستبعد – العودة إلى المواجهات العسكرية باتجاه صنعاء.

ترى بعض المصادر التي تحدّثت لمركز سوث24 أنّ الخطوة السعودية جاءت بهدف الدفع نحو تمديد الهدنة بأي ثمن، خصوصا مع رفض المجلس الرئاسي اشتراطات الحوثيين الجديدة، ومعارضة أطراف داخل المجلس، كالانتقالي الجنوبي، للاستجابة لهذه الشروط على حساب السكان في جنوب اليمن، الذي يعانون من أزمة مرتبات طويلة الأمد.

بعيداً عن الرئاسي 

من الواضح أن المحادثات الأخيرة بين السعودية والحوثيين تمّت بدون مشاورة المجلس الرئاسي، وهي صفعة غير متوقعة فاجأت الأطراف السياسية داخل المجلس.

يعدّ رئيس المجلس "رشاد العليمي"، هو أحد أكثر المقربين من الرياض، والأخيرة تحاول إظهاره بصورة منفردة في معظم المحافل الدولية والمشاركات الخارجية، وربما تسعى لتحضير "العليمي" لما هو أكبر من ذلك، خاصة وأنّه لا يملك وزناً عسكرياً على الأرض مقارنة بأعضاء آخرين. ترى الرياض أن إعادة تخلّق "الشرعية" في شخصية واحدة أسهل بالنسبة لها لاتخاذ القرارات في الشأن اليمني.

من المهم القول، أنّه منذ التغيير في بنية الرئاسة اليمنية، حاولت عدة أطراف منها مراكز بحثية يمنية وكذلك أطراف سياسية كحزب الإصلاح الإسلامي، أن تقلّل من شأن "رشاد العليمي" كرئيس، واجتهدت في إظهاره كرجل ثانٍ بعد عضو الرئاسي ورئيس الانتقالي الجنوبي "عيدروس الزبيدي". يقيناً، لم تكن هذه اللغة عبثية، بل نجحت في التأثير على توافق الرئاسي وقد تساهم بتزايد الفجوة بين أعضائه في المستقبل القريب. لا سيّما وأن ذات اللغة نجحت سابقاً في إحداث حساسية ضمن التحالف، بين السعودية والإمارات، لبعض الوقت في ميدان الحرب اليمنية، الأمر الذي ساهم في تقليل فرص التعاون العسكري الثنائي بينهما، وسمح لمعسكر تنظيم "الإخوان المسلمين" بالسيطرة على القرار العسكري في عدة محافظات شمالية، ما نتج عن ذلك فشلاً وتراجعاً عسكرياً عزز، بالمحصلة، من سيطرة ونفوذ الحوثيين.

من الناحية الواقعية، ستنتهي مهمة المجلس الرئاسي بمجرد الدخول في تسوية سياسية مع الحوثيين، ذلك ما جاء في بيان نقل السلطة. إذ ستنتهي ولاية المجلس وفقاً للحل السياسي الشامل وإقرار السلام، أو عند إجراء انتخابات عامة وفقاً للدستور الجديد[12]. يُفهم من عبارة الانتخابات أنه خيار الحرب بدلاً عن السلام، لأنه من الناحية الفنية لا يمكن إجراء انتخابات عامة في عموم الجمهورية، إلا بتحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.  

سيناريوهات محتملة 

استناداً للمعطيات السابقة، لا تبدو الخيارات كثيرة أمام الأطراف الإقليمية أو المحلية في اليمن، فإما سيناريو يذهب نحو هدنة جديدة مع الحوثيين بتنفيذ اشتراطاتهم، أو اللجوء لخيار الحسم العسكري، في ظل تصاعد اعتداءاتهم على الأعيان المدنية والمنشآت النفطية. خطاب التنديد الصادر عن الخارجية السعودية، ودعوة مندوبها لدى الأمم المتحدة إلى تصنيف "الحوثيين" كـ "جماعة إرهابية"، إشارة إلى أنّ المحادثات السعودية الحوثية ليست مضمونة النتائج، وأن الرياض، ربما، قد تذهب لخيارات أخرى.

واقع الأمر، سيبدو الحوثيون برفضهم المتواصل لأي مبادرات تعالج أزمات إنسانية عالقة بأنهم معرقلون. وهو موقف ربما تستغله السعودية لرفع الحرج عن نفسها فيما إذا قررت ومعها دول التحالف الأخرى شن حرب عسكرية شاملة. ذلك بالمحصّلة ظهر في تصريح سابق لوزير الدفاع اليمني "محسن الداعري"، بأنه في حال انهيار الهدنة الأممية، ستكون لديهم خططاً بديلة وغير تقليدية[13]. ما يُفهم أن الأهداف القادمة ستكون سريّة وغير واضحة بالنسبة لخصومهم. مع ذلك، لا يمكن التنبؤ بسياسات المملكة أو التفاؤل الجازم بشأن خطواتها القادمة، في ضوء مساعيها لتأمين أجواءها من أي هجمات تهدد مصادر الطاقة العالمية.

مهما كانت النتيجة، فإن أسلوب المحادثات الثنائي بين السعودية والحوثيين في المرحلة الحالية بمعزل عن الأطراف اليمنية الأخرى بما في ذلك الجنوبيين، على الأرجح سيزعزع الثقة بين المملكة وأطراف المجلس الرئاسي. حتى وإن كانت مبررات هذه المحادثات تنطلق من الظروف العالمية المحيطة كأزمة الطاقة وفعاليات كأس العالم 2022 في قطر.

في المحصّلة، سيؤدي تعنّت الحوثيين بشأن الهدنة واتخاذهم اجراءات متصاعدة تستهدف السفن والموانئ، إلى جر البلاد نحو سيناريو أكثر خطورة، خاصة وأنّ ذلك يتعارض مع الدعم الدولي لجهود السلام الذي تقوده الأمم المتحدة. وهي مخاوف عبّرت عنها الأطراف الدولية في جلسة خاصة لمجلس الأمن الثلاثاء[14]، وحذّرت خلالها من إغراق البلاد مرة أخرى في الصراع. ورغم ذلك مازالت السيناريوهات المتوقعة مفتوحة على كل الاحتمالات، وجلّها مرتبط برؤى السعوديين والحوثيين المرحلية للأزمة، ورؤى الأطراف السياسية اليمنية الأخرى التي لا زالت غائبة حتى الآن.


فريدة أحمد

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات


مراجع:

[10] مصدر سابق، صحيفة الأخبار اللبنانية.

[11] مصدر سابق، south24.

[13] تصريح لوزير الدفاع في الحكومة الشرعية، "محسن الداعري"، twitter.com
[14] مصدر سابق، south24 

محادثات سعودية حوثيةالسعوديةالحوثيونالمجلس الرئاسيالهدنة اليمنيةموانئ النفطاليمن