محمد بن سلمان وعيدروس الزبيدي في الرياض، 5 نوفمبر 2019 (إعلام خليجي)
21-01-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
خلال الأسابيع الماضية، هاجم صحفيون ونشطاء سعوديون المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الجنوبية بشكل لافت تزامناً مع العديد من التطورات المحلية في جنوب اليمن، على رأسها التوترات في وادي محافظة حضرموت، ووسط تقارير عن مشاورات سعودية حوثية مباشرة بشأن الصراع في اليمن.
بدأت هذه الحملة بتبني النشطاء والصحفيين السعوديين، وبصورة مفاجئة، خطابا حادا ضد المجلس الانتقالي والقوى الحضرمية المطالبة بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت. كما دعموا بشكل غير مباشر أصوات فصل حضرموت عن الجنوب.
وأثارت هذه الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما منصة تويتر، التساؤلات حول أسبابها، وعمَّا إذا كانت هذه الحملة تمثَّل انعكاسا للموقف السعودي العام تجاه ملف حضرموت ورؤيته للتسوية في اليمن، أم أنَّها أصوات فردية فقط.
ويعزز الاتجاه الأول ما كُشف عن مباحثات واتصالات قائمة بين السعودية والحوثيين مؤخراً، حيث يبدو أن الرياض لا تريد ما قد يعكر مناخ هذه المباحثات التي يغيب عنها المجلس الرئاسي الذي دعمت المملكة تشكيله في أبريل الماضي.
مُتعلق: تفاؤل أممي وابتهاج حوثي وصمت رئاسي: هل ثمّة سلام بالأفق؟
على الطرف الآخر، تذهب بعض الآراء إلى تصنيف هذه الأصوات السعودية ضمن "التيار العميق للإخوان المسلمين" في المملكة، خصوصاً مع التغييرات الكبيرة التي شهدتها السعودية مؤخراً ضمن إصلاحات يقودها الأمير الشاب ولي العهد محمد بن سلمان.
الشخصيات
قاد الحملة الأخيرة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي العديد من الشخصيات السعودية، من بينها صحفيون في صحف رسمية كبرى.
ويأتي مساعد رئيس التحرير بصحيفة "عكاظ" السعودية، عبد الله آل هتيلة، في مقدمة هذه الشخصيات، بالإضافة إلى آخرين مثل الكاتب السياسي، وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم السياسية، سليمان العقيلي.
وخلال الأعوام الأخيرة، عُرف العقيلي بمناهضته للمجلس الانتقالي بشكل واسع واستضافته قنوات فضائية مقربة من الإخوان المسلمين. لكنَّ آل هتيلة كان قد استضاف رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي سابقا على صحيفة عكاظ.
وإلى جانبهما، برز اسم علي عريشي، وهو "ناشط سعودي وباحث سياسي" وفقا لحسابه على تويتر. وانضمّ عريشي للمنصة منذ العام 2011، في أعقاب ثورة الربيع العربي، لكن محركات البحث لا تشير إلى أي نشاط سياسي أو صحفي للرجل.
وأيضاً، يعتبر المحلل السياسي السعودي تركي القبلان، رئيس مركز ديمومة للدراسات الاستراتيجية والبحوث، من أبرز الشخصيات المشاركة في الحملة الأخيرة.
وتتضمن القائمة العديد من الشخصيات الرئيسية الأخرى مثل الناشط السعودي سعد بن محمد العمري، الذي يستضيفه مركز سوث24 في هذا التقرير.
توجه عام أم فردي؟
يصنَّف المحلل السياسي الجنوبي صلاح السقلدي مثل هذه الحملات الإلكترونية ضمن أدوات صناع القرار السعوديين المتعددة.
وقال لـ "سوث24": "يدرك البعض أنَّ صانع القرار السعودي يمتلك جيشاً إلكترونياً يستخدمه في المواقف والقضايا الهامّة والحسّاسة التي تهمّ السعودية في الداخل والخارج؛ ويستهدف به خصومه كالذي نراه في الجنوب، وفي حضرموت تحديداً."
مُتعلق: حضرموت الوادي والصحراء: اللعب الإقليمي والمحلي على المتناقضات
وأضاف: "يتمّ اليوم من خلال هذا الجيش الإلكتروني استهداف المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل واضح، بل وكل القوى والشخصيات التي تنتصر للقضية الجنوبية".
