الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (Getty Images)
16-03-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
رغم تعدَّد أطراف الأزمة في اليمن، احتفظت روسيا الاتحادية بعلاقات قريبة مع جميع هذه الأطراف كإحدى الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ورغم أنَّها لم تلعب دورًا مباشرًا في محطات الصراع وجهود وقفه، إلا أنَّ موسكو عبَّرت في أكثر من مناسبة على حرصها واهتمامها بالملف اليمني ودعم الحل السياسي.
وإلى جانب اعترافها وتعاملها مع الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، والعلاقات القوية مع جمهورية إيران التي تدعم الحوثيين، مثّلت موسكو، بشكل ملحوظ، أقرب عواصم القرار العالمي بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي. واستقبلت المدينة زيارتين قام بهما الزعيم الجنوبي عيدروس الزبيدي مرتين في مارس 2019 ويناير 2021.
وخلال الفترة الأخيرة، ومع تصاعد التوترات في العالم على وقع حرب أوكرانيا التي تحولت لحرب بالوكالة بين روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، وأزمة تايوان مع الصين الصاعدة إلى القمة الاقتصادية والسياسية العالمية، كان الملف اليمني إلى جانب ملفات إقليمية أخرى قد تلقت انتباها روسيا ملحوظا أكثر من أي وقت مضى.
وفتحت المصالحة الأخيرة بين العدوين اللدودين في الشرق الأوسط، السعودية وإيران، برعاية الصين، باب التساؤلات حول تأثيرات وانعكاسات الأدوار المتصاعدة للمعسكر الشرقي الجديد الذي تتزعمه بكين وموسكو على الملفات الصغيرة والكبيرة معًا، في ظل ما يبدو أنَّه توجه متسارع نحو عالم متعدد الأقطاب بعد عقود من انهيار الاتحاد السوفييتي وهيمنة الولايات المتحدة.
مواقف سابقة
في أغسطس 2016، أفشل فيتو روسي إصدار بيان لمجلس الأمن الدولي يدعو وفد الحوثيين وحليفهم صالح للتعاون مع المبعوث الدولي السابق لليمن إسماعيل ولد الشيخ، وتدخل مجلس الأمن في فرض مقترح اتفاق سلام في اليمن.
قبلها في أبريل 2015، كانت موسكو قد عارضت مسودة القرار الخليجي حول اليمن في مجلس الأمن الدولي الذي يستهدف قيادات الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالعقوبات وحظر السلاح، ولوحت باستخدام الفيتو.
وطالبت روسيا بفرض حظر السلاح على جميع الأطراف ويشمل ذلك الحكومة المعترف بها دوليا، قبل أن يمرر القرار لاحقا في مجلس الأمن الدولي. وفي مارس 2021، نقلت مصادر صحفية أنباء تفيد باعتراض روسيا على إصدار بيان لمجلس الأمن الدولي يدعو لوقف هجوم الحوثيين على مأرب الغنية بالغاز.
وبالتوازي مع هذه المواقف التي بدت في صالح الحوثيين، حرصت روسيا على اتصالها المستمر بالحكومة اليمنية عبر السفير فلاديمير ديدوشكين الذي تنقل بين عدن والرياض في أعوام الحرب الأولى، والقائم بأعمال السفارة الروسية في اليمن يفغيني كودروف.
وفي مارس 2019 ويناير 2021، أجرى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزبيدي زيارتين لموسكو بدعوة رسمية، مع وفود رفيعة المستوى من المجلس. وقال ناطق الانتقالي علي الكثيري آنذاك: "الزيارات التي أجراها الزبيدي إلى روسيا شكّلت تطوراً نوعياً في علاقة المجلس مع الأصدقاء في روسيا الاتحادية."
وكان السفير الروسي فلاديمير ديدوشكين قد صرح في سبتمبر 2018 بأهمية مشاركة جنوب اليمن في التسوية السلمية.
ورغم المواقف الروسية المُبكرة التي منعت خطوات دولية كبرى ضد الحوثيين، لم تكن الجماعة متحمسة للدور الروسي الذي يبدو أنَّه كان نابعا من خلاف موسكو مع الغرب وحليفتهم السعودية آنذاك أكثر مما هو موقف استراتيجي من موسكو لصالح المليشيا الشمالية على غرار دعم النظام السوري.
وفي مقابلة أجرتها صحيفة «الأخبار» اللبنانية في مارس 2018، مع زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، قال: "لروسيا حساباتها واهتماماتها وسياساتها. لسنا مراهنين عليها ولا معولين عليها. لعل نيران الأمريكي توقظ الدب الروسي من سباته الشتوي."
تصاعد الاهتمام
في 9 مارس الجاري، استقبل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، نظيره السعودي فيصل بن فرحان، في العاصمة الروسية موسكو. وأشاد لافروف، خلال الاجتماع بالعلاقات الدولية بين البلدين وما تبذله الرياض من جهود تجاه الأزمة في اليمن.
وأعرب لافروف عن تقدير موسكو لموقف الرياض "المتوازن" من الأزمة الأوكرانية وجهودها في صفقات مبادلة الأسرى. كما أعلن فيصل بن فرحان عن استعداد المملكة للوساطة في الأزمة الأوكرانية، في مؤتمر صحفي تحدث فيه أيضًا عن اليمن.
وقال بن فرحان: "هناك جهود متواصلة لإطلاق عملية سياسية بين الأطراف اليمنية. التنسيق قائم في الملف اليمني والأولوية هي وقف إطلاق النار، ووقف القتال بشكل دائم". وقبل هذه الزيارة، كان السفير السعودي محمد آل جابر قد وصل موسكو في 27 فبراير الماضي والتقى مبعوث بوتين للشرق الأوسط ودول أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف.
وقبل هذين اللقاءين، اجتمع بوغدانوف مع رئيس وفد الحوثيين المفاوض محمد عبد السلام، في 25 فبراير الماضي، بالعاصمة العمانية مسقط في خضم المحادثات التي تجريها السعودية مع الجماعة المدعومة من إيران.
وفي اجتماع طارئ، الخميس، أعلن الانتقالي الجنوبي عن زيارة لرئيس المجلس عضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي لزيارة، إلى موسكو، بدعوة رسمية. وقال البيان: "الزيارة تأتي في سياق العلاقات التاريخية المتميزة بين بلادنا وروسيا. منفتحون على مختلف الدول الصديقة للدفع بقضية شعب الجنوب بما يكفل الوصول إلى حل عودة الدولتين إلى حدود ما قبل 22 مايو 1990."
دور أكبر؟
يعتقد نائب الإدارة الخارجية للمجلس الانتقالي الجنوبي في روسيا، الدكتور محمد العفيفي، أنَّ روسيا بصدد الاضطلاع بدور أكبر في اليمن. وقال لـ "سوث24": "تسعى روسيا إلى بناء تحالفات وفتح قنوات اتصال واستباق التطورات. هناك أزمة دولية حتّمت على روسيا السعي نحو التأثير في أماكن جديدة."
وأضاف: " الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي الروسي مؤثر ولا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال في ترتيبات ملفات الصراع الساخنة في العالم ومنطقتنا تحديدًا. التحركات الدبلوماسية الروسية تضعنا أمام حقيقة مفادها أنّ الدور الروسي مهم وحيوي في اليمن، وزخم الزيارات الأخيرة لموسكو يؤكّد ذلك."
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي اليمني رياض الأحمدي لـ "سوث24": "في الوقت الراهنً، لا يُمكن فصل أيّ تحرك روسي في اليمن أو في غيره عن أجندة موسكو المرتبطة بصراعها مع الغرب وبأوراق النفوذ والعلاقات مع كلٍ من إيران والسعودية والإمارات وغيرها، كأطراف إقليمية فاعلة."
وأضاف: " روسيا حريصة على أن تكون قريبة من أيّ منطقة ساخنة بالصراعات السياسية والمسلحة، مثل اليمن."
ويرى الخبير السعودي، العميد حسن الشهري، أنّ التحركات الروسية واللقاءات مع ممثلين من الأطراف اليمنية "ليست مستغربة." وقال لـ "سوث24": "روسيا الاتحادية دولة عظمى، وقد بدأت منذ وقت مبكر في محاولة العودة إلى المنطقة. إنَّ وجودها في سوريا أبرز دليل على هذا التوجه."
وأضاف: "روسيا تتواجد في كثير من الدول الإفريقية، واليمن ليس طارئاً على السياسة الروسية، إذ إنّ إرث الاتحاد السوفيتي ما يزال واقعه موجوداً في اليمن الجنوبي، حتّى إن لم يكن بشكل مؤثر. ستبقي روسيا عينا على اليمن لموقعه الهام، حتى لو كان لا يمثل أولوية بالنسبة لموسكو الآن مع انشغالها بالحرب في أوكرانيا."
ومع ذلك، لا يعتقد الشهري أنَّ روسيا، هذه المرّة، "تستطيع القيام بدور فاعل في اليمن يتجاوز الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي."
ويعتقد رئيس منظمة "فكر للحوار والحريات"، عبد العزيز العقاب، أنّ "روسيا يجب أن تكون ضامناً مهماً في الملف اليمني؛ نظراً لعلاقاتها الجيّدة مع السعودية ودول الخليج العربي ومع إيران." وأضاف لـ "سوث24": "ما يعيق عمليات السلام في اليمن هو انعدام الثقة بين الأطراف المحلية وغياب الضامن الدولي المحايد."
وفي يوليو 2021، نشر مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" مقالة لمستشار البرلمان الروسي، ليونيد إيسايف، قال فيها: "يمكن القول إن تكلفة التورط الروسي في الشأن اليمني، سواء بإظهار المزيد من الفاعلية أو بما هو أكثر أي بالتدخل العسكري الصريح، أكبر بكثير من الفائدة المتوقعة."
وأضاف المسؤول الروسي: "موقف روسيا الحالي من الأزمة في اليمن يخدم المصالح الروسية قصيرة الأمد وطويلة الأمد على حد سواء. في الوقت نفسه لا شك أن جميع القوى الداخلية في اليمن، وكذلك دول الجوار، يرون أن موسكو يمكن أن تلعب دوراً شديد الأهمية في حسم هذا الصراع، لكن موسكو تكتفي بدورها الحالي الذي لا يشكل عبئاً كبيراً على مواردها."
اليمن بين روسيا والسعودية
أظهرت السعودية، التي لطالما اعتبرت حليفا استراتيجيا من بين الأقوى بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة، مواقف محايدة من الأزمة الأوكرانية والعملية العسكرية الروسية التي أعلنها بوتين في فبراير الماضي. وفي أكتوبر الماضي، أعلنت مجموعة أوبك+ التي تضم عمالقة النفط في العالم بقيادة موسكو والرياض خفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميًا، في ظل أزمة طاقة عالمية.
وجاءت خطوة أوبك بعد أشهر فقط من قمة جدة للأمن والتنمية بحضور بايدن وقادة عرب وخليجيين، فشل فيها الرئيس الديمقراطي بإقناع الرياض بزيادة إنتاجها للنفط، وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آنذاك: "السعودية لن تستطيع زيادة إنتاجها عن 13 مليون برميل يوميًا."
نُظر إلى قرار أوبك+ وموقف السعودية من أزمة أوكرانيا كمؤشرات على تغير سياسة الرياض نحو أفق أكثر براغماتية بدلاً من السياسة التقليدية القائمة على الجمود والروتين السياسي والدبلوماسي المعتاد. وفي ندوة نقاش أقامها مركز سوث24، أشار الباحث السياسي حسام ردمان إلى اعتقاده بأن السعودية بدأت تتجه شرقا نحو روسيا فيما يخص اليمن.
وبشأن هذا، قال الباحث الأمني والاستراتيجي السعودي، العميد الدكتور مطير الرويحلي لـ «سوث24»: "الملف اليمني لطالما كان حاضراً وبقوة في مختلف اللقاءات بين القيادتين الروسية والسعودية. نعول كثيراً على مُخرجات ونتائج الحرب الروسية الأوكرانية. هذا سيُحدد مصير كثير من العلاقات والقضايا والاهتمامات الدولية."
وأضاف: "تتمتع روسيا بتاريخ نظيف إلى حدٍّ كبير على عكس التاريخ الأمريكي الذي دعم حروباً ونزاعات ذهبت ضحيتها دول كثيرة وأصبحت هامشية وغير مؤثرة بسبب سياسة واشنطن."
ووصف العميد الشهري اللقاءات الروسية السعودية الأخيرة وما جرى فيها من نقاشات بشأن اليمن بـ "المهمة جدًا." وأضاف: "الشأن اليمني ليس يمنيًا فحسب؛ إذ إنّ اليمن تحت البند السابع. تبادل وجهات النظر لمحاولة الوصول إلى مقاربات وحلول لكل الأطراف الدولية المؤثرة مفيد جدّاً بشرط أن تتفاعل الأطراف اليمنية مع ذلك."
تأثير ومصالح روسيا
يعتقد المحلل السياسي القريب من الحوثيين، عبد الله الحنبصي، في حديث لـ "سوث24"، أنّ من أبرز المصالح الروسية في اليمن تخفيف الضغط الغربي في أوكرانيا عبر لعب دور في بؤر توترات أخرى في العالم مثل اليمن.
وانتقد الحنبصي الدور الروسي في اليمن سابقا، وقال: "لقد وضعت موسكو الاعتبار لمصالحها الاقتصادية مع السعودية والإمارات على حساب الاعتبارات الإنسانية في اليمن ومنها سكوتها في مجلس الأمن عن القرار 2216 [...]، كما ساعدت في تدمير الاقتصاد اليمني من خلال طباعة تريليونات الريالات من العملة المحلية دون غطاء."
"بالحديث عن المصالح الروسية في اليمن، علينا النظر بعمق إلى محددات السياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط"، قال العقاب. وأضاف: "وربط ذلك بالموقع الاستراتيجي الهام لليمن في مسار التجارة الدولية وفي مسار طريق الحرير، وفي سلامة الإمداد الغازي والنفطي العالمي."
وبينما يتفاءل المسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي محمد العفيفي بالدور الروسي تجاه قضية شعب الجنوب، ويعبر عن تطلع المجلس لشراكة مع موسكو، يعتقد الخبير السعودي مطير الرويحلي أنَّ التركيز الروسي سيكون حول "مصلحة الدولة اليمنية وإنهاء الصراع." وأضاف: "التأثير الروسي سيكون فعّالاً على الملف اليمني."
ويعتقد الخبير السعودي العميد حسن الشهري أنَّه "لا يُمكن تقييم موقف روسيا الاتحادية في جنوب اليمن ومع المجلس الانتقالي في هذه المرحلة."
ويلفت المحلل السياسي رياض الأحمدي إلى أنَّه "أياً تكن أجندة موسكو، فإنّ تحديد الموقف فيها لا يتعلق باليمن نفسه، بل بحسابات دولية واقتصادية كبيرة، بما فيها تصدير النفط". وأضاف: "لذلك لم نجد روسيا مثلاً تساند إيران في الملف اليمني، كما يزعم البعض، بل تحرص على أن يكون موقفها أكثر اتزاناً وقد يتغير تبعاً للتطورات."