15-08-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 7 أغسطس الجاري، أعلنت الولايات المتحدة وصول سفينتين حربيتين على متنهما أكثر من 3000 ألف جندي إلى البحر الأحمر. وقال الأسطول الخامس الأمريكي إن البحارة ومشاة البحرية دخلوا البحر الأحمر في اليوم السابق بعد عبورهم قناة السويس في تحريك معلن عنه مسبقًا من قبل وزارة الدفاع.
جاءت هذه الخطوة بعد شهر واحد من محاولة إيران احتجاز سفينتين تجاريتين في 5 يوليو الماضي في بحر عُمان، قبل أن تتدخل البحرية الأمريكية لمنع المحاولة. وقال الأسطول الخامس في بيان رسمي إنَّ القوات الأمريكية تدخلت لمنع محاولة استيلاء طهران على ناقلتين تجاريتين في حادثين منفصلين.
وتزامنًا مع وصول القوات الأمريكية، أطلقت مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران تهديدات بالصدام والحرب. قبل ذلك، كانت المليشيا قد أعلنت عن تجارب عسكرية بحرية بالصواريخ والزوارق في 31 يوليو الماضي في البحر الأحمر. وهدَّد وزير دفاع المليشيا محمد العاطفي باستهداف ما وصفه بـ "التواجد غير المشروع في المياه الإقليمية اليمنية".
فرضت هذه التطورات في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تساؤلات مُلَّحة حول ما قد تؤول إليه الأمور، وما إذا كانت القوات الأمريكية تمثل خطوة استباقية احترازية لمنع تحول مضيق باب المندب إلى نسخة مشابهة لمضيق هرمز، حيث تنفذ خلالها مليشيا الحوثيين رغبات طهران. كما تمتد التساؤلات إلى مدى التوتر الذي قد تشهده هذه المنطقة البحرية الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة.
حجم القوة الأمريكية
بحسب "المونيتور"، يجلب الانتشار العسكري الأمريكي الأخير طائرات إضافية ومروحيات ومراكب إنزال برمائية للانضمام إلى عشرات طائرات F-35 الأمريكية، بالإضافة إلى طائرات F-16 وA-10، ومدمرات الصواريخ الموجهة التابعة للبحرية التي وصلت بالفعل إلى المنطقة في الأسابيع والأشهر الأخيرة لتكثيف الدوريات المشتركة في مضيق هرمز وحوله.
وبحسب البنتاغون، فإن السفينة الهجومية البرمائية USS Bataan (LHD 50) "يمكن أن تحمل أكثر من عشرين طائرة ذات أجنحة دوارة وثابتة الجناحين، بما في ذلك طائرات MV-22 Osprey ذات الدوار المائل وطائرات هجومية AV-8B Harrier بالإضافة إلى العديد من سفن الإنزال البرمائية. كما "تدعم سفينة الإنزال أيضا عمليات العديد من الطائرات ذات الأجنحة الدوارة والمركبات التكتيكية ومراكب الإنزال البرمائية".
تشمل منطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي حوالي 26.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية، تضم الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي، ويشمل ذلك 3 مضائق استراتيجية هي مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.
ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، أحمد ناجي، أنَّ خطوة الدفع بهذه القوة "لها أهمية إضافية إلى جانب ما يتم تداوله، من أن الهدف هو تكثيف الحضور النشط بالقرب من خطوط الملاحة الدولية لحماية السفن الأمريكية، خصوصًا بعد الاتهامات الأمريكية لإيران بمصادرة السفن التجارية".
وقال لمركز "سوث24": "إنَّها تأتي في ظل حديث متزايد بأن إدارة بايدن تسعى لتخفيف تواجدها في منطقة الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي لا يبدو متوافقًا مع خطوة كهذه، إذ أن المنطقة ما زالت محتفظة بأهميتها الاستراتيجية بالنسبة للإدارة الأمريكية باعتبارها أهم مصادر الطاقة خصوصًا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية".
ويلفت الخبير إلى أن "هذه الخطوة تأتي أيضًا في ظل توقعات بخفض التصعيد مع إيران الذي تشهده المنطقة بعد الاتفاق الذي رعته الصين بين الرياض وطهران". مضيفًا: "هذا الأمر يشير إلى بقاء التوتر في المنطقة إذا لم تكن هناك صيغة شاملة لحل دبلوماسي يعالج المخاوف الدولية من إيران بحسب ما تراه واشنطن".
ويذهب المحلل السياسي نبيل الصوفي إلى أنَّ التحرك الأمريكي الأخير "مرتبط بانفجار الصراع في أفريقيا، وتصاعد مخاوف النزاع الدولي بشكل عام". وأضاف لمركز "سوث24": "منطقة البحر الأحمر هي توازن الرعب، إنَّها تضمُّ قواعد لكل دول العالم تقريباً".
أنشطة إيران والحوثيين
في 5 يوليو الماضي، حاولت سفينة إيرانية، في خليج عمان، الاستيلاء على ناقلة النفط التجارية "تي آر إف موس" [التي ترفع علم جزر "مارشال"]، والناقلة "ريتشموند فوييجر" [التي ترفع علم جزر "الباهاماس]"، بعد بضع ساعات من المحاولة الأولى، بحسب الأسطول الخامس الأمريكي.
وفي 6 يوليو، بررت إيران الموقف، وقالت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، إنّ ناقلة النفط "ريتشموند فوييجر" التي تحمل علم جزر الباهاما غيرت مسارها بعد اصطدامها بسفينة إيرانية. وقالت إنّ الحادثة نجم عنها 5 مصابين من أفراد طاقمها.
وأضافت: "السفينة الإيرانية طلبت الحجز الفوري على الناقلة المخالفة بالرجوع إلى السلطات القضائية. لاحقًا، أعلنت الوكالة عن صدور أمر من قبل النظام القضائي الإيراني بالاستيلاء على ناقلة النفط "ريتشموند فوييجر". وبناء على ذلك، وبحسب الوكالة، فإن "السعي للاستيلاء على ناقلة النفط مستمر، وقضية متابعة هذا الانتهاك ما زالت مفتوحة".
ووفقًا لتقرير القيادة المركزية الأمريكية الذي نقلته وزارة الدفاع، فإن إيران "هاجمت أو استولت على حوالي 20 سفينة تجارية منذ العام 2021".
وبعد تجاربهم العسكرية البحرية بالصواريخ والزوارق، التي زعم الحوثيون تنفيذها، استمر قادة من المليشيا بالتهديد طوال الأيام الماضية. وفي 10 أغسطس الجاري، وجه وزير دفاعهم محمد العاطفي برفع الجاهزية خلال اجتماع عسكري. وهدد أمس الاثنين باستهداف الجزر في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
قبل هذا، قال نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين حسين العزي في تغريدة له على موقع "إكس" [تويتر سابقاً]: "حرصاً على السلم والأمن الدوليين والحفاظ على سلامة الملاحة في البحر الأحمر يتوجب على القوات الأمريكية أن تبتعد عن مياهنا الإقليمية لأنَّ أي اقتراب [..] قد يعني بداية المعركة الأطول والأكثر كلفة في التاريخ البشري".
تهديدات الحوثيين أتت مع تصاعد مطالب الجماعة بالحصول على جزء من الثروات والموارد التي يتركز معظمها في جنوب اليمن لدفع رواتب موظفيها، مقابل إحراز أي تقدم أو انفراجة في عملية السلام.
منطقة استراتيجية
يؤكد الخبير العسكري المصري اللواء محمد زكي الألفي، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، على أهمية منطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن بالنسبة للولايات المتحدة. وقال لمركز "سوث24": "تواجد هذه القوات في الأساس يأتي نظراً لأهمية هذه المنطقة الاستراتيجية؛ لأنّ أمن واستقرار هذه المنطقة هو تهديد لأمن واستقرار المنطقة العربية بالكامل أو هذه المنطقة بالذات ذات الأهمية الاستراتيجية".
وأضاف: "إنَّها أحد الممرات المائية الاستراتيجية العالمية التي تشمل مجموعة من المضايق أو الممرات المائية الاستراتيجية، تبدأ بمضيق هرمز ثم باب المندب وقناة السويس وبنت داريا ثم مضيق جبل طارق. ويعتقد الألفي "أن الخطوة الأمريكية ناتجة عن التهديدات المستمرة التي توجهها جماعة الحوثي إلى القوات البحرية الأمريكية".
ويؤكد الخبير المصري على خطورة أي تصعيد أو توتر في هذه المنطقة، مضيفًا: "في حقيقة الأمر، فإنّ أي تصعيد أو توتر في البحر الأحمر، سواءً كان من خلال باب المندب أو قناة السويس التي تمر منها 35% من المواد البترولية التي يحتاجها الغرب، وحوالي 14% من حجم التجارة العالمية، سيكون له تأثير سلبي ليس على الجانب الأمريكي فقط، ولكن على كافة الأطراف".
وأردف: "من هنا تأتي الأهمية في تأمين هذه المنطقة من خلال تواجد عدد من أساطيل الدول لتأمين المنطقة سواء كان في البحر الأحمر، بدءاً من شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس".
وفي هذا الاتجاه، يرى الخبير العسكري اليمني العقيد وضاح العوبلي أنَّ "اليمن بالنسبة لأمريكا وغيرها من دول المجتمع الدولي تمثّل نقطة تمركز جيوسياسي استراتيجي، من حيث إطلالتها المباشرة على أهم ممر ملاحي عالمي في البحرين الأحمر والعربي، وبينهما مضيق باب المندب الاستراتيجي".
وأضاف لمركز «سوث24»: "كل ذلك يجعل الاضطراب القائم في هذا البلد محل قلق لجميع الدول التي ترتبط مصالحها وسلاسل إمداداتها على النقل البحري بدرجة كبيرة، ناهيك عما يمثله الوضع الراهن في اليمن من مخاطر على منظومة الأمن الإقليمي والدولي".
تصاعد التوتر
يُقلل نبيل الصوفي من تهديدات مليشيا الحوثيين ضد الولايات المتحدة. مضيفًا "تصريحات الحوثيين السياسية ووعيدهم مجرد تهديدات بلهاء. قد يصل تهديدهم إلى القرصنة، لكنهم عاجزين عن المواجهة في البحر.. أستبعد أن يصل الأمر في البحر الأحمر إلى صراع مسلح، لأنَّ الجميع سيخسرون".
ويتفق الخبير العوبلي مع الصوفي على أنَّ الحوثيين "يدركون حدودهم جيداً". مضيفًا: "يستخدمون مثل تلك التهديدات للاستهلاك الإعلامي الداخلي. لو كانت واشطن تخشاهم فعلاً أو ترى فيهم أيَّ تهديد فعلي عليها، لأحاطت عملية التحرك بالسرية التامة، ولما كانت أعلنت تحرك سفنها البحرية أمام العالم أجمع".
ومع ذلك، يبدو أنَّ كل الاحتمالات لازالت واردة نظرًا للتصعيد العسكري الخطير الذي قام به الحوثيون أواخر العام المنصرم باستهداف موانئ النفط في جنوب اليمن والتسبب بإيقاف الصادرات النفطية حتَّى اليوم، لم يقابل هذا الإجراء الذي يقوّض الاقتصاد اليمني بأي موقف دولي أو إقليمي، وهو ما قد يجعلهم يذهبون إلى أي خيارات، دون مبالاة.