عربي

قمة الاتحاد الـ 36 وأولويات التكامل الإفريقي - العربي

قمة الاتحاد الأفريقي الـ 36 في أديس أبابا، 18 فبراير 2023 (رسمي)

26-02-2023 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | د. إيمان زهران  


انطلقت أعمال القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي في 19 نوفمبر 2022، بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية ودول القارة الإفريقية، وذلك في إطار استمرار التزام جامعة الدول العربية الراسخ لتعميق العلاقة بين المنظمتين دعما للتعاون العربي الإفريقي الذي انطلق عام 1977، فضلاً عما تفرضه التطورات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية من ضرورة تكثيف العمل والجهود المشتركة لمواجهة التحديات التي تقوض الجهود التنموية العربية والإفريقية، وتوظيف الإمكانات القائمة لدى الدول الأعضاء في المنظمتين في شتى المجالات، بما يخدم الأجندة الوطنية للشعوب العربية والإفريقية. بالإضافة إلى طرح ما يمكن البناء عليه بالقمة العربية الإفريقية الخامسة في المملكة العربية السعودية والمزمع انعقادها بالعام الجاري، حيث يُعول عليها بإحداث نقلة نوعية في الشراكة الاستراتيجية والتكاملية بين المنطقتين العربية والإفريقية استناداً لجدولة الأولويات المشتركة، وهو ما سيتم تناوله بالنقاط التالية:  


تحديات مشتركة:  


فرضت التفاعلات القائمة بالنظام الدولي - على اختلاف مجالاتها - السياسية والأمنية والاقتصادية، المزيد من التحديات أمام الدول العربية والإفريقية، فضلاً عن نسق إدارة تلك التحديات وانعكاساتها المتباينة على المستويين الوطني والإقليمي، وذلك بالنظر إلى:  


- مكافحة "الإرهاب"  وقوى التطرف: تعاني كلا المنطقتين العربية والإفريقية من تصاعد أنماط "الإرهاب" وقوى التطرف، وهو ما دفع القاهرة خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي في 2019، لطرحها مبادرة "إسكات البنادق"، والتي تم إعادة النقاش حولها وطرح العديد من التوصيات والمقترحات، لاسيما وأنَّ "الإرهاب" أصبح يثقل منطقة حوض بحيرة تشاد (الكاميرون، ونيجيريا، وتشاد، والنيجر) جرَّاء نشاط جماعة "بوكو حرام"، والتهديد الذي تمثله حركة "الشباب" في الصومال، وكذلك منطقة الغرب الإفريقي، دون إغفال تصاعد أنماط التطرف "والإرهاب" بالعديد من الدول المأزومة عربياً وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي GTI - 2022، وفي مقدمتها وسوريا والعراق، دون إغفال التوترات الأمنية في كل من اليمن وليبيا. وهو ما يتضح بالنظر إلى الجدول التالي والموضح ترتيب أكثر عشر دول تأثراً بالإرهاب وفقا [1] لـ "مؤشر الإرهاب" العالمي GTI 2022:



أكثر عشر دول تأثراً بالإرهاب في 2022 (مؤشر الإرهاب العالمي)


- التجارة البينية: أكدَّت القمة السادسة والثلاثون على أهمية تسريع العمل بمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، إذ يُشكل ذلك المنطلق هدفًا استراتيجيًا لدول القارة السمراء، من أجل حشد الموارد اللازمة والخدمات في القارة والاستثمار بشكل مكثف في ظل تباطؤ التعافي من الآثار السلبية لجائحة كورونا على كافة المستويات الحيوية، فضلاً عن تنامي حجم الارتدادات المتباينة للحرب الروسية - الأوكرانية. وهو ما يتناسب مع أولويات الجامعة العربية في ظل هيكلة واعتماد مشروع لتطوير منطقة تجارة حرة عربية - إفريقية، والذي يُعرف بـ "جسور" [2]، حيث يسعى البرنامج لشجيع التدفقات التجارية والاستثمارية وتنميتها بين الدول العربية والإفريقية، وتطوير قطاع الأعمال، وتعزيز قدرة المصدّرين الحاليين وخلق جيل من المصدرين الجدد. [3]


