رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزور موقع الهجوم ضد مستوطنين في أطراف القدس يوم الجمعة (رويترز)
31-01-2023 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. عزام شعث
تطرح عودة "بنيامين نتنياهو" للحكم في إسرائيل العديد من الأسئلة حول مستقبل العلاقات العربية- الإسرائيلية، ومصير الاتفاقيات الإبراهيمية، خاصة أن حكومة "نتنياهو" تتشكل من ائتلاف معسكر اليمين، وتضم أحزابًا دينية متطرفة تُجاهر بمواقفها المتشدّدة تجاه القضايا العربية والإقليمية والدولية، وتتنكر لحقوق الفلسطينيين، وتعلن معاداتها للعرب والرغبة في طردهم من ديارهم.
تطرح هذه التغيرات على شكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة وسياساتها، سؤالين رئيسين؛ أولًا: ما محددات التعاون العربي- الإسرائيلي في ضوء أجندة حكومة "نتنياهو" وخطوطها العامة؟ ثانيًا: إلى أي مدى يمكن أن تتأثر الاتفاقيات الإبراهيمية بالمواقف الإسرائيلية المُعلنة وبالإجراءات الميدانية ضد الفلسطينيين، وهل تتوسع الاتفاقيات وتتطور التحالفات بمعزلٍ عن التقدم في مسار التسوية السياسية وحلّ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي؟
أولًا: تركيبة الحكومة الإسرائيلية وبرنامجها:
على خلفية نتائج الانتخابات الإسرائيلية [1] في نوفمبر 2022، خاضّ "نتنياهو" نقاشات معمقة مع شركائه في اليمين الإسرائيلي، واستقر به المقام على حكومة ائتلافية من أحزاب "الليكود، والأحزاب الحريدية، وتيار الصهيونية الدينية"، ضمن "صفقات سياسية" تشكلت على أساسها، وتضمنت صلاحيات أحزاب الائتلاف الحكومي، ومن بينها التوافق مع تيار "الصهيونية الدينية" على برامجه وسياساته المعلنة تجاه الشعب الفلسطيني، بما يُعدّ "تفويضًا رسميًا" لانتهاك حقوق الفلسطينيين ميدانيًا.
لقد تعزّز هذا التفويض بتعيين "ايتمار بن غفير، وزيرًا للأمن الوطني"، و"بتسلإيل سموتريش، وزيرًا للمالية ووزيرًا بوزارة الداخلية". فالأول هو الذي اقتحم [2] المسجد الأقصى بحماية القوات الإسرائيلية في يناير 2023، وقاد مسيرات الأعلام مع المستوطنين، وتسبب باندلاع أحداث "حي الشيخ جراح" [3] في 2021، وهو المحرّض على إقامة الصلوات الدينية، والطقوس التلمودية مع ما تشكّله من تهديد للوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية. بينما الثاني، فهو المشرف على الإدارة المدنية بالضفة الغربية، والذي يمتلك ملف تعزيز الاستيطان وتوسعته، وإنشاء بؤر استيطانية جديدة وإمدادها بمشاريع البنى التحتية.
وعشية التصويت على منح حكومة "نتنياهو" الثقة، قدم الائتلاف الحكومي لسكرتارية الكنسيت "وثيقة الخطوط العريضة"، وضمنها بندّين يتصلان بموقع الملفين الفلسطيني والعربي في الحكومة الجديدة، وهما على النحو التالي [4]:
1- تعزيز مكانة القدس وتعميق الاستيطان ومحاربة "العنف": جاء في البند الأول من الوثيقة أن "للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتقويض على كل مناطق أرض إسرائيل.. وستدفع الحكومة تطوير الاستيطان في جميع أنحاء أرض إسرائيل، في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة.. وستعمل الحكومة من أجل تحصين الأمن القومي وتوفير أمن شخصي للمواطنين من خلال محاربة العنف والإرهاب بحزم، وستعمل من أجل تعزيز مكانة القدس".
لم تكن التحولات التي تُظهرها الحكومة الإسرائيلية في وثيقتها العامة وليدة الانتخابات الأخيرة ونتائجها؛ ففي الحملات الانتخابية وقبلها بدت المواقف الحزبية المؤيدة للاستيطان والرافضة لاستئناف التسوية السياسية ومبدأ "حل الدولتين" أكثر وضوحًا. غير أنَّ هذه المواقف تزداد تعقيدًا مع سيطرة التيارات الدينية على الحكم وتفويضها بصلاحياتٍ واسعة، ومن بينها تفويض "سموتريش" بصلاحية تطبيق خطته المعروفة بـ "خطة الحسم" [5]، التي تتطابق مع برنامج "حزب الليكود" بشأن الاستيطان في الضفة الغربية، ومكافحة السيطرة الفلسطينية في المنطقة (ج)، ومقاومة كافة الضغوط والمحاولات لتقليص السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية. [6]
2- توسيع دائرة السلام مع الدول العربية وتطوير التحالفات معها: تضمنت وثيقة الخطوط العريضة، نيّة الحكومة الإسرائيلية العمل من أجل دفع السلام مع جميع الدول المجاورة من خلال الحفاظ على المصالح الأمنية، التاريخية والقومية الإسرائيلية.. والعمل من أجل تعميق التعاون مع دول (اتفاقيات أبراهام) من خلال التزام وتعاون بين الوزارات من أجل دفع هذا التعاون، وستدرس الحكومة حلولًا، وتعمل من أجل دفع اتفاقيات سلام جديدة من أجل إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي".
وبهذا المعنى، تحظى الاتفاقيات العربية- الإسرائيلية بتأييد الحكومة الإسرائيلية، التي تصادق على توسعة دائرتها في إطار ما تعلنه لتحقيق هذه الغاية وما تقوم به من إجراءات. ليس أدل على ذلك من تصريحات رئيسها "نتنياهو" من تطلعه إلى وبحثه عن فرصة لتحقيق انفراجة دبلوماسية مع السعودية وتدشين العلاقات الرسمية معها [7]، فهو يدرك المكانة الدينية للسعودية باعتبارها معقل الإسلام السُّني، وأنها هي التي بادرت إلى تبني مبادرة السلام العربية عام 2002.
ثانيًا: مظاهر تطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية ومآلاتها:
في 15 سبتمبر 2020، وقّعت إسرائيل مع الإمارات والبحرين وبرعاية أمريكية، اتفاقًا لتطبيع العلاقات بينهم، انضمتا إليه لاحقًا السودان والمغرب. بُنيت الاتفاقيات على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية المشتركة بين أطرافها. وللاتفاقيات التي مرّ على سريانها قرابة 28 شهرًا مظاهر عديدة، نجملها فيما يلي:
1- التطبيع مع الإمارات: تضمنت الاتفاقيات الإبراهيمية 16 حقلًا للتعاون الإسرائيلي-الإماراتي، ومن بينها البيئة، والزراعة، والمياه، والأمن الغذائي إلى جانب مجالات تجارية كالطيران المدني، والسياحة، والطاقة، والعلوم، والتكنولوجيا [8]. وبعد توقيع هذه الاتفاقيات افتتحت إسرائيل سفارتها في أبو ظبي، وقنصليتها في دبي، وافتتحت الإمارات سفارتها في إسرائيل، وأدت الاتفاقيات إلى تدشين منتدى النقب الذي عُقد اجتماعه الأول في إسرائيل في 2022، واجتماعه الثاني في أبو ظبي في 2023. توالت اتفاقيات الشراكة بين الإمارات وإسرائيل، وانضم الأردن إلى إحداها بالتوقيع على إعلان نوايا لبحث مشروع مشترك للطاقة والمياه، وقد أعلنت الإمارات خططًا لاستثمار 10 مليارات دولار في إسرائيل ومعها، تشمل الاستثمارات في الشركات التكنولوجية الناشئة والمشاريع الكبرى والتعاون الاستثماري. [9]
2- التطبيع مع البحرين: دشنت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بعد إبرام اتفاقًا مشتركًا بين البلدين، تلاه بعد أسابيع قليلة توقيع عدد من بروتوكولات التعاون بين البلدين في مجالات التمويل والاستثمار والتجارة والاقتصاد والسياحة والطيران والاتصالات والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة. وبعدها وقّع البلدين اتفاقًا لتعزيز التعاون الاستخباراتي وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة بينهما، وتحقيق التعاون بين قطاعي الصناعات الدفاعية للبلدين. [10]
3- التطبيع مع السودان: ارتكزت شروط السودان للتطبيع مع إسرائيل على مطلب رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحصولها على حزمة من المساعدات الاقتصادية، وتسهيل حصولها على قروض من المؤسسات المالية الدولية. بدأت أولى خطوات تفعيل هذا الاتفاق بإعلان الرئيس الأمريكي ترامب استعداد إدارته لإصدار أمر تنفيذي برفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتحرير الأموال السودانية المحتجزة في واشنطن، واستجابةً مع هذه الخطوات أقدم السودان على إزاحة العراقيل التي تقف عثرة أمام إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، وكان أهمها أن الحكومة السودانية أجازت مشروع قانون بإلغاء المقاطعة، وعلى خلفية هذه التطورات، بدأ المسؤولين الإسرائيليين بزيارة السودان وبناء التحالفات مع الأجهزة العسكرية والأمنية السودانية، والتفاوض بشأن ملف اللاجئين السودانيين في إسرائيل، ووافقت إسرائيل على إعادة اللاجئين إلى موطنهم، ثم انطلقت المباحثات حول أمن الحدود، والتعاون في مجال الاستخبارات، ومكافحة الإرهاب، وبهذا استحوذ الشقان الأمني والعسكري على التفاهمات والاتفاقيات الثنائية بين البلدين. [11]
4- التطبيع مع المغرب: منذ دخول المغرب في مسار التطبيع مع إسرائيل، تكثف التعاون بين الطرفين في مجالات عديدة؛ فقد وقعا اتفاق إطار للتعاون الأمني، يتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا، والتعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير. وأعلنت شركة راتيو بيتروليوم الإسرائيلية توقيع شراكة مع الرباط لاستكشاف حقول غاز بحرية قبالة ساحل الداخلة بالصحراء الغربية [12]، تلتها اتفاقيات شراكة في مجال التبادلات التجارية وقطاع السياحة، ومذكرات تفاهم في مجال المياه، والتبادلات الثقافية والفنية والمهنية، والتعليم الجامعي والبحث العلمي، والتعاون الثنائي في الميدان القانوني، كما استضافت المغرب ستة ملتقيات اقتصادية واستثمارية ناقشت تعزيز العلاقات في هذه المجالات بين الطرفين.
وبشأن مستقبل التعاون ومصير الاتفاقيات الإبراهيمية في ضوء التحولات السياسية التي شهدتها إسرائيل في الشهور الأخيرة، تتفاعل مجموعة من السيناريوهات على النحو التالي:
- السيناريو الأول: يفيد باستمرار الوضع الراهن، دون أن تتأثر علاقات التطبيع بالتحولات والسياسات الإسرائيلية، وضمنها التصعيد ضد الفلسطينيين؛ فخلال الشهر الأول من تنصيب الحكومة الإسرائيلية شهدت الضفة الغربية موجات من الاعتداءات الإسرائيلية، أدّت في مجملها إلى مقتل (30) فلسطينيًا، واقتحامات لباحات المسجد الأقصى بحماية القوات الأمنية والشرطية (أبرزها اقتحام ايتمار بن غفير)، وهدم قرية العراقيب في منطقة النقب لمصادرتها وتحويلها إلى مستوطنات، واقتحام قرية الخان الأحمر شرقي مدينة القدس من وزراء وأعضاء كنيست ومستوطنين لترحيل سكانها وهدمها وتهويدها. وفي ظل هذه الأوضاع، استمرت العلاقات العربية- الإسرائيلية