التحليلات

عين على الرياض وأخرى على غزة: التصعيد والسلام في اليمن

رئيس المجلس الرئاسي في اليمن خلال لقاءه وأعضاء المجلس وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، أكتوبر 2023 (رسمي)

24-10-2023 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


يشي الحراك  الدبلوماسي المكثف الذي شهدته العاصمة السعودية الرياض بشأن الأزمة اليمنية خلال الأيام الماضية، بأنّ هناك تقدم في ملف الأزمة، وربما هناك اتجاهات تقود للدخول في مسارات عملية سياسية تنهي الحرب الممتدة في اليمن منذ تسع سنوات. 


إن تأكيد وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، على موقف المملكة بـ "تشجيع الأطراف اليمنية للتوصُّل إلى حلٍّ سياسي شامل ودائم تحت إشراف الأمم المتحدة، ينهي الأزمة اليمنية، ويحقق الأمن والسلام والتنمية لليمن"، يثبت بأنّ السعودية باتت منهكة فعلياً من حرب اليمن الطويلة، وترغب بالخروج من مأزقها  في أسرع وقت. لقد ظهر الدليل العملي على ذلك مؤخراً في مدى التزام الرياض بهدنة الأمر الواقع، وعدم ردها على الضربة التي نفذتها الجماعة الحوثية على الحدود السعودية في سبتمبر الماضي، والتي تسببت بمقتل وإصابة عدة  جنود من القوات البحرينية.


وإلى جانب اللقاءات التي أجراها كل من المبعوث الأممي هانز غروندبرغ والمبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ مع مسؤولين يمنيين وسعوديين وسفراء دول غربية في الرياض، ستوّفر هذه التحرّكات فرصة للمضي قدماً نحو حلول سياسية تنهي الحرب في اليمن، غير أنّ البوادر من جانب الحوثيين تشي بأن الجماعة غير مستعدة لذلك بعد. فعلى المستوى الداخلي، تمّ استهداف حياً سكنياً في مدينة تعز، أسفر عن مقتل فتاة عمرها 16 عاماً، وجرح آخرين، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط، عن مبادرة لوقف العمليات العسكرية في تعز، وإدارة مشتركة في المحافظة. 


تجادل السلطة المحلية في تعز بأنّ هذا نوع من المناورة الحوثية لتبرير استهداف المحافظة، فالحوثيون يتهربون من الوفاء بأبسط استحقاقات السلام المتمثلة بفتح الطرقات وتخفيف المعاناة عن أبناء تعز. من الناحية العملية، لا تبدو المبادرة التي قدمها الحوثيون منطقية، وتتناسب بصورة أكبر مع مراحل بناء السلام اللاحقة وليس الآن، وهو ما يعني قفز على الواقع الراهن وعلى كافة الاشتراطات التي تقدمها السلطة الشرعية. كما أن الحوثيين لم يثبتوا في سبيل ذلك بوادر مسبقة لحسن نية، فضلا عن فتحهم لأكثر من جبهة قتالية في مناطق بالضالع ومأرب وغيرها، في تحدٍ واضح لمساعي تثبيت الهدنة وجهود السلام التي يقودها الفاعلون الإقليميون والدوليون. 


أما على مستوى الخارج، فيبدو أنّ الحوثيين أصروا على أن تكون بصماتهم حاضرة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الراهن، وبالذات مع إعلان البنتاغون أن المدمرة التابعة للبحرية الأمريكية “يو إس إس كارني” في البحر الأحمر، تمكنت من اعتراض وإسقاط عدد من صواريخ كروز والطائرات المسيّرة التي ربما كانت متجهة نحو إسرائيل. وهو يتوافق مع التهديد السابق لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. المهم في التوقيت هو أنّ القصف تزامن مع زيارة لرئيس هيئة الأركان اليمني، صغير بن عزيز، لإحدى الجزر المقابلة لميدي على البحر الأحمر، بعد زيارته للولايات المتحدة ثم الرياض مؤخراً. وبحسب مصادر عسكرية تحدثت لمركز سوث24، فإنّ تقديرات الحوثيين ذهبت لتبرير زيارة بن عزيز لواشنطن، بأنّ لها علاقة بتسريبات مرتبطة بتنسيق أمريكي يمني للانتشار العسكري للتمهيد لنصب منظومة متقدمة مطلة على البحر الأحمر، بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية في غزة.


ومع إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن الهجوم المفترض ضد إسرائيل، تستغل الجماعة الانخراط في أزمات إقليمية ذات طابع قومي وديني، لكسب ولاء الجماهير المتضامنة مع فلسطين، بهدف تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على الأرض، في ظل احتمالية أن تضغط عليهم بعض الجهات الدولية والإقليمية في نهاية المطاف لإيقاف مثل هذه الهجمات. في الوقت نفسه، يبدو أن واشنطن تستفيد من الوضع لإثبات خطورة ما يمكن أن تواجهه قواتها في البحر الأحمر، وللبحث عن مبررات لإقناع الكونغرس من أجل الحصول على مزيد من الدعم لإسرائيل.


من المهم الإشارة إلى أنه لا توجد تقديرات دقيقة بالمدى الذي قد تصل له صواريخ الحوثيين. فوفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، فإنّ تصريحات الحوثيين تؤكد أنهم يمتلكون صاروخا موجها مصنوعا في إيران يسمى "طوفان" ويبلغ مداه 1350-1950 كيلومترا، وهو ما يكفي لضرب إسرائيل، حيث أن أقصر مسافة بين البلدين تبلغ حوالي 1580 كيلومترا. بينما يرى خبراء عسكريون إن أسلحة الحوثيين مازالت تقليدية، وأكبر مدى يمكن أن تصل إليه (400) كيلو متراً على الأكثر، ما يعني أنّها لن تصل لإسرائيل، لكن يمكن لها أن تعترض السفن المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر.


تمارس الولايات المتحدة ازدواجية معايير في كثير من الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط. ليس آخرها مواقفها بشأن ما يحدث بين إسرائيل والفلسطينيين. لكنّ الجزئية الأكثر ارتباطا بهذا التحليل، هو آلية تصنيف الجماعات المعادية لها في المنطقة. فهل تستطيع الولايات المتحدة التي رفعت الحوثيين من قوائم "الإرهاب" عام 2021، بحجة مساعي إنهاء الحرب في اليمن، إعادة تصنيفهم كجماعة "إرهابية"، كما تصنّف هي ودول أخرى؛ حركة "حماس" الفلسطينية كجماعة إرهابية؟


فالجماعتان تتبَنيان ذات الموقف الذي يعبّر عنه "محور المقاومة" الذي تموله وتدعمه إيران ضد إسرائيل والولايات المتحدة. هذا الأمر يمكن أن يضع الولايات المتحدة في محل شك؛ فيما إذا كانت تحتفظ بالحوثيين كمصلحة استراتيجية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وحتى يكون من السهل المقايضة بهم فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية في المنطقة، أو ربما من أجل تيسير مساعيها في توسيع دائرة التطبيع العربية مع إسرائيل، والذي على الأرجح أن الدائرة ستتأثر مع استمرار الحرب العنيفة على غزة. إذ لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه المواقف السياسية العربية في كل الأحوال، غير أن المؤكد، بأنّ تكثيف الصراع على المدنيين في غزة؛ سيغذّي مشاعر الجماهير المعادية لإسرائيل في المنطقة بصورة أوسع.


وبالعودة لليمن، سيكون ملائماً للرياض كسب مزيد من الوقت من أجل تجديد هدنة تحمي مصالحها الاستراتيجية، لذا، ستستمر في تيسير مثل هذه اللقاءات الدبلوماسية المكثفة، وستلعب دور الطرف الوسيط في المفاوضات بين الأطراف اليمنية. فقد بذلت جهوداً دؤوبة خلال الأيام الماضية من أجل التوصل لخارطة طريق من ثلاث مراحل، لإحداث تقدم في عملية السلام في اليمن بعد تسع سنوات من الصراع. كما أنّ مجلس القيادة الرئاسي أقرّ أسماء وفده المفاوض الذي سيجتمع مع الحوثيين في أي محادثات قادمة. ووفقاً لمصادر خاصة لمركز سوث24، فقد تمّ اتفاق أولي على عقدٍ يشمل عدداً من المبادئ لضمان وحدة مجلس القيادة، من بينها، تبني الأخير لـ "قضية شعب الجنوب وحلها وفق ما يقرره شعب الجنوب"، كما أقرّ مجلس القيادة، خطة ردع عسكري في حال رفض الحوثيون الدخول في مفاوضات أو ماطلوا. [وفي وقت لاحق علم مركز سوث24 من مصادر دبلوماسية يمنية أنّ أعضاء مجلس القيادة الرئاسي فشلوا في تحقيق توافق بشأن عدد القضايا، التي من شأنها أن توحد عمل المجلس، وعلى رأسها قضية الجنوب].


ورغم الجهود الكثيفة في هذا الإطار، يرفض الحوثيون الانخراط في مفاوضات (يمنية-يمنية) لإنهاء الصراع، وفقاً لمصادرهم الرسمية. ويعتبرون الإصرار على دفع السعودية بالشرعية إلى الواجهة، مؤشراً ثابتاً على انعدام جدية ما يسمونها بـ "دول العدوان"، في التوجه نحو سلام حقيقي وعادل، لأن محاولة فرض السلطة الشرعية بالنسبة لهم كطرف رئيس في المفاوضات، هي محاولة مكشوفة لتقديم السعودية كوسيط، وبالتالي السماح لها بالتنصل عن أية التزامات.


في المحصّلة، سترتبط النتيجة لهذا التطوّر بالأحداث الملتهبة في المنطقة، إذ على الأرجح سيدفع توسع الصراع في غزّة إيران لاستخدام الحوثيين لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما قد يؤدي بالضرورة إلى تهديد انهيار التهدئة الطويلة في الملف اليمني المستمرة منذ إبريل 2022، وسيقطع معه الأمل أو التفاؤل بأي تقدم في ملف التسوية السياسية. ينبغي النظر إلى إنّ احتمال انهيار التهدئة وتجدد المواجهات مع الحوثيين، سيدفع أطراف الصراع إلى محاولة إحداث تغيير على خارطة السيطرة على الأرض قبل الرضوخ لمساعي التهدئة مجدداً، يعيد معه تشكيل المشهد السياسي والعسكري في البلاد.




فريدة أحمد

المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا