مؤتمر المانحين وفرص دعم الاستجابة الإنسانية في اليمن

أطفال يمنيون - أسوشيتد برس

مؤتمر المانحين وفرص دعم الاستجابة الإنسانية في اليمن

التحليلات

الأربعاء, 15-03-2023 الساعة 01:18 مساءً بتوقيت عدن

 سوث24 | د. إيمان زهران  

أسفرت  الاضطرابات السياسية والأمنية بالداخل اليمني على مدار السنوات الماضية إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية على كافة مجالاتها، خاصة الصحية وما يتعلق بالعجز عن تلبية احتياجات الأمن الغذائي، وهو ما دفع بالمجتمع الأممي لترتيب كافة الأولويات الإنسانية والمجتمعية باليمن جنباً إلى جنب، للعبور الآمن نحو إنجاز متطلبات التسوية السياسية. وذلك بالنظر إلى ما دعا إليه مؤتمر المانحين - الذي عُقد في مدينة جنيف بسويسرا في فبراير 2023 - من إنجاز الاستحقاقات التالية التي مثلت الأهداف الاستراتيجية [1]  لعام 2023: 

- الهدف الأول:  يستهدف الحد من الوفيات بين النساء والفتيات والفتيان والرجال المتضررين من الأزمة اليمنية، من خلال تقديم المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة في الوقت المناسب، وذلك بعد أن تم تحديد انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والأوبئة والأمراض التي يمكن الوقاية منها.

-  الهدف الثاني:  يُبنى على فرضية مفادها زيادة وصول الأشخاص الضعفاء المتأثرين بالأزمة من جميع الأعمار، إلى الاستجابة متعددة القطاعات والحلول الدائمة، ودعم قدرة السكان المتضررين على الصمود من خلال الزراعة وسبل العيش وتوفير الخدمات الأساسية وغيرها من تدخلات الحلول الدائمة، وكذلك إنشاء مجموعة عمل الحلول الدائمة تحت إشراف المنسق المقيم للأمم المتحدة في اليمن.

- الهدف الثالث:  يتعلق بمنع وتقليل وتخفيف مخاطر الحماية والاستجابة من خلال بناء بيئة أكثر حماية، وتعزيز الامتثال للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتقديم المساعدة المبدئية.

ماهية مؤتمرات المانحين: 

تنبع فلسفة "مؤتمرات المانحين"، من خلال دعم الدول المأزومة فيما بعد مرحلة الصراع، والمساهمة في ترتيبات إعادة الإعمار وهيكلة البنية التحتية ومساعدة المتضررين صحيًا واجتماعيًا وإنسانيًا، وهو بالمغاير للحالة اليمنية حيث اهتم المانحون بدعم الأوضاع الإنسانية منذ بداية الصراع. كذلك لا يقتصر فقط على دول الصراع، ولكن كذلك على الدول المتضررة من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والبراكين. بالإضافة إلى ذلك، تحمل ماهية "مؤتمرات المانحين" شقين رئيسين، أحدهما إنساني يتعلق بالأدوار المتباينة للإغاثة، وآخر سياسي للتعبير عن مواقف الدول وتوجهاتهم الأيديولوجية. 

الجدير بالذكر، أن مؤتمرات المانحين تأتي بالمسار الموازي للمسار الأممي في إنجاز تعهدات التسوية السلمية، وذلك بالتركيز على الشق التنموي والاجتماعي عبر المساهمة في رفع المعاناة عن الشعب اليمني ودعم الجوانب الإنسانية والاقتصادية والتنموية، بما ينعكس على أمنه واستقراره المرحلي والمستقبلي. وهو ما يدفع بعدد من الملاحظات على ميكانزم مؤتمرات المانحين لـ "المسألة اليمنية"، وذلك على النحو التالي: 

- استناداَ إلى "وثيقة الاستجابة الإنسانية لليمن"، تتشارك الأمم المتحددة مع الدول المعنية لتنظيم "مؤتمرات المانحين" بصفة دورية سنوياً، كإحدى أهم الأعراف الدولية المتفق عليها بمكتب المنسق المقيم للشؤون الإنسانية [2]  بالشراكة مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى، وبالتنسيق مع المنظمات الدولية غير الحكومية وممثلي الجهات الحكومية الوطنية. 

- تُعزز مؤتمرات المانحين من خلق مسارات تنموية لإنجاز متطلبات الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وإنهاء متطلبات الأمن الغذائي والمائي والصحي والتعليمي، فضلاً عن المساهمة في النفقات اللوجستية وإعادة هيكلة البنية التحتية للدولة المأزومة أمنياً وسياسياً. 

- تتولى المنظمات الأممية تنفيذ توصيات "خطة الاستجابة الإنسانية" - بشكل محايد تماماً - بالشراكة مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المحلي، وذلك بالتعاون مع كافة الأطراف المنخرطة بالصراع القائم بما لا يتعارض مع قواعد ومتطلبات المانحين. [3] 

- ثمة إشكالية قيمية تواجه "مؤتمرات المانحين" ترتبط بفكرة "دورية الانعقاد"، وتنامي ما يُعرف بـ "إرهاق المانحين"، حيث تتضاءل مساهمة المانحين مع استمرار الصراع القائم دون التوافق على مسارات واضحة لإنجاز متطلبات التسوية السياسية، فعلى سبيل المثال: أعلنت الأمم المتحدة جمع 1.2 مليار دولار من 4.3 مليار كانت تستهدف جمعها لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية لمساعدة اليمن في 2023، وذلك خلال مؤتمر المانحين الذي نظمته حكومتا السويد وسويسرا بالشراكة مع الأمم المتحدة. [4] 

تحديات قائمة:  

ثمة عدد من التحديات التي تُحيط بميكانزم مؤتمر المانحين بما يضفي طابع التخوف من مدى فاعلية هذا الأمر مستقبلاً، وذلك بالنظر إلى ما تم ذكره مُسبقاً من عدد من الملاحظات، خاصة ما يتعلق بتداعيات ما يُعرف بـ "إرهاق المانحين"، وبالتزامن مع مُجمل التفاعلات الإقليمية والدولية وانعكاساتها المباشرة على فرص دعم الاستجابة الإنسانية في اليمن، وذلك على النحو التالي: 

- تحديات داخلية:  تتمثل تلك التحديات على مستويين، المستوى الأول: يُبنى على تعثر تطبيقات الإصلاح الاقتصادي للحكومة المعترف بها دولياً وما تؤول إليه الأوضاع الداخلية من عجز بالموازنة العامة، بما يحد من قدرتها على الوفاء بأغلب التزاماتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها، مثل: تمويل الخدمات العامة، ودفع مرتبات موظفي القطاع العام بشكل منتظم، فضلاً عن العجز عن توفير المخصصات الكافية لتمويل النفقات التشغيلية لمختلف التشكيلات العسكرية والأمنية التابعة لها، والحفاظ على مستوى جاهزية قواتها على امتداد ساحات المواجهة مع خصومها من جماعة الحوثيين. بينما المستوى الثاني: يتمثل في التحركات الحوثية المناوئة لكافة الجهود الأممية والإقليمية لإنجاز المسار التفاوضي، وترتيبات ما بعد الهدنة القائمة، والتحرك نحو التسوية السياسية وفقاً للتصورات الأممية، والمرجعيات ذات الصلة. [5] 

- تحديات إقليمية:  تُبنى تلك الفرضية على ما آلت إليه الأوضاع العالمية من إنهاك الدول الإقليمية الأكثر تعهدا بالمسألة اليمنية، كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتعثر التزاماتها بتعهدات سابقة لليمن، فعلى سبيل المثال: تعثر كلاً من الرياض وأبو ظبي عن الوفاء بمنحة الثلاثة مليار دولار عشية إعلان مجلس القيادة الرئاسي [6] ، نظراً لاضطراب الأوضاع الاقتصادية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن تباطؤ التعافي من الارتدادات السلبية لجائحة كورونا. 

- تحديات دولية:  تنصرف تلك التحديات إلى ما يتعلق بمآلات الحرب الروسية – الأوكرانية، وأبرز السيناريوهات الحاكمة لذلك الصراع بالنظر إلى انخراط كافة الأقاليم الفرعية – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- وانعكاس ذلك التداخل على عدد من الملفات ذات الأولوية، أبرزها : الملف الاقتصادي وحركة السياسات النقدية، والملف الغذائي وحركة سلاسل إمدادات القمح والحبوب الزيتية. فعلى سبيل المثال: عمدت دول الاتحاد الأوروبي بـ "مؤتمر المانحين 2023"، إلى تخفيض إسهاماتها المادية في دعم "برامج الاستجابة الإنسانية في اليمن"، مقابل تعزيز تحركاتها نحو دعم "المسألة الأوكرانية". فضلاً عن تباطؤ التعافي الاقتصادي جراء الموجات المتتالية لجائحة كورونا، بالإضافة إلى تصاعد قوى اليمين بالدول الغربية وأجنداتها الحمائية الرامية لتعزيز "سياسات الانغلاق" والانكفاء على الداخل.

تأسيساً على ما سبق، يأتي مؤتمر المانحين لإعادة النظر مرة أخرى في الفرص المتاحة لدعم الاستجابة الإنسانية، فضلاً عن تقييم الجهود القائمة، والبناء على التحركات السابقة، وذلك في ظل جُملة من التحديات على كافة المستويات الداخلية/ المحلية، والإقليمية النوعية، بالإضافة إلى تحدي تشابك التفاعلات الدولية وانعكاساتها المباشرة على إدارة الملفات المأزومة بالشرق الأوسط سياسياً وأمنياً وإنسانياً، وفي مقدمتها الملف اليمني. 


متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


المراجع:

[1] مؤتمر للمانحين حول اليمن يستهدف 4 مليار دولار، سكاي نيوز عربية، 4/2/2022. 

[2] الأمم المتحدة

[3] د. مطهر العباسي، اليمن في قبضة مؤتمرات المانحين، موقع خيوط، 13/4/2021. 

[4] عراقيل الحوثي عقبة أمام التمويلات.. تعهدات بـ 1.2 مليار دولار، موقع العين الإخبارية، 27/2/2023. 

[5] نص القرار رقم "2216" لعام 2015. 

[6] هل ينجح المؤتمر الدولي للمانحين في التخفيف من أسوأ كارثة إنسانية في اليمن؟، موقع سبوتنيك عربي، 27/2/2023. 

اليمن الأزمة اليمنية مؤتمر المانحين لليمن