مهاجرون أفارقة في اليمن في تجمع للحوثيين بصنعاء، أكتوبر 2020 (وكالة سبأ الحوثية)
09-09-2023 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | وضاح العوبلي
بعد مشاركته في قمة (بريكس) الأخيرة المنعقدة في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، أدلى الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي"، فور وصوله مطار طهران، بتصريح قائلاً، إنّ "التصريحات والخُطب التي ألُقيت في قمة "بريكس" كشفت أن الدول الإفريقية تركز على حماية استقلالها، الأمر الذي جعل إيران وإفريقيا أقرب إلى بعضهما البعض، وتعززان من تنمية التعاون الاقتصادي ومكافحة الاستعمار". وأردف، "روح الصحوة قد خُلقت في إفريقيا كلها، وهذه الروح المناهضة للاستعمار انتشرت في القارة السمراء وكبار مسؤوليها". هذه التصريحات اللافتة للرئيس الإيراني، جاءت بلغة تفاؤلية ومتزامنة مع ما يجري من اضطرابات في عدد من دول إفريقيا، ذلك بالإشارة إليها في كلمتي (الصحوة)، و(مكافحة الاستعمار)، مما يجعل منها مشتركات مهمة للتعاون بين طهران والقارة السمراء.
من البديهي وفي ظل الوضع المضطرب في المنطقة والعالم، والذي تبدو حيثياته شبيهة بخطوات إعادة تشكيل نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب، أن يكون للقوى الدولية المتنافسة مشاريع وخطط لتحقيق بعض المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية عبر التحالفات والتموضعات في البيئات الدولية المضطربة والهشة. وبنفس القدر يجوز أن يكون للقوى الإقليمية مشاريعها وأهدافها. وقد برزت إيران كإحدى القوى الإقليمية التي امتد نفوذها من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، وهو نفوذ فرضته طهران خلال العقدين الماضيين مستفيدة من الأحداث والاضطرابات الدولية التي تلت أحداث 11 سبتمبر 2001، مروراً بالغزو الأمريكي لأفغانستان، ثم العراق 2003، وكذلك عقب أحداث الربيع العربي في 2011، وما خلقته من ظروف أمنية وسياسية مناسبة لترسيخ النفوذ الإيراني في سوريا واليمن.
وبناءً على التوجه الإيراني القائم على تصدير الثورة ومد الفكر الشيعي في المنطقة وبالتالي مد النفوذ السياسي والعسكري، فقد أثارت سلسلة الانقلابات الحاصلة في عدد من الدول الإفريقية؛ ابتداءً بالنيجر وليس انتهاءً بالغابون وما سبقها من صراعات في السودان، كثير من التساؤلات والهواجس عن مدى إمكانية أن يكون لإيران حضور في المشهد هناك.
إنّ وضوح التوجه الإفريقي الساعي للخروج من العباءة الغربية كما يظهر في تصريحات قادة الانقلاب في النيجر والغابون، هو موقف يُفهم منه بأنه يأتي في إطار الصراع والتنافس الدولي المحموم بين روسيا والغرب. وهذا جائز، بل ومنطقي إذا ما تمّ النظر إليه بالمعيار الدولي، غير أن وجود إيران كقطب إقليمي يتخذ ذات التوجه ويتفاعل معه؛ يفرض أن يوضع المعيار الإقليمي للأحداث، لاسيما أنَّ المنطقتين العربية والإفريقية كانتا ولا زالتا تمثلان مسارحاً لعمليات تنافس واستقطاب جيوسياسي محموم ومُهجن بالطائفية والمذهبية.
وحتماً تبرز أمامنا إيران كأحد أبرز أقطاب هذا التنافس على المستوى الإقليمي، اعتماداً على المذهب الشيعي الذي بدأت في ترسيخه كامتداد لها من خلال أذرعها الممتدة والموزعة بين العراق وسوريا ولبنان واليمن، بينما تمثّل السعودية وإلى جانبها الإمارات وعدداً من الدول العربية المنخرطة معهما؛ قطباً مماثلاً عن المذهب السني لمواجهة الامتداد الإيراني الشيعي. لطالما سعى القطب العربي بالدفاع الوجودي عن بلدانه وعن الأمن القومي العربي ككل أمام محاولات خطرة عديدة، استطاع من خلالها أن يخلق أمر واقعاً مغايراً مع بعض التداخلات الخارجية.