وزعم السقلدي بوجود توتر بين السعودية والمجلس الانتقالي، الذي يتواجد رئيسه حاليا في الرياض. وأضاف: "في الأشهر الأخيرة تأزمت علاقة الانتقالي مع السعودية، على خلفية كثير من القضايا وأهمها حضرموت. لقد دخل الطرفان في أزمة صامتة وجفاء غير مُعلن لكنه عميق وخطير."
لكنَّ المحلل السياسي الجنوبي أنور التميمي لديه رأي مخالف.
وقال التميمي لـ "سوث24": "هؤلاء هم صحفيو الإخوان المسلمين في السعودية. سبق أن كانت لهم مواقف مخالفة للموقف الرسمي لبلادهم، ومنسجمة مع موقف الجماعة الإخوان، مثل مهاجمة الرئيسين الحاليين لمصر وتونس."
وأضاف: "تغريداتهم التي حملت العداء لمصر وتونس، والمناصرة لسياسات أردوغان في تركيا تؤكَّد التزامهم بالخطاب الإعلامي للإخوان. رغم أنَّ الحملة الأخيرة هدفت إلى تشويه مطالب الحضارم، إلا أنّها أبرزتها على نطاق أوسع. هذه نتيجة لم يقصدها هؤلاء."
الناشط السعودي سعد العمري قال لـ "سوث24" أنَّ ما يكتبه هو وغيره لا يتعدى القناعات أو الآراء الشخصية.
وأضاف: "نتمنى، حتّى وإن اختلف الناشط السعودي مع أي توجه جنوبي، أن يكون مجرّد رأي شخصي لا يمثّل الدولة ولا توجهاتها. الإساءة الشخصية مقابل أخرى شخصية لا تضر، لكن الإساءة إلى المملكة لا يمكن أن نقبل بها."
وأردف: "بعض الناشطين السعوديين يقفون مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وهم متعاطفون مع القضية الجنوبية، كما أنَّهم يدعمون حقوق الجنوبيين. ما يحصل في اليمن عبارة عن قضايا يمنية – يمنية."
ولفت العمري إلى أنَّ "هناك ناشطون سعوديون يتكلمون بموجب مواقف المملكة الثابتة ولا يخرجون عنها."
وأضاف: "نؤكَّد أنّ القضايا التي تُدار في اليمن تظل قضايا يمنية - يمنية يتم النقاش فيها، وكل ما سيتفق عليه اليمنيون سيحظى بمباركة من دول التحالف ومن المملكة ودول الخليج، لكن بعد أن يتم الانتهاء من الحرب مع الحوثيين".
وعلى خلاف ذلك، يرى العمري أنه هذا الموضوع يجب أن يتوقف على الفور. واعتبر أنه "أتاح الفرصة للنيل من المملكة بشكل مباشر، وتوجيه اتهامات باطلة لها، مثل دعم الإخوان المسلمين والتوسّع داخل اليمن".
التوقيت
بالنسبة للتميمي، فإنَّ "اختيار توقيت الحملة مرتبط مع تصاعد الغليان الشعبي الحضرمي."
وأضاف "المقصود من الحملة الأصل إجهاض الغليان الذي حقق نتائج ملموسة، واصطفافاً شعبياً كبيرا وإجماعاً على ضرورة أن يتولّى الحضارم ملف الأمن والدفاع في بلادهم. هذه الأسباب دفعت بالإخوان إلى تحريك كل قواهم للاحتفاظ بالوادي."
ويتفق السقلدي مع التميمي على ارتباط توقيت الحملة بملف حضرموت، لكنَّ من زاوية أخرى.
وقال: "بالفعل توقيت هذه الحملة الإعلامية مرتبط بشكل مباشر بالتطورات الأخيرة في حضرموت، فالانتقالي يسعى إلى إخراج المنطقة الأولى من منابع الثروة، ووقف النهب المريع لثروات حضرموت".
وأضاف: "السعودية ترى في المهرة وحضرموت ثروة وجغرافيا، ومنطقة مصالحها الاستراتيجية؛ وترى في هذه الخطوات تهديداً لمصالحها ومصالح شركائها الغربيين والمحليين من الأحزاب الشمالية."
وأردف: "السعودية عملت بعد سقوط حزب الإصلاح في شبوة على كبح تقدم القوات الجنوبية صوب منابع النفط باتجاه حضرموت، ورفعت بوجهها فيتو صريح."
ويؤكَّد الناشط السعودي سعد العمري على أهمية حضرموت بالنسبة للمملكة.
وقال: "الناشط السعودي حينما يتحدّث عن حضرموت فإنّه يتحدث عن حدود مشتركة تتجاوز الـ 700 كيلومترا للمملكة مع هذه المحافظة التي ظلّت بعيدة عن الصراع منذ اندلاع الحرب في اليمن."
وأضاف: " السعوديون يحترمون مطالب أبناء حضرموت. ومع ذلك، لا ندعم تحرير المُحرَّر وإثارة الفوضى في تلك المناطق. هذا فقط هو كل ما يهدف إليه النشطاء السعوديون في خطاباتهم."
وزعم العمري بأنَّ "هناك حملة شعواء أهدافها أبعد من مجرّد إخراج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وتسعى لإشعال فتنة في المحافظة." وأضاف: "مع ذلك ليس لنا كناشطين وصحفيين أن نقرر من يبقى ومن يرحل."
وتتواجد المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت الغني بالنفط منذ ما قبل 2015، ولم تشترك بأي معركة ضد الحوثيين. وتتهم من قبل السكان المحليين بحماية النافذين في القطاع النفطي، فضلا عن تحويل مناطق الوادي إلى بؤرة لعناصر تنظيمي داعش والقاعدة.
وأظهر تقرير نشره مركز سوث24 مؤخراً أنَّ عائدات النفط الرسمية في البلادـ التي يأتي معظمها من حضرموت، تذهب للبنك الأهلي السعودي منذ أعوام بناءً على توجيهات رئاسية يمنية.
التأثير
يرى التميمي أنَّه ليس للشخصيات المشاركة في الحملة أي تأثير على صناعة القرار السعودي.
وأضاف: "القرار تصنعه المؤسسات الرسمية للدولة. من المحتمل أن ترشد الحملة صناع القرار في السعودية إلى بؤر وأفراد يشكّلون تشويشاً على الدور السعودي الإيجابي تجاه المطالب الجنوبية."
على النقيض، يعتقد السقلدي أنَّ الشخصيات المشاركة في الحملة "تؤثر في تشكل الرأي العام السعودي الداخلي."
وأضاف: "إنَّها بمثابة البوصلة التي تشير للعالم إلى الاتجاه الذي ينظر إليه صانع القرار السعودي. هذه الأصوات تُمثّل بالضرورة الموقف الرسمي السعودي لأنَّ لا مكان للصوت الآخر في السعودية." حسب زعمه.
وأردف: "بالتالي العالم يبني جزءاً كبيراً من مواقفه تجاه السعودية من خلال مواقف هذا الجيش الإعلامي والإلكتروني."
وفي 10 يناير الجاري، زار وفد سعودي مدينة سيئون، عاصمة وادي حضرموت. ووفقاً للمكتب الإعلامي للسلطة المحلية، التقى الوفد المحافظ مبخوت بن ماضي وقائد المنطقة العسكرية الأولى صالح طيمس الكازمي وآخرين.
في نهاية المطاف، يبدو أنَّه من الصعب الاقتناع بوجود آراء سياسية في السعودية تخالف سياسة المملكة خصوصاً تجاه القضايا الإقليمية الحساسة مثل اليمن. ومهما تكن الغايات، لن تخلق هذه الحملات – على الأرجح – إلا مزيداً من التشكيك لدى الجنوبيين.
علاوة على ذلك، تحول هذه الحملات دون التركيز كثيراً على الغليان الشعبي في مناطق الحوثيين في شمال اليمن، يعتقد مراقبون.
مُتعلق: ما حقيقة الغليان الشعبي ضد الحوثيين؟
وهناك من سيتسائل: هل فعلا هذه الحملة هدفها الدفاع عن المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت؟ أم أنها محاولة لحرف نظر الرأي العام عن المشاورات السرية التي يجريها السعوديون مع جماعة الحوثي في صنعاء، والصفقة التي قد تنجم عنها بمعزل عن الأطراف الفاعلة في المشهد اليمني، وما سيترتب على ذلك من تداعيات؟
قبل 3 أشهر