اللواء السعودي سلطان البقمي بصحبة وزير الدفاع وقيادات عسكرية يمنية خلال زيارة لمحافظة أبين، 2 مارس 2023 (رسمي)
09-03-2023 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
حظيت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة باهتمام بالغ في وسائل الإعلام خلال الأشهر الأخيرة، وكان يدور حديث عن المواقف والخُطى التي يتبعها البَلدان عقب كل لقاء أو قمة يُفترض أن تجمع بينهما. توجهّت الأنظار بشكل أوضح عندما غاب رئيس الإمارات "محمد بن زايد"، عن القمتين الخليجية-الصينية، والعربية- الصينية، في ديسمبر العام الماضي. ورغم أنّه بعث حاكم إمارة الفجيرة الشيخ "حمد بن محمد الشرقي"، للحضور ممثلاً عن الوفد الإماراتي، غير أن غيابه الملحوظ فتح تساؤلات عديدة عن أسباب ذلك. لحق ذلك بشهر، قمة قادة الشرق الأوسط، التي عقدت في أبوظبي يناير الماضي، وأثار غياب ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، بالمثل، جدلاً أوسع، في ظل حضور قادة مصر وسلطنة عمان وقطر والبحرين والأردن.
فسّر مراقبون ابتعاد مشاركة قادة البلدان في الأحداث التي استضافاها مؤخراً بأنّها كانت مقصودة، ونمّت عن توتر وخلافات حقيقية. تم رصد ذلك من خلال تغريدات من مؤثري وإعلاميي البلدين خلال الفترة الماضية. وقد ذكرت صحيفة "وال ستريت جورنال" الأمريكية، أن "التجاهل المتبادل كشف عن تصاعد حدة الخلافات بين البلدين الجارين الحليفين للولايات المتحدة، واللذان سارا على مدى سنوات بخطى متقاربة بشأن السياسة الخارجية للشرق الأوسط." وأكدت الصحيفة، أنه على الرغم من "أنّ السعودية والإمارات لا تزالان حليفتان بشكل رسمي، إلا أنهما تباعدتا على عدة جبهات، حيث تنافستا على الاستثمار الأجنبي والنفوذ في أسواق النفط العالمية واصطدمتا في تحديد اتجاهات حرب اليمن".
بدا جلياً أن ملف محافظة حضرموت، هو النقطة الفاصلة التي تقاطعت مصالح البَلدان عندها، وهو أمر لم يقتصر على مستوى الحلفاء الإقليميين لليمن، بل يتعداه للاهتمام الدولي. ذلك برز بشكل لافت في الزيارات الغربية المتكررة لعدد من السفراء لعاصمة المحافظة العام الفائت. فحضرموت تمثل ثقلاً استراتيجياً نظير موقعها المطل على بحر العرب والمحيد الهندي، فضلاً عن أهميتها كمصدر مهم من مصادر الطاقة في اليمن. وساهمت هجمات الميليشيا الحوثية على الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة، على إيجاد مبررات أخرى لتواجد أكثر من قوة عسكرية في المحافظة، بما فيها قوات أمريكية وفقاً لمصادر محلية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات.
مؤخراً، ظهر فيديو مسجل لنائب الرئيس الأسبق ورئيس الحكومة في عهد هادي، "خالد بحاح"، وهو يتحدث إلى شخصيات عسكرية ومدنية بمحافظة حضرموت، ويدعوهم إلى دعم السلطة المحلية والمنطقة العسكرية الأولى والثانية، لكونها، كما يقول، تشكل ركائز ما تبقى من الدولة. اللقاء المصوّر الذي ظهر به الأخير، أثار موجة غضب عارمة لكثير من الحضارم والجنوبيين بشكل عام، لكونه تحدث تحديداً عن الوقوف إلى جانب المنطقة العسكرية الأولى التي تعد بمثابة تهديد عسكري وأمني على حضرموت بالنسبة لهم. وقد خرج خلال الأعوام الأخيرة آلاف الحضارم في عدد من مديريات المحافظة للمطالبة برحيل هذه القوات التي يديرها حزب الإصلاح الإسلامي ، والتي يتهمونها بإيواء "عناصر إرهابية وجهادية"، وهو ما يهدد أمن واستقرار المحافظة ومناطق جنوب اليمن والأمن الإقليمي.
في صميم ذلك، كان أركان حرب المنطقة العسكرية الأولى "عامر بن حطيان"، قد قدّم استقالته من قيادة المنطقة مطلع مارس الحالي، وبرّر السبب بعدم تمكينه من تشكيل لواء عسكري لتنفيذ المهام المناطة به في فرض الأمن والاستقرار بالوادي. وذكر أن قيادة المنطقة العسكرية الأولى مبنية على الولاءات الحزبية- في إشارة لحزب الإصلاح- وتخضع لتوجيهاته، وتمارس اختلالات مالية وإدارية لم يُتخذ حيالها أي اجراءات. على الفور، صرّحت قيادة الهبة الحضرمية في بيان، أنّ الاستقالة جاءت لتؤكد ما كانوا يحذرون منه بالتعاطي مع أي حلول ترقيعية، من دون اجتثاث كامل لهذه القوات الجاثمة على تراب حضرموت والعابثة فيه، ذلك وفقاً للبيان. مضيفة، "أنَّ محاربة قوات المنطقة الأولى لابن حضرموت العميد عامر بن حطيان والذي جاء إلى المنصب بقرار رئاسي، تؤكد أن هذه القوات متمرّدة ولا تخضع إلا لأجندتها الخاصة."
