الزعيم الصيني إلى جوار القادة العرب قبل انطلاق القمة في الرياض، 9 ديسمبر 2022 (واس)
09-12-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
منذ وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ، للمملكة العربية السعودية، الأربعاء 7 ديسمبر/ كانون الأول، في زيارة رسمية بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حضر الرجل ثلاث قمم كبرى في الرياض (سعودية، وخليجية وعربية) تصدرتها مجالات التعاون والتكامل في كافة المجالات ووصفت بـ "التاريخية".
وأعرب الرئيس الصيني الجمعة أنّ علاقة الصين مع العرب تعود إلى أكثر من ألفين عام. ويوم الخميس الماضي، وقّع العاهل السعودي، مع الرئيس الصيني، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
قمة تاريخية وعالم متعدد الأقطاب
واختتمت اليوم الجمعة، أعمال أول قمة عربية صينية في العاصمة السعودية الرياض. وصفت صحيفة وول ستريت جورنال هذه القمة بالعلامة الفارقة في العلاقات مع دول الشرق الأوسط.
ووفقا للصحيفة الأمريكية فقد جاءت زيارة الرئيس الصيني إلى الشرق الأوسط "وسط تغيّر في القوى العالمية" بعد الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقال السفير الصيني في مصر إنّ "القمة العربية الصينية "ستضخ الثقة في السلام الإقليمي والعالمي والاستقرار والتنمية والازدهار" معتبرا زيارة الرئيس شي إلى الشرق الأوسط "اتجاه نحو بناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك" وفقا لما نقله التلفزيون الرسمي الصيني.
وأعرب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في افتتاح القمة، عن تقديره لمبادرة أصدقاء التنمية العالمية التي طرحتها الصين.
وقال الأمير السعودي: "تؤسس القمة العربية الصينية لمرحلة جديدة بين دولنا"، مضيفا: "نثمن مبادرة أصدقاء التنمية العالمية التي طرحتها الصين، ونقدّر موقفها الداعم لحل الدولتين وفق المبادرة العربية".
من جانبه اعتبر الرئيس الصيني شي جينبينغ القمة "حدثا مفصليا في تاريخ العلاقات الصينية العربية". وقال: "نتحد ونتقدم معا بهدف تحقيق طموحات دولنا"، وأضاف أنّه: "على الجانبين الصيني والعربي تعزيز التضامن والتعاون وبناء مجتمع لمستقبل أوثق".
وشدد على أن "ما يجمعنا هو الاهتمام بالسلام والانسجام والسعي وراء الحق والدعوة إلى الحوار بين الحضارات"، مشيرا إلى "إنشاء 17 آلية تعاون في إطار منتدى التعاون الصيني العربي".
وكشف الرئيس شي أن التبادل التجاري بين الدول العربية والصين تجاوز 300 مليار دولار. وأشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تغيرات كبيرة وعميقة، مؤكداً أن الشعوب العربية تنشد التنمية الاقتصادية والرخاء.
كما حدد الرئيس الصيني أوجه التعاون مع دول الخليج خلال القمة مع قادة دول الخليج في عدة مسارات منها، الأمن والطاقة وعلوم الفضاء والإعلان عن مركز للأمن النووي ومجلس للاستثمار وتعزيز التعاون الثقافي واللغوي بين الصين ودول الخليج.
وشدد الرئيس الصيني على أهمية حل الأزمات التي تواجه المنطقة. وتطرق كلمات القادة العرب للأزمة في اليمن وليبيا وسوريا والوضع في فلسطين.
من خلال هذه القمة، يعتزم القادة العرب والصين تخطيط التعاون في المستقبل، وتعزيز جودة ومستوى العلاقات العربية الصينية، وتطوير المزيد من التوافق بين الجانبين في الحوكمة العالمية، والتنمية، والأمن، والحوار الحضاري، وغيرها من القضايا المهمة. وفقا لبيان نشرته وكالة الأنباء السعودية.
وغردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ يوم الجمعة أن بكين تهدف إلى تحويل القمم إلى "أحداث بارزة في تاريخ العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي".
وقال محمد برهومة، الباحث البارز في مركز الإمارات للسياسات في أبو ظبي، إن دول الشرق الأوسط تسعى إلى تنويع علاقاتها لخدمة مصالحها الخاصة ومنع المنطقة من أن تصبح نقطة اشتعال في تنافس القوى العالمي. مضيفا "المزيد من المرونة الاستراتيجية متاحة للدول في عالم متعدد الأقطاب".
علاقات استراتيجية
وتتطابق أهداف الصين، التي تسعى لإنجاح مشروعها الكبير (الحزام والطريق)، مع أهداف الدول العربية في العديد من المجالات، كما أشارت كلمات القادة العرب خلال أعمال القمة في الرياض.
وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وجمهورية الصين تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية.
وحول زيارة الرئيس الصيني، قال الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، إنّها "تأتي لتؤكد على عزم السعودية والصين والأشقاء في منطقتنا الخليجية والعربية على تعزيز العمل المشترك، وتطوير العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين بلداننا، بما يحقق المزيد من النمو والازدهار لشعوبنا ودولنا".
الاقتصاد والأمن
احتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للسعودية لآخر 5 سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات السعودية ووارداتها الخارجية منذ عام 2018، حيث بلغ حجم التجارة البينية 309 مليارات ريال (82.4 مليار دولار)، في عام 2021، كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال (51.2 مليار دولار)، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال.
وبلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليار ريال، وجاءت السعودية في المرتبة 12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية عام 2019، في المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 29 مليار ريال بنهاية عام 2021.
