التحليلات

تقييم حدود التقارب بعد زيارة الوفد الحوثي إلى الرياض

وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان يلتقي لأول مرة رسميا وفد الحوثيين في الرياض، 19 سبتمبر 2023 (رسمي)

19-09-2023 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


استضافت المملكة العربية السعودية وفداً من جماعة الحوثيين في الرياض، بعد تسع سنوات من الحرب في اليمن، وعدّت زيارة وفد مفاوض للجماعة المدعومة من إيران هي الأولى علناً منذ تدخّل التحالف العربي بقيادة السعودية. فحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، تم توجيه الدعوة للتوصل لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول من كافة الأطراف اليمنية. أتت الزيارة برفقة الوسيط العُماني بعد خمسة أشهر من زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء في إبريل العام الحالي، لبحث تثبيت الهدنة وإيجاد سبل للدفع باتجاه حل سياسي. إذ ساهم التقارب السعودي الإيراني بالرعاية الصينية في شهر مارس، على خفض التصعيد في اليمن وفتح قنوات للتواصل بين الطرفين الحوثي والسعودي.


ظاهرياً، تبدو النقاط المطروحة للنقاش تصب في الجانب الإنساني، من ذلك صرف مرتبات الموظفين وفقاً لكشوفات عام 2014، ورفع كافة القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، وفتح بعض الطرقات، وتبادل الأسرى والمعتقلين بما في ذلك المختطفين والمخفيين قسرياً. غير أن الحوثيين يطمحون من خلال اشتراطاتهم لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية. من ذلك وفقاً لمصادر، تثبيت وقف إطلاق النار بشكل دائم في أنحاء اليمن، بما في ذلك الغارات الجوية والهجمات العابرة للحدود، وإعادة تصدير النفط والغاز من الحقول اليمنية، وتوريد العائدات إلى أحد البنوك في دولة محايدة ومنها إتمام عملية الصرف عبر آلية تتفق عليها الأطراف، كما تتضمن المقترحات توحيد وإعادة هيكلة البنك المركزي اليمني ونقله إلى دولة محايدة بشكل مؤقت لتنفيذ مهامه.


سيكون لمسار تحوّل الدور السعودي من طرف رئيسي في الحرب وداعم للحكومة المعترف بها، إلى وسيط بين الأخيرة والحوثيين، آثار استراتيجية كبيرة على آفاق العملية السياسية المرتقبة في اليمن. وهذا الدور بدأ يتجلى فعلياً من خلال خفض الرياض تصعيدها مع الحوثيين منذ إعلان الهدنة في إبريل 2022، وتقليص دعمها للمساحات العسكرية في عدة جبهات، رغم الهجمات الحوثية المتكررة على مناطق في جنوب اليمن ومأرب. غير أنّه في المقابل، ورغم لعب الرياض لدور الوسيط، فهي انشغلت بتوسيع نفوذها العسكري والسياسي في الداخل اليمني، من خلال تشكيل قوات عسكرية (درع الوطن)، تتبعها بشكل مباشر ويقودها شكلياً رئيس مجلس القيادة الرئاسي "رشاد العليمي". وهو دور يتعارض مع دورها كوسيط لإنهاء الصراع. 


إضافة لذلك، فهي تحاول تعزيز نفوذها في المناطق خارج سيطرة الحوثيين؛ من خلال إنشاء كيانات جنوبية وفقاً لبناء ديمغرافي جديد مثل رعايتها تشكيل مجلس وطني حضرمي، تقوده شخصيات حضرمية لديها ارتباطات وثيقة بالمملكة وبالأحزاب السياسية اليمنية التقليدية ذات الخصومة الدائمة مع الجنوبيين، منها حزب الإصلاح الإسلامي. مما يوّلد انقسامات على الساحة السياسية الجنوبية، بعد مساعي من تجميع شتات هذه المكونات ومحاولة إنجاح جهود مؤتمر الحوار الجنوبي الذي أقيم في شهر مايو الماضي.


من المهم القول، إنّ رؤية الفاعلين الدوليين باتجاه عدم تشجيع الخيار العسكري لإنهاء الصراع في اليمن، ساهم بشكل كبير على أن تنحو الرياض للبحث عن خيارات بديلة. بما في ذلك بناء مقاربات مع إيران وتعميق العلاقات مع الصين وروسيا، بعد أن تراجع دور الإدارة الأمريكية الديمقراطية في الشرق الأوسط، وذلك رغم محاولات واشنطن الحثيثة للعودة والتأثير في المنطقة من جديد. وتبعاً لذلك، حيدت الرياض الحكومة الشرعية شيئاً فشيئاً عن مناقشاتها منذ أشهر مع الحوثيين بناءً على مقارباتها الإقليمية، ويبدو أنّها مازالت تستبعد وجود أي ممثلين عن المجلس الرئاسي والحكومة في أيٍ منها.


في كل الأحوال، قبول الحوثيين دعوة السعودية، يعني اعترافاً ضمنياً بالأخيرة كوسيط، وهذا الاعتراف بحد ذاته يقابله مكاسب لاحقة للطرفين، وهو ما يعتمد على الإجراءات التي سيتم اتخاذها من الآن فصاعداً. لكن بالنسبة لأولئك الذين يتوزعون بين الرياض وأبوظبي من السياسيين اليمنيين، تبدو الأمور مختلفة، فالخلافات مازالت متعمقة في أبسط القرارات الرئيسية، وحتى في شكل الدولة والأهداف المستقبلية لكل طرفٍ منهم. ويبدو أن الرياض لا تنظر إليهم في الوقت الراهن كجزء من المنافسة، خاصة وأنّهم يوافقون على كل خطواتها ويباركونها باستمرار.


إجراءات وليس ترتيبات


رحّبت الولايات المتحدة بوصول الوفد الحوثي إلى الرياض، عبر مستشار أمنها القومي "جاك سوليفان"، الذي أشاد بتقديم دعم واشنطن الدبلوماسي لجهود السلام بتنسيق مع الأطراف اليمنية والأمم المتحدة. كما رحبّت الحكومة اليمنية بجهود السعودية وسلطنة عمان لدفع مليشيا الحوثي نحو التعاطي الجاد مع دعوات السلام. وقد أكد المجلس الانتقالي الجنوبي، حرصه على تحقيق عملية سياسية شاملة ومستدامة تؤسس لحوار غير مشروط لضمان معالجة جميع القضايا وفي طليعة ذلك قضية شعب الجنوب ووضع إطار تفاوضي خاص لحلها كأساس لبدء جهود السلام. وفي ذات الإطار، رحبت دولة الإمارات بالجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان الشقيقتين لإحلال السلام في اليمن. 


تشي المواقف المرحّبة، بأنّ المرحلة قد لا تقود بالضرورة لاتفاق سلام شامل قريباً، إنما يبدو من خلال النقاشات المتواترة أنها ليست سوى (إجراءات) في إطار تعزيز بناء الثقة واستمرار الهدنة، وربما يقود الأمر في نهاية المطاف لإعلان إيقاف الحرب -وقف دائم لإطلاق النار- بتوقيع جميع الأطراف. لاسيّما وأنّ القضايا التي مازالت تُناقش لليوم قضايا فرعية مرتبطة بالملف الإنساني بدرجة رئيسية، ليس لها علاقة بالحل الشامل أو بشكل الدولة في المستقبل، وقد يكون ترحيب الأطراف السياسية المناهضة للمعسكر الحوثي بالمبادرة السعودية تحديداً، كان لمدى معرفتهم بأن القضايا الرئيسية التي تندرج تحتها الترتيبات السياسية والعسكرية، لم توضع على طاولة النقاش بعد. ذلك أكده اجتماع وزير الخارجية الأمريكي "انتوني بلينكن"، مع رئيس مجلس القيادة "العليمي"، ونائبه "عيدروس الزبيدي"، الذي دعا إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية يمنية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة. كما يؤكد الطرح السابق، مغادرة وفد الحوثيين، اليوم الثلاثاء للرياض وعودتهم إلى صنعاء دون التوصل لاتفاق معلن، وفقا لما ذهبت إليه بعض التوقعات. 


من وجهة النظر السعودية، فإنّ مناقشة الإجراءات التي تم التهيئة لها على مدى أشهر في سلطنة عمان، قد لا تتطلب تشكيل وفدا تفاوضيا في الوقت الراهن. خاصة وأنّ المتحدث باسم جماعة الحوثيين، "محمد عبدالسلام"، ذكر بأن أولويات جولة الرياض هي إحداث اختراق في الملف الإنساني. مع ذلك، قد لا يُقابَل تحقيق هذا الاختراق نوع من الضجة التي يمكن أن تصاحب للوصول إلى حل سلام شامل ونهائي في اليمن.


أمّا بالنسبة للجنوبيين، فإنّ أكثر ما يثير قلقهم يكمن في أن استبعادهم من التفاهمات الحالية مع الحوثيين، قد يقود إلى تهميش مشاركتهم في عملية السلام النهائية، وهذا أمر شديد الحساسية للشارع الجنوبي وللمجلس الانتقالي الذي ينظر لمشاركته كاستحقاق لا يمكن التنازل عنه في إطار قضية شعب الجنوب التي ناضل من أجلها. أما فيما يتعلق بالتفاهمات الإنسانية ووقف إطلاق النار، فإن الإشكالية الرئيسية لدى الجنوبيين تكمن في استخدام نفط الجنوب من أجل دفع الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين؛ ويشمل ذلك المقاتلين من مليشيا الحوثيين. غير أنّ هناك احتمالية أخرى مطروحة، تتمحور حول دفع الرواتب من خلال عملية استئناف تصدير النفط من حقول مأرب التي تسيطر عليها الشرعية اليمنية عبر الأنابيب الممتدة إلى ميناء رأس عيسى المسيطر عليه من قبل الحوثيين، خاصة بعد نجاح عملية استبدال الخزان المتهالك "صافر" بخران عائم جديد. 


مع ذلك يبقى السؤال الملح، من الذي سيبيع النفط؟ لأنّه في حال سمح الاتفاق للحوثيين ببيعه، فسيعني ذلك أنّ السعودية والجهات الدولية تكون قد غضت الطرف عن تقديم الحوثيين لأنفسهم كطرف شرعي، وذلك بالإخلال بالمركز القانوني للحكومة المعترف بها دولياً. لكن على الأرجح، ووفقاً لأنباء متواترة، قد تذهب إيرادات بيع النفط لبنك محايد تشرف عليه الأمم المتحدة، ومن خلاله يتم دفع الرواتب. إذ إنّ السعودية ساهمت بشكل كبير في دعم مشروع إنقاذ خزان صافر وإدخال خزان بديل عنه، وقدمت لذلك على دفعتين 18 مليون دولار، وهو الأمر الذي منع وقوع كارثة بيئية في البحر الأحمر، لكن الأهم سياسياً أنه هيأ من الناحية الفنية لإمكانية إعادة تصدير النفط من رأس عيسى.


الأمر الفني الآخر الذي تم التهيئة له قبل الزيارة الحوثية للرياض، هو شراء الخطوط الجوية اليمنية لطائرتي إيرباص من طراز 320 A،  أواخر أغسطس الماضي، والأرجح أنها ستغطي العجز في أسطول اليمنية إذا ما تقرر تسيير رحلات إضافية إلى وجهات عدة انطلاقاً من صنعاء. ورغم إعلان اليمنية عملية الشراء التي تفوق قدراتها المالية وعدم إعلانها عن مصادر التمويل، فإن المرجّح أن تكون السعودية قد موّلت شراء الطائرتين، لا سيمّا وهي تمتلك من رأس مال الخطوط اليمنية نسبة 49%. ولا يبدو أنّ الرياض تريد إظهار نفسها في واجهة العملية، حتى لا تبدو وكأنّها تقدم تنازلات أكثر للحوثيين.


تشكيل الوفد التفاوضي


بدت النقاط التي أشار لها التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية اليمنية في خطاب مفتوح، لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، بشأن جهود المملكة للدفع بميليشيا الحوثي نحو السلام، أكثر قلقا مما يجري في الرياض. إذ شدد خطاب القوى السياسية على ضرورة إشراكهم في رسم الحلول وعدم تغييبهم عن مجريات الأحداث المتعلقة بالمفاوضات. كما طالب البيان بتشكيل وفد التفاوض المشترك الذي يمثّل "الشرعية". 


ومطلع شهر سبتمبر دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، إلى الإسراع في تشكيل الوفد التفاوضي المشترك ليتولى مسؤولية إدارة العملية التفاوضية منذ بدايتها. جاء ذلك خلال لقاءه المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، في عدن.


على الرغم من اعتراض الرياض، في الوقت الراهن، على تشكيل وفد تفاوضي مشترك يمثل الحكومة اليمنية، وفقا لمصادر دبلوماسية تحدثت لمركز سوث24، من المهم التشديد على أهمية تشكيله قبل الخوض بأي نقاشات تخص القضايا المحلية، بما في ذلك تشكيل وفد تفاوضي خاص بقضية الجنوب، والبدء باختيار ممثليه على الفور. إذ يبدو أنّ تحفّظ الرياض الرئيسي بشأن تشكيل وفود تفاوضية تسبق التوقيع على إجراءات، لها علاقة بمخاوف عدم إنجاح العملية برمّتها. لكن السؤال الملح، هو فيما إذا كانت السعودية ستقدم تنازلات للحوثيين على حساب حلفائها في الحكومة المعترف بها، خاصة إن شمل ذلك اتفاقات لاحقة متعلقة بالتسوية السياسية.


إن التحدي الذي يواجه الجنوبيين في الفترة المقبلة وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي كونه الطرف السياسي والعسكري الأكثر تأثيراً في الجنوب، سوف يتلخص في التعامل مع الشركاء الإقليميين الإمارات والسعودية، وكذا الشركاء المحليين، وبالذات في حضرموت، خاصة مع تزايد تأثير الاستقطاب وتشتيت الجهود المحلية للتقارب. إذ على الأرجح أن الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، مع عدم حسم مسألة تشكيل وفد تفاوضي وحصص التمثيل فيه، سينقل الصراع إلى الجنوب بين مكونات الشرعية التي سيحاول كل منها توسيع نفوذه على الأرض لحسم التمثيل في النهاية خاصة مع حالة الاستقطاب الإقليمي، ولا شك أن ذلك سيخدم الحوثيين ويُهدد الإقليم في نهاية المطاف.


لذا، من المهم لكافة الأطراف وخاصة الجنوبية منها فتح خطوط للتقارب البيني واستخدام صيغ دبلوماسية أكثر حنكة وذكاء مما يُستخدم راهناً، ومع حلفائها الإقليميين. كما سيتعين على القادة السياسيين الجنوبيين، سرعة تشكيل وفد تفاوضي خاص بإطار قضية الجنوب، حتى لا يُصبح الجنوب كبش فداء للمقايضات الإقليمية، وحتى لا يفقد هؤلاء القادة حواضنهم الشعبية على الأرض، إن هم استمروا بتقديم مزيد من التنازلات أو سمحوا للآخرين بإقصائهم، في نهاية المطاف. 




المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا