السودان: من خُطى الحل السياسي إلى التصعيد العسكري

مطار الخرطوم الدولي بالسودان اليوم الأحد، 16 أبريل 2023 (الصورة: بلانيت لابز، عبر وكالة فرانس برس)

السودان: من خُطى الحل السياسي إلى التصعيد العسكري

عربي

الإثنين, 17-04-2023 الساعة 02:54 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | فريدة أحمد 

في  صبيحة 15 إبريل الجاري، بدأت اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا تزال مستمرة لليوم الثالث على التوالي، وسط محاولات متبادلة لبسط النفوذ في عدة مناطق داخل الخرطوم عاصمة البلاد وخارجها، حيث وصل البعض منها إلى القصر الجمهوري والمطارات والمواقع الحيوية. وعلى إثر تلك المواجهات سقط في اليوم الأول؛ 56 قتيلاً بين الجانبين بحسب بيان مركزية أطباء السودان، كما أصيب 595 شخصاً بين عسكريين ومدنيين. كما سجلت وفيات في مطار الخرطوم ومدينة أم درمان القريبة، وأيضا في مدن نيالا والأبيض والفاشر غربي الخرطوم.

يقود الجيش السوداني "عبدالفتاح البرهان"، الذي يترأس مجلس السيادة الانتقالي؛ المشكّل في مايو 2021 كمؤسسة تتولى السلطة بالاشتراك مع الحكومة المدنية منذ الإطاحة بالرئيس السابق "عمر البشير" عام 2019. وينوب البرهان في رئاسة المجلس "محمد حمدان دقلو" الملقب بـ "حميدتي"، والأخير يقود قوات الدعم السريع التي تشكّلت في وقت سابق من ميليشيا شبه عسكرية كانت تُعرف بـ "الجنجويد"، وقاتلت نيابة عن الحكومة السودانية خلال حرب دارفور. وقد أرسل "حميدتي" جزء من قواته للمشاركة في حرب اليمن ضد الميليشيا الحوثية في إطار التحالف العسكري بقيادة الرياض.

لم يكن التصعيد في السودان مفاجئاً، إذ سبقه عدة محطات للوصول ضمنياً لهذه النتيجة، كان أبرزها: إعلان البرهان حل الحكومة المدنية وفرض حالة الطوارئ في أكتوبر 2021، وتعهده بإجراء انتخابات في يوليو 2023. كما أنّ القوى السياسية الرئيسية في السودان كانت قد أبرمت "اتفاق إطاري" أواخر ديسمبر 2022، تضمّن استبعاد الجيش من السياسة وإصلاح قوات الأمن، وهو الاتفاق الذي رعته الآليتين الثلاثية المكونة من (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيقاد)، والمجموعة الرباعية المكونة من (الإمارات والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي). وكان من المفترض أن يتم التوقيع على الاتفاق في أوائل أبريل، ولكن التوقيع تأجل مرتين دون الإعلان عن موعد جديد حتى الآن.

في فبراير من العام الحالي، تصاعد الخلاف أكثر حول آليات ومواقيت وشروط الدمج، حيث اقترح الجيش إخضاع ضباط الدعم السريع للشروط المنصوص عليها في الكلية الحربية، ووقف التعاقدات الخارجية والتجنيد والابتعاد عن العمل السياسي، فيما اشترط الدعم هيكلة القوات المسلحة قبل الدمج، وتجريم الانقلابات العسكرية، وفرض الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية عبر البرلمان، ومراجعة وتطوير العقيدة العسكرية وتنقية القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من عناصر النظام السابق وأصحاب الأيديولوجيات. غير أن تصاعد الخلافات تسبب في تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي لنقل السلطة للمدنيين، وفقاً لما كان مقرراً الإعلان عنه مطلع أبريل الجاري.

وفي وقت لاحق من ليلة 12 أبريل، كان الجيش السوداني قد حذر من أنّ البلاد تمر بـ "منعطف خطير" بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم والمدن الرئيسية. خاصة وأن هذه التحركات تمت دون موافقة قيادة قوات الجيش أو مجرد التنسيق معها. وقد نشرت قوات الدعم السريع وحداتها في العاصمة وولاية مروي ومدن أخرى، ودخلت الخرطوم أكثر من 50 مركبة تابعة لها كما وصلت تعزيزات من دارفور غرب السودان، مما أدى في نهاية المطاف لاندلاع المواجهات العنيفة بين الجانبين.

يقول الصحفي والمحلل السياسي السوداني "محيي الدين جبريل" لمركز سوث24، إنّ "طبيعة الخلاف بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تعدّ استراتيجية وليست تكتيكية، والذي دفع بهذه الخلافات إلى السطح هو مسألة دمج قوات الدعم في الجيش، إذ يطالب الجيش بأن تكون مدة الدمج عامين، بينما يرى قادة الدعم السريع أن تكون المدة عشرون عاماً". ويضيف "جبريل"، هناك خمسة جيوش أخرى في السودان تتبع قادة الحركات المسّلحة ومنصوص على ترتيباتها الأمنية ودمجها في الجيش وفقاً لاتفاق جوبا للسلام الشامل في السودان 2020.

وبناءً على تصاعد الأزمة "بات الجيش السوداني يرى بأنّ قوات الدعم السريع تتمدد في الاستثمارات والاقتصاد؛ ولها علاقات سياسية واسعة في الداخل والخارج بإشراف أسرة (آل دقلو) التي ينتمي إليها (حميدتي)"، وهو الأمر الذي خلق صورة بأنّ هناك جهازين سياسيين وعسكريين في البلادـ كما أنّها لم تكن مسألة مرضية بالنسبة للجيش، ورأى أنّها ليست في مصلحة السودان استراتيجياً"، وفقا للمحلل السوداني. حيث "أصبح هناك تضارب في المواقف على مستوى السياسة الخارجية، كما أصبح لقائد قوات الدعم السريع علاقات دولية وعلاقات مع المحاور الإقليمية، وهو ما أدخل الجيش في معضلة كبيرة، وآخرها ملف إفريقيا الوسطى الذي تدخّلت فيه قوات الدعم السريع بمعزل عن الدولة". 

ردود الفعل 

توالت ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية بالشجب والاستنكار ودعوة الأطراف السودانية إلى ضبط النفس والعودة للحوار، وكانت القوى المدنية السودانية، التي وقّعت اتفاقاً مبدئياً لتقاسم السلطة مع الجيش وقوات الدعم السريع، قد دعت الجانبين إلى وقف القتال. وقالت في بيان: "ندعو قيادة القوات المسلحة السودانية والدعم السريع لوقف العداء فوراً وتجنيب البلاد شر الانزلاق لهاوية الانهيار الشامل".

وأعربت مصر وجنوب السودان عن استعدادهما القيام بالوساطة بين الأطراف السودانية. وعلى إثر انتشار مقطع فيديو مصوّر نشرته قوات الدعم السريع، وبحوزتها جنود مصريين كجزء من خطط التدريب المشترك المعلن مع القوات السودانية، علّق المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية على صفحته الرسمية بفيسبوك، بأنّ "القوات المسلحة المصرية تتابع عن كثب الأحداث الجارية داخل الأراضي السودانية، وتهيب القوات المسلحة المصرية الحفاظ على أمن وسلامة القوات المصرية". ورداً على ذلك، علّق قائد قوات الدعم السريع "حميدتي"، بأنّهم ملتزمين تماماً بأمن وسلامة الجنود المصريين، وسيبحثون مسألة إخلائهم مع الجانب المصري في أقرب وقت. وسبق ذلك بيان أصدرته وزارة الخارجية المصرية تطالب فيه كافة الأطراف السودانية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، حماية لأرواح ومقدرات الشعب السوداني الشقيق، وإعلاءً للمصالح العليا للوطن.

في ذات السياق، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن قلق المملكة البالغ جرّاء حالة التصعيد والاشتباكات العسكرية بين قوات الجيش والدعم السريع في جمهورية السودان، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس". ودعت المملكة المكون العسكري وجميع القيادات السياسية في السودان إلى تغليب لغة الحوار وضبط النفس والحكمة.  كما عبّرت بيانات إماراتية وقطرية عن قلقها لما يجري في السودان، وأكدت على ضبط النفس ووقف القتال بين المتحاربين، وتغليب المصلحة العامة وتجنيب المدنيين تبعات القتال.