التوقيت
في الوقت الذي بدأت فيه بوادر التسويات تضع أحرفها الأولى بين قطبي (إيران والسعودية)، برزت على السطح اضطرابات إفريقيا، وبرزت معها كثير من مؤشرات الاستغلال الإيراني للمشهد هناك، الأمر الذي على الأرجح سيحوّل البلدان الإفريقية إلى بيئة توتر واستقطاب وتنافس جديد مع القطب العربي وأقطاب إقليمية أخرى منافسة، مما يقود مع الوقت إلى تهديد بتعثّر التسويات المبدئية أو ربما تعليقها.
بيئة مستساغة وعوامل مساعدة
يمكن أن يستخلص الباحث في تاريخ العلاقات الإيرانية الإفريقية إلى الاستنتاج، بأن لإيران أطماعاً قديمة متجددة في إفريقيا، وقد مرت علاقاتها مع عدد من الدول الإفريقية بمنعطفات متفاوتة تأثرت في بعض المحطات بالمناخ السياسي وتفاعلت معه صعوداً وهبوطاً، إلا أنها اتسمت بالانسجام بصفة عامة.
واقع الأمر، التحذيرات من النفوذ الإيراني في إفريقيا ليست جديدة، فقد نشر رئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية "إيلان بيرمان" مقالاً في صحيفة ناشيونال إنترست الأمريكية في 2021 بعنوان، (احذروا توسعات إيران في إفريقيا)، إذ حذّر حينها من التمدد الإيراني في إفريقيا، مؤكداً أن النظام الإيراني، يبني وجوداً إقليمياً مستداماً بإنشاء مراكز ثقافية واتصالات غير رسمية في جميع أنحاء القارة الإفريقية، مستفيداً من الجاليات اللبنانية المهمة والمتعاطفة الموجودة في مختلف الدول الأفريقية.
وبالربط بين كل ما سبق، نستطيع القول إنّ إيران تمتلك كثير من المحفّزات لمد نفوذها في إفريقيا، وهي تبدو عوامل مساعدة لنجاح دخول إيران للمشهد الإفريقي، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1-التحالف القائم بين إيران وروسيا والصين، وإمكانية استثمار طهران للنفوذ الروسي الصيني الراهن في إفريقيا وتطويعه لصالحها، إلى جانب استثمار إيران للإمكانيات الدبلوماسية والعسكرية والسياسية لروسيا والصين على المستويين الإقليمي والدولي، وجعل إمكانيات هذه الدول ركائز مهمة لنجاح المخطط الإيراني في إفريقيا.
2-شيعة ومتشيّعو إفريقيا الذين يمكن لإيران تحويلهم إلى نواة لمشروعها هناك، إذ تشير المعلومات بأنّ إيران أنشأت كثير من مراكز التشيع في عدد من الدول الإفريقية، والذي يصل عددهم في نيجريا بالملايين(.)، غالبيتهم عناصر في الجيش النيجيري الذي يغلب عليه طابع العقيدة الشيعية.
3-النفوذ الإيراني في اليمن من خلال جماعة الحوثيين، والتي تمثل مناطق سيطرتها المناطق المطلة على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، ما يمكن اعتباره قاعدة إمداد لوجستي وعسكري مُساند ومساعد لنجاح مشروع إيران في إفريقيا، خاصة في ظل توفّر تقارير عن تجنيد الحوثيين للمهاجرين الأفارقة لذات الهدف.
4-التوجه الإفريقي المعادي للغرب والساعي للخروج من تحت عباءته في هذه المرحلة، وهو توجّه يبدو في ظاهره وشعاراته منسجماً ومتناسباً مع التوجه الإيراني المعروف بممانعته للغرب وأمريكا. وهذا أحد المشتركات التي يمكن البناء الإيراني عليها مع الأطراف الإفريقية التي تتبنى نفس التوجه حالياً، ما يعزز من فرص إيران في ربط علاقات تعاون مشترك مع أطراف رئيسية في إفريقيا، بما فيها السلطات العسكرية التي فرضت سيطرتها على رأس السلطة في النيجر والغابون.
الموقف العربي
حتى الآن على الأقل، لم نشهد تحركاً أو اهتماماً عربياً بما يجري من اضطرابات في عدد من الدول الإفريقية، ولا زال التقييم العربي العام لما يجري من انقلابات واضطرابات في عدد من الدول الإفريقية، يأتي ضمن صراعات النفوذ بين روسيا والغرب. وهو بالفعل كذلك إذا ما أخضعناه للتقييم الدولي، غير أنّه بالمعيار الإقليمي مختلف تماماً، إذ تشير المعطيات بأن حظوظ إيران عالية ومرتفعة في الحصول على نفوذ أوسع في إفريقيا من خلال العوامل آنفة الذكر.
من المهم القول، إنّ مكاسب إيران في هذا الصراع ستكون أعلى من المكاسب الروسية الصينية مجتمعة، إذ تشير التقديرات بانحصار المكاسب الروسية في إفريقيا على الجانبين الجيوسياسي والعسكري؛ وبالمقدار الذي يمكنّها من ترجيح كفة ميزان القوى أمام الغرب وأمريكا، لكن مكاسب إيران ستذهب إلى أبعد من ذلك، بالنظر إلى مشروعها الثوري ونشر التشيع العقائدي والفكري. إذ ستعمل إيران على الاستفادة القصوى من العوامل المشتركة دينياً ومذهبياً وسياسياً مع شعوب الدول الإفريقية لتحقيق نفوذ مُستدام، وهو ما سيتيح لها التغلغل والنفوذ العميق وبالتالي تحقيق الاستفادة القصوى من كل الجوانب وعلى كافة المستويات وبكل ما تحمله من تفاصيل في المشهد الإفريقي القادم.
وبالمقابل، فإنّ هذه المحصّلة من النتائج المتوقعة، ستفرض على القطب الإقليمي المواجه لإيران سرعة التحرّك لوضع استراتيجياته، وقد يجد نفسه مضطراً للتعاون والتنسيق مع الغرب للعمل على إفشال التموضع الإيراني في إفريقيا، خاصة إذا ما مثّل ذلك في الاستراتيجيات الأمنية خطراً على الممرات الملاحية العالمية في باب المندب والبحر الأحمر من خلال التواجد الإيراني على ضفتي البحر الأحمر (اليمن وإفريقيا)، وهو تموضع جيوسياسي واستراتيجي خطير، يجعل خنق إمدادات العالم ممكناً وفي متناول اليد الإيرانية بأي لحظة، بل ويبدو من وجهة نظر بعض الدول الغربية أكثر خطراً من البرنامج النووي الإيراني العسكري.
إيران والحوثي وإفريقيا
أظهرت جماعة الحوثي الانقلابية، اهتماماً لافتاً بما يجري في إفريقيا، من خلال حديث ناطق حكومتهم ووزير إعلامها "ضيف الله الشامي"، عن تضامن جماعته وتأييدها لانقلاب النيجر، وهو الموقف الذي نشرته وكالة سبأ الرسمية للأنباء بنسختها الحوثية الصادرة من صنعاء.
تزامن ذلك مع دعوة أصدرها القيادي في الجماعة الحوثية وعضو مجلسها السياسي الأعلى "محمد علي الحوثي"، دعا فيها إثيوبيا لإرسال طائرة إلى صنعاء واستعداد جماعته لاستقبالها وتسليمها عدداً من جثامين الأفارقة الموجودة لدى جماعته. هذه الدعوات والبيانات الودية والتضامنية الحوثية لبعض الدول الإفريقية، جاءت بالمثل، مع تصريحات منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي ذكرت بأن "اليمن استقبلت ما يقارب من 86 ألف مهاجر إفريقي خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام 2023، وهو معدل كبير يضاف إلى إحصائية سابقة تفوق 200 ألف مهاجر إفريقي متواجدين في اليمن.
إذ إن أغلب المهاجرين هم من فئة الشباب، فقد تحدثت عدداً من التقارير عن حملات حوثية لتجميعهم والقبض عليهم في مناطق سيطرة الجماعة، وهو ما يعطي دلالات بأن هناك خططاً لتجنيدهم في معسكرات حوثية خاصة، في مسعى للزج بهم للمشاركة في الصراعات المحتملة في إفريقيا للقتال لصالح إيران. حيث أكدت رئيسة المنظمة الأورومية لحقوق الإنسان في تصريحات سابقة، بأن جماعة الحوثي تقوم بالتجنيد الإجباري للمهاجرين الأفارقة المتواجدين في نطاق سيطرتها، بل وأجبرتهم في مراحل عدة على القتال في صفوفها وجبهاتها المختلفة.
في المحصّلة، وإذا ما نظرنا إلى التوقيت وترابط التزامن لهذه السلسلة من الإجراءات والمواقف، فسنجد أنّها جميعاً جاءت فور بيان صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ادعت فيه قيام حرس الحدود السعودي بقتل عشرات الأفارقة أثناء محاولاتهم عبور الحدود اليمنية السعودية. وهذا البيان بحد ذاته بدا وكأنه إيعاز وتخويف موجه للأفارقة المتواجدين في اليمن للتخلي عن طموحاتهم بالوصول إلى السعودية، وبالتالي استسلامهم لدعوات التجنيد القائمة في مناطق الحوثي كمحطة أولى لإعادتهم إلى إفريقيا، ليكونوا أدوات عنف وقتال ضمن مشروع التوسع الإيراني المستقبلي في القارة السمراء.