على حالها، واكتفت الدول العربية بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية، لكن الإدانة والانتقادات لم تترجم إلى إجراءات عملية باستثناء مطالبة دولة الإمارات عقد جلسة لمجلس الأمن [13] لمناقشة قضية اقتحام "بن غفير" للمسجد الأقصى. كما عُقد بعدها الاجتماع الأول لمجموعات "عمل منتدى النقب" في أبو ظبي بمشاركة الدول الست الأعضاء؛ استكمالًا لما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الوزاري الذي عُقد في مارس 2022، في النقب. [14]
- السيناريو الثاني: يتمحور حول توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية؛ إذ أن تطوير الاتفاقيات وتوسيعها بضم أطراف أخرى إليها يحتل أهمية كبيرة في تحركات "نتنياهو" الخارجية. ومن المتوقع أن يتحرك على مسار يُركز على ضم دول إسلامية غير عربية إلى مسار الاتفاقيات، مثل إندونيسيا وتركيا، مُستغلاً حقيقة وجود اتصالات مستمرة منذ عامين بين إسرائيل والولايات المتحدة من جانب، وإندونيسيا من جانبٍ آخر، لضمها إلى تلك الاتفاقيات. وفيما يتعلق بتركيا، فإن أزمتها الاقتصادية قد تدفعها للانضمام إلى الاتفاقيات، خاصةً إذا تمكن "نتنياهو" من تقديم عرض مغرٍ لها، مثل استعداده لتطوير العلاقات المشتركة، التي تم استئنافها رسميًا في عام 2022، إلى آفاق أوسع اقتصاديًا وأمنيًا، وكذلك التوسط داخل "منتدى غاز المتوسط" لإيجاد صيغة تحقّق لأنقرة بعضًا من مصالحها وتؤدي إلى تخفيف التوترات الإقليمية في شرق المتوسط. [15]
- السيناريو الثالث: يعتمد هذا السيناريو على تطور الأوضاع في الأرض الفلسطينية المحتلة، ففي حال استمرت إسرائيل في التضييق على الفلسطينيين، فإن ذلك قد يؤدي إلى وقف العلاقات الرسمية الفلسطينية-الإسرائيلية وتفكيك السلطة الفلسطينية، ويقود إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل قد تتطور إلى انتفاضة ثالثة (في أثناء إعداد هذه الورقة 26 يناير 2023، أعلنت السلطة الفلسطينية من بين جملة من القرارات الأخرى عن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل؛ احتجاجًا على سياساتها واعتداءاتها ضد الفلسطينيين في جنين شمالي الضفة الغربية) [16]. هذا المشهد أو ما يعرف بـ "سيناريو الانفجار" سيُنتج رأيًا عامًا عربيًا ضاغطًا من أجل وقف التطبيع قبل أن تنضم إليه دول جديدة ويفتح على علاقات وتحالفات إقليمية مع إسرائيل.
خاتمة:
بقدر ما شكلت الاتفاقيات الإبراهيمية مدخلًا للتعاون بين إسرائيل والدول العربية الأربعة المنخرطة فيها، وما حققّته من مكاسب لهذه الأطراف مجتمعة- وإن بدرجات متفاوتة- خلال العامين الماضيين، إلا أن تشكيل حكومة "نتنياهو- الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل"، يطرح تحديات مهمة على الصعيدين الفلسطيني والعربي لجهة مطامعها وسياساتها التي قد تتسبب في تعميق الخلافات مع الدول العربية ووقف الاتفاقيات معها أو إبطاء مسارها على أقل تقدير، رغم محاولات الحفاظ عليها كصيغة شراكة بالمعاني الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي يستدعي تصدي الدول العربية- أطراف الاتفاقيات وسواهم- لهذه السياسات، لا سيما في ظل النفور الدولي من تركيبة الحكومة الإسرائيلية، وذلك بالعمل على خفض التوتر في المنطقة، كمقدمة للدفع بمسار السلام وتلبية تطلعات الشعب الفلسطيني، ومحصلة نهائية لاستقرار الاتفاقيات واستمرارها.
قبل 3 أشهر