دولياً، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن القلق البالغ بشأن الاشتباكات العسكرية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وحثوا الأطراف على وقف الأعمال العدائية فورا واستعادة الهدوء والعودة إلى الحوار لحل الأزمة الحالية في السودان. كما غرّد وزير الخارجية الأمريكي، "أنتوني بلينكن"، معلقاً على ما جرى في السودان، بأنّ الخارجية الأمريكية على تواصل مع فريق السفارة في الخرطوم، داعياً كل الأطراف إلى وقف العنف فورا وتجنب مزيد من التصعيد. وهو ما عبر  عنه بشكل موازي، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية، "جوزيب بوريل"، بدعوة الاتحاد الأوروبي "جميع أصحاب المصلحة والشركاء الإقليميين لإعادة عملية الانتقال إلى مسارها الصحيح". 

نحو التهدئة أم التصعيد؟ 

رغم دعوات التهدئة المتواصلة، غير أن المعارك بين الجانبين مازالت مستمرة والأوضاع الإنسانية في تصاعد بشكل مقلق. وقد اقترحت الأمم المتحدة بفتح مسارات آمنة للحالات الإنسانية لمدة ثلاث ساعات كل يوم بدءاً من الساعة الرابعة عصرا بالتوقيت المحلي 1400 بتوقيت جرينتش. ووافقت الأطراف على المقترح، غير أنّ الجيش أوضح بأنّه يحتفظ بالحق في الرد عند حدوث أي تجاوزات من قبل "الميليشيا المتمردة" حد وصفه. كما عقد كل من مجلس السلم والأمن الإفريقي وجامعة الدول العربية، اجتماعين طارئين بشأن السودان. وقرر رئيس المفوضية الإفريقية "موسى فقي محمد" التوجه فوراً إلى السودان، بحسب ما أفاد بيان رسمي، "للتحدث مع الطرفين بشأن وقف إطلاق النار". وهو ما يشير إلى أن هناك جهود دؤوبة إقليمية ومحلية من أجل التوصل إلى تفاهمات أو المساهمة بخلق أفق سياسي بين الجانبين المتقاتلين.

لكنّ المحلل السياسي "محيي الدين جبريل"،  لا يتوقع "حالياً أن تكون هناك فرصة لتهدئة طويلة الأمد، خاصة في ظل الاستقطاب الأمني الكبير الذي تقوده عدة أطراف، ويؤثّر بشكل مباشر على الطرفين المتقاتلين وعلى الاتفاق الإطاري". كما لا يمكن "التكهن بمستقبل هذا الاتفاق ما لم تصل العمليات الجارية الآن إلى بر واضح، فإذا انتصر طرف على آخر؛ سيكون لديه موقف بلا شك تجاه الاتفاق الإطاري سواء عبر استمراريته أو عدم نجاحه، فكلا القوتين تتوفر فيهما على الأقل مقوّمات الديكتاتورية إن لم نقل الشمولية العسكرية".

يبدو أنّ الإقليم والمجتمع الدولي يدعم عملية السلام في السودان وفقاً للآليات السابقة الثلاثية والرباعية، وكذلك "الترويكا" التي تشمل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والنرويج، والتي نسّقت عمليات سياسية عديدة من بينها اتفاق السلام الشامل في جنوب السودان 2005، وهي من هندست الاتفاق الإطاري الأخير، وفقاً للمحلل السوداني "جبريل".

لذا، من غير الواضح حتى الآن ما ستؤول إليه الأزمة الراهنة في السودان، في ظل مواجهات عسكرية مفتوحة زمنياً بين الجانبين، جاءت بعد أشهر طويلة من التأسيس لعملية سياسية من المفترض أنّها تقود البلاد نحو سلام شامل ودائم.كما لا يعرف، حتى الآن، حجم تأثير الصراع المندلع على علاقات السودان بجيرانها وفي مقدمتهم مصر، أو تأثيره على الموانئ السودانية المطلة على البحر الأحمر في ظل التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في المنطقة.


فريدة أحمد

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

السودان الجيش السوداني قوات الدعم السريع محمد حميدتي عبدالفتاح البرهان الخرطوم حرب السودان