صور من وادي عومران بمديرية مودية بمحافظة أبين، أكتوبر 2022 (سوث24)
04-12-2022 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | إبراهيم علي*
في 10 نوفمبر الماضي، وجّه تنظيم القاعدة رسالة مطولة إلى القبائل اليمنية، تضمّنت بعض ما كان قد ورد في كلمة صوتية سابقة للقيادي أبو علي الحضرمي، عقب طرد القوات الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي، منتصف أغسطس، من مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة في جنوب اليمن.
ومثلما أصدر التنظيم الكلمة الصوتية للقيادي الحضرمي عقب خروج قوات الإصلاح من عتق، جاءت الرسالة الأخيرة بعد خروج التنظيم من وادي عومران بمديرية مودية ومن مناطق كثيرة أخرى في محافظة أبين، بعد عملية عسكرية وأمنية واسعة للقوات الجنوبية، حملت اسم "سهام الشرق".
هذا النوع من الرسائل، ارتبط بخسائر التنظيم أو بخسائر من يشكّل وجودهم مركز ثقل له. فمثلا، في العام 2012، وجه التنظيم رسالة مماثلة لقبائل محافظة أبين عقب طرده من مديرية خنفر، آخر معاقله في المحافظة. وبالرغم من اختلاف ظروف كل حدث ارتبط بتلك الرسائل، إلا أنّ استهداف العاطفة الدينية لدى القبائل من قبل التنظيم كان القاسم المشترك بين كل رسائله المذكورة.
ووجه الاختلاف في رسالته الأخيرة، هو أنها جاءت في ظل ظروف أمنية وعسكرية صعبة يمر بها التنظيم، ويمكن القول إنها غير مسبوقة، بعد العمليات العسكرية الأخيرة في كل من محافظتي شبوة وأبين، وبالتالي قد تحمل مدلولات إضافية يشير لها هذا التحليل.
من المهم الإشارة قبل ذلك، إلى أنّ خسارات التنظيم السابقة كانت لمناطق السيطرة وليس للمعاقل كما حدث أخيرا في محافظة أبين، وهناك فرق كبير بين الحالتين. إذ تُعدّ السيطرة على المدن والبلدات، حالة استثنائية طارئة استدعتها ظروف معينة، وليست أصلا. وقد يكون لها بعض المكاسب، كما حدث إبان سيطرة التنظيم على مدن في ساحل حضرموت، حيث تمكّن من الحصول على الكثير من الأموال، من عائدات مينائي المكلا والشحر. لكن خسارة هذه المناطق، بالنسبة إلى التنظيم، لا تعني تراجعا لقوته ولا لنفوذه، فالأصل أن يتواجد في اللامكان، نظرا لطبيعية الحرب الدولية عليه. أما خسارة المعقل فلها مدلول مختلف تماما، كونها تعني الانكشاف الأمني، وتشكل أزمة على مستوى التنقلات، وتعني أن خيارات النشاط العملياتي وإيجاد المأوى والتنقل وغيرها باتت شحيحة.
وللتوضيح: حين أعلنت قوات الجيش في العام 2012 طرد تنظيم القاعدة من محافظة أبين، لم تكن تعني ذلك حرفيا، وإنما الطرد من المدن التي سيطر عليها علنا، وأدارها، وخاض معارك تقليدية للدفاع عنها. لأنّ التنظيم انسحب من مناطق السيطرة العلنية في زنجبار وجعار وشقرة، إلى مناطق المعقل في المحفد ومودية وأحور وغيرها في المحافظة ذاتها. أما طرد القوات الجنوبية للتنظيم من المحفد ووادي عومران، فقد كان من المعاقل، وعلى إثر ذلك جاءت رسالته الأخيرة للقبائل.
رسالة وقيعة
حرص التنظيم في آخر رسالة على تصوير ما حدث أخيرا، بأنه استهداف للدين، وليس مجرد عمل عسكري يهدف إلى إخراجه من الجنوب. مع التأكيد على أن رأس حربة هذا المشروع هم أبناء القبائل.