أدى ظهور "خالد بحاح" في الآونة الأخيرة، وهو يقوم بدور جديد على الساحة الحضرمية، لإثارة تكهّنات عن سبب بروز الرجل بهذا التوقيت، وهو يصف القوات الجنوبية بالميليشيات، وإن كانت حكومية حد وصفه. رغم أن الدور الذي قامت به هذه القوى بما فيها "النخبة الحضرمية"، كان مؤثراً وكبيراً في طرد تنظيم القاعدة من المكلا ومديريات الساحل الحضرمي، وتأمين جغرافية واسعة من المحافظة. ضمن هذا المنطلق الذي يتحدث به "بحاح"، والذي يبدو أنّه ليس من تلقاء نفسه، فهو يكرّس لبقاء حضرموت تحت نفوذ سلطة عسكرية أضرّت كثيراً بالوادي والصحراء الحضرمية، ومن الواضح أنّه نفس التوجه الذي يقوده رجل الأعمال الحضرمي السعودي "بقشان"، والذي يعبّر بالمناسبة عن الموقف السعودي العام تجاه المحافظة. فالرياض تبحث عن شخصيات حضرمية لديها طموح سياسي وتلعب أدواراً من أجل ذلك، رغم أن "بحاح"، كان يحمل مواقف أكثر قرباً من المواقف الجنوبية وبالذات المجلس الانتقالي الجنوبي، تجاه الوجود العسكري الشمالي في المحافظة. كما يناقض ذلك موقفه السابق من قوات المنطقة العسكرية الأولى التي عبّر عن وجودها في حضرموت بالمشبوهة، واصفاً إياها بـ "قوات احتلال أفرزتها حرب 7 يوليو 1994".
من غير المستبعد، أن يتم الدفع بخالد بحاح كشخصية توافقية أمام أطراف الصراع للقبول به، إذا وجدت مرجعية سلام شاملة بما في ذلك الحوثيين. فقد حاول الرجل أن يلعب هذا الدور بعد الاجتياح الحوثي لصنعاء وبعد تدخل التحالف العربي. لا سيّما بعد أن قدم "جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مبادرته لإنقاذ مشاورات السلام اليمنية في 2016، التي تم تفسيرها بنقل صلاحيات الرئيس "هادي" إلى "بحاح"، ليتمكن من تشكيل حكومة وحدة وطنية مقترحة بالتوافق مع الحوثيين. وهي أحد الأسباب التي دفعت "هادي" للتسريع بإقالته، وتعيين بدلاً عنه "علي محسن الأحمر"، كنائب للرئيس. وقبل ذلك تم التوافق عليه في اتفاق "السلم والشراكة" 2014 من بين شخصيات كثيرة رُشِّحَت لرئاسة الحكومة، إذ رأت معظم الأطراف المتصارعة ذلك الحين في الرجل شخصية لا تمثل خطورة سياسية بما في ذلك الحوثيين، كما أنه حافظ على انتهاج دور لا يتبنى من خلاله موقفاً ثابتاً، فإما أن يكون في الوسط أو يكون قابل للتغيير.
لذا، يبدو أن "بحاح" الذي وجد نفسه بالصدفة عام 2006، في دائرة السياسية وتالياً في قمة الهرم السياسي، بعد أن كان يدير إحدى شركات رجل الأعمال السعودي "بقشان"، يريد العودة من جديد عبر بوابة حضرموت، ربما لمحاولة خلق تأثير داخل المجتمع الحضرمي. وهو توجّه سبقه به القيادي الحضرمي "عصام بن حبريش"، المتهم ارتباطه بحزب الإصلاح، والذي تمّت إزاحته من منصبه كوكيل المحافظة المساعد لشؤون مديريات الوادي والصحراء في سبتمبر العام الفائت. إذ من الواضح أن مواقف الرجلين باتت متقاربة، وتخدم التوجّه السعودي في المحافظة بصورة جلية.
في هذا التوقيت أجرت قيادات عسكرية سعودية لقاءات ميدانية متعددة في جنوب اليمن وبعض مناطق الحكومة في الشمال، شملت اللقاءات قيادات عسكرية من محافظة شبوة، غادرت المحافظة خلال أحداث أغسطس الماضي، واتهامها بعلاقتها بحزب الإصلاح ووقوفها في وجه المحافظ الجديد. كما زار قائد قوة الدعم والإسناد لقوات التحالف اللواء السعودي سلطان البقمي مناطق مواجهات مع الحوثيين شمالي محافظة أبين، بصحبة وزير الدفاع اليمني. وفي عدن التقى البقمي أيضا قائد قوات درع الوطن المشكلة حديثا، بشير المضربي. كما التقى أيضا بعضو المجلس الرئاسي، طارق صالح في المخا، عقب عودة الأخير من زيارة هي الأولى منذ بدء الحرب، يبدو أنّ الرجل تقارب فيها مع قيادات عسكرية وسياسية من حزب الإصلاح الإسلامي الذي تدعمه الرياض. وفي حضرموت، التقى محافظ المحافظة، في سيئون، بقائد غرفة التحالف في وادي وصحراء حضرموت، المقدّم السعودي علي المطيري، وبحضور قائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء الركن صالح طيمس.
بالنسبة للرياض، إن بناء مقاربة نفوذ سياسي وعسكري في محافظة حضرموت جنوب اليمن، بصورة خاصة، يشكل أهمية بالغة، لكونها الدولة الإقليمية الوحيدة التي ليس لديها نفوذ عسكري عبر الحلفاء على الأرض، باستثناء تشكيلها مؤخراً لقوات "درع الوطن" التي يقودها رئيس المجلس الرئاسي "رشاد العليمي"، وهي إحدى الإشارات المتأخّرة التي استشعرها السعوديون وأرادوا من خلالها تصحيح المشهد العسكري بعد أكثر من ثمان سنوات على الصراع. فنظراً لأهمية حضرموت كشريط حدودي شاسع مع السعودية يمتد بأكثر من 700 كيلو متراً، وتسيطر عليه قوى مؤثرة ومقرّبة من الإمارات مثل "النخبة الحضرمية" والقوات العسكرية الجنوبية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، هو عامل أساس يقودها لأن تسحب من رصيد أبوظبي في المناطق الحدودية، ومحاولة التقليل من تأثير الإمارات على هذه المناطق، وإن كان على حساب تقوية نفوذ قوى سياسية وعسكرية تشكّل خطراً على تهديد وأمن المحافظة، ولم تكن متوافقة مع المصالح السعودية في اليمن بأي وقت.
وبغض النظر عن التفسيرات الأخرى لقيام الرياض بهذه التحرّكات مؤخراً، فهي ترى القوى الجنوبية بما في ذلك "المجلس الانتقالي الجنوبي" كطرف سياسي وعسكري رئيسي في الصراع، على أنّه طرف غير طيّع مثل بقية الأطراف اليمنية التي ربما تستجيب لرغبات السعودية في مجمل الأوقات بشكل سريع، بينما الانتقالي الجنوبي وإن كان يستجيب في بعض الأحيان، لكنه يُبطئ من رغباتها. وهو أمر حاولت السعودية العمل عليه منذ تشكيل الانتقالي الجنوبي، لكنّها لم تستطع من خلاله تقويض الأخير، وهو ما سبب لها معضلة في مسألة التأثير في الداخل، وبالذات في مناطق جنوب اليمن التي يسيطر عليها الانتقالي بما في ذلك العاصمة عدن، مقر الحكومة الشرعية حالياً.
في 7 مارس الحالي، التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي وعدد من أعضاء المجلس، مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، في الرياض، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أنّ اللقاء جاء تأكيداً على "دعم كل الجهود للتوصل الى حل سياسي شامل برعاية الأمم المتحدة لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في اليمن". غير أن الحلفاء المقرّبين من الإمارات وأعضاء مجلس القيادة الآخرين، وعلى وجه الخصوص العضوين الجنوبيين، رئيس المجلس الانتقالي "عيدروس الزبيدي"، وقائد قوات العمالقة الجنوبية "عبدالرحمن المحرمي" غابوا عن اللقاء، وهو ما تم تفسيره بوجود تصدع واضح في العلاقة بين السعودية والإمارات. برزت ملامحه بصورة أكبر من خلال تهميش الأخيرة من المحادثات المباشرة بين السعودية والحوثيين.
سيؤدي استمرار العلاقة الفاترة بين الرياض وأبوظبي كأطراف رئيسية ومؤثرة بشكل مباشر في الملف اليمني، إلى احتمالية أن يزداد التوتر وربما يصل الأمر لحد القطيعة، في ظل تصادم المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية للبلدين في المنطقة. وهو الأمر الذي ربما ينعكس بشكل تصعيدي في العلاقة السياسية بين الأطراف اليمنية المحلية، الأمر الذي قد يقود لصراعات مستقبلية محتملة. من شأن ذلك أن يعيق جهود عملية السلام الشاملة التي يطمح المجتمع الدولي بالوصول من خلالها إلى حل ينهي الحرب في اليمن. من الأجدى أنّ يتفادى البلدان الشريكان في الصراع اليمني، سريعاً، التداعيات التي نشأت عن التباين في المصالح والخطوات الانفرادية من كليهما، وعودتهما للتنسيق الفعّال في الملف اليمني تلافياً للإضرار بمصالحهما معاً لفائدة الخصوم الإقليميين الآخرين وفي مقدمة ذلك إيران.