التحليلات

النساء في اليمن بين المكانة التاريخية وقيود الحرب

الصورة لامرأة يمنية في أحد القرى الجبلية (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)

28-11-2023 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | بلقيس العبدلي


أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً لها في السادس عشر من ديسمبر 2019 بعنوان " اليمن أسوأ البلدان على النساء "[1]، وكان اليمن قد أدرج في عام 2017 كأسوأ مكان في العالم بالنسبة للمرأة وفقاً لتقارير أممية أخرى [2]، ذلك كله في الوقت الذي يعد فيه اليمن مجتمعاً قبلياً يحتكم للقواعد العرفية أكثر من احتكامه للقانون. تلك القواعد التي تعتبر النساء شرف القبيلة وتشدد على عدم المساس بهن، بل وتعد النساء في اليمن من الفئات "المهجرة" أي المحمية بقوة العرف القبلي، وتمتد حمايتهن لتشمل من أحتمى بهن ولو كان عليه قضايا ثأر. إذ يعد الاعتداء على النساء في العرف القبلي " عيباً أسود" [3]يستوجب استنفاراً اجتماعياً وعقوبات مشددة[4]، وتُعرف عقوبة الاعتداء على المرأة باسم “المربوع”، وتنص على تعويض مالي يساوي دية أربع نساء إذا كان الاعتداء غير [5]متعمد وتضاف عقوبة التشهير إذا كان متعمداً. 


قيادة تاريخية


يتحدث بعض الكتاب عن 11 ملكة حكمن اليمن [6] خلال تاريخه القديم، أبرزهن الملكة بلقيس بنت ملك سبأ الهدهاد بن شرحبيل الذي أجلسها على العرش من بعده نظراً لحكمتها وحنكتها القيادية العالية، وقد جاء ذكرها في الكتب السماوية دون أن يذكر اسمها صراحة. فالتوراة أشارت اليها بـ " ملكة سبأ" أو "ملكة تيمنا" أي "ملكة الجنوب" وأنها زارت النبي سليمان، وقدمت له هدايا ثمينة، والقرآن الكريم ذكرها بـ "امرأةً" [7] ذات ملك عظيم، بينما تتداخل آراء المؤرخين والإخباريين حول بلقيس بين القصة والأسطورة والتاريخ، بل وهناك من يقول منهم أن "بلقيس" [8] اسم جامع لعدد من الملكات اليمنيات حكمن مملكة سبأ، لكن جميعهم تقريباً يصفون فترات حكمهن بالازدهار والقوة ويصفون "بلقيس" بالحنكة والحكمة.

ناشطة يمنية ورئيسة منتدى آفاق التغيير


كما يعد مؤرخون الملكة (سيدة بنت أحمد الصليحي) الشهيرة بأروى من أعظم سلاطين الدولة الصليحية والتي تولت الحكم من عام 1085الى 1138 ميلادية[9]، بعد مرض زوجها المكرم وبسطت نفوذ سلطانها ونقلت العاصمة من صنعاء إلى جبلة بمحافظة إب حالياً، واشتهرت بالحنكة وشجعت على العلم وبنت المدارس وعبدت الطرق وخففت الضرائب، وتميز عصرها بالتسامح المذهبي والتعايش بين مختلف المذاهب الإسلامية، وذكر اسمها في مساجد المملكة ودُعي لها في خطب الجمعة وتسابق المؤرخون في تعداد مناقبها ولُقبت بـ "بلقيس الصغرى". 


بين الماضي والحاضر


تتباهى الكتب التاريخية اليمنية بالملكة التي كان يخطب بإسمها في خطب الجمعة وهي الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، كأحد أهم الأدلة على المكانة التاريخية للمرأة اليمنية، كما يذكر مؤرخون أخرون أن الملكة أروى لم تكن الملكة الوحيدة التي خُطب بإسمها في خطب الجمعة، فقد سبقتها عمتها الملكة أسماء بنت شهاب التي أدارت اليمن مع زوجها الملك الصليحي في القرن الحادي عشر الميلادي، وكانت تحضر المجالس العامة وتلقى خطبة الجمعة باسمهما معاً في جميع مساجد اليمن[10]، وفي عهد الدولة الرسولية اشتهرت الأميرات الرسوليات بتشجيع العلم ونشره، بل وتفوقن على الملوك الرسوليين من ناحية عدد المدارس التي قمن ببنائها، فقد بلغت عدد المدارس التي انشأتها الأميرات أربعة وثلاثون مدرسة مقابل عشرين مدرسة أنشأها الملوك على مدى أكثر من 230 سنة هي عمر الدولة الرسولية[11].


إلى اليوم لايزال جامع الملكة أروى قائماً في محافظة إب ولاتزال تقاسيمه العمرانية متماسكة، بل وأصبح معلماً دينياً وتاريخياً بارزاً، وفي مأرب يعد أيضاً عرش الملكة بلقيس أحد أهم المعالم التاريخية اليمنية على الإطلاق، وباسم أشهر ملكات اليمن سُميت العديد من المدارس والجامعات والشوارع والمحلات التجارية والشركات الكبرى في اليمن، وتعد " بلقيس، أروى وسبأ" من أشهر أسماء الإناث في اليمن وأكثرها انتشاراً، بل وتعد رمزية لأكثر الفترات التاريخية اليمنية التي يفتخر بها اليمنيون واليمنيات، وتدلل على مكانة من حكمن اليمن من النساء في الوعي الجمعي اليمني. غير أنّ وضع النساء في اليمن اليوم مختلف كثيراً، عن تلك الحقب التاريخية، ولا يعكس المكانة التي احتلتها المرأة اليمنية لعقود من الزمن، كما لا يعبر عن مكانتها في الأعراف القبلية التي شددت على حساسية التعامل معها.


وذلك على العكس من ملكات اليمن بعد الإسلام اللواتي كان يدعُى لهن ويُخطب بأسمائهن في منابر الجمعة، يتم اليوم مهاجمة حفيداتهن من على منابر الجمعة أيضاً في سابقة تعد غريبة على أعراف المجتمع اليمني وقيمه، ومن عليها أيضاً وجهت دعوات لفرض مزيد من القيود على النساء اليمنيات في شتى مناحي الحياة، بالأخص السياسية؛ تلك التي تعد إرثاً تاريخياً تتميز به النساء في اليمن عن غيرهن في كثير من بلدان المنطقة العربية منذ القدم.


"أصبح  من المهم دراسة الحالة اليمنية في الجنوب والشمال من الناحية الاجتماعية، لمقارنة دور ومكانة المرأة تاريخياً وأدوارها ومكانتها منذ اندلاع الصراع مع الحوثيين في 2014"


في 18ديسمبر 2022 تم تشكيل أول حكومة يمنية بدون نساء منذ عشرين عاماً[12]، وشهدت اليمن تراجعاً في المشاركة السياسة للنساء، وفرضت قيود مضاعفة على تنقل النساء وحرية حركتهن. وخلافاً للعرف القبلي اعتقل الرجال في اليمن من منازلهم وهم في حمى نسائهم وفتياتهم الصغيرات، وتم تفتيش أغراض النساء الشخصية وحقائب ملابسهن من قبل النقاط الأمنية في مناطق عدة. فبسبب ظروف الحرب تلجأ العديد من النقاط الأمنية إلى توقيف المركبات وتفتيشها حتى تلك التي تقل النساء، في ظل تراجع كبير في عدد النساء العاملات في القطاع الأمني. 


مقاربات


عادةً ما يقاس تقدم الأمم بمكانة النساء وأدوارهن، فكلما زادت المشاركة الفاعلة للنساء وصفت البلدان بالتقدم، وفي اليمن، في الوقت الذي وصلت فيه الجدات إلى سدة الحكم في الحضارات القديمة ودويلات ما بعد الدولة الإسلامية، تعاني راهناً الحفيدات من التهميش والإقصاء وضعف المشاركة السياسية في العصر الحديث.


في كل الأحوال، مهما تنوعت التقارير الدولية المتعلقة بحقوق النساء في اليمن، قد لا يتم الاستناد إليها بشكل مطلق، خاصة وأن النساء يدركن واقع الظروف اللاتي يعشنها، فما يتم انتهاكه اليوم ليست حقوق النساء في منظومة الاتفاقيات الدولية فحسب؛ بل ما يتم انتهاكه هي الأعراف والتقاليد والكثير من القوانين المحلية والوطنية الملزمة، لذا أصبح  من المهم دراسة الحالة اليمنية في الجنوب والشمال من الناحية الاجتماعية، لمقارنة دور ومكانة المرأة تاريخياً وأدوارها ومكانتها منذ اندلاع الصراع مع الحوثيين في 2014، للخروج بسلسلة معالجات طويلة المدى تعيد بناء الثقة بين القوى السياسية والدينية من جهة والنساء القياديات من جهة أخرى، لفتح المجال لمشاركة سياسية فاعلة تعيد للنساء اليمنيات أدوارهن القيادية وتسهم في الحفاظ على حقوقهن وحرياتهن دون تقييد كفاعلات رئيسيات في الحياة السياسة.


بلقيس العبدلي
رئيسة منتدى آفاق التغيير في اليمن، باحثة في مجالات النوع الاجتماعي وبناء السلام والوساطة المحلية

مراجع: 

[1]اليمن: من أسوأ البلدان في العالم للنساء (العفو الدولية)

[2] تقرير أممي: اليمن لا يزال أسوأ مكان للنساء في العالم (الشرق الأوسط)

[3] العيب الأسود كل جريمة يرتكبها الرجل وتنتقص من رجولته، ومن الرجولة في العرف القبلي تكافؤ القوة في المواجهة، بالتالي اعتداء الرجل على المرأة ينقص رجولته.

[4] عبد الرزاق الحطامي، العيب الأسود منظومة عقد اجتماعي يتعرض للتفكيك، السفير العربي، assafirarabi.com

[5] بلقيس اللهبي وريم مجاهد ووماغنوس فيتز، الأدوار غير التقليدية للنساء في المجتمعات القبلية ، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 6 فبراير 2022، sanaacenter.org

[6] نساء حكمن اليمن قديماً ، صحيفة 26 سبتمبر، 6يناير 2021، 26september.org

[8] بلقيس.. التاريخ والأساطير - الاتحاد للأخبار (aletihad.ae)

[9] جامع الملكة أروى بنت أحمد الصليحي التاريخي، أصداء يمانية 

[10] اليمن: صور المرأة في الحكايات التاريخية والثقافة الجديثة، رأي اليوم، raialyoum.com

[11] بشير زندال، نساء الدولة الرسولية وتاريخ من بناء المدارس في اليمن، المدنية، almadaniyamag.com

[12] عدنان الصلوي ، حكومة يمنية جديدة دون أي تمثيل للنساء للمرة الأولى منذ 20 عاما، مونت كارلو الدولية، 9 ديسمبر 2022، mc-doualiya.com

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا