مصفاة عدن النفطية - فرانس برس
12-01-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
تمتاز محافظتا حضرموت وشبوة في جنوب اليمن بالثروات النفطية والغازية التي تشكل معظم موارد الطاقة في البلاد كلها ومصدر الدخل الرئيسي الذي تعتمد عليه الحكومات في تحقيق الإيرادات اللازمة لتسيير شؤون الدولة.
وعلى الرغم من ذلك، تنعدم الآثار الإيجابية المتوقعة لهذه الثروات على السكان في محافظات الامتياز بشكل خاص وجنوب اليمن بشكل عام، في ظل الاتهامات بعمليات "فساد ونهب" استمرت على مدى عقود بعد الوحدة اليمنية في 1990.
ورغم الأرقام الحكومية المعلنة قبل وبعد الأزمة الراهنة في اليمن حول عمليات الإنتاج والتصدير، تتكاثف الشكوك حول وجهة الصادرات النفطية في البلاد وانتفاع طبقة نافذة في النظام والدولة منها دون الشعب.
وتصدرت الثروات النفطية في الجنوب بواعث الحراك التحرري لدى السكان الذين يعانون من مستوى معيشة بين الأدنى على الإطلاق في العالم كله بحسب تقارير دولية متعددة. ويعتقد كثير من الجنوبيين أنَّ أطراف في الشمال داخل السلطة استغلت ثرواتهم بشكل حصري.
وخلال الأعوام الأخيرة، ورغم التقارير عن تراجع كبير وغير مسبوق للإنتاج النفطي بسبب الحرب، حامت الكثير من التساؤلات حول وجهة الإيرادات النفطية في الجنوب في ظل استئثار محافظة مأرب في شمال اليمن [جزء من الحكومة الشرعية] بإيراداتها من الغاز كما تؤكد مصادر مطلعة لـ "سوث24".
وعزًّزت حالة الانهيار الاقتصادي والخدمي وتهم الفساد التي لاحقت حكومات يمنية متعاقبة منذ 2015 هذه التساؤلات، والمطالبات بـ "تحرير الثروة النفطية" التي تبناها الجنوبيون والمجلس الانتقالي الجنوبي المنخرط في حكومة مناصفة [2020] ومجلس رئاسي [2022] يقود البلاد.
وخلال الفترة الماضية، كان "البنك الأهلي السعودي" هو الوجهة الرئيسية للإيرادات النفطية الجنوبية بحسب مصادر مطلعة ومسؤولة تحدثت لـ "سوث24"، بالإضافة لمسؤولين سابقين في الحكومة اليمنية من بينهم وزير النفط عبد السلام باعبود.
الإنتاج النفطي
ما يزال الإنتاج النفطي في الحقول بجنوب اليمن محل غموض وتساؤلات لما يعتري هذا الملف من اختلالات عميقة وتقاسم من قبل قوى النفوذ الداخلية والخارجية.
وطبقاً لبعض الدراسات، لا تتوفر الشفافية في أدنى مستوياتها فيما يخص ملف الإنتاج النفطي في اليمن سواء فيما يتعلق بالأرقام والإحصاءات الحقيقية، أو ما بما يتعلق بمعايير التعامل مع الشركات الأجنبية العاملة في المجال النفطي.
"أثر هذا في القدرة على تشجيع الاستثمارات"، قالت إحدى الدراسات، وأضافت: "حولت اليمن إلى بلد طارد للاستثمار، وصار المُتداول بين المهتمين بهذا المجال أنَّه لا تأتي إلى اليمن إلا شركات تحيط بها شبه فساد."
وأشارت دراسة أخرى إلى أنَّ 75% من النفط الخام المستخرج في جنوب اليمن، حتَّى الآن، لم يتم الإعلان عنه رسمياً.
وبحسب دراسة أعدها الأستاذ المشارك في جامعة عدن، حسين العاقل، حصل مركز "سوث24" على نسخه خاصة منها، فإنَّ ثلاثة أرباع النفط الخام المستخرج "لم يدخل في حساب الخزينة العامة للدولة."
ولفتت الدراسة إلى أنَّه جرى التعامل مع هذه الكميات من النفط الخام "بطريقة البيع والشراء بالمزاد ووفق عقود غالبا ما يكون طرفاها شخصيات يمنية نافذة وشركات نفطية أجنبية."
وأما عن الأرقام الرسمية، فقد بلغت عائدات اليمن من صادرات النفط الخام في العام 2021 1.418 مليار دولار بالمقارنة مع 710.5 مليون دولار في العام السابق، بزيادة 707 ملايين دولار أو 99.4%.
لكنَّ هذه الإيرادات، المتوقفة منذ أواخر العام 2022 بسبب هجمات الحوثيين، لم تكن تذهب إلى البنك المركزي اليمني في عدن وفقاً لمصادر مطلعة لـ "سوث24"، بل إلى البنك الأهلي السعودي حيث يتم صرف النفقات الحكومية منه مع دور إشرافي فقط للبنك المركزي.
وتظهر بيانات نشرتها وزارة المالية اليمنية، تحصل عليها "سوث24"، حجم العائدات النفطية المُعلن عنها من 2014.
بيانات نشرتها وزارة المالية اليمنية
البنك الأهلي السعودي
قالت مصادر خاصة عاملة في البنك المركزي اليمني لـ "سوث24" إنَّ البنك في مرحلة معينة، وتحديدًا في ظل المحافظ السابق منصر القعيطي، جعل جميع الشركات الأجنبية العاملة في القطاع النفطي في اليمن تودع إيرادات بيع النفط الخام إلى البنك الأهلي السعودي.
وزعمت المصادر أنَّ ما قاد لذلك هو "التفاهمات السياسية الحاصلة بين الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي والتحالف العربي بقيادة السعودية." واقتصر دور البنك المركزي، وفقاً للمصادر، على الإشراف على صرف النفقات الحكومية والمرتبات بالإضافة إلى تغطية سندات للسلع الغذائية."
وتواصل مركز "سوث24" مع كل من قيادة البنك المركزي اليمني، وزارة النفط، وزارة المالية، لطلب التعليق إلا أنَّنا لم نتلق جواباً حتى اللحظة.
وفي تصريحات خاصة لـ "سوث24"، أقر وزير النفط اليمني السابق عبد السلام باعبود [2020 – 2022]، بأنَّ العائدات النفطية كانت تذهب إلى البنك الأهلي السعودي.
وقال إنَّ ذلك "جاء بحسب توجيهات حكومية ولما تفرضه الحاجة المصرفية التي تقتضي التعامل مع بنك وسيط هو من يقوم على توريد العائدات كإشعارات إلى البنك المركزي اليمني الذي يقوم بتصريفها وفقًا للإجراءات المالية المتبعة."
ووفقا للمصادر الخاصة، يوجد لدى وزارة المالية اليمنية مكتب منتدب في البنك الأهلي السعودي، كما أنَّ الوزارة هي المسؤولة قانونياً عن كل الحسابات الحكومية خارج البنك المركزي اليمني وهي من تملك الصلاحيات لإغلاق مثل هذه الحسابات.
وذكرت المصادر عدداً من المؤسسات الحكومية التي ذهبت إيراداتها إلى بنوك خارجية مثل شركة مصافي عدن التي قامت خلال الفترة الماضية بتوريد إيراداتها إلى البنك العربي في الأردن، وبنوك محلية في العاصمة عدن.
ولفتت إلى أنَّ ما يورد من عائدات النفط إلى البنك الأهلي السعودي من القطاعات هو حصة الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية الخاصة بالدولة، فيما تذهب حصص الشركات الأجنبية للبنوك الخاصة بها.
وتخالف هذه العمليات القانون اليمني المالي رقم (8) لعام 1990، الذي ينص على منع أي جهات أو شركات أو منظمات توريد أموال أو فتح حسابات خارج البنك المركزي اليمني.
وفي 23 ديسمبر الماضي، قالت وكالة سبأ الرسمية إنَّ وزير المالية الحالي، سالم بن بريك، وجه بإغلاق كافة الحسابات الحكومية خارج البنك المركزي اليمني، ووقف الصرف من الوفورات، وكذلك الصرف المباشر من الإيرادات.
ولم يتلق مركز "سوث24" رداً من وزارة المالية حول الاستفسارات عمَّا تم تنفيذه من هذه التوجيهات والحسابات المستهدفة من التوجيه.
انعكاسات
تؤكد اللجنة الاقتصادية العليا في المجلس الانتقالي الجنوبي على الانعكاسات السلبية لتوريد الإيرادات النفطية خارج البنك المركزي اليمني.
وقالت اللجنة لـ "سوث24": "بكل تأكيد له أثر اقتصادي سيئ يتمثَّل في الحد من حجم تداول العملات الأجنبية في خزانة الدولة وهو البنك المركزي اليمني بالإضافة إلى المحاصصة السياسية التي تطال عملية الصرف لهذه الحسابات."
وأضافت: "علاوة على ما يعتري هذا الاختلال من مخالفة لقانون وزارة المالية والبنك المركزي اليمني. إنَّه يحصر البنك المركزي اليمني بدور هامشي في الدورة الاقتصادية بدلاً على كونه مخزون نقدي عالي."
وأرجعت اللجنة الاقتصادية هذه المخالفة إلى "الرغبة في التصرف في الأموال للجهات الحكومية كالرئاسة اليمنية والقنصليات والبعثات بالخارج ومكاتب خارجية للعديد من الوزارات اليمنية التي شكلت عبئا مضافاً على الاقتصاد."
إعادة التصدير
حتَّى الآن، يبدو أنَّ الحوثيين ماضون في استهداف أي عملية إنتاج أو تصدير للنفط في جنوب اليمن، فضلا عن معوقات القيام بذلك في الوقت الراهن بسبب ما خلفَّه هجومهم الأخير من أضرار في مضخة تصدير في ميناء الضبة بحضرموت.
بيانات من وزارة النفط اليمنية تظهر حجم الإنتاج النفطي من القطاع S2 في حقل "العقلة" بمحافظة شبوة، 1 يناير 2022
بيانات من وزارة النفط اليمنية تظهر حجم الإنتاج النفطي من القطاع S2 في حقل "العقلة" بمحافظة شبوة، 21 ديسمبر 2022
ولكنَّ مصادر مسؤولية لـ "سوث24" قللت من تأثير هذا الهجوم على عملية تصدير النفط، وقالت إنَّ إمكانية تصدير النفط كالسابق لا زالت متاحة أمام الحكومة اليمنية في الظرف الطبيعية.
وقالت المصادر إنَّ ميناء الضبة يوجد فيه مضختان لإرسال النفط للناقلات، إحداهما لم تتضرر من الهجوم الحوثي ويمكنها تعويض المضخة الأولى المتضررة وإعادة تصدير النفط.
مُتعلق: ما التداعيات الاقتصادية لتصعيد الحوثيين؟
ومن المهم الإشارة إلى ارتباط ملف النفط في جنوب اليمن، وخصوصاً حضرموت، بملفات سياسية وعسكرية أخرى مثل المنطقة العسكرية الأولى التي تنتشر في وادي حضرموت الغني بالنفط والمتهمة بتوفير الحماية لعمليات "النهب."
ويعتبر السكان المحليون من الحضارم هذه القوات بمثابة "احتلال" يساعد في استغلال الثروات في الوقت الذي يعيشون فيه أوضاعا معيشية وخدمية سيئة.