وتعزيزاً للعلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ تم تأسيس صندوق "سعودي - صيني" لدعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة برأس مال يقدّر بـ1.5 مليار ريال سعودي.
وأبدت 15 شركة صينية مؤخرا رغبتها في الاستثمار في المملكة، والدخول في مشاريع التخصيص لعدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية، كما تستعد المملكة والصين لإطلاق مشروع شركة "سابك فوجيان" للبتروكيماويات المحدودة، وهو مشروع مشترك يشمل معمل تكسير ذو سعة عالية وينتج عددا من المنتجات البتروكيماوية، وتقدر قيمة المشروع بـ22.5 مليار ريال، وتبلغ حصة شركة "سابك" فيه 51%.
ووفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين الصين ودول الخليج - بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإيران - حوالي 2.48 تريليون دولار في عام 2021. ومن بين هؤلاء، قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمعظم الأعمال التجارية مع الصين. وفي الواقع، تعد الصين الآن أكبر شريك تجاري للسعودية.
وفي عدة مناسبات سابقة على مدار السنوات الـ6 الماضية، ناقشت بكين والرياض فكرة استخدام عقود النفط المسعَّرة بالعملات المحلية، وهذا ما أكدته كلمة الرئيس الصيني يوم الجمعة.
كما تلعب الشركات الصينية دوراً مهماً في العديد من دول الشرق الأوسط، وذلك من خلال الاستثمارات الصينية المباشرة بالإضافة إلى العديد من عقود البنية التحتية الكبيرة الممنوحة للشركات الصينية.
تقوم الشركات الصينية ببناء الموانئ ومناطق التجارة الحرة في المنطقة، بما في ذلك في عمان ومصر والسعودية والكويت. كما نما التعاون بين الصين والدول العربية ليشمل التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والسياحة والطيران. وتستخدم معظم دول مجلس التعاون الخليجي تقنية هواوي الصينية المثيرة للجدل في شبكات اتصالاتها.
وفي عام 2012، وقعت المملكة والصين على مشروع لزيادة التعاون النووي، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في مجال تطوير استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، ما يمهد الطريق لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي والاقتصادي بين البلدين.
وتدعم الصين، كذلك، مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقها ولي العهد، كما رحبت بانضمام السعودية إلى مبادرة التنمية العالمية التي اقترحها الرئيس الصيني شي جينبينغ.
تعاون عسكري مثير للجدل
يُعدُّ الإنتاج المحلي للمعدات العسكرية أحد أنواع التعاون المتزايد الأكثر إثارة للجدل، ويتضمن تطوير السعوديون صواريخهم وطائراتهم دون طيار بمساعدة صينية. وقد أعلنت القمة الصينية الخليجية عن إنشاء مركز للأمن النووي.
وتظهر نظرة سريعة على الأرقام مكان النقاط المحورية لكل شراكة. قد تكون الصين الشريك التجاري الأكبر للسعوديين، لكن تجارة الأسلحة السعودية مع الصينيين بلغ مجموعها 245 مليون دولار فقط بين عامي 2013 و2021. وفي الوقت نفسه، بلغت تجارة الأسلحة بين السعوديين والولايات المتحدة في الفترة نفسها 17.9 مليار دولار.
العلاقة مع واشنطن
تراقب الولايات المتحدة بحذر النفوذ المتزايد لمنافستها الاقتصادية في المنطقة التي تضعها الصين نصب عينيها إذ أنها أكبر مستهلك للطاقة في العالم وتتوسع شركاتها في التكنولوجيا ومجالات أخرى للبنية التحتية.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، تعليقا على زيارة الرئيس الصيني للشرق الأوسط، إن إدارة بايدن تدرك أنّ الصين تحاول توسيع نفوذها في جميع أنحاء العالم، لكن الطريقة التي تسير بها حول هذا الأمر تهدد النظام الدولي الذي تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها الحفاظ عليه. وفقا لما نقلته اليوم صحيفة وول ستريت جورنال.
بشكل أساسي، يبدو أنّ هذه الزيارة تتضمن انتقادا مبطنا وغير مباشر لسلوك الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهناك مخاوف من أنّ القمة العربية الصينية تأتي في وقت حساس بشكل خاص للعلاقات الأمريكية - السعودية.
وتقف العلاقات بين الرياض وواشنطن في الوقت الحالي عند درجة متدنية، وقد جرى الحديث كثيرا عن "الاستقبال المتحفظ"، الذي لقيه الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما زار السعودية في يوليو/ تموز الماضي.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال: "بسبب تصور أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالمنطقة، حاولت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص صياغة سياسة خارجية أكثر استقلالية عن النفوذ الأمريكي."
هي الأخرى، رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية تُظهر انتهاء زواج الرياض الأحادي بواشنطن، مشيرة إلى أن ما سمته "شهر عسل واشنطن والرياض" يقترب من نهايته، مبينة أنه "في الحرب الباردة الحديثة، لن ترفض المملكة الوقوف إلى جانب واشنطن فحسب، بل ستقترب أيضًا من موسكو وبكين، بحسب ما تمليه مصالحها الخاصة".
وأشارت إلى أنه في مقابلة عام 2004، قال وزير الخارجية السعودي آنذاك، سعود الفيصل، للصحفي السابق في صحيفة واشنطن بوست ديفيد أوتاوي: العلاقة الأمريكية السعودية لم تكن "زواجًا كاثوليكيًا"، حيث يُسمح بالارتباط بزوجة واحدة فقط، إنما "زواج إسلامي"، حيث يُسمح بالارتباط بأربع زوجات.
المصدر: سوث24، وكالات، إعلام سعودي