وقد أراد التنظيم، من خلال الرسالة المذكورة، أن يوقع بين قبائل محافظة أبين وبين أبنائها المنخرطين في صفوف القوات المكلفة بتطهير المحافظة منه، باستثمار عامل الدين الذي يظن أنه سيكون مؤثرا داخل مجتمع متدين بالفطرة. كما وجّه التنظيم هذه المرة خطابه للقبائل اليمنية كافة أو ما وصفها "قبائلنا الأبية في يمن الإيمان والحكمة". وتُظهر هذه الدعوة بأنّ رسالة القاعدة السابقة لقبائل محافظة أبين وشبوة فشلت في استعطافهم، وبالتالي لجأ هذه المرة إلى توسيع دعوته لكل القبائل. إلى جانب ذلك، حرص التنظيم على تقديم مبررات مسبقة لعملياته التي قد يشنها مستقبلا ضد القوات في محافظة أبين، بحيث يظهر كمدافع عن الدين لا كقاتل متوحّش.
ولم ينس التنظيم في رسالته الإشارة إلى جماعة الحوثي كخطر يتهدد "أهل السنة"، مع التذكير بدوره في محاربتها، وأنّ الحرب عليه تعني إخلاء الساحة من القوى التي تقف في وجه هذا الخطر. بمعنى أنه حاول العزف على وتر الدين بشكل عام، وعلى وتر المخاوف الطائفية بشكل خاص.
كما حملت الرسالة تهديدا باستهداف كل من يناصر أو يساند القوات التي تحارب التنظيم في أبين، اليوم. إضافة إلى تخليه عن الاعتبارات التي كان يعطيها للقبيلة، من خلال تجنب الصدام بها، حيث أكد بصريح العبارة، أنه لن يعتبر من يقاتلونه أبناء القبائل، وإنما أبناء الجهات التي كلفتهم بقتالها، والتي قال إن هدفها الرئيسي هو محاربة الدين، على حد زعمه. يمكن القول إن التهديد للقبائل ظهر في الرسالة أكثر من أي شيء آخر.
ورطة
رغم كل ما تقدم، لا تشير رسالة التنظيم الأخيرة إلى دخوله مرحلة جديدة من النشاط العملياتي العنيف، كما يمكن أن يُفهم من ظاهرها، بقدر ما تشير إلى أزمة حقيقية يمر بها. تعود هذه الأزمة، إلى خسارته لمعاقله الرئيسية، وإلى أن من يقاتله هم أبناء القبائل المنخرطين في صفوف قوات رسمية كما هو الحال في محافظة أبين، وهو ما لم يكن يحدث في السابق.
إلى جانب ذلك، يُدرك تنظيم القاعدة أنّ قبائل محافظة أبين وغيرها من قبائل من محافظة الجنوب، لن تقف على الحياد إزاء استهداف أبنائها، لهذا حاول أن يضع عمليات الاستهداف التي هدد بها في سياق الدفاع عن الدين.
من المهم الإشارة هنا، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يخسر فيها التنظيم معاقل رئيسية في محافظة أبين، دون أن تكون له بدائل حقيقية يلجأ إليها. صحيح أن التنظيم طُرد من بعض معاقله في المحافظة ذاتها بين العامين 2016 و2017، إثر عمليات عسكرية وأمنية مدعومة من التحالف، إلا أنّ وضعه كان مختلفا تماما، إذ كانت لديه العديد من الخيارات، داخل المحافظة وخارجها. إلى جانب ذلك، يدرك التنظيم أن العودة إلى محافظة أبين لن تكون بالسهولة التي اعتاد عليها، لهذا لجأ إلى توجيه رسائل التحريض والتهديد المغلفة بغطاء الدين.
والخلاصة هي أن الرسالة التي تضمنها بيان التنظيم تفصح عن وضع أمني صعب يمر به، وعن ما حققته العمليات العسكرية الأخيرة ضده.
إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية
قبل 3 أشهر