- الأمن الغذائي: ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على ملف "الأمن الغذائي"، وما قبلها جائحة كورونا وتبعاتها بالإغلاق الكلي والجزئي للعديد من الدول واضطراب الإمدادات الغذائية عالمياً. وهو ما دفع بتوصيات مشتركة تدعم فرضية "فك الارتباط" مع الدول الأخرى في تأمين "ملف الغذاء"، وتسريع تطوير الزراعة الحديثة، وتعلم الخبرات المتقدمة من الدول المتطورة تكنولوجياً لتعزيز الإنتاجية الزراعية وتحسين الأمن الغذائي الإفريقي - العربي. وكسر حالة التبعية بخلق برامج مشتركة تجمع المنطقين على غرار "إعلان داكار لعام 2023 بشأن السيادة الغذائية والمرونة". [4]   

 

التغير المناخي وأزمات التمويل: نوقشت تلك الفرضية بـ "قمة الإتحاد" تأسيساً على استضافة مصر للدورة الـ 27 لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للتغيرات المناخية COP27، وما انتهت إليه من إطلاق مجموعة من المبادرات، ومنها دليل شرم الشيخ للتمويل العادل بالتعاون مع المنظمات الدولية ومجموعة البنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بنك التنمية الأفريقي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأمم المتحدة، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لاستخدام الدليل لدعم الدول النامية للحصول على التمويل لتنفيذ مشروعات لتغير المناخ، ومبادرة الغذاء والزراعة من أجل التحول المستدام FAST ، ومبادرة بشأن تغير المناخ والتغذية I-CAN بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة، ومبادرة الاستجابات المناخية لاستدامة السلام CRSP، ومبادرة انتقال الطاقة العادلة والميسورة التكلفة في إفريقيا AJAETI، ومبادرة تعزيز الحلول القائمة على الطبيعة لتسريع التحول المناخي (ENACT)، ومبادرة أصدقاء تخضير الخطط الاستثمارية الوطنية في أفريقيا والدول النامية، ومبادرة تعزيز الحلول القائمة على الطبيعة لتسريع التحول المناخي (ENACT) .. إلى آخره [5]. بالإضافة إلى تقييم القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي ومراجعتها للمبادرة المصرية التي تم طرحها إبان قمة "الجلاسكو - cop26" حول "المبادرة الإفريقية للتكيف مع التغيرات المناخية" والرامية لتمكين الدول الإفريقية من الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ إجراءات التكيف والتخفيف من آثار المناخ، والتأكيد على خطة للالتزام بمضاعفة تمويل "التكيف". فضلاً عن تكثيف الجهود نحو البناء المشترك الإفريقي- العربي حول ما يمكن طرحه من خطط الاستجابة والتكيف بقمة المناخ cop28 المزمع إقامتها بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال العام الجاري 2023.  


تنسيقات مُحتملة:   


أضفت القمة السادسة والثلاثين حالة من المراجعات السياسية والنوعية لحجم التحديات التي تواجه القارة الإفريقية وشركائها بالمنطقة العربية، ليحتوي خطاب القمة على عدد من التوصيات التي تؤسس لعمق التكامل وترسيم الأولويات الإفريقية العربية في ظل نظام عالمي يموج بالاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية، حيث:  


هيكلة "البنية التحتية": أولى التنسيقات الإفريقية – العربية، والتي تفرضها الترتيبات التنموية لكلا المنطقتين وفقا للأجندات الوطنية أو الإقليمية. إذ تتمتع دول المنطقة العربية بخبرة واسعة المجال في إقامة مشاريع البنية التحتية وتطوير سلاسل الخدمات اللوجستية مثل الموانئ وأنظمة السكك الحديدة والطرق والكباري، وهو ما ترغب في إنجازه دول القارة الإفريقية، ويعزز من تلك الفرضية امتلاك الدول للعمالة المدربة والرخيصة لإنجاز تلك المشروعات الحيوية والتي تتوافق مع الأجندة التنموية للاتحاد الإفريقي 2063.  


تعزيز فرضية "الأمن الغذائي": إذ تعتمد أغلب الدول الإفريقية على "المجال الزراعي" كأحد أهم المجالات الحيوية بالدول الوطنية. حيث تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا نحو 630 مليون هكتار، أي ما يعادل 21% من مساحة القارة. وتعتمد 50% من مساحة إفريقيا على النشاط الزراعي الذي يشكل 30% من الناتج المحلي الإجمالي. كما تحتوي القارة الإفريقية على 25% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، إلا أنها تنتج نحو 10% فقط من الإنتاج الزراعي العالمي، ولذا فهي تعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء وكذلك على المعونات الخارجية لأسباب عديدة منها عدم استغلال كثير من الأراضي القابلة للزراعة وانخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية لعدم تطبيق الأساليب الزراعية ونظم الري الحديثة [6]. فضلاً عن ضعف البنية التحتية خاصة الطرق والطاقة ووسائل التخزين، حيث فقدت أفريقيا نحو 50% من هذه المحاصيل نتيجة التخزين السيئ وضعف التسويق والاتصالات وانتشار الأمراض، مثل: الإيدز والملاريا والحمى الصفراء وغيرها [7]، وهو ما يُوجد مساحة للدول العربية يُمكن ملؤها عبر العديد من مسارات التعاون في إطار التكامل وترتيب الأولويات الإفريقية - العربية. 


الامتياز "الجيوسياسي": تتمتع جغرافية المنطقة العربية بميزة جيوسياسية تؤهلها لتشبيك كل الأطر الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين المنطقتين العربية – الإفريقية. خاصة في ظل رغبة كلا منهم في تنويع اقتصاداتها وتعزيز ثقلها الاستراتيجي في ظل اضطرابات التفاعلات الدولية كارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية على كافة المجالات الحيوية والاقتصادية. حيث يمثل التقارب الجغرافي ميزة نسبية لإنجاز أوجه التكامل الاستثماري والاقتصادي مقارنة بأطراف دولية أخرى. فعلى سبيل المثال: تم تدشين "مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، الذي تم الإعلان عنه في العاصمة السعودية الرياض في 6 يناير 2020، حيث يهدف إلى خلق فرص عديدة تعزز من أسس الأمن والاستقرار والتنمية الإفريقية - العربية في هذه المنطقة الحيوية من العالم. [8]


تأسيسا على ما سبق، فالقمة الإفريقية السادسة والثلاثين حظيت بأهمية نوعية وذلك بالنظر إلى، أولاً: كونها تأتي في ظل تكالب العديد من الأزمات الأمنية غير المسبوقة على إفريقيا، بما في ذلك أزمة الأمن الغذائي التي فرضتها ارتدادات الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة في مجال الحبوب والزيوت النباتية وغيرها بالتزامن مع التباطؤ بحالة التعافي الاقتصادي لجائحة كورونا. وثانياً: كونها تتزامن مع ذكرى مرور 60 عاماً على ولادة منظمة الوحدة الإفريقية 1962، وأكثر من 20 عاماً على تشكيل الاتحاد الإفريقي في عام 2002 بجنوب أفريقيا، وهو ما يتطلب معه مراجعة وتقييم لآليات الاندماج والتكامل على المستوى الإقليمي وعلى مستوى الشراكات بالأقاليم الفرعية الأخرى كإقليم الشرق الأوسط. وثالثاً: ما تسعى إليه بتوصيات "قمة الاتحاد" لإنجاز متطلبات التكامل الاقتصادي والتجاري القاري عبر الإسراع في تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية، فضلاً عن تعزيز نشاط "برنامج جسور" لزيادة وتيرة التدفقات التجارية والاستثمارية وتنميتها بين الدول العربية والإفريقية. 




متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


المراجع:

[1] Global Terrorism Index 2022, 1 Mar 2022

[2] Arab - Africa Trade Bridges (AATB) Program, 2022  

[3] كل ما تريد معرفته عن برنامج جسور التجارة العربية الأفريقية، موقع اليوم السابع.

[4]  ) Dakar 2 Summit - Feed Africa: Food Sovereignty and Resilience, African Development Bank Group, 25-27 January 2023

[5] مصر وقضية التغيرات المناخية، الهيئة العامة للإستعلامات، القاهرة.

[6]  د. مادى إبراهيم كانتى، العلاقات الخليجية- الإفريقية: الأولويات الفرص والتحديات، (أبو ظبى: مركز تريندز للبحوث والإستشارات).

[7]  د. عباس محمد شراقي، أربعة مجالات مهيأة للاستثمارات العربية في القارة السمراء ..الموارد الطبيعية في أفريقيا: الفرص والإمكانيات ومصالح دول الخليج ، موقع آراء حول الخليج.

[8] د.أشرف العيسوي، مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن: الفرض والتحديات، (أبوظبي: مركز تريندز للبحوث والاستشارات